البطاطس ب 12.5 جنيه.. أسعار الخضار والفاكهة الإثنين 18 أغسطس 2025 في أسواق الشرقية    ارتفاع أسعار الذهب اليوم الاثنين 18-8-2025 عالميًا بعد هبوط 14 يومًا    ارتفاع كبير ل الدولار الأمريكي اليوم الاثنين 18-8-2025 عالميًا.. وتأرجح بقية العملات الأجنبية    تحرك الدفعة ال 17من شاحنات المساعدات إلي معبر كرم أبو سالم    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة.. بسيوني يقود قمة المصري وبيراميدز    نيكو ويليامز.. شوكة في قلب إشبيلية    كل ما تريد معرفته عن مسابقة توظيف بريد الجزائر 2025.. الموعد والشروط وطريقة التسجيل    قرارات صارمة من وزارة التربية والتعليم استعدادًا للعام الدراسي الجديد 20262025 (تعرف عليها)    مصرع سيدة في حادث سير ب شمال سيناء    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    إساءات للذات الإلهية.. جامعة الأزهر فرع أسيوط ترد على شكوى أستاذة عن توقف راتبها    "أي حكم يغلط يتحاسب".. خبير تحكيمي يعلق على طرد محمد هاني بمباراة الأهلي وفاركو    ترامب يهاجم وسائل الإعلام الكاذبة بشأن اختيار مكان انعقاد قمته مع بوتين    تامر عبدالمنعم: «سينما الشعب» تتيح الفن للجميع وتدعم مواجهة التطرف    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 18 أغسطس    وصفة مغذية وسهلة التحضير، طريقة عمل كبد الفراخ    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    أحمد إبراهيم يوضح موقفه من أزمة مها أحمد.. ماذا قال؟    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    الأونروا: ما يحدث في قطاع غزة أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    البنك المصري الخليجي يتصدر المتعاملين الرئيسيين بالبورصة خلال جلسة بداية الأسبوع    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    أحمد شوبير يكشف موعد عودة إمام عاشور للمشاركة في المباريات مع الأهلي    رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    وزارة التربية والتعليم تصدر 24 توجيهًا قبل بدء العام الدراسي الجديد.. تشديدات بشأن الحضور والضرب في المدراس    مصرع طفل أسفل عجلات القطار في أسيوط    التحقيق في مقتل لاعبة جودو برصاص زوجها داخل شقتهما بالإسكندرية    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    موعد فتح باب التقديم لوظائف وزارة الإسكان 2025    سامح حسين يعلن وفاة الطفل حمزة ابن شقيقه عن عمر يناهز ال 4 سنوات    هاجر الشرنوبي تدعو ل أنغام: «ربنا يعفي عنها»    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    إيران تؤكد احترام سيادة لبنان وتعلن دعمها في مواجهة إسرائيل    احتجاجات غاضبة أمام مقر نتنياهو تتحول إلى مواجهات عنيفة    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    الأمم المتحدة: نصف مليون فلسطيني في غزة مهددون بالمجاعة    أبرز تصريحات رئيس الوزراء خلال لقائه نظيره الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن خطف الأطفال وسرقة الأعضاء البشرية (فيديو)    متحدث الصحة يكشف حقيقة الادعاءات بخطف الأطفال لسرقة أعضائهم    أمسية دينية بلمسة ياسين التهامى فى حفل مهرجان القلعة    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    السكة الحديد: تشغيل القطار الخامس لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    ماكرون: بوتين لا يريد السلام بل يريد الاستسلام مع أوكرانيا    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    «الصيف يُلملم أوراقه».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: منخفض جوى قادم    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في واقعة مطاردة طريق الواحات    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    حماية المستهلك: نلمس استجابة سريعة من معظم التجار تجاه مبادرة خفض الأسعار    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    وزير قطاع الأعمال يشهد حفل تخرج دفعة جديدة من كلية الدراسات العليا في الإدارة بالأكاديمية العربية    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة سيميائية في " يوميات رجل منقرض "
نشر في صوت البلد يوم 19 - 09 - 2016

من العنوان، ونزولا الى حيثيات النصّ، من يوميات رجل منقرض، شكل العنوان مرتبة قصوى لانه جملة اسمية أولا، واعتمد التركيب ثانيا، لتبان لنا علامات سيميولجية، مما تعطي نفاذا مبهرا للدلالات التي سوف يتم تشخيصها عبر النص الشعري الذي رسمه الشاعر العراقي قاسم محمد مجيد، فهو ذلك المبحر ما بين المعاني كي يوظف ذلك ضمن إطار اللغة والتي اعتبرها لغته القصوى، وهي العامل التي تشدني وتشدّ القارئ بشكل عام نحو المتابعة وتمييز مظاهر تداولية وخطابية ونصية، وبما نحن مع قصيدة النثر فلقد أعطى الشاعر ميزته المتواصلة في رصد الحدث الشعري، وهي ميزة تداولية بالمعنى اللساني وتبقى اللغة الشعرية هي الواصل المعقول والدخول الى معجمه الشعري.
"لقد تنقلت اللسانيات عبر مراحل تطورها من العناية بالدراسة الصوتية والصرفية الى العناية بالتركيب ثم الدلالة. وفي كلّ مرحلة كانت تنكشف مظاهر جديدة تسهم الى جانب المظاهر الأخرى في بنية اللغة". (ص 27 – التواصل اللغوي، مقاربة لسانية وظيفية – لمؤلفه عز الدين البوشيخي).
لَيسَ هُناكَ مَن يَفتقِدُني
لذا سَأركبُ البَاصَ
إلى أقرب حَانة
وحينَ أنصَرِفُ مُتَرنِّحاً
خَيالي مُلقَى أمَامي
مَاذا أفعَل ؟
لقد انتحل الشاعر قاسم محمد مجيد صفة الرجل المنقرض، وأشغل مكانه في الخطاب، لذلك كانت الحسية حارة وهو يستخدم اللغة ولونها البارد، اي جعل الذهنية هي التي اشتغلت بحسية داخلية كي يصل الى ارادة اليوميات للرجل المنقرض. الشاعر استخدم الأفعال المضارعة لعرض محتوى اليوميات، فمفردة أركب / أنصرف وأفعلُ، كلها دلالات، تدل على زمن المستقبل، ولكن الفعل ملقى، للتعبير المجازي الذي راح يشمره بساعده، كتعبير أولي عن عدم حركة الخيال، مما أعطى للقصيدة تضليلا واضحا في عملية الخلق، أي جعلها ذات حراك ولها مساحة فضائية تتحلى بها، الشاعر الساعدي ينحى منحى سيميولوجيا، وهي كلها تصب في السيميائية واللغة التي تشغلها، فعملية الترميز علامة من العلامات تشغل النصّ وتتخلص من التقريرية، وهذا هو مراد الشعرية النظيفة وهي تطرد الحشو والكلمات الفائضة عن الحضور. لقد ارتبطت السيميائية بالمبحث اللساني وهي تزودنا بالمعارف الأخرى كالنقد الأدبي والأسلوبية والتحليل النفسي وعلم الاجتماع.
وتزودنا اللغة بالظاهرة الشمولية للشعرية وهي السنتر القيادي للشاعر والخوض بين جماليتها، واللغة ونظرية الجمال، عاملان رئيسيان في القصيدة والخوض بين حيثياتها:
تَقفُ على أطرافِ كِتمانِهِ
أسرَار!
مِثل طُيورٍ مُجَنَّحة
تُحلِّقُ فَوقَ رَأسِه
وفي أعمَاقِهِ
رَجُلٌ يُثَرثِر!
نحن أمام شاعر يعرف كيف يوظف اللغة وادخال الصور الشعرية من خلالها كي يكوّن لنا جسد القصيدة، فالمفردات التي اعتمدها الشاعر قاسم محمد مجيد، مفردات بلاغية لها الرافد في عملية الخلق الشعري، ومن دون ذلك وألا يدخل الى الشفوية في تأسيس القصيدة، ومن مثل هذه المنافذ كثيرة، وذلك لسوء ثقافة الشاعر، وشاعرنا واحد من الشعراء الذين واكبوا الحداثة وكان واحدا ممن كتب بها.
في اللوحة الثانية يرجعنا الشاعر الى الرجل نفسه، ولكن في هذه اللوحة لم يشغل مكانه "طريقة ذكية للتنويع بين ألوان اللغة وتزاوجها بشكل فني ليخرج بنتائج لها بحرها الهادئ". فالوقفة مع علامات التعجب التي رسمها، هي الفراغات التي تركها للمتلقي كي يجعله يميز ما بين اللوحتين، فلم يقف الشاعر الا مندهشا، ومن هذه الدهشة ادخل عنصرها، كي تكون القصيدة مع لغتها ذات بناء متماسك وعملية فن النظم:
في داخل الرجل يحدثنا رجل آخر / رجل يتعاطى الثرثرة / وفي خارج الحسّ الداخل، هناك الطيور المجنحة والتي آلت الى الاستعارة مما شكل الشاعر إلينا: الباث والمرسل والمرسل إليه، وهي خطوات في السيميائية وكيفية الدخول الى هذا العلم الواسع.
المفردة لدى الشاعر هي المنطق. وهي الوحدة التي رسمها في تحليل وتفكيك القصيدة، ومن دونها لا يلزمنا العمل على التفكيك والغوص بين جمل القصيدة، وهذه الوظائف لا تخطو الا من خلال التجربة الشعرية التي يتحلى بها الشاعر أو الباث.
حينَ زَارَني الوَهم
لَم أخرُج مِن النَّافِذةِ بَدَلاً مِن البَاب
أو ... أتَخيَّلُ السُّحُبَ بَحراً
والعَصافيرَ ... خُيوَلاً تَركُض
أو ظِلّي يُجَهّزُ لي فِراشَاً مِن النُّجوم
إن عنصر الخيال وحراكه، يعطي حالة الشاعر في حالة اغفاءته الشعرية، هذا يعني أنه في غيبوبة مع الشعر وتنقية الجمل والمفردات التي يدفعما نحو تأسيس جسد القصيدة، فعنصر الخيال شكّل دافعا متكاملا في خلق الفكرة والاتكاء عليها. ما بين الترميز والخيال، اعتمد على محسوسات وهو المهلهل مع نصّه الشعري مما اعطى سلطة واضحة للدال والمدلول في اللوحة الثالثة وهو يقودني ويقود الآخر الى خياله المتقن:
"يوجد دائما في كلّ واقعة لغوية نقط تلاقي من هذا النمط أو ذاك، وذلك يعود على أنّ الدليل اللغوي يمثّل مركز اللقاء بين علاقات يقيمها هذا الدليل مع دلائل أخرى منتمية الى سياقه وعلاقات متبادلة يقيمها مع دلائل أخرى حاضرة في نفس البدل الذي ينتمي إليه". (ص 37 – البنيات اللسانية في الشعر – تأليف: سمويل . ر . ليفن. ترجمة: الولي محمد والتوزاني خالد / مكتبة الأدب المغربي)
السحب لديه بحر عائم في السماء، ولكن تبقى البصرية التي انتمى الشاعر اليها عندما قال: لَم أخرُج مِن النَّافِذةِ بَدَلاً مِن البَاب .. ليرجع بنا على عنصر الخيال من خلال الذهنية ثانية ليقول لنا: والعَصافيرَ ... خُيوَلاً تَركُض. إن ما بين البصرية التي تعتمد التخييل وما بين الذهنية التي تعتمد الخيال رسم الشاعر هذه المراوغات اللغوية بعيدا عن الاخر، وانما شارك رجله المنقرض في عملية تأسيس الغرف الوحدوية ما بينه وبين رجله.
من يوميات رجل منقرض، والانقراض يشمل المحسوس الذي عاش ولم يرجع ثانية هكذا أراد الشاعر أن يؤول عنوانه والذي لا بد من الرجوع اليه في نهاية المقالة، وقد كان العراق هو الاقرب اليه، ولكن هنا استخدم الشاعر، ما بين التباعد (الانقراض) والتقارب وهي حالة العراق الباكية.
يعتبر نصّ الشاعر العراقي قاسم محمد مجيد من النصوص الاستثنائية والتي أدرجها في خزينة الذاكرة، فليس من السهل والابحار من مثل هكذا نصوص مميزة.
الشاعر العراقي قاسم محمد مجيد من الشعراء المحدثين لنصوصهم وهو يتابع بشغف ويتفاعل مع الحداثة على مدار العام.
من يوميات رجل منقرض
لَيسَ هُناكَ مَن يَفتقِدُني
لذا سَأركبُ البَاصَ
إلى أقرب حَانة
وحينَ أنصَرِفُ مُتَرنِّحاً
خَيالي مُلقَى أمَامي
مَاذا أفعَل؟
وكَثيرٌ مِن الضَّجيجِ حَولي
وأفوَاه ...
مَحشوّةٌ بالرَّمل؟
***
تَقفُ على أطرافِ كِتمانِهِ
أسرَار!
مِثل طُيورٍ مُجَنَّحة
تُحلِّقُ فَوقَ رَأسِه
وفي أعمَاقِهِ
رَجُلٌ يُثَرثِر!
***
حينَ زَارَني الوَهم
لَم أخرُج مِن النَّافِذةِ بَدَلاً مِن البَاب
أو ... أتَخيَّلُ السُّحُبَ بَحراً
والعَصافيرَ ... خُيوَلاً تَركُض
أو ظِلّي يُجَهّزُ لي فِراشَاً مِن النُّجوم
كُنتُ نِصفَ عَاقِل
أبحَثُ عَنِ الصُّراخ ... في صَناديقِ نُعوشِ المَوتَى
وهِي تُشيرُ للقَمرِ بِإصبَعِها
هَكذا أيَامي
أنا أكثرُ شَيخوخَة
وأمشِي على أطرافِ أصَابِعِ المَلَل
***
في جَيبِ الأيّام
سَحَابةٌ على شَكلِ ... قُبَّعة
حَاوَلتُ أن أدُسَّ ... قَمَراً يَشبَهُ رَغيفَ خُبز
مَددتُّ يَدي
ولَمَستُ بِلُطفٍ كَتفَ المُصيبَة
من العنوان، ونزولا الى حيثيات النصّ، من يوميات رجل منقرض، شكل العنوان مرتبة قصوى لانه جملة اسمية أولا، واعتمد التركيب ثانيا، لتبان لنا علامات سيميولجية، مما تعطي نفاذا مبهرا للدلالات التي سوف يتم تشخيصها عبر النص الشعري الذي رسمه الشاعر العراقي قاسم محمد مجيد، فهو ذلك المبحر ما بين المعاني كي يوظف ذلك ضمن إطار اللغة والتي اعتبرها لغته القصوى، وهي العامل التي تشدني وتشدّ القارئ بشكل عام نحو المتابعة وتمييز مظاهر تداولية وخطابية ونصية، وبما نحن مع قصيدة النثر فلقد أعطى الشاعر ميزته المتواصلة في رصد الحدث الشعري، وهي ميزة تداولية بالمعنى اللساني وتبقى اللغة الشعرية هي الواصل المعقول والدخول الى معجمه الشعري.
"لقد تنقلت اللسانيات عبر مراحل تطورها من العناية بالدراسة الصوتية والصرفية الى العناية بالتركيب ثم الدلالة. وفي كلّ مرحلة كانت تنكشف مظاهر جديدة تسهم الى جانب المظاهر الأخرى في بنية اللغة". (ص 27 – التواصل اللغوي، مقاربة لسانية وظيفية – لمؤلفه عز الدين البوشيخي).
لَيسَ هُناكَ مَن يَفتقِدُني
لذا سَأركبُ البَاصَ
إلى أقرب حَانة
وحينَ أنصَرِفُ مُتَرنِّحاً
خَيالي مُلقَى أمَامي
مَاذا أفعَل ؟
لقد انتحل الشاعر قاسم محمد مجيد صفة الرجل المنقرض، وأشغل مكانه في الخطاب، لذلك كانت الحسية حارة وهو يستخدم اللغة ولونها البارد، اي جعل الذهنية هي التي اشتغلت بحسية داخلية كي يصل الى ارادة اليوميات للرجل المنقرض. الشاعر استخدم الأفعال المضارعة لعرض محتوى اليوميات، فمفردة أركب / أنصرف وأفعلُ، كلها دلالات، تدل على زمن المستقبل، ولكن الفعل ملقى، للتعبير المجازي الذي راح يشمره بساعده، كتعبير أولي عن عدم حركة الخيال، مما أعطى للقصيدة تضليلا واضحا في عملية الخلق، أي جعلها ذات حراك ولها مساحة فضائية تتحلى بها، الشاعر الساعدي ينحى منحى سيميولوجيا، وهي كلها تصب في السيميائية واللغة التي تشغلها، فعملية الترميز علامة من العلامات تشغل النصّ وتتخلص من التقريرية، وهذا هو مراد الشعرية النظيفة وهي تطرد الحشو والكلمات الفائضة عن الحضور. لقد ارتبطت السيميائية بالمبحث اللساني وهي تزودنا بالمعارف الأخرى كالنقد الأدبي والأسلوبية والتحليل النفسي وعلم الاجتماع.
وتزودنا اللغة بالظاهرة الشمولية للشعرية وهي السنتر القيادي للشاعر والخوض بين جماليتها، واللغة ونظرية الجمال، عاملان رئيسيان في القصيدة والخوض بين حيثياتها:
تَقفُ على أطرافِ كِتمانِهِ
أسرَار!
مِثل طُيورٍ مُجَنَّحة
تُحلِّقُ فَوقَ رَأسِه
وفي أعمَاقِهِ
رَجُلٌ يُثَرثِر!
نحن أمام شاعر يعرف كيف يوظف اللغة وادخال الصور الشعرية من خلالها كي يكوّن لنا جسد القصيدة، فالمفردات التي اعتمدها الشاعر قاسم محمد مجيد، مفردات بلاغية لها الرافد في عملية الخلق الشعري، ومن دون ذلك وألا يدخل الى الشفوية في تأسيس القصيدة، ومن مثل هذه المنافذ كثيرة، وذلك لسوء ثقافة الشاعر، وشاعرنا واحد من الشعراء الذين واكبوا الحداثة وكان واحدا ممن كتب بها.
في اللوحة الثانية يرجعنا الشاعر الى الرجل نفسه، ولكن في هذه اللوحة لم يشغل مكانه "طريقة ذكية للتنويع بين ألوان اللغة وتزاوجها بشكل فني ليخرج بنتائج لها بحرها الهادئ". فالوقفة مع علامات التعجب التي رسمها، هي الفراغات التي تركها للمتلقي كي يجعله يميز ما بين اللوحتين، فلم يقف الشاعر الا مندهشا، ومن هذه الدهشة ادخل عنصرها، كي تكون القصيدة مع لغتها ذات بناء متماسك وعملية فن النظم:
في داخل الرجل يحدثنا رجل آخر / رجل يتعاطى الثرثرة / وفي خارج الحسّ الداخل، هناك الطيور المجنحة والتي آلت الى الاستعارة مما شكل الشاعر إلينا: الباث والمرسل والمرسل إليه، وهي خطوات في السيميائية وكيفية الدخول الى هذا العلم الواسع.
المفردة لدى الشاعر هي المنطق. وهي الوحدة التي رسمها في تحليل وتفكيك القصيدة، ومن دونها لا يلزمنا العمل على التفكيك والغوص بين جمل القصيدة، وهذه الوظائف لا تخطو الا من خلال التجربة الشعرية التي يتحلى بها الشاعر أو الباث.
حينَ زَارَني الوَهم
لَم أخرُج مِن النَّافِذةِ بَدَلاً مِن البَاب
أو ... أتَخيَّلُ السُّحُبَ بَحراً
والعَصافيرَ ... خُيوَلاً تَركُض
أو ظِلّي يُجَهّزُ لي فِراشَاً مِن النُّجوم
إن عنصر الخيال وحراكه، يعطي حالة الشاعر في حالة اغفاءته الشعرية، هذا يعني أنه في غيبوبة مع الشعر وتنقية الجمل والمفردات التي يدفعما نحو تأسيس جسد القصيدة، فعنصر الخيال شكّل دافعا متكاملا في خلق الفكرة والاتكاء عليها. ما بين الترميز والخيال، اعتمد على محسوسات وهو المهلهل مع نصّه الشعري مما اعطى سلطة واضحة للدال والمدلول في اللوحة الثالثة وهو يقودني ويقود الآخر الى خياله المتقن:
"يوجد دائما في كلّ واقعة لغوية نقط تلاقي من هذا النمط أو ذاك، وذلك يعود على أنّ الدليل اللغوي يمثّل مركز اللقاء بين علاقات يقيمها هذا الدليل مع دلائل أخرى منتمية الى سياقه وعلاقات متبادلة يقيمها مع دلائل أخرى حاضرة في نفس البدل الذي ينتمي إليه". (ص 37 – البنيات اللسانية في الشعر – تأليف: سمويل . ر . ليفن. ترجمة: الولي محمد والتوزاني خالد / مكتبة الأدب المغربي)
السحب لديه بحر عائم في السماء، ولكن تبقى البصرية التي انتمى الشاعر اليها عندما قال: لَم أخرُج مِن النَّافِذةِ بَدَلاً مِن البَاب .. ليرجع بنا على عنصر الخيال من خلال الذهنية ثانية ليقول لنا: والعَصافيرَ ... خُيوَلاً تَركُض. إن ما بين البصرية التي تعتمد التخييل وما بين الذهنية التي تعتمد الخيال رسم الشاعر هذه المراوغات اللغوية بعيدا عن الاخر، وانما شارك رجله المنقرض في عملية تأسيس الغرف الوحدوية ما بينه وبين رجله.
من يوميات رجل منقرض، والانقراض يشمل المحسوس الذي عاش ولم يرجع ثانية هكذا أراد الشاعر أن يؤول عنوانه والذي لا بد من الرجوع اليه في نهاية المقالة، وقد كان العراق هو الاقرب اليه، ولكن هنا استخدم الشاعر، ما بين التباعد (الانقراض) والتقارب وهي حالة العراق الباكية.
يعتبر نصّ الشاعر العراقي قاسم محمد مجيد من النصوص الاستثنائية والتي أدرجها في خزينة الذاكرة، فليس من السهل والابحار من مثل هكذا نصوص مميزة.
الشاعر العراقي قاسم محمد مجيد من الشعراء المحدثين لنصوصهم وهو يتابع بشغف ويتفاعل مع الحداثة على مدار العام.
من يوميات رجل منقرض
لَيسَ هُناكَ مَن يَفتقِدُني
لذا سَأركبُ البَاصَ
إلى أقرب حَانة
وحينَ أنصَرِفُ مُتَرنِّحاً
خَيالي مُلقَى أمَامي
مَاذا أفعَل؟
وكَثيرٌ مِن الضَّجيجِ حَولي
وأفوَاه ...
مَحشوّةٌ بالرَّمل؟
***
تَقفُ على أطرافِ كِتمانِهِ
أسرَار!
مِثل طُيورٍ مُجَنَّحة
تُحلِّقُ فَوقَ رَأسِه
وفي أعمَاقِهِ
رَجُلٌ يُثَرثِر!
***
حينَ زَارَني الوَهم
لَم أخرُج مِن النَّافِذةِ بَدَلاً مِن البَاب
أو ... أتَخيَّلُ السُّحُبَ بَحراً
والعَصافيرَ ... خُيوَلاً تَركُض
أو ظِلّي يُجَهّزُ لي فِراشَاً مِن النُّجوم
كُنتُ نِصفَ عَاقِل
أبحَثُ عَنِ الصُّراخ ... في صَناديقِ نُعوشِ المَوتَى
وهِي تُشيرُ للقَمرِ بِإصبَعِها
هَكذا أيَامي
أنا أكثرُ شَيخوخَة
وأمشِي على أطرافِ أصَابِعِ المَلَل
***
في جَيبِ الأيّام
سَحَابةٌ على شَكلِ ... قُبَّعة
حَاوَلتُ أن أدُسَّ ... قَمَراً يَشبَهُ رَغيفَ خُبز
مَددتُّ يَدي
ولَمَستُ بِلُطفٍ كَتفَ المُصيبَة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.