ننشر نتيجة إنتخابات نادي محافظة الفيوم.. صور    تعيين الأستاذ الدكتور محمد غازي الدسوقي مديرًا للمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية    رئيس وزراء بلجيكا: لدينا شكوك بشأن منح أوكرانيا قرضًا باستخدام الأصول الروسية    محمود عباس يُطلع وزير خارجية إيطاليا على التطورات بغزة والضفة    فرانشيسكا ألبانيزي: تكلفة إعمار غزة تتحملها إسرائيل وداعموها    كأس العرب - مجرشي: لا توجد مباراة سهلة في البطولة.. وعلينا القتال أمام الأردن    ليتشي يتخطى بيزا بهدف في الدوري الإيطالي    الأهلي يتراجع عن صفقة النعيمات بعد إصابته بالرباط الصليبي    أحمد حسن: بيراميدز لم يترك حمدي دعما للمنتخبات الوطنية.. وهذا ردي على "الجهابذة"    بالأسماء.. مصرع وإصابة 8 أشخاص في حادث تصادم بزراعي البحيرة    إصابة 3 أشخاص إثر تصادم دراجة نارية بالرصيف عند مدخل بلقاس في الدقهلية    قرار هام بشأن العثور على جثة عامل بأكتوبر    بسبب تسريب غاز.. قرار جديد في مصرع أسرة ببولاق الدكرور    ياسمين عبد العزيز: أرفض القهر ولا أحب المرأة الضعيفة    الرعاة يدخلون التحدى.. وجائزة جديدة للمتسابقين    محافظ الدقهلية يهنئ الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم من أبناء المحافظة    إشادة شعبية بافتتاح غرفة عمليات الرمد بمجمع الأقصر الطبي    روشتة ذهبية .. قصة شتاء 2025 ولماذا يعاني الجميع من نزلات البرد؟    نائب رئيس الزمالك يكشف عن تحرك جديد في أزمة أرض أكتوبر    بعد واقعة تحرش فرد الأمن بأطفال، مدرسة بالتجمع تبدأ التفاوض مع شركة حراسات خاصة    عمرو أديب ينتقد إخفاق منتخب مصر: مفيش جدية لإصلاح المنظومة الرياضية.. ولما نتنيل في إفريقيا هيمشوا حسام حسن    مصدر من الأهلي ل في الجول: النعيمات خرج من حساباتنا.. وهذا الثنائي بدل منه    ياسمين عبد العزيز تكشف ضريبة الشهرة على حياتها الشخصية والعائلية    سعر جرام الذهب، عيار 21 وصل لهذا المستوى    انفجار غاز يهز حيا سكنيا بكاليفورنيا ويتسبب في دمار واسع وإصابات    صحه قنا تعلن موعد انطلاق الحملة التنشيطية لتنظيم الأسرة ضمن مبادرة بداية    الإسعافات الأولية لنقص السكر في الدم    مفتي الجمهورية يشهد افتتاح مسجدي الهادي البديع والواحد الأحد بمدينة بشاير الخير بمحافظة الإسكندرية    الرئيس الروسي يبحث مع نظيره العراقي علاقات التعاون    الجيش الأمريكي ينفذ طلعات جوية بمقاتلات وقاذفات ومسيرات فوق ساحل فنزويلا    المطربة أنغام البحيري تشعل استوديو "خط أحمر" ب أما براوة.. فيديو    السودان بين العواصف الدبلوماسية وتضييق الخناق الدولي على المليشيات وتصاعد الأزمة الإنسانية    الأرصاد تعلن انحسار تأثير المنخفض الجوي وارتفاع طفيف في الحرارة وأمطار على هذه المناطق    غلق مزلقان مغاغة في المنيا غدا لهذا السبب    الحلقة التاسعة من برنامج «دولة التلاوة».. الاحتفاء بالشيخ محمود على البنا    لجنة المحافظات بالقومي للمرأة تناقش مبادرات دعم تحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي    ليفربول ضد برايتون.. تفاصيل إنهاء الخلاف بين محمد صلاح وسلوت    تسليم "كنز صوتي" نادر لأحفاد الشيخ محمد رفعت بعد عقود من الغياب    نجوم الفن يتألقون في ختام مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2025 | صور    محافظ الإسكندرية: الدولة المصرية ماضية في مشروع التأمين الصحي الشامل    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 12ديسمبر 2025 فى المنيا    انطلاقة قوية للمرحلة الثانية لبرنامج اختراق سوق العمل بجامعة سوهاج |صور    محافظ أسوان يأمر بإحالة مدير فرع الشركة المصرية للنيابة العامة للتحقيق لعدم توافر السلع بالمجمع    اسعار الفاكهه اليوم الجمعه 12ديسمبر 2025 فى المنيا    هشام طلعت مصطفى يرصد 10 ملايين جنيه دعمًا لبرنامج دولة التلاوة    ناشيونال جيوجرافيك: الدعاية للمتحف الكبير زادت الحجوزات السياحية لعام 2026    الدورة 9 من المسرح الصحراوى تنطلق بمسرحية "البراق وليلى العفيفة"    سويلم: العنصر البشري هو محور الاهتمام في تطوير المنظومة المائية    ضبط المتهمين بتقييد مسن فى الشرقية بعد فيديو أثار غضب رواد التواصل    تكثيف الحملات التموينية بسوهاج وضبط مخالفات متنوعة في كافة الأنشطة    نقيب العلاج الطبيعى: إلغاء عمل 31 دخيلا بمستشفيات جامعة عين شمس قريبا    باسل رحمي: نعمل على استفادة كافة مشروعات الشباب الصناعية من خبرات جايكا    بتوجيهات الرئيس.. قافلة حماية اجتماعية كبرى من صندوق تحيا مصر لدعم 20 ألف أسرة في بشاير الخير ب226 طن مواد غذائية    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    عاجل- الحكومة توضح حقيقة بيع المطارات المصرية: الدولة تؤكد الملكية الكاملة وتوضح أهداف برنامج الطروحات    تحالف جديد تقوده واشنطن لمواجهة الصين يضم إسرائيل و4 آخرين    حمزة عبد الكريم: وجودي في الأهلي شرف عظيم.. وطموحاتي كبيرة في الفترة القادمة    كيف أصلي الجمعة إذا فاتتني الجماعة؟.. دار الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بشرى خلفان تروي التاريخ العماني
نشر في صوت البلد يوم 02 - 01 - 2017

تبدو الطفرة التي عرفتها الرواية الخليجية عموماً، كاشفة لكثير من الوقائع التاريخية والاجتماعية في منطقة ظل التراث الشعري غالباً على النتاج الأدبي لكتابها أكثر من أي نوع آخر، لذا ظلت قليلة تلك المرويات السردية التي تتعلق بالإنسان وعالمه اليومي بكل تفاصيله الحميمية والخاصة. لكن الحضور الروائي تكثف في السنوات الأخيرة مع ظهور مجموعة من الأعمال الروائية التي قدمت تأملها في الماضي والحاضر من وجهة نظر إبداعية شهدت تحولات سريعة، سواء مع ظهور النفط وما تلا ذلك من نهضة عمرانية وثقافية ملموسة لمنطقة الخليج العربي ككل، التي تمتد على مساحة جغرافية شاسعة ومتشابهة إلى حد ما في الظروف السياسية والاجتماعية والحضارية.
تمضي الرواية العمانية في هذا الطريق أيضاً، مع ظهور أسماء روائية برعت في تجسيد الواقع العماني بكل خصوصيته، وتقاطعاته المشتركة سواء مع الدول المجاورة أو الواقع العربي أيضاً.
من خلال رواية «الباغ»- أي البستان الذي فيه بيت باللغة الفارسية- تنسج الكاتبة العمانية بشرى خلفان حكاياتها بزخم شديد لتقدم تاريخ عُمان، منذ حقبة الأربعينات في القرن العشرين، وصولاً إلى منتصف السبعينات، وما ماج في تلك المرحلة من أحداث على مستوى الواقع العربي ككل، ومدى تأثير المركز على الأطراف، انتشار الأيديولوجيات الكبرى الشيوعية والقومية، المد الناصري، ثم نكسة 1967.
يتورط قارئ «الباغ» مع الأبطال منذ السطور الأولى ويردد معهم: «يا نوصل رباعة، يا يشلنا الوادي رباعة»، أي نعيش سوياً أو نموت سوياً. هناك راشد وأخته ريا اللذان يغادران قريتهما «السرائر» على ظهر ناقة في وقت الفيضان، بسبب ظلم أقربائهما، يمضيان معاً راشد بقوته وشدة بأسه، وريا الفتاة الشابة الجميلة خلف ظهره يربط بينهما حبل من الليف مخافة السقوط. انطلاقاً من هذا الحدث يبدأ المصير التراجيدي للأبطال، مصير لا يمكن التنبؤ به أو بتبعاته، حيث عقبات البدايات لا تكشف عما سيؤول إليه الغد؛ لكن ظل الحزن والغربة يخيمان على السرد الحافل بالأسئلة القدرية عن الاغتراب والزمن عن الظلم، عن الحب غير المشروط الذي يقدمه البعض فداء لحياة أناس آخرين.
بيت الوادي
يبدو النسيج الشخصي والحكائي لأبطال «الباغ» مألوفاً بالنسبة للقارئ، إنهم أناس من لحم ودم، يكادون أن يكونوا مرئيين في سلوكهم واختياراتهم التي تأتي منسجمة جداً مع بنيانهم النفسي والاجتماعي. في مسقط يتعرف راشد إلى رجل يلقب «بالعود» أي السيد، يستقبله في بيته هو وأخته، وتنتقل ريا للإقامة في جناح النساء مع «العودة» هناك تقرأ القرآن بصوت خفيض تميز العودة عذوبته فيروق لها سماع تلاوة ريا التي دخلت قلبها الذي ما تعود فتح بابه للعابرين. أما راشد فيعمل حمالاً في الميناء، يتعلم القراءة والكتابة على يد صديقه «علي» بعد أن كان يتحسر على جهله عاتباً على أبيه الذي خص ريا بعلومه ومعارفه، لكن مصير راشد يتغير تماماً بعد مشاجرة مع عمال الميناء الذين سخروا منه وتقدموا بشكوى ضده حيث يتم استدعاؤه «للبرزة» للحكم.
يتغير مصير راشد حين يصبح عسكرياً في حامية مسقط، يلبس القميص والبنطال الكاكي بدلاً من الدشداشة، يتعلم اللغة البلوشية من رفاقه العسكر ويكتسب خبرات ومعارف في القتال ما كان سيعرفها قط لو بقي في قريته، كل هذا سيؤدي به إلى تحولات كبيرة بخلاف ما كان عليه، هو الشاب الهارب من ظلم عمه الذي استولى على مشيخة أبيه، عمل حمالاً في الميناء، ثم صار عسكرياً، ليصبح في ما بعد ضابطاً على صدره النياشين، يقاتل الثوار ويطاردهم في جبال ظفار.
هذه التحولات الحياتية الكبرى لا تطاول ريا المجذوبة إلى المعرفة فقط غير المكترثة بالمال، تتزوج من علي صديق راشد، وتنجب منه ابنها الوحيد زاهر، تظل تتردد على بيت الوادي الذي احتضنها أول وصولها إلى مسقط، تتلو القرآن على مسامع العودة وتعلم الفتيات الصغار حفظ القرآن، ريا تصير معلمة تدخل البيوت فتنير قلوب فتياتها بالمعرفة، في المقابل تعلم العودة ريا كل ما تعلمته على مدار سنوات حياتها الطويلة، من خبرات طبية وعشبية تداوي فيها المريض والمحموم والمصاب. عالم ريا هو عالم النساء الصغير في سنوات الخمسينات والستينات، حيث البيت والكيان الأسري هو مركز الكون بالنسبة لمعظم النساء. إن هذا الواقع الخاص بالمرأة العمانية والذي تعمدت الكاتبة كشف كيانه الداخلي في كل تفاصيله يتقاطع إلى حد كبير مع وضع المرأة في بلدان عربية أخرى، خصوصاً في المناطق والبلدات البعيدة عن المدن والعواصم الكبرى.
رموز صغيرة
تضع بشرى خلفان في سردها رموزاً صغيرة ينبغي على القارئ الانتباه لها لأنها لا تأتي مجانية أبداً، مثل رؤية راشد في بداية عمله العسكري لقلعة «الجلالي» المستخدمة كسجن، ثم تأمل علم السلطان والعلم البريطاني يرفرفان في أعلاها، ومونولوجه الداخلي بأن بينه وبين الجلالي مسافة آمنة تبعده عن رعب ذاكرتها وحكاياتها، حكايات الذين دخلوا ولم يخرجوا منه أبداً، أو الذين خرجوا بأرواح وأجساد مشوهة. لكن سوف يدور الزمن بعد عشرين عاماً أو أكثر عند الثلث الأخير من الرواية، وبعد أن يصبح راشد ضابطاً كبيراً يحقق مع ابن أخته زاهر الذي انضم إلى ثورة ظفار، وتم حبسه هو ورفاقه في قلعة الجلالي مع خطوات القضاء على الثورة. تحفل الرواية بمثل هذه الرموز، كما صرة نقود راشد من بيع الناقة لحظة وصولهما مسقط التي تدفنها ريا تحت شجرة الدار وترفض لمسها، بل تخفيها عن زوجها علي، حتى اللحظة التي يحفر فيها زاهر تحت الشجرة ويجد المال، هذه الصرة تدور عليها الدوائر لحظة أن تحملها ريا وتذهب فيها إلى بيت أخيها راشد وتطلب منه أن يأخذها ليقدمها فدية عن حياة ابنها المسجون. لنقرأ: «أخرجت من تحت عباءتها كيس القماش، مدت يدها إليه، دموعها جمرات تهطل، تكسر صوتها في الرجاء، هذه قروش بنت الخواضة عطيتني إياهن وقلت ضميهن، تتذكر، خذهن... خذهن فدية عنه، مستجيرة بك أخوي، قول حالحكومة هذه فدية دمه».
تشغل انعكاسات الحروب والثورات مساحة مهمة في السياق السردي ككل بدءاً من التحاق راشد بالعسكرية، وقتاله القبائل دفاعاً عن السلطان سعيد، وانتهاء بالمشاهد الأخيرة والقضاء على ثورة ظفار عام 1972. تعتبر مدينة مسقط المسرح الرئيس للأحداث، مع وصف موجز لا يخل بالسرد للأماكن والعادات والتقاليد، أيضاً التنوع العرقي، حيث يوجد القادم من دول مجاورة في الخليج والقادم من الهند وباكستان وبلوشستان.
تبدو الطفرة التي عرفتها الرواية الخليجية عموماً، كاشفة لكثير من الوقائع التاريخية والاجتماعية في منطقة ظل التراث الشعري غالباً على النتاج الأدبي لكتابها أكثر من أي نوع آخر، لذا ظلت قليلة تلك المرويات السردية التي تتعلق بالإنسان وعالمه اليومي بكل تفاصيله الحميمية والخاصة. لكن الحضور الروائي تكثف في السنوات الأخيرة مع ظهور مجموعة من الأعمال الروائية التي قدمت تأملها في الماضي والحاضر من وجهة نظر إبداعية شهدت تحولات سريعة، سواء مع ظهور النفط وما تلا ذلك من نهضة عمرانية وثقافية ملموسة لمنطقة الخليج العربي ككل، التي تمتد على مساحة جغرافية شاسعة ومتشابهة إلى حد ما في الظروف السياسية والاجتماعية والحضارية.
تمضي الرواية العمانية في هذا الطريق أيضاً، مع ظهور أسماء روائية برعت في تجسيد الواقع العماني بكل خصوصيته، وتقاطعاته المشتركة سواء مع الدول المجاورة أو الواقع العربي أيضاً.
من خلال رواية «الباغ»- أي البستان الذي فيه بيت باللغة الفارسية- تنسج الكاتبة العمانية بشرى خلفان حكاياتها بزخم شديد لتقدم تاريخ عُمان، منذ حقبة الأربعينات في القرن العشرين، وصولاً إلى منتصف السبعينات، وما ماج في تلك المرحلة من أحداث على مستوى الواقع العربي ككل، ومدى تأثير المركز على الأطراف، انتشار الأيديولوجيات الكبرى الشيوعية والقومية، المد الناصري، ثم نكسة 1967.
يتورط قارئ «الباغ» مع الأبطال منذ السطور الأولى ويردد معهم: «يا نوصل رباعة، يا يشلنا الوادي رباعة»، أي نعيش سوياً أو نموت سوياً. هناك راشد وأخته ريا اللذان يغادران قريتهما «السرائر» على ظهر ناقة في وقت الفيضان، بسبب ظلم أقربائهما، يمضيان معاً راشد بقوته وشدة بأسه، وريا الفتاة الشابة الجميلة خلف ظهره يربط بينهما حبل من الليف مخافة السقوط. انطلاقاً من هذا الحدث يبدأ المصير التراجيدي للأبطال، مصير لا يمكن التنبؤ به أو بتبعاته، حيث عقبات البدايات لا تكشف عما سيؤول إليه الغد؛ لكن ظل الحزن والغربة يخيمان على السرد الحافل بالأسئلة القدرية عن الاغتراب والزمن عن الظلم، عن الحب غير المشروط الذي يقدمه البعض فداء لحياة أناس آخرين.
بيت الوادي
يبدو النسيج الشخصي والحكائي لأبطال «الباغ» مألوفاً بالنسبة للقارئ، إنهم أناس من لحم ودم، يكادون أن يكونوا مرئيين في سلوكهم واختياراتهم التي تأتي منسجمة جداً مع بنيانهم النفسي والاجتماعي. في مسقط يتعرف راشد إلى رجل يلقب «بالعود» أي السيد، يستقبله في بيته هو وأخته، وتنتقل ريا للإقامة في جناح النساء مع «العودة» هناك تقرأ القرآن بصوت خفيض تميز العودة عذوبته فيروق لها سماع تلاوة ريا التي دخلت قلبها الذي ما تعود فتح بابه للعابرين. أما راشد فيعمل حمالاً في الميناء، يتعلم القراءة والكتابة على يد صديقه «علي» بعد أن كان يتحسر على جهله عاتباً على أبيه الذي خص ريا بعلومه ومعارفه، لكن مصير راشد يتغير تماماً بعد مشاجرة مع عمال الميناء الذين سخروا منه وتقدموا بشكوى ضده حيث يتم استدعاؤه «للبرزة» للحكم.
يتغير مصير راشد حين يصبح عسكرياً في حامية مسقط، يلبس القميص والبنطال الكاكي بدلاً من الدشداشة، يتعلم اللغة البلوشية من رفاقه العسكر ويكتسب خبرات ومعارف في القتال ما كان سيعرفها قط لو بقي في قريته، كل هذا سيؤدي به إلى تحولات كبيرة بخلاف ما كان عليه، هو الشاب الهارب من ظلم عمه الذي استولى على مشيخة أبيه، عمل حمالاً في الميناء، ثم صار عسكرياً، ليصبح في ما بعد ضابطاً على صدره النياشين، يقاتل الثوار ويطاردهم في جبال ظفار.
هذه التحولات الحياتية الكبرى لا تطاول ريا المجذوبة إلى المعرفة فقط غير المكترثة بالمال، تتزوج من علي صديق راشد، وتنجب منه ابنها الوحيد زاهر، تظل تتردد على بيت الوادي الذي احتضنها أول وصولها إلى مسقط، تتلو القرآن على مسامع العودة وتعلم الفتيات الصغار حفظ القرآن، ريا تصير معلمة تدخل البيوت فتنير قلوب فتياتها بالمعرفة، في المقابل تعلم العودة ريا كل ما تعلمته على مدار سنوات حياتها الطويلة، من خبرات طبية وعشبية تداوي فيها المريض والمحموم والمصاب. عالم ريا هو عالم النساء الصغير في سنوات الخمسينات والستينات، حيث البيت والكيان الأسري هو مركز الكون بالنسبة لمعظم النساء. إن هذا الواقع الخاص بالمرأة العمانية والذي تعمدت الكاتبة كشف كيانه الداخلي في كل تفاصيله يتقاطع إلى حد كبير مع وضع المرأة في بلدان عربية أخرى، خصوصاً في المناطق والبلدات البعيدة عن المدن والعواصم الكبرى.
رموز صغيرة
تضع بشرى خلفان في سردها رموزاً صغيرة ينبغي على القارئ الانتباه لها لأنها لا تأتي مجانية أبداً، مثل رؤية راشد في بداية عمله العسكري لقلعة «الجلالي» المستخدمة كسجن، ثم تأمل علم السلطان والعلم البريطاني يرفرفان في أعلاها، ومونولوجه الداخلي بأن بينه وبين الجلالي مسافة آمنة تبعده عن رعب ذاكرتها وحكاياتها، حكايات الذين دخلوا ولم يخرجوا منه أبداً، أو الذين خرجوا بأرواح وأجساد مشوهة. لكن سوف يدور الزمن بعد عشرين عاماً أو أكثر عند الثلث الأخير من الرواية، وبعد أن يصبح راشد ضابطاً كبيراً يحقق مع ابن أخته زاهر الذي انضم إلى ثورة ظفار، وتم حبسه هو ورفاقه في قلعة الجلالي مع خطوات القضاء على الثورة. تحفل الرواية بمثل هذه الرموز، كما صرة نقود راشد من بيع الناقة لحظة وصولهما مسقط التي تدفنها ريا تحت شجرة الدار وترفض لمسها، بل تخفيها عن زوجها علي، حتى اللحظة التي يحفر فيها زاهر تحت الشجرة ويجد المال، هذه الصرة تدور عليها الدوائر لحظة أن تحملها ريا وتذهب فيها إلى بيت أخيها راشد وتطلب منه أن يأخذها ليقدمها فدية عن حياة ابنها المسجون. لنقرأ: «أخرجت من تحت عباءتها كيس القماش، مدت يدها إليه، دموعها جمرات تهطل، تكسر صوتها في الرجاء، هذه قروش بنت الخواضة عطيتني إياهن وقلت ضميهن، تتذكر، خذهن... خذهن فدية عنه، مستجيرة بك أخوي، قول حالحكومة هذه فدية دمه».
تشغل انعكاسات الحروب والثورات مساحة مهمة في السياق السردي ككل بدءاً من التحاق راشد بالعسكرية، وقتاله القبائل دفاعاً عن السلطان سعيد، وانتهاء بالمشاهد الأخيرة والقضاء على ثورة ظفار عام 1972. تعتبر مدينة مسقط المسرح الرئيس للأحداث، مع وصف موجز لا يخل بالسرد للأماكن والعادات والتقاليد، أيضاً التنوع العرقي، حيث يوجد القادم من دول مجاورة في الخليج والقادم من الهند وباكستان وبلوشستان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.