هكذا قصص الحب الخالدة تنطلق كشهاب أبدي لا يبهت ولا ينطفئ. لم يمت عشق إيشيمي فوكودا لألما بيلاسكو، في «العاشق الياباني» أحدث روايات إيزابيل ألليندي، حين توقف قلبه عن الخفقان بسكتة قلبية. وكذلك لن تنتهي تلك القصة الهائلة برحيل ألما الفاجع محطمةً وممزقة الأوصال بحادث سيارة مميت بعد موت إيشيمي بثلاث سنوات. سيبقى هذا الحب خالداً عبر عشرات الرسائل التي تبادلها العاشقان على امتداد خمسين عاماً من إخفاء حبهما عن العالم، العالم الغارق في خطاياه وأكاذيبه. ستخلد ألما ذاك الحب في ما تركته من رسوم على شالات الحرير الفاخرة وفي قصر جرف البحر بسان فرانسيسكو، وبالمقابل سيفعل إيشيمي ذات الشيء في كل زهرة زرعها في فردوس الزهور واهتم بها انطلاقاً من وحي حبهما العظيم. الحب الممنوع عليهما كيهودية في أربعينيات القرن الماضي، يتوجب عليها أن لا تفكر بغير يهودي ليكون زوجاً؛ وهو كوافد إلى أمريكا من اليابان، البلد المعادي لأمريكا زاد في تعقيد بل استحالة تحقق هذا الحب، خاصة بعد قصف بيرل هاربر حين تم عقاب اليابانيين الأمريكين بشكل جماعي عبر إرسالهم إلى معسكرات مغلقة في عدد من الصحاري الأمريكية في يوتا ونيفادا. سيموت الحب دلالياً حين تضطر ألما إلى المجازفة بحياتها والذهاب إلى المكسيك للتخلص من الجنين، حملها من إيشيمي، إذ كان ممنوعاً حتى لسيدة متزوجة أن تجهض. ناثانييل ابن عمها، صرخ بوجه صاحب العيادة القذرة في مكسيكو، لقد غيرنا رأينا سنحتفظ بالجنين، لذعره مما يمكن أن يحصل لألما بين يدي القابلة التي كانت ستقوم بالإجهاض بعد إعطاء ألما زجاجة من الروم كي تتحمل آلام التجريف. سيتزوج ناثانييل، الذي سنكتشف في نهاية الرواية بأنه مثلي، من ألما زواجاً شكلياً لحفظ ماء وجه ابنة عمه ووجه العائلة، الأمر الذي أفرح إسحق بيلاسكو، أباه، لأن ابنة أخيه ستكون بأيد أمينة ولن تغادر البيت الذي احتضنها وهي طفلة مذعورة ومهربة من احتمال الإبادة في معسكرات النازية. أقدار ألما العجيبة لا ترحمها، ستتعرض لنوبة صرع تفقد بسببها جنينها من حبيبها الياباني، وتغرق في كآبة تثير خوف كل من حولها لإسرافها في البكاء والكحول محاولة نسيان إخفاق أهمّ ما عاشته في حياتها، الحب الذي تذوقته بنهم وصعدت درجاته بتهور وإقدام الشجعان، ووصلت ذُرى لم تحلم بها. ألليندي تخصص فصلا كاملا لتوصيف تفاصيل ذاك الحب كما دونته ألما في يومياتها: «اكتشفت ألما مع إيشيمي الخفايا المتعددة للحب واللذة، من الهياج الشديد والعاطفة المتسرعة إلى تلك اللحظات المقدسة حيث كانا يحلقان من سعادتهما وعاطفتهما؛ ساكنين جنبا إلى جنب في السرير. ينظران بلا نهاية في عيني بعضهما مشبعين؛ وخجلين. يلمسان أعمق ما في روحيهما متخففين من كل الشكلانيات، مستلقيين معا بمنتهى الهشاشة وبمنتهى النشوة. لا يتمكنا من التمييز بين السعادة والحزن بين أعجوبة الحياة وبين إغواء الموت اللذيذ؛ هنا معاً حيث لن يفترقا أبداً معزولين عن العالم بسحر الحب». ستتجاهل ألما أصواتا تصرخ في داخلها تدعوها للعودة لأن تكون حذرة، منبهة إياها من العواقب. عاشا فقط لكل نهار التقيا فيه لم يكن هناك أمس ولا غد، كانا هما فقط في الغرفة الوسخة ذات النوافذ الكثيرة والأغطية المهترئة. كانا هناك منذ قبلة الشوق على باب الغرفة وقبل أن يغلقاها حتى، هناك صعدت رغباتهما؛ يخلعان ثيابهما التي تكومت حيث وقعت. جسدان عاريان ومرتعشان؛ كلاهما يشرب حموضة ورائحة وحرارة الآخر؛ ملمس الجلد والشعر؛ عظمة أن يضيعا في نشوتهما حتى ينطفأا فيجددا رغبتهما من جديد… كل منهما غائب في حضن الآخر. يتبادلان الضحك والنكات والأسرار الهامسة ؛ ويتجولان معا في هذا الكون البديع للذة. كشفت أصابع إيشيمي الموهوبة والتي تحيي النبتة الميتة وتصلح الساعة دون النظر إليها، طبيعة ألما المتمردة والجائعة. كانت جريئة، كان متردداً، كانت صاخبة أثناء وصولها ذروتها، كان يضع يده على فمها. صاغت سلسلة من العبارات الرومانسية الطرية والتواقة والشهوانية والبذيئة التي همست بها في أذنه أو كتبتها في مراسلاتها العاجلة بينما احتفظ هو بطبيعته المتحفظة المرتبطة بشخصيته وثقافته. منحت ألما نفسها متعة الحب اللاواعية. استغربت عدم انتباه الآخرين للمعان بشرتها، لسوادِ لُب عينيها ولخفة خطواتها وتراخي صوتها، الطاقة الحارقة التي لم ولن تستطيع التحكم بها. كتبت في يومياتها بأنها كانت تعوم بإحساس من فقاعات المياه المعدنية على جلدها، ما جعل أسفل جسدها مقشعراً من اللذة. كانت واثقة بأن قلبها سينفجر مثل بالون منفوخ، هذا القلب الكبير والممتلئ بإيشيمي فقط حيث بدا العالم كله بعيداً وضبابياً. تنبيهاته للاهتمام بها، ورعاية النباتات، عبارات الحب التي همس لها بها باليابانية لأنها بدت غير حقيقية بالانكليزية، عن دهشته وإعجابه برسومها وتصميماتها لتقليد فيرا نيومان، عدم توقفه ولو للحظة ليتحسر على أنه وبرغم موهبته في الرسم وعمله المتواصل في حديقة الزهور لم يتمكن إلا قليلاً من الرسم في بعض الساعات المتاحة، قبل أن تأتي إلى عالمه وتأخذ كل الوقت وتأخذ كل الهواء، وبأن حاجتها لتشعر أنها محبوبة لا تُشبع. ستحملُ ألما وتنجبُ من ناثانييل وحيدها لاري وستمارس حياتها كمصصمة رسوم للملابس والشالات، وسيتابع ناثانييل حياته كمحامٍ لامع في سان فرانسيسكو، فيقضي ساعات عمل أطول في المكتب كي يصل متعباً ومنهكاً بما يكفي كي يتجنب تفاصيل أسئلة واستهجان أمه: لِمَ ينام هو وألما في غرفتين مستقلتين؟ سيعهد ناثانييل وألما بتربية وحيدهما لجديه إسحق وليليان، المهمة التي أشاعت سعادة وهناءة في السنوات الأخيرة من حياة إسحق بيلاسكو الذي يورث عائلته امبراطورية مال وأعمال وسمعة. عاشت ألما كي تنسى ما كان يتجذر في داخلها طوال حياتها الطويلة والحافلة. مرت سبعون عاماً منذ أن عرفت إيشيمي. لم تحب أحداً سواه رغم محاولاتها الكثيرة والمجنونة أن تزيحه من وعيها كأنها كانت تغذيه لينمو أكثر، كطقس تعبد في القرى اليابانية التي سارت فيها أسابيع طويلة في رحلة خاصة لتعلّم التخطيط بالحبر الصيني على الحرير. في كل مكان كانت تعثر على أثر لإيشيمي الذي قضى سنوات في التنسك كي ينسى أيضاً. يكتب لها في رسالة تعود إلى تموز (يوليو) 1969: «لا مفر من حبنا ألما، لطالما عرفتُ هذا دوماً بالرغم من أنني قاومته لسنوات وحاولت مسحكِ من ذهني متيقناً بأنني لا أستطيع أن أزيحك من قلبي. حين غادرتني دون إعطاء أي سبب يمكنني فهمه شعرت بالخيانة المريرة. لكن وفي أول رحلة لي إلى اليابان توفر لدي الوقت لأهدأ والقبول في النهاية بأني قد خسرتك في هذه الحياة. توقفتُ عن تخميناتي اليائسة لما يمكن أن ينهي ما كان بيننا. فقدتُ أي أمل بأن يجمعنا القدر من جديد؛ الآن بعد انقطاع أربعة عشر عاماً أفكر بك كل يوم؛ أتفهم جيداً بأننا لا يمكن أن نكون زوجاً وزوجة أبداً ولكن لا يمكن أن نتنازل عما نشعره تجاه بعضنا بهذه القوة والكثافة .أدعوكِ للعيش في حبنا كمن يسكن فقاعة، محميةً من أشواك الحياة ومحفوظة من أي أذى لبقية عُمرينا وما بعد الموت. إنها مسؤوليتنا للحفاظ على حبنا إلى الأبد». «العاشق الياباني» رواية مكتوبة بقلم امرأة لها ملايين الأرواح والقلوب، وعابرة للثقافات تنقل الحكايات العادية عبر سير نزلاء «بيت القبّرة»، وهو دار رعاية في سان فرانسيسكو. كل حكاية هي سلة حكايات تتنوع في مشهديتها ودلالاتها، من قصص غرام عادية إلى عذابات مراهقة هاربة من جحيم قصة ابتزاز جنسي لها كطفلة من قبل زوج أمها المدمن، إلى ملحمة ألما بيلاسكو والتي احتلت سيرتها مجمل الكتاب. تصوّر ألليندي بإتقان جراح نقل أعضاء بشرية، لتبدو روايتها فيلماً يمكن مشاهدته دون شاشة، بكل الأبعاد، ويخال للقارئ بأن ذاك الشخص لا يمكن أن يسرد حكايته إلا كما روتها الكاتبة. عبر حكايات الأبطال نمرُ على الهولوكوست بشكل عابر ومختصر ودون مبالغة، فالجزء المرتبط بطفولة ألما يبقى شبه غامض لها بعد أن تصبح شابة تكاد لا تذكر شيئاً عن الزمن الممتد قبل ترحيلها برحلة بحرية من لندن إلى سان فرانسيسكو سنة 1939. مضت عقود على تلك الهجرة حتى اقتنعت ألما بأنها لن ترى والديها أبداً، بعد أن قضيا في أحد معسكرات الإبادة. ستزور مع زوجها ناثانييل مقبرة ظُنت أن رفات والديها فيها قرب وارسو. ألما، الطفلة التي نمت على يقين بأنها تفقد كل من تحبه، تعلمت أيضاً أن لا تبكي ولا تظهر انفعالاتها حتى حين تحطمت عظامها في الحادث المميت وحقنوها بمخدر يكفي لتنويم حصان. ظلت متيقظة، تردد بهدوء اسم إيشيمي، قبل أن تغادر بهدوء العالم الذي حرمها أغلى ما تمنت عيشه: حب حياتها. «العاشق الياباني» قصائد حب خالدة، بقلم امرأة بارعة في الكتابة عن الحب. هكذا قصص الحب الخالدة تنطلق كشهاب أبدي لا يبهت ولا ينطفئ. لم يمت عشق إيشيمي فوكودا لألما بيلاسكو، في «العاشق الياباني» أحدث روايات إيزابيل ألليندي، حين توقف قلبه عن الخفقان بسكتة قلبية. وكذلك لن تنتهي تلك القصة الهائلة برحيل ألما الفاجع محطمةً وممزقة الأوصال بحادث سيارة مميت بعد موت إيشيمي بثلاث سنوات. سيبقى هذا الحب خالداً عبر عشرات الرسائل التي تبادلها العاشقان على امتداد خمسين عاماً من إخفاء حبهما عن العالم، العالم الغارق في خطاياه وأكاذيبه. ستخلد ألما ذاك الحب في ما تركته من رسوم على شالات الحرير الفاخرة وفي قصر جرف البحر بسان فرانسيسكو، وبالمقابل سيفعل إيشيمي ذات الشيء في كل زهرة زرعها في فردوس الزهور واهتم بها انطلاقاً من وحي حبهما العظيم. الحب الممنوع عليهما كيهودية في أربعينيات القرن الماضي، يتوجب عليها أن لا تفكر بغير يهودي ليكون زوجاً؛ وهو كوافد إلى أمريكا من اليابان، البلد المعادي لأمريكا زاد في تعقيد بل استحالة تحقق هذا الحب، خاصة بعد قصف بيرل هاربر حين تم عقاب اليابانيين الأمريكين بشكل جماعي عبر إرسالهم إلى معسكرات مغلقة في عدد من الصحاري الأمريكية في يوتا ونيفادا. سيموت الحب دلالياً حين تضطر ألما إلى المجازفة بحياتها والذهاب إلى المكسيك للتخلص من الجنين، حملها من إيشيمي، إذ كان ممنوعاً حتى لسيدة متزوجة أن تجهض. ناثانييل ابن عمها، صرخ بوجه صاحب العيادة القذرة في مكسيكو، لقد غيرنا رأينا سنحتفظ بالجنين، لذعره مما يمكن أن يحصل لألما بين يدي القابلة التي كانت ستقوم بالإجهاض بعد إعطاء ألما زجاجة من الروم كي تتحمل آلام التجريف. سيتزوج ناثانييل، الذي سنكتشف في نهاية الرواية بأنه مثلي، من ألما زواجاً شكلياً لحفظ ماء وجه ابنة عمه ووجه العائلة، الأمر الذي أفرح إسحق بيلاسكو، أباه، لأن ابنة أخيه ستكون بأيد أمينة ولن تغادر البيت الذي احتضنها وهي طفلة مذعورة ومهربة من احتمال الإبادة في معسكرات النازية. أقدار ألما العجيبة لا ترحمها، ستتعرض لنوبة صرع تفقد بسببها جنينها من حبيبها الياباني، وتغرق في كآبة تثير خوف كل من حولها لإسرافها في البكاء والكحول محاولة نسيان إخفاق أهمّ ما عاشته في حياتها، الحب الذي تذوقته بنهم وصعدت درجاته بتهور وإقدام الشجعان، ووصلت ذُرى لم تحلم بها. ألليندي تخصص فصلا كاملا لتوصيف تفاصيل ذاك الحب كما دونته ألما في يومياتها: «اكتشفت ألما مع إيشيمي الخفايا المتعددة للحب واللذة، من الهياج الشديد والعاطفة المتسرعة إلى تلك اللحظات المقدسة حيث كانا يحلقان من سعادتهما وعاطفتهما؛ ساكنين جنبا إلى جنب في السرير. ينظران بلا نهاية في عيني بعضهما مشبعين؛ وخجلين. يلمسان أعمق ما في روحيهما متخففين من كل الشكلانيات، مستلقيين معا بمنتهى الهشاشة وبمنتهى النشوة. لا يتمكنا من التمييز بين السعادة والحزن بين أعجوبة الحياة وبين إغواء الموت اللذيذ؛ هنا معاً حيث لن يفترقا أبداً معزولين عن العالم بسحر الحب». ستتجاهل ألما أصواتا تصرخ في داخلها تدعوها للعودة لأن تكون حذرة، منبهة إياها من العواقب. عاشا فقط لكل نهار التقيا فيه لم يكن هناك أمس ولا غد، كانا هما فقط في الغرفة الوسخة ذات النوافذ الكثيرة والأغطية المهترئة. كانا هناك منذ قبلة الشوق على باب الغرفة وقبل أن يغلقاها حتى، هناك صعدت رغباتهما؛ يخلعان ثيابهما التي تكومت حيث وقعت. جسدان عاريان ومرتعشان؛ كلاهما يشرب حموضة ورائحة وحرارة الآخر؛ ملمس الجلد والشعر؛ عظمة أن يضيعا في نشوتهما حتى ينطفأا فيجددا رغبتهما من جديد… كل منهما غائب في حضن الآخر. يتبادلان الضحك والنكات والأسرار الهامسة ؛ ويتجولان معا في هذا الكون البديع للذة. كشفت أصابع إيشيمي الموهوبة والتي تحيي النبتة الميتة وتصلح الساعة دون النظر إليها، طبيعة ألما المتمردة والجائعة. كانت جريئة، كان متردداً، كانت صاخبة أثناء وصولها ذروتها، كان يضع يده على فمها. صاغت سلسلة من العبارات الرومانسية الطرية والتواقة والشهوانية والبذيئة التي همست بها في أذنه أو كتبتها في مراسلاتها العاجلة بينما احتفظ هو بطبيعته المتحفظة المرتبطة بشخصيته وثقافته. منحت ألما نفسها متعة الحب اللاواعية. استغربت عدم انتباه الآخرين للمعان بشرتها، لسوادِ لُب عينيها ولخفة خطواتها وتراخي صوتها، الطاقة الحارقة التي لم ولن تستطيع التحكم بها. كتبت في يومياتها بأنها كانت تعوم بإحساس من فقاعات المياه المعدنية على جلدها، ما جعل أسفل جسدها مقشعراً من اللذة. كانت واثقة بأن قلبها سينفجر مثل بالون منفوخ، هذا القلب الكبير والممتلئ بإيشيمي فقط حيث بدا العالم كله بعيداً وضبابياً. تنبيهاته للاهتمام بها، ورعاية النباتات، عبارات الحب التي همس لها بها باليابانية لأنها بدت غير حقيقية بالانكليزية، عن دهشته وإعجابه برسومها وتصميماتها لتقليد فيرا نيومان، عدم توقفه ولو للحظة ليتحسر على أنه وبرغم موهبته في الرسم وعمله المتواصل في حديقة الزهور لم يتمكن إلا قليلاً من الرسم في بعض الساعات المتاحة، قبل أن تأتي إلى عالمه وتأخذ كل الوقت وتأخذ كل الهواء، وبأن حاجتها لتشعر أنها محبوبة لا تُشبع. ستحملُ ألما وتنجبُ من ناثانييل وحيدها لاري وستمارس حياتها كمصصمة رسوم للملابس والشالات، وسيتابع ناثانييل حياته كمحامٍ لامع في سان فرانسيسكو، فيقضي ساعات عمل أطول في المكتب كي يصل متعباً ومنهكاً بما يكفي كي يتجنب تفاصيل أسئلة واستهجان أمه: لِمَ ينام هو وألما في غرفتين مستقلتين؟ سيعهد ناثانييل وألما بتربية وحيدهما لجديه إسحق وليليان، المهمة التي أشاعت سعادة وهناءة في السنوات الأخيرة من حياة إسحق بيلاسكو الذي يورث عائلته امبراطورية مال وأعمال وسمعة. عاشت ألما كي تنسى ما كان يتجذر في داخلها طوال حياتها الطويلة والحافلة. مرت سبعون عاماً منذ أن عرفت إيشيمي. لم تحب أحداً سواه رغم محاولاتها الكثيرة والمجنونة أن تزيحه من وعيها كأنها كانت تغذيه لينمو أكثر، كطقس تعبد في القرى اليابانية التي سارت فيها أسابيع طويلة في رحلة خاصة لتعلّم التخطيط بالحبر الصيني على الحرير. في كل مكان كانت تعثر على أثر لإيشيمي الذي قضى سنوات في التنسك كي ينسى أيضاً. يكتب لها في رسالة تعود إلى تموز (يوليو) 1969: «لا مفر من حبنا ألما، لطالما عرفتُ هذا دوماً بالرغم من أنني قاومته لسنوات وحاولت مسحكِ من ذهني متيقناً بأنني لا أستطيع أن أزيحك من قلبي. حين غادرتني دون إعطاء أي سبب يمكنني فهمه شعرت بالخيانة المريرة. لكن وفي أول رحلة لي إلى اليابان توفر لدي الوقت لأهدأ والقبول في النهاية بأني قد خسرتك في هذه الحياة. توقفتُ عن تخميناتي اليائسة لما يمكن أن ينهي ما كان بيننا. فقدتُ أي أمل بأن يجمعنا القدر من جديد؛ الآن بعد انقطاع أربعة عشر عاماً أفكر بك كل يوم؛ أتفهم جيداً بأننا لا يمكن أن نكون زوجاً وزوجة أبداً ولكن لا يمكن أن نتنازل عما نشعره تجاه بعضنا بهذه القوة والكثافة .أدعوكِ للعيش في حبنا كمن يسكن فقاعة، محميةً من أشواك الحياة ومحفوظة من أي أذى لبقية عُمرينا وما بعد الموت. إنها مسؤوليتنا للحفاظ على حبنا إلى الأبد». «العاشق الياباني» رواية مكتوبة بقلم امرأة لها ملايين الأرواح والقلوب، وعابرة للثقافات تنقل الحكايات العادية عبر سير نزلاء «بيت القبّرة»، وهو دار رعاية في سان فرانسيسكو. كل حكاية هي سلة حكايات تتنوع في مشهديتها ودلالاتها، من قصص غرام عادية إلى عذابات مراهقة هاربة من جحيم قصة ابتزاز جنسي لها كطفلة من قبل زوج أمها المدمن، إلى ملحمة ألما بيلاسكو والتي احتلت سيرتها مجمل الكتاب. تصوّر ألليندي بإتقان جراح نقل أعضاء بشرية، لتبدو روايتها فيلماً يمكن مشاهدته دون شاشة، بكل الأبعاد، ويخال للقارئ بأن ذاك الشخص لا يمكن أن يسرد حكايته إلا كما روتها الكاتبة. عبر حكايات الأبطال نمرُ على الهولوكوست بشكل عابر ومختصر ودون مبالغة، فالجزء المرتبط بطفولة ألما يبقى شبه غامض لها بعد أن تصبح شابة تكاد لا تذكر شيئاً عن الزمن الممتد قبل ترحيلها برحلة بحرية من لندن إلى سان فرانسيسكو سنة 1939. مضت عقود على تلك الهجرة حتى اقتنعت ألما بأنها لن ترى والديها أبداً، بعد أن قضيا في أحد معسكرات الإبادة. ستزور مع زوجها ناثانييل مقبرة ظُنت أن رفات والديها فيها قرب وارسو. ألما، الطفلة التي نمت على يقين بأنها تفقد كل من تحبه، تعلمت أيضاً أن لا تبكي ولا تظهر انفعالاتها حتى حين تحطمت عظامها في الحادث المميت وحقنوها بمخدر يكفي لتنويم حصان. ظلت متيقظة، تردد بهدوء اسم إيشيمي، قبل أن تغادر بهدوء العالم الذي حرمها أغلى ما تمنت عيشه: حب حياتها. «العاشق الياباني» قصائد حب خالدة، بقلم امرأة بارعة في الكتابة عن الحب.