وفد من الكنيسة يهنئ محافظ شمال سيناء بعيد الأضحى المبارك    وفد "العمل" يشارك في الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي بجنيف    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس بعيد الأضحى المبارك    عيار 18 الآن.. أسعار الذهب اليوم السبت 15-6-2024 في محافظة قنا    المالية: تدبير 320 مليار جنيه للدعم والأجور لاستيعاب التضخم وارتفاع سعر الصرف    ارتفاع أسعار المكرونة واللحوم والجبن وانخفاض العدس اليوم السبت بالأسواق    بالأسماء والأماكن.. 38 مجزرًا مجانيًا متاح لأهالي المنيا طوال أيام العيد (صور)    الصحة الفلسطينية تحذر من انهيار المنظومة الصحية في غزة    مسؤول إسرائيلي سابق: الفشل في حرب مع حزب الله سينقل بلادنا من سيّء إلى أسوأ    الاحتلال الإسرائيلي يعلن قصف مبنى عسكري لحزب الله جنوبي لبنان    إيطاليا تستهدف معادلة 6 منتخبات أبطال فى يورو 2024    الشيخ ماهر المعيقلي يلقي خطبة عرفة (بث مباشر)    لماذا لم يحصل عبدالله السعيد على جائزة رجل مباراة الزمالك وسيراميكا؟.. عامر حسين يجيب    تفوق تاريخي لهولندا على بولندا قبل صدام الغد في يورو 2024    يورو 2024، إنجلترا تبحث عن انطلاقة قوية أمام صربيا    طموح إسبانيا يصطدم بحلم كرواتيا في يورو 2024    البلتاجي: ركلة جزاء الأهلي صحيحة.. ومدافع الزمالك يستحق البطاقة الحمراء    بث مباشر.. خطبة عرفات من مسجد نمرة    «أوقاف الإسكندرية»: 513 ساحة جاهزة لصلاة العيد غدًا.. وتدبير 1026 إمامًا وخطيبًا    المتعافون من الإدمان يشاركون في تزيين مراكز العزيمة لصندوق علاج الإدمان لعيد الأضحى    هتصلي فين؟.. ساحات عيد الأضحى المبارك بالإسماعيلية    في 3 أيام.. إيرادات "اللعب مع العيال" تقترب من 3 ملايين جنيه    محمد رمضان يكشف عن أغنيته الجديدة "مفيش كده".. ويعلق: "يوم الوقفة"    عمرو دياب يكشف عن أحدث أغانيه "تتحبي" بعد يومين من طرحه "الطعامة"    يحدث الآن - من مسجد نمرة بدء شعائر خطبة عرفة 1445 2024    تهنئة عيد الأضحى 2024 مكتوبة.. أرسل أجمل التهاني لأحبائك الآن    في يوم عرفة 2024.. موعد أذان المغرب في القاهرة والمحافظات (أدعية مستجابة)    التضامن: تنظم سلسلة من الدورات التدريبية للاخصائيين الاجتماعيين والنفسيين حول الإسعاف النفسي الأولي    هيئة« الدواء» تعلن رقمنة 5 خدمات للتواصل والاستفسار عن توافر الأدوية والإبلاغ عن الآثار الجانبية    مع ارتفاع درجات الحرارة.. 5 نصائح مهمة لتجنب الإصابة بضربات الشمس في عيد الأضحى    الصحة: إطلاق 33 قافلة طبية مجانية بمحافظات الجمهورية خلال أيام عيد الأضحى    الرعاية الصحية: انعقاد غرفة الطوارئ ضمن خطة التأمين الطبي لاحتفالات عيد الأضحى 2024    ننشر أماكن ساحات صلاة عيد الأضحى في السويس    كم عدد الجمرات الصغرى والوسطى والكبرى؟.. مجمع البحوث الإسلامية يجيب    بعثة الحج توفر مخيمات مكيفة ومرطبات ومأكولات لحجاجنا بعرفات    حكم صيام أيام التشريق.. الإفتاء تحسم الجدل    يوم عرفة 2024 .. فضل صيامه والأعمال المستحبة به (فيديو)    يسع نصف مليون مصلٍ.. مسجد نمرة يكتسى باللون الأبيض فى المشهد الأعظم يوم عرفة    عاجل:- كتائب القسام توجه رسالة إلى حجاج بيت الله الحرام    أسعار الفاكهة اليوم السبت 15-6-2024 في قنا    زراعة 327 ألف شجرة بكفر الشيخ.. والمحافظ: «زودوا المساحات الخضراء»    وزير الإسكان: حملات لضبط وصلات المياه المخالفة وتحصيل المديونيات    ب«6 آلاف ساحة وفريق من الواعظات».. «الأوقاف» تكشف استعداداتها لصلاة عيد الأضحى    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى أوسيم دون إصابات    ميناء شرق بورسعيد يستقبل ثالث سفينة تعمل بوقود الميثانول الأخضر    جدول مباريات الولايات المتحدة الأمريكية في دور المجموعات من بطولة كوبا أمريكا    «تقاسم العصمة» بين الزوجين.. مقترح برلماني يثير الجدل    القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير قاربين ومسيرة تابعة للحوثيين في البحر الأحمر    أستاذ ذكاء اصطناعي: الروبوتات أصبحت قادرة على محاكاة المشاعر والأحاسيس    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    هبوط اضطراري لطائرة تقل وزير الدفاع الإيطالي بعد عطل طارئ    بسبب جلسة شعرية محبطة.. صلاح عبد الله يروي سر ابتعاده عن كتابة الأغاني للمطربين    «العلاج الطبيعي»: غلق 45 أكاديمية وهمية خلال الفترة الماضية    لاعب سلة الأهلى يكشف تفاصيل عدم السلام على رئيس الاتحاد السكندري    محمد علي السيد يكتب: دروب الحج ..سيدي أبوالحسن الشاذلي 93    «زي النهارده».. وفاة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل 15 يونيو 2009    حظك اليوم برج الأسد السبت 15-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    ألمانيا تسحق إسكتلندا بخماسية في افتتاح يورو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيمن بعلبكي يرسم العدمية خارج الزمان والمكان
نشر في صوت البلد يوم 25 - 09 - 2016

يراكم الفنان اللبناني أيمن بعلبكي في معرضه البيروتي الجديد المعنون ب”بلو آب” ضرباته النزقة، حتى يشق طريقه إلى باطن تشعبات الهول وصولاً إلى تفكيك وفضح نزعة العدوان المتأصلة في النفس البشرية.
لا زهور في لوحات الفنان وإن عكفت، كما في أعمال فنية سابقة له، على تسلق خلفيات لوحاته مدججة بورديتها الفاقعة كقهقهات رديئة انفرجت عن شفاه مهرج لوثته حمرة الدماء المهدورة. التقنية “القصوى” البادية في أعماله تبدو مُحتفية بذاتها، وبنبرتها المحتدمة التي كأنها أرادت أن تلتحم في تدفقها المحموم بحصان من نار، ليس هو إلاّ الشغل المتسارع على مساحات جدارية لا تتحمل التروي لتخرج مُعبرة عما أخذت على عاتقها التعبير عنه.
استطاع أيمن بعلبكي أن يكسر جليد التعبير عن الحرب اللبنانية عبر صدق تجربته، في وقت عمد فيه فنانون لبنانيون إلى تناول الحرب اللبنانية وكأنها جزء من فولكلور يستسيغه الآخرون. لا يعني ذلك أن الفنان تناول فقط الحرب اللبنانية من خلال فكرة الارتدادات، إذ تطرق إلى العديد من الحوادث العنفية العالمية التي أسست لمنطق معاصر في الفكر السياسي حيث الإنسان، أو موته، أو عذابه، هو آخر ما يهم وإن تحلت التصريحات والمواقف العالمية حياله بشتى فنون النفاق.
الأهم من ذلك أن أيمن بعلبكي ساهم في تكريس نظرية نهاية الإنسانية بشكل واقعي بحت من خلال الفن، يكفي أن تنظر إلى جدارية تتوسط صالة العرض، حيث يصور فيها الخراب في حمص السورية، أو “الخراب” فحسب، لندرك أن العدمية باتت بلا زمن ولا مكان محدد. تحيل استدارة التلال تلك وعدم انتظامها العضوي إلى حزن عميق يكاد يكون غير مؤلم لشدة “ذهنيته”، استدارة تحتضن حياة سابقة ونبضا حيويا انخفض وزال وكأن شيئا لم يكن.
يبدو أن الفنان ”استفاد” من مراقبته وعيشه في بلده الحاضن لحروب واستعراضات متنوعة من العنف الدائم، إذ برع في إظهار لبنان كمُنطلق أساسي لفهم مسببات ونتائج شتى ضروب العنف التي تلقتها ولا زالت تتلقاها شعوب الشرق الأوسط، كما ردّ أيمن بعلبكي، في معرضه “الارتدادي” هذا، الصاع صاعين حين عمد إلى فضح التعتيم السقيم والصمت الجماعي على حقيقة ما جرى ويجري في لبنان. وجاء عمله أيضا كفعل كشفيّ شخصي لما تلقاه من حالات عنفيّة تعرض لها كأي لبناني، ربما ذلك هو أكثر ما مكّنه من التماهي والتعبير عن عناوين أوسع، أوسع بحجم الشرق الأوسط. أشاع الفنان في معرضه هذا أجزاء من السر “اللبناني” الذي هو أصلا مشاع، ولكن لا أحد يرغب في أن يتكلم عنه لأنه يدين الجميع، جميع اللبنانيين.
ولو في لحظة واحدة سيشعر زائر المعرض بأن موضوع النسيان اللبناني قد أُقحم إقحاما، يكفي أن نرى كيف تجلى ارتدادا لفعل عنيف، كفعل إمحاء الذاكرة الجماعية، في عنف مُضاعف ليس هو إلاّ تولي شتى أنواع مجرمي الحرب اللبنانية شؤون لبنان. وإذا كانت الذاكرة الحادة هي منطلق الأفعال الانتقامية أو الارتدادات أو فضح نتائج العنف مهما ابتعدت الأسباب زمنيا عن نتائجها، فإن النسيان هو سيد الأفعال العنفية اللبنانية المعاصرة.
قدم الفنان في معارضه السابقة معالم متنوعة للجحيم، هو اليوم يصور ما بعد الجحيم، نفحة صمت ساخنة تلفح كل الأعمال الموجودة بالقرب من بعضها البعض وإن تجلت في بعضها ألوان زاهية كزرقة سماء واهية تشرف على الرعب، وهو يستكين من فعله على أكوام الرماد والقتلى غير المرئيين والمنتشرين في نسغ الخراب. وبالرغم من أن الفنان بنى معرضه على منطق ترابط الأسباب بالنتائج، فإن لهول ما قدم ولتشابهه، فقدت فكرة التلاحق التاريخي وواقعية الاختلافات الجغرافية قيمتها، صار الخراب خرابا واحدا، تعددت الأسباب والموت واحد.
السر المشاع
يحيلنا عمل أيمن بعلبكي، حيث تتشابه صور الدمار، إلى نظرية والتر بنجامن المُنطلقة من تقنية المونتاج، لأن الفنان لا يؤرخ للكوارث بقدر ما يؤرخ صورها، تبدو اللوحات كزوبعة واحدة تتداخل فيها الأزمنة والأمكنة، حيث لا يستحيل أن تتقدم اللوحات/النتائج على حوادثها المُسببة. ذاكرة الفنان بكل ما “يشعّ” عنها تبدو محفورة في لاوعيه غير الآبه بالتواريخ، بقدر ما هو معنيّ بالدمار الشامل الحاصل على كل المستويات. استخدم الفنان كلمات من ضوء ووضعها بالقرب من مجموعة أعمال، نذكر منها “منطقة منزوعة الرايات”، غير أن اللوحة التي أراد أيمن بعلبكي أن يضعها في “نهاية” تسلسل أعمال المعرض هي الأكثر تعبيرا عن فكرة المعرض.
اللوحة تصور “الدوم سيتي سنتر”، مبنى شديد الرمزية بالنسبة إلى ثيمة المعرض، إذ تعرض لتدمير جزئي خلال الحرب اللبنانية، لكنه لا يزال إلى اليوم صامدا وسط حركة البنيان. والأهم من ذلك هو أن مصير هذا الصرح التاريخي، المرتبط ارتباطا وثيقا بالذاكرة الجماعية تمّ التوافق على هدمه لصالح ناطحة سحاب لا تمت إلى تاريخ بيروت بشيء، لا بحلوها ولا بمرّها.. اختار الفنان لوحته “الأخيرة” هذه لكي تمثله، ثم زرع في وسطها كلمة من ضوء النيون: “النهاية”.
المبنى يحمل أيضا اسم “البيضة” نظرا لشكله، أما اللوحة التي تصوره وكأنه في أحد أيام الشتاء المعتمة، فتذكر بلوحة لفنان آخر هو فلاديمير كوش “شروق فوق المحيط”، تظهر فيها بيضة تتكسر ضمن مشهد طبيعي لتخرج منها شمس صباحية تشرق.. من الغرب، غير أن أيمن بعلبكي هو أكثر درامية في لوحته، إذ تنبثق كلمته المُضيئة من رطوبة المبنى البيضاوي لتلقي بشعاعها الكئيب في فم الوحشة المنتشرة في اللوحة.
يراكم الفنان اللبناني أيمن بعلبكي في معرضه البيروتي الجديد المعنون ب”بلو آب” ضرباته النزقة، حتى يشق طريقه إلى باطن تشعبات الهول وصولاً إلى تفكيك وفضح نزعة العدوان المتأصلة في النفس البشرية.
لا زهور في لوحات الفنان وإن عكفت، كما في أعمال فنية سابقة له، على تسلق خلفيات لوحاته مدججة بورديتها الفاقعة كقهقهات رديئة انفرجت عن شفاه مهرج لوثته حمرة الدماء المهدورة. التقنية “القصوى” البادية في أعماله تبدو مُحتفية بذاتها، وبنبرتها المحتدمة التي كأنها أرادت أن تلتحم في تدفقها المحموم بحصان من نار، ليس هو إلاّ الشغل المتسارع على مساحات جدارية لا تتحمل التروي لتخرج مُعبرة عما أخذت على عاتقها التعبير عنه.
استطاع أيمن بعلبكي أن يكسر جليد التعبير عن الحرب اللبنانية عبر صدق تجربته، في وقت عمد فيه فنانون لبنانيون إلى تناول الحرب اللبنانية وكأنها جزء من فولكلور يستسيغه الآخرون. لا يعني ذلك أن الفنان تناول فقط الحرب اللبنانية من خلال فكرة الارتدادات، إذ تطرق إلى العديد من الحوادث العنفية العالمية التي أسست لمنطق معاصر في الفكر السياسي حيث الإنسان، أو موته، أو عذابه، هو آخر ما يهم وإن تحلت التصريحات والمواقف العالمية حياله بشتى فنون النفاق.
الأهم من ذلك أن أيمن بعلبكي ساهم في تكريس نظرية نهاية الإنسانية بشكل واقعي بحت من خلال الفن، يكفي أن تنظر إلى جدارية تتوسط صالة العرض، حيث يصور فيها الخراب في حمص السورية، أو “الخراب” فحسب، لندرك أن العدمية باتت بلا زمن ولا مكان محدد. تحيل استدارة التلال تلك وعدم انتظامها العضوي إلى حزن عميق يكاد يكون غير مؤلم لشدة “ذهنيته”، استدارة تحتضن حياة سابقة ونبضا حيويا انخفض وزال وكأن شيئا لم يكن.
يبدو أن الفنان ”استفاد” من مراقبته وعيشه في بلده الحاضن لحروب واستعراضات متنوعة من العنف الدائم، إذ برع في إظهار لبنان كمُنطلق أساسي لفهم مسببات ونتائج شتى ضروب العنف التي تلقتها ولا زالت تتلقاها شعوب الشرق الأوسط، كما ردّ أيمن بعلبكي، في معرضه “الارتدادي” هذا، الصاع صاعين حين عمد إلى فضح التعتيم السقيم والصمت الجماعي على حقيقة ما جرى ويجري في لبنان. وجاء عمله أيضا كفعل كشفيّ شخصي لما تلقاه من حالات عنفيّة تعرض لها كأي لبناني، ربما ذلك هو أكثر ما مكّنه من التماهي والتعبير عن عناوين أوسع، أوسع بحجم الشرق الأوسط. أشاع الفنان في معرضه هذا أجزاء من السر “اللبناني” الذي هو أصلا مشاع، ولكن لا أحد يرغب في أن يتكلم عنه لأنه يدين الجميع، جميع اللبنانيين.
ولو في لحظة واحدة سيشعر زائر المعرض بأن موضوع النسيان اللبناني قد أُقحم إقحاما، يكفي أن نرى كيف تجلى ارتدادا لفعل عنيف، كفعل إمحاء الذاكرة الجماعية، في عنف مُضاعف ليس هو إلاّ تولي شتى أنواع مجرمي الحرب اللبنانية شؤون لبنان. وإذا كانت الذاكرة الحادة هي منطلق الأفعال الانتقامية أو الارتدادات أو فضح نتائج العنف مهما ابتعدت الأسباب زمنيا عن نتائجها، فإن النسيان هو سيد الأفعال العنفية اللبنانية المعاصرة.
قدم الفنان في معارضه السابقة معالم متنوعة للجحيم، هو اليوم يصور ما بعد الجحيم، نفحة صمت ساخنة تلفح كل الأعمال الموجودة بالقرب من بعضها البعض وإن تجلت في بعضها ألوان زاهية كزرقة سماء واهية تشرف على الرعب، وهو يستكين من فعله على أكوام الرماد والقتلى غير المرئيين والمنتشرين في نسغ الخراب. وبالرغم من أن الفنان بنى معرضه على منطق ترابط الأسباب بالنتائج، فإن لهول ما قدم ولتشابهه، فقدت فكرة التلاحق التاريخي وواقعية الاختلافات الجغرافية قيمتها، صار الخراب خرابا واحدا، تعددت الأسباب والموت واحد.
السر المشاع
يحيلنا عمل أيمن بعلبكي، حيث تتشابه صور الدمار، إلى نظرية والتر بنجامن المُنطلقة من تقنية المونتاج، لأن الفنان لا يؤرخ للكوارث بقدر ما يؤرخ صورها، تبدو اللوحات كزوبعة واحدة تتداخل فيها الأزمنة والأمكنة، حيث لا يستحيل أن تتقدم اللوحات/النتائج على حوادثها المُسببة. ذاكرة الفنان بكل ما “يشعّ” عنها تبدو محفورة في لاوعيه غير الآبه بالتواريخ، بقدر ما هو معنيّ بالدمار الشامل الحاصل على كل المستويات. استخدم الفنان كلمات من ضوء ووضعها بالقرب من مجموعة أعمال، نذكر منها “منطقة منزوعة الرايات”، غير أن اللوحة التي أراد أيمن بعلبكي أن يضعها في “نهاية” تسلسل أعمال المعرض هي الأكثر تعبيرا عن فكرة المعرض.
اللوحة تصور “الدوم سيتي سنتر”، مبنى شديد الرمزية بالنسبة إلى ثيمة المعرض، إذ تعرض لتدمير جزئي خلال الحرب اللبنانية، لكنه لا يزال إلى اليوم صامدا وسط حركة البنيان. والأهم من ذلك هو أن مصير هذا الصرح التاريخي، المرتبط ارتباطا وثيقا بالذاكرة الجماعية تمّ التوافق على هدمه لصالح ناطحة سحاب لا تمت إلى تاريخ بيروت بشيء، لا بحلوها ولا بمرّها.. اختار الفنان لوحته “الأخيرة” هذه لكي تمثله، ثم زرع في وسطها كلمة من ضوء النيون: “النهاية”.
المبنى يحمل أيضا اسم “البيضة” نظرا لشكله، أما اللوحة التي تصوره وكأنه في أحد أيام الشتاء المعتمة، فتذكر بلوحة لفنان آخر هو فلاديمير كوش “شروق فوق المحيط”، تظهر فيها بيضة تتكسر ضمن مشهد طبيعي لتخرج منها شمس صباحية تشرق.. من الغرب، غير أن أيمن بعلبكي هو أكثر درامية في لوحته، إذ تنبثق كلمته المُضيئة من رطوبة المبنى البيضاوي لتلقي بشعاعها الكئيب في فم الوحشة المنتشرة في اللوحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.