جامعة كفر الشيخ الأهلية تعلن المصروفات الدراسية للعام الأكاديمي 2025-2026    قطار النصر للسيارات أنطلق وتصنيع 7 سيارات كهربائية و50 ألف جنيه دعم حكومى    40 نائبًا أمريكيًا في رسالة إلى روبيو وويتكوف: السعي لوقف النار بغزة أولوية    الأهلي يواجه بتروجت الأحد المقبل في أخر بروفات الإستعداد للدوري    بنتايج يواصل تدريباته التأهيلية في مران الزمالك    الداخلية تكشف تفاصيل ضبط بلوجر زعمت أنها "بنت الرئيس مبارك" وشهرت بفنانة    قبل رمضان صبحي.. قصة اتهام مصطفى محمد بتزوير الامتحانات أثناء وجوده مع منتخب مصر    وفاء عامر وأزمة شيكا    بعد أزمته مع نجم كبير.. تامر حسني يعلن تصدره تطبيق "أنغامي"    ما حدود تدخل الأهل في اختيار شريك الحياة؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    أمين الفتوى: الشبكة ليست هدية بل جزء من المهر يرد في هذه الحالة    التريند الحقيقي.. تحفيظ القرآن الكريم للطلاب بالمجان في كفر الشيخ (فيديو وصور)    الداخلية تكشف ملابسات فيديو مشاجرة المطرية في القاهرة    وزير الثقافة: احتفالية كبرى بدار الأوبرا لتكريم الفائزين بجوائز الدولة    النائب إيهاب منصور يتقدم بسؤال عاجل للحكومة بشأن الانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه في الجيزة    مدرب سلة الأهلى الجديد يصل القاهرة بعد أسبوعين    إكسترا نيوز ترصد تفاصيل وصول مساعدات مصرية إلى غزة ضمن قافلة "زاد العزة"    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    تأجيل محاكمة المتهم بإنهاء حياة شاب بمقابر الزرزمون بالشرقية    رئيس الوزراء: مستعدون لوضع حوافز خارج الصندوق لتوطين صناعة السيارات الكهربائية    بدء أوكازيون تخفيض أسعار السلع 4 أغسطس المقبل    الأردن: الكارثة في غزة وصلت لوضع لا يمكن وصفه    الخارجية الفلسطينية: الضم التدريجي لقطاع غزة مقدمة لتهجير شعبنا    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    النقابات العمالية تدشن لجنة الانتقال العادل لمواجهة التحول الرقمي    وزير العمل ومحافظ الإسكندرية يفتتحان ندوة للتوعية بمواد قانون العمل الجديد    إم جي تطلق سيارتها IM5 سيدان الكهربائية رسميًا في الأسواق.. صور وتفاصيل    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    نادية مصطفى ومنصور هندى في انتخابات التجديد النصفى لنقابة الموسيقيين    أحمد التهامي يكشف كواليس العمل مع عادل إمام ويشاركنا رحلته الفنية|خاص    "3 فرق يشاركون في دوري الأبطال".. خالد الغندور يزف خبرا سارا    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    سفيرة الاتحاد الأوروبى: مصر ركيزة الاستقرار الإقليمى وندعم جهودها لوقف حرب غزة    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    وزير الصحة يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة وشركة روش مصر لتطوير رعاية مرضى التصلب المتعدد    ماء المخلل.. هل هو مفيد؟    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    بالأرقام.. رئيس هيئة الإسعاف يكشف تفاصيل نقل الأطفال المبتسرين منذ بداية 2025    تحرير (144) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    جسور مصر لا تُقطع عن غزة    7 أيام تفصل فتوح عن حسم مصيره فى الزمالك    المياه أغرقت الشوارع.. كسر في خط مياه رئيسي بالدقهلية    الطب البيطري بسوهاج يتفقد مجزر البلينا للتأكد من سلامة وجودة اللحوم المذبوحة    جامعة مصر للمعلوماتية تتعاون مع شركة اديبون لتدريب طلبة الهندسة بإسبانيا    مجمع إعلام القليوبية يطلق أولى فعاليات الحملة الإعلامية «صوتك فارق»    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى نحو مليون و51 ألفا و300 فرد منذ بداية الحرب    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    بمشاركة وزير السياحة.. البابا تواضروس يفتتح معرض لوجوس للمؤسسات الخدمية والثقافية    ريال مدريد يعلن انتقال لاعبه إلى خيتافي    بالصور.. اندلاع حريق بمخلفات الأشجار على طريق البراجيل    الطالبة هاجر حسام الأولى أدبي بالثانوية الأزهرية من ذوي البصيرة: أحلم بدراسة الإعلام    انطلاق تصوير فيلم «ريد فلاج» بطولة أحمد حاتم    نتنياهو يقترح خطة عمل جديدة لغزة.. ماذا تتضمن؟    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    5 أبراج «معاهم مفاتيح النجاح».. موهوبون تُفتح لهم الأبواب ويصعدون بثبات نحو القمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غادة جميل تبحث شفاهية وكتابية الشعر الجاهلي
نشر في صوت البلد يوم 27 - 09 - 2016

قليلة هي الدراسات الأكاديمية الجادة التي تعكف علي دراسة قضية أو مشكلة يستطيع من خلالها الباحث أو الباحثة هنا الدكتورة غادة جميل قرني في كتابها "الشفاهية والكتابية في الشعر الجاهلي .. دراسة في تأويل النص" الصادر حديثا عن دار النابغة للطباعة والنشر.
تسعي الناقدة الدكتورة غادة جميل إلى تطبيق نظرية التأليف الشفهي على الشعر الجاهلي، متسائلة هل كان الشعر الجاهلي عروضاً شفهية متنوعة لحكاية أو حكايات معينة؟ وهل كان الشاعر الجاهلي أمياً لا يعرف القراءة والكتابة؟ وهل وجود عبارات صيغية متكررة في الشعر الجاهلي تعني شفاهية هذا الشعر أم أنها تشير إلى نوع من التقاليد الأدبية للكتابة في ذلك الزمان تحمل ميراثاً شفاهياً؟
وهل مطولات الشعر الجاهلي التي تنطوي على أغراض متنوعة قد تم تأليفها وتأديتها في لحظة زمنية واحدة؟ وهل ما قدمه الباحثون، استناداً إلى نظرية التأليف الشفهي، يمكن النظر إليه بوصفه تأويلاً جديداً جديراً بالتقدير؟ ولما لا يمكن النظر إلى النص الشعري الجاهلي بوصفه نصاً كتابياً يعتمد على التبصر والتأمل والنظر وتأويله طبقاً لذلك؟
وهل الروايات المختلفة للقصائد تجعلنا نعتقد أن النص الشعري الجاهلي تم تأليفه شفاهياً أو هو وجود عائم يتخلق مع كل أداء؟ ولماذا لا نعتقد أن فكرة الراوي هي المسئولة عن الروايات المختلفة للقصائد، وهذه الفكرة لا تنفي كتابية النص ذاته؟ ولماذا لا نعتقد أن النص الجاهلي هو ممارسة كتابية تدفعنا إلى الدخول في عالم الدال ولعبته، ففاعلية الكتابة مشروطة بهذه اللعبة ومراح الدال العفوي الذي يتأبى على القولبة والمعنى الثابت والمدلول المسيج المتعالي ويستجيب إلى الإحالة النهائية والارتحال الدائم؟
وترى الدكتورة غادة جميل أن: "الشفاهية والكتابية في الشعر الجاهلي: دراسة في تأويل النص"، وهو عنوان، فيما نظن، يحمل دالين أساسيين هما: الفحص والتأويل، فأولهما يسعى إلى وضع تصورات عن طبيعة النص الشعري الجاهلي، وثانيهما يعتمد على هذه التصورات، فينهض بعملية تأويل النص. ولذلك فإن هذه الدراسة تقع في بابين يعني أولهما بعملية الفحص ويعني ثانيهما بعملية التأويل.
ويشتمل الباب الأول، المعنون ب "شفاهية وكتابية النص الشعري الجاهلي"، على فصلين، يناقش أولهما مسألة شفاهية النص الشعري الجاهلي، ويعتني بوجهة النظر التي عاينت النص الشعري الجاهلي بوصفه نصاً شفاهياً، مميزاً في البداية بين النزعة الشفاهية والنزعة الكتابية وطبيعة العلاقة بين النزعتين، ومنتقلاً بعد ذلك إلى المسألة الهومرية؛ وتأسيس ميلمان باري وألبرت لورد لنظرية التأليف الشفهي، ثم يعرض بعد ذلك دراسات المستشرقين التي طبقت نظرية التأليف الشفهي على الشعر الجاهلي، ووقف عند دراسة جيمس مونرو المعنونة ب "التأليف الشفهي في شعر ما قبل الإسلام"، ودراسة مايكل زويتلر عن: "التقليد الشفهي للشعر العربي الكلاسيكي: خصوصيته وتضميناته".
وينتقل بعد ذلك إلى عرض ما قدمه الدارسون العرب حول شفاهية الشعر الجاهلي فوقف عند دراستين أولاهما: "مقدمة لدراسة الشعر الجاهلي"، ل عبدالمنعم خضر الزبيدي، وثانيتهما: "الشعر والغناء في ضوء الرواية الشفوية"، ل فضل بن عمار العماري، وينتهي هذا الفصل بتقييم لنظرية التأليف الشفهي ومحاولة تطبيقها على النص الشعري الجاهلي.
أما الفصل الثاني المعنون ب "كتابية النص الشعري الجاهلي"، فإنه ينفتح بالإشارة إلى أن الجهود التي قدمها مستشرقون وعرب حول شفاهية الشعر الجاهلي لم تفحص مسألة كتابيته، وتأسست على فكرة جوهرية هي أن الشعر الجاهلي صدر عن شعراء لا يعرفون الكتابة والقراءة أو شعراء أميون، ولذلك بدأ فحص مسألة كتابية النص الشعري الجاهلي بمناقشة مصطلح "الجاهلية" وما يشير إليه من معان منتقلاً إلى مصطلح "الأمية"، ثم يعرض بعد ذلك شيوع القراءة والكتابة بين العرب في العصر الجاهلي، وفحص أدوات الكتابة وموادها والمكتوب ذاته، ونشأة الخط العربي.
وينتقل بعد ذلك إلى مناقشة طرائق التأليف الشعري التي تؤكد اختلاف لحظة التأليف الزمني عن لحظة الأداء أو القراءة، ثم يناقش بعد ذلك فكرة تخزين المكتوب أو حفظه مشيراً إلى أن فكرة المعلقات، التي تؤكد دوال الحفظ والتخزين والاستحسان، تحيل بدورها إلى دوال الكتابة.
ويناقش الفصل بعد ذلك ممارسة الشعراء للكتابة الشعرية وما تشير إليه الروايات التاريخية عن انتخاب الألفاظ وتنقيحها، منتهياً إلى أن النص الشعري الجاهلي قد تمت كتابته فعلياً، وتم إنتاجه عن طريق الكتابة وليس عن طريق التأليف الشفهي. لكن هذا لا يمنع من تسلل قوالب صياغية إلى المكتوب يمكن تعليلها بالأصل الشفاهي للنص المكتوب. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك أميين نظموا شعراً شفاهياً، لكن هذا الشعر لا يمكن أن يكون قصيدة مطولة متعددة الأغراض وإنما هو تعبير عن موقف معين يستدعي الارتجال والقول العفوي.
ويشتمل الباب الثاني المعنون ب "تأويل النص" على توطئة وثلاثة فصول، وتشير التوطئة إلى أن الفحص الذي تم في الباب الأول انتهى إلى أن النص الشعري الجاهلي قد تم إنتاجه عن طريق الكتابة، وأن النص الشعري الجاهلي لا يقع في دائرة العروض الشفاهية المتنوعة لحكاية ما تفترض تشابهاً وتكراراً في الصيغ والعبارات. وربما يبدو صحيحاً أن الشعر الجاهلي، مثله مثل أي شعر آخر، قد يقع فيه صيغ وعبارات متكررة، لكن ذلك لا يقوم دليلاً على أنه شعر قد تم إنتاجه شفاهياً، وإنما يشير إلى تقاليد معينة للكتابة الأدبية، هذه التقاليد ربما تحمل ميراثاً شفهياً.
أما الفصول الثلاثة، فقد حملت عناوين: المرأة والطلل والظعائن، والوشم، والحيوان؛ لكنها اعتمدت على وعي تأويلي وصفه بول ريكور ب "العمل في الفكر الذي ينطوي أو يتوقف على فك شفرة المعنى المختفي في المعنى الظاهر، أو كشف وفتح مستويات من المعنى المضمن في المعنى الحرفي".
ويتأسس هذا الوعي على ثلاث استراتيجيات تأويلية، أولها: النظر إلى النص الشعري الجاهلي بوصفه ممارسة كتابية، وثانيهما: تتبع الدوال في النص بما يقتضي النظر إلى دوال الطلل مقترنة بدوال المرأة والظعائن ومحيلة إلى دوال الوشم والحيوان. إن التأويل في تلك الحالة ينزع إلى لعبة الدال، فيتحرك من الأمام إلى الخلف، ويتحرك أيضاً من الخلف إلى الأمام، لكنه يظل محكوماً بانتشارية الدوال في النص، تلك الدوال، فيما أتصور، لا تكف عن الإحالة والاستدعاء لدوال أخرى لانهائية.
وثالثها: يتعلق بالنماذج التي تم تأويلها في الفصول الثلاثة، فهذه النماذج لم تقف فقط عند شعراء مشهورين، وإنما تجاوزت ذلك إلى شعراء مهمشين أو شعراء لم تسلط عليهم الأضواء النقدية بطريقة كافية أو شعراء القبائل. إن التأويل يتعامل مع منتخب من الشعراء يشبه إلى حد كبير منتخب الأصمعيات أو المفضليات أو غيرها. ويجب الانتباه أن الفصول على الرغم من أنها حملت عناوين محددة، فإنها تأولت مفردات متنوعة مثل الحكمة والفخر والرحلة والهجاء وغير ذلك. إن التأويل يجول في القصيدة من الأمام إلى الخلف، ويتحرك من الخلف إلى الأمام، ويستدعي دوال لكي يتم تأويل دوال أخرى.
بقيت نقطة أخيرة وهي تتعلق بالمنهج المستخدم في هذه الدراسة، فإنه يعتمد على مفهومين أساسيين هما الفحص والتأويل، ولقد استدعى المفهوم الأول أطروحات النقد الشارح من حيث إنها أطروحات تقوم بعملية "فحص النظريات والمقاربات النصية للمعنى النصي، وعلاقة الكاتب والقارئ بالنص، والمعيار الذي يتم بمقتضاه الحكم على النصوص والصناعات الثقافية الأخرى"، أما المفهوم الثاني فإنه استدعى أطروحات تفكيكية في المقام الأول، وهي أطروحات تتأسس على لعبة الدال أو الدال العائم الذي يظل في حالة من البحث المستمر عن مدلوله، وإن وجده يتحول إلى دال جديد وسلسلة لانهائية من الدوال. إن التأويل في تلك الحالة محكوم بانتشارية الدوال ومراحها العفوي الذي يتأبى على القولبة والمعنى الثابت.
قليلة هي الدراسات الأكاديمية الجادة التي تعكف علي دراسة قضية أو مشكلة يستطيع من خلالها الباحث أو الباحثة هنا الدكتورة غادة جميل قرني في كتابها "الشفاهية والكتابية في الشعر الجاهلي .. دراسة في تأويل النص" الصادر حديثا عن دار النابغة للطباعة والنشر.
تسعي الناقدة الدكتورة غادة جميل إلى تطبيق نظرية التأليف الشفهي على الشعر الجاهلي، متسائلة هل كان الشعر الجاهلي عروضاً شفهية متنوعة لحكاية أو حكايات معينة؟ وهل كان الشاعر الجاهلي أمياً لا يعرف القراءة والكتابة؟ وهل وجود عبارات صيغية متكررة في الشعر الجاهلي تعني شفاهية هذا الشعر أم أنها تشير إلى نوع من التقاليد الأدبية للكتابة في ذلك الزمان تحمل ميراثاً شفاهياً؟
وهل مطولات الشعر الجاهلي التي تنطوي على أغراض متنوعة قد تم تأليفها وتأديتها في لحظة زمنية واحدة؟ وهل ما قدمه الباحثون، استناداً إلى نظرية التأليف الشفهي، يمكن النظر إليه بوصفه تأويلاً جديداً جديراً بالتقدير؟ ولما لا يمكن النظر إلى النص الشعري الجاهلي بوصفه نصاً كتابياً يعتمد على التبصر والتأمل والنظر وتأويله طبقاً لذلك؟
وهل الروايات المختلفة للقصائد تجعلنا نعتقد أن النص الشعري الجاهلي تم تأليفه شفاهياً أو هو وجود عائم يتخلق مع كل أداء؟ ولماذا لا نعتقد أن فكرة الراوي هي المسئولة عن الروايات المختلفة للقصائد، وهذه الفكرة لا تنفي كتابية النص ذاته؟ ولماذا لا نعتقد أن النص الجاهلي هو ممارسة كتابية تدفعنا إلى الدخول في عالم الدال ولعبته، ففاعلية الكتابة مشروطة بهذه اللعبة ومراح الدال العفوي الذي يتأبى على القولبة والمعنى الثابت والمدلول المسيج المتعالي ويستجيب إلى الإحالة النهائية والارتحال الدائم؟
وترى الدكتورة غادة جميل أن: "الشفاهية والكتابية في الشعر الجاهلي: دراسة في تأويل النص"، وهو عنوان، فيما نظن، يحمل دالين أساسيين هما: الفحص والتأويل، فأولهما يسعى إلى وضع تصورات عن طبيعة النص الشعري الجاهلي، وثانيهما يعتمد على هذه التصورات، فينهض بعملية تأويل النص. ولذلك فإن هذه الدراسة تقع في بابين يعني أولهما بعملية الفحص ويعني ثانيهما بعملية التأويل.
ويشتمل الباب الأول، المعنون ب "شفاهية وكتابية النص الشعري الجاهلي"، على فصلين، يناقش أولهما مسألة شفاهية النص الشعري الجاهلي، ويعتني بوجهة النظر التي عاينت النص الشعري الجاهلي بوصفه نصاً شفاهياً، مميزاً في البداية بين النزعة الشفاهية والنزعة الكتابية وطبيعة العلاقة بين النزعتين، ومنتقلاً بعد ذلك إلى المسألة الهومرية؛ وتأسيس ميلمان باري وألبرت لورد لنظرية التأليف الشفهي، ثم يعرض بعد ذلك دراسات المستشرقين التي طبقت نظرية التأليف الشفهي على الشعر الجاهلي، ووقف عند دراسة جيمس مونرو المعنونة ب "التأليف الشفهي في شعر ما قبل الإسلام"، ودراسة مايكل زويتلر عن: "التقليد الشفهي للشعر العربي الكلاسيكي: خصوصيته وتضميناته".
وينتقل بعد ذلك إلى عرض ما قدمه الدارسون العرب حول شفاهية الشعر الجاهلي فوقف عند دراستين أولاهما: "مقدمة لدراسة الشعر الجاهلي"، ل عبدالمنعم خضر الزبيدي، وثانيتهما: "الشعر والغناء في ضوء الرواية الشفوية"، ل فضل بن عمار العماري، وينتهي هذا الفصل بتقييم لنظرية التأليف الشفهي ومحاولة تطبيقها على النص الشعري الجاهلي.
أما الفصل الثاني المعنون ب "كتابية النص الشعري الجاهلي"، فإنه ينفتح بالإشارة إلى أن الجهود التي قدمها مستشرقون وعرب حول شفاهية الشعر الجاهلي لم تفحص مسألة كتابيته، وتأسست على فكرة جوهرية هي أن الشعر الجاهلي صدر عن شعراء لا يعرفون الكتابة والقراءة أو شعراء أميون، ولذلك بدأ فحص مسألة كتابية النص الشعري الجاهلي بمناقشة مصطلح "الجاهلية" وما يشير إليه من معان منتقلاً إلى مصطلح "الأمية"، ثم يعرض بعد ذلك شيوع القراءة والكتابة بين العرب في العصر الجاهلي، وفحص أدوات الكتابة وموادها والمكتوب ذاته، ونشأة الخط العربي.
وينتقل بعد ذلك إلى مناقشة طرائق التأليف الشعري التي تؤكد اختلاف لحظة التأليف الزمني عن لحظة الأداء أو القراءة، ثم يناقش بعد ذلك فكرة تخزين المكتوب أو حفظه مشيراً إلى أن فكرة المعلقات، التي تؤكد دوال الحفظ والتخزين والاستحسان، تحيل بدورها إلى دوال الكتابة.
ويناقش الفصل بعد ذلك ممارسة الشعراء للكتابة الشعرية وما تشير إليه الروايات التاريخية عن انتخاب الألفاظ وتنقيحها، منتهياً إلى أن النص الشعري الجاهلي قد تمت كتابته فعلياً، وتم إنتاجه عن طريق الكتابة وليس عن طريق التأليف الشفهي. لكن هذا لا يمنع من تسلل قوالب صياغية إلى المكتوب يمكن تعليلها بالأصل الشفاهي للنص المكتوب. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك أميين نظموا شعراً شفاهياً، لكن هذا الشعر لا يمكن أن يكون قصيدة مطولة متعددة الأغراض وإنما هو تعبير عن موقف معين يستدعي الارتجال والقول العفوي.
ويشتمل الباب الثاني المعنون ب "تأويل النص" على توطئة وثلاثة فصول، وتشير التوطئة إلى أن الفحص الذي تم في الباب الأول انتهى إلى أن النص الشعري الجاهلي قد تم إنتاجه عن طريق الكتابة، وأن النص الشعري الجاهلي لا يقع في دائرة العروض الشفاهية المتنوعة لحكاية ما تفترض تشابهاً وتكراراً في الصيغ والعبارات. وربما يبدو صحيحاً أن الشعر الجاهلي، مثله مثل أي شعر آخر، قد يقع فيه صيغ وعبارات متكررة، لكن ذلك لا يقوم دليلاً على أنه شعر قد تم إنتاجه شفاهياً، وإنما يشير إلى تقاليد معينة للكتابة الأدبية، هذه التقاليد ربما تحمل ميراثاً شفهياً.
أما الفصول الثلاثة، فقد حملت عناوين: المرأة والطلل والظعائن، والوشم، والحيوان؛ لكنها اعتمدت على وعي تأويلي وصفه بول ريكور ب "العمل في الفكر الذي ينطوي أو يتوقف على فك شفرة المعنى المختفي في المعنى الظاهر، أو كشف وفتح مستويات من المعنى المضمن في المعنى الحرفي".
ويتأسس هذا الوعي على ثلاث استراتيجيات تأويلية، أولها: النظر إلى النص الشعري الجاهلي بوصفه ممارسة كتابية، وثانيهما: تتبع الدوال في النص بما يقتضي النظر إلى دوال الطلل مقترنة بدوال المرأة والظعائن ومحيلة إلى دوال الوشم والحيوان. إن التأويل في تلك الحالة ينزع إلى لعبة الدال، فيتحرك من الأمام إلى الخلف، ويتحرك أيضاً من الخلف إلى الأمام، لكنه يظل محكوماً بانتشارية الدوال في النص، تلك الدوال، فيما أتصور، لا تكف عن الإحالة والاستدعاء لدوال أخرى لانهائية.
وثالثها: يتعلق بالنماذج التي تم تأويلها في الفصول الثلاثة، فهذه النماذج لم تقف فقط عند شعراء مشهورين، وإنما تجاوزت ذلك إلى شعراء مهمشين أو شعراء لم تسلط عليهم الأضواء النقدية بطريقة كافية أو شعراء القبائل. إن التأويل يتعامل مع منتخب من الشعراء يشبه إلى حد كبير منتخب الأصمعيات أو المفضليات أو غيرها. ويجب الانتباه أن الفصول على الرغم من أنها حملت عناوين محددة، فإنها تأولت مفردات متنوعة مثل الحكمة والفخر والرحلة والهجاء وغير ذلك. إن التأويل يجول في القصيدة من الأمام إلى الخلف، ويتحرك من الخلف إلى الأمام، ويستدعي دوال لكي يتم تأويل دوال أخرى.
بقيت نقطة أخيرة وهي تتعلق بالمنهج المستخدم في هذه الدراسة، فإنه يعتمد على مفهومين أساسيين هما الفحص والتأويل، ولقد استدعى المفهوم الأول أطروحات النقد الشارح من حيث إنها أطروحات تقوم بعملية "فحص النظريات والمقاربات النصية للمعنى النصي، وعلاقة الكاتب والقارئ بالنص، والمعيار الذي يتم بمقتضاه الحكم على النصوص والصناعات الثقافية الأخرى"، أما المفهوم الثاني فإنه استدعى أطروحات تفكيكية في المقام الأول، وهي أطروحات تتأسس على لعبة الدال أو الدال العائم الذي يظل في حالة من البحث المستمر عن مدلوله، وإن وجده يتحول إلى دال جديد وسلسلة لانهائية من الدوال. إن التأويل في تلك الحالة محكوم بانتشارية الدوال ومراحها العفوي الذي يتأبى على القولبة والمعنى الثابت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.