الأكاديمية الوطنية للتدريب ووزارة الصحة تضعان أسس شراكة استراتيجية لتطوير الكوادر (صور)    رئيس التنظيم والإدارة: الإعلان عن أكثر من 130 ألف وظيفة خلال 2025    لتطوير الكوادر الصحية.. تعاون يجمع الأكاديمية الوطنية للتدريب ووزارة الصحة    "خطر على الصحة".. العثور على كم كبير من الحشرات داخل مطعم بدمنهور    تداول 9 آلاف طن بضائع و600 شاحنة بموانئ البحر الأحمر    رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرتي تفاهم بين "التعليم" و"حكومة طوكيو" لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة    ارتفاع أسعار النفط مع تجدد المخاوف بشأن إمدادات الخام الروسي    تيسيرًا للمواطنين.. تصميم وتنفيذ بوابة جديدة لمدينة الشروق    وزير الري: إزالة 13.5 ألف حالة تعدٍ على نهر النيل والترع والمصارف    تغيير اسم مطار برج العرب إلى مطار الإسكندرية الدولي    800 طن يوميا مخلفات صلبة.. تطوير وتحسن جودة مصنع تدوير المحلة    وزير البترول يتفقد مصفاة تكرير ميدور لمتابعة أعمال التطوير والتوسعات الجديدة    جيش الاحتلال يخطط لاستدعاء 130 ألف جندي احتياط    مستوطنون يقتحمون قرية يبرود شرق رام الله    «مدبولي»: مصر تستضيف النسخة ال5 من «منتدى أسوان» خلال أكتوبر    «سي إن إن» تبرز جهود مصر الإغاثية التى تبذلها لدعم الأشقاء في غزة    مصر ترحب بالجهود الدولية لإحلال السلام في أوكرانيا    الخارجية الفلسطينية تستنكر هجوم نتنياهو على فرنسا وأستراليا    رئيس التنظيم والإدارة: إنشاء مركز لتقييم اختبارات المتقدمين للوظائف في الوادي الجديد    الدقائق الأخيرة قبل دفن جثمان والد الشناوي    قرار حاسم بحل أزمة نادي الزمالك ووزارة الإسكان، اعرف التفاصيل    محمد صلاح يوجه رسالة بعد حصد جائزة لاعب العام في إنجلترا    انهيار عقار مكون من 4 طوابق بالزقازيق، وأنباء عن وفيات ومصابين ومفقودين    ضبط المتهمين بقيادة سيارتين بطريقة استعراضية بالشرقية    الأرصاد: انخفاض طفيف في درجات الحرارة على أغلب الأنحاء    ضبط المتهمين بالتنقيب عن الآثار داخل عقار بالخليفة    إصابة 5 أشخاص في حادث انقلاب تروسيكل بالشرقية    أسرة شيماء جمال تستعد لإقامة عزاء رسمي الثلاثاء المقبل    ما بين إلغاءه واستئناف تصويره.. القصة الكاملة لأزمة فيلم «طلقني»    انطلاق المهرجان الختامي لشرائح ونوادي مسرح الطفل في دورته الأولى    أزمات نجوم الفن.. تطورات حالة أنغام الصحية واستغاثة نجوى فؤاد    كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما؟.. الإفتاء تجيب    هل اتباع النساء للجنائز جائز أم مكروه شرعًا؟.. الإفتاء تجيب    أمين الفتوى يحذر من ال"فيمينست المغشوشة": تقدم صورة مشوَّهة عن المرأة المصرية    جامعة الإسكندرية شريك استراتيجي في إنجاح منظومة التأمين الصحي الشامل    العقارب تلدغ طفلين في الوادي الجديد    تفاصيل زيارة وزير الشئون النيابية لمستشفى الناس    طريقة عمل الناجتس، أكلة مميزة وتوفر في الميزانية    صلاح: التتويج بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج بعمر 33 إنجاز مذهل    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 10 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    إصابة 16 شخصًا في تصادم سيارتين بسفاجا    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 وعدد الإجازات الرسمية المتبقية في العام    وزير الدفاع يلتقي مقاتلي المنطقة الشمالية.. ويطالب بالاستعداد القتالي الدائم والتدريب الجاد    محافظ القاهرة يقرر النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوي العام    وزير الخارجية يؤكد لرئيس الوزراء اللبناني دعم مصر الكامل لاستقرار لبنان    الاحتلال الإسرائيلي يقتل نجم كرة السلة الفلسطينى محمد شعلان أثناء محاولته الحصول على المساعدات    رئيس الوزراء: أدعو الطلاب اليابانيين للدراسة في مصر    بعد تداعيات الجراحة الثانية.. شقيق أنغام يدعو لها بالشفاء    الموعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والقادسية في كأس السوبر السعودي    اليوم.. افتتاح معرض السويس الثالث للكتاب بمشاركة دور النشر المصرية    حمزة نمرة: حلمي بالكمال كان بيرهقني جدًا    فانتازي يلا كورة.. انخفاض سعر عمر مرموش    "حياة كريمة" تقدم خدماتها الطبية المجانية ل 1200 مواطن بالمنيا    رعاية القلوب    ذات يوم 20 أغسطس 1953.. إذاعة صوت العرب تحرض المغاربة ضد نفى الاحتلال الفرنسى للسلطان محمد الخامس.. و«علال الفاسى» يبكى أثناء تسجيل كورال أطفال نشيد «يا مليك المغرب»    طلاب الثانوية العامة بالنظام الجديد يؤدون امتحان الدور الثاني في الرياضيات البحتة    ويجز يحيي حفلا بمهرجان العلمين الجمعة 22 أغسطس (اعرف شروط الدخول)    "مكانش بيسيب فرض"..جيران والد حارس الأهلي في كفر الشيخ يكشفون اللحظات الأخيرة في حياته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد سعيد المرتجي: الفن الإسلامي مزج هويات حضارية متنوعة
نشر في صوت البلد يوم 08 - 09 - 2016

شغل محمد سعيد المرتجي، الناقد والأستاذ الجامعي، مناصب عدّة تنوعت في مجالات اكاديمية وبحثية، وبعضها في مجالات الفن والمتاحف. فهو اضافة الى كونه باحث متخصص في الفنون والمتاحف وعضو في مختبر البحث في المغرب والعوالم الغربي، نال شهادة الدكتوراه من جامعة أفينيون وبلاد الفوكلوز في فرنسا، تحت إشراف الباحث جون دافالون في موضوع «الفن الإسلامي في المتاحف الفرنسية».
التقينا بالمرتجي، وأجرت معه حواراً، حول تشكل «الفن الإسلامي» وأصول هذا المصطلح وعلاقته بالفنون المعاصرة، وتمثلاته في المتاحف العالمية منذ القرن 19 وهنا نص الحوار:
- نتحدث عن مصطلح فن إسلامي كمقابل لمصطلح الفن الغربي، بينما اصطلاح «إسلامي» هو إحالة إلى دين ومعتقد و»الغربي» إلى جغرافيا واتجاه. كيف يمكن إذن أن نتحدث عن تقابل بين هذين المصطلحين؟ أو لماذا الفن الإسلامي وليس فنا آخر؟
في الحقيقة إذا ما أردنا الحديث عن الفن الإسلامي، ما كان ليوجد لولا قدوم الإسلام، هذه أول بديهية للحديث عن مصطلح الفن الإسلامي. إن تسمية الفن الإسلامي دائما كانت مرتبطة حتى بالنسبة للذين يستعملون هذا المصطلح ليس باعتباره فنا دينيا محضا، وحينما أقول ليس فنا دينيا وبالتالي لا يرتبط بهندسة المساجد وأدوات العبادة فقط ولكن يهتم بكل المناحي وكل التعابير الفنية. ففي السنوات الأخيرة بدأ مجموعة من الباحثين يشككون في صحة هذا المصطلح «الفن الإسلامي»، يرون بأن هذا المصطلح غير دقيق، ومرد صعوبة هذه التسمية إلى شساعة الحيز الزماني والمكاني فعندما نقول الفن الإسلامي فإننا نتحدث من بداية الإسلام إلى الآن ومن الأندلس والمغرب الى حدود الهند. بينما أرجع آخرون صعوبة هذه التسمية إلى غياب خصوصيات لهذا الفن كي نسميه إسلاميا وبالتالي اقترحوا في أن نسمي كل فن باسم الدولة أو البلد الذي أنتج هندسة ما مثلا أو أشياء أخرى… وكبدائل أوجدوا واقترحوا مجموعة من التسميات «الفن العربي» مثلا أو «الفن الفارسي» أو «التركي» أو «الفن الموريسكي» ولكن كل هذه التسميات تحمل في طياتها عدم الدقة وهي محدودية هذه التسميات لأننا عندما نتحدث عن فن عربي بالفعل أن الدولة الأموية مثلا في القرنين الأولين كانت دولة عربية يمكننا حينها أن نتحدث عن فن عربي ولكن في الوقت نفسه نتجاهل المؤثرات الخارجية (أعراق أخرى) كالفارسي أو شمال أفريقيا مثلا… وعندما نتحدث عن فن فارسي يحيلنا ذلك مباشرة إلى حقيقة جغرافية وثقافة معينة التي أصبحت تسمى مدرسة الفن الفارسي داخل الفن الإسلامي. أما حين نتكلم عن الفن الموريسكي مثلا يتبادر إلى أذهاننا فن الغرب الإسلامي، وحين نقول الخزف الموريسكي مثلا نتكلم في هذه الحالة عن خزف ذي البريق المعدني خصوصا من القرن 11 إلى القرن18 . ومؤرخو الفن يرون أن هذا الخزف الموريسكي يحددونه في العصر الوسيط فقط أي في أوائل القرن 16. هذه مجموعة من المفارقات.
- يعني يمكننا أن نقول إن مصطلح الفن الإسلامي استطاع أن ينصهر داخل الفنون الأخرى كالأمازيغي مثلاً؟
نعم فقد قدم له بصمة أتاحت لجميع هذه الفنون إمكانية الانصهار داخله لأن الجملة التي نستعمل هي أن هنالك وحدة وداخل هذه الوحدة هناك اختلاف فكل الفنون تجد لها مكانا آمنا داخل وحدة الفن الإسلامي.
- فكيف إذن نستطيع الحديث عن وحدة الفن الإسلامي ونحن نعلم أن الفن الإسلامي يستمد أصوله المعرفية والفلسفية من حضارات أخرى كالإغريقية والرومانية؟
من الثوابت الأساسية في كتابات تاريخ الفن الحديث عن أصول هذا الفن، كما يرى مجموعة من المؤرخين، وُلِدَ خارج الديار الإسلامية وبالتالي فهو فن غير أصيل. وربما هذا الحكم صائب في البدايات الأولى لتشكل الفن الإسلامي. ففي البدايات الأولى كان هناك بالفعل استلهام من طرف الفنانين «الصانع الإسلامي» التعابير الفنية وإعادة استعمال الهندسة والزخرفة لحضارات سابقة، خصوصا حين نتحدث عن البيزنطية والفنون الفارسية والرومانية والأمازيغية، لأن الإسلام جاء في مرحلة بنى ثقافته وتصوره الفلسفي للفنون في أقطار ذات تاريخ قديم وذات تقاليد فنية عريقة، وبالتالي كان من الطبيعي أنه سيكيف هذه المعارف في تصور جديد يتماشى مع الدين الإسلامي الجديد في كل تطوراته.
- هل مع حديثكم هذا، نذهب لتأكيد كلام بعض المستشرقين عن عدم وجود فن إسلامي محض وخالص وما هو إلا إعادة لما سبق؟
هذه المسألة لها علاقة مع الإرث الذي وجده الإسلام في البلدان المفتوحة، فقد شغل بال مجموعة من الباحثين وكان هناك تنظير متعلق ب«هل الإسلام عدو الفنون؟» هذه من جملة الأحكام المجحفة التي جاءت على لسان بعض المستشرقين. صحيح أن الفن الإسلامي مَتَح من الهندسة والزخرفة في القاموس الفني لتلك الحضارات السابقة. فقد وجدت تصاوير حتى في البدايات الأولى للإسلام، غير أن بصمة وأصالة الفن الإسلامي ستظهر من خلال الأعمال اللاحقة، من خلال تصور جديد مبني على:
أولا، غياب التجسيد على الأقل الإنساني والحيواني في أماكن العبادة. فقد كان هنالك غياب تام وقطعي للتجسيد، على الرغم من ذلك فإن الصورة حضرت في القرون الأولى للإسلام في أماكن معينة مثل «قصير عمرة» صور للمرأة والرجل في أماكن خاصة كالحمامات مثلا… وهي محفوظة إلى حد الآن في الحارات الأردنية… لكن أضاف إليها غياب التجسيد خاصة في أماكن العبادة.
ثانيا، على مستوى الهندسة، ومن المعروف أن العرب والمسلمين منذ البدايات كان لهم اهتمام بالرياضيات هذه الأخيرة سيستغلونها في الزخرفة الهندسية لتقدم لنا بناية مختلفة، فإذا رأينا «قبة الصخرة» مثلا أو «المسجد الأموي» في دمشق لن نعثر على أثر لتلك الأفكار التي يروجها المستشرقون في كون الفن الإسلامي أخذ من الفنون السابقة إذ لن نجد مبنى رومانيا في حضارة سابقة يشبه قبة الصخرة وحتى الدعائم أو عناصر الهندسة التي أعيد استعمالها، لأن المسلمين كانوا أذكياء عبر الرياضيات، إذ عملوا على وضع حسابات دقيقة جدا لم يسبق لحضارة أخرى أن وصلت إليه، إضافة إلى الخط العربي هذا الأخير الذي سيمنح لهذه الثقافة طابعا أصيلا متميزا عن باقي الحضارات السابقة.
- الحديث عن الفن الإسلامي يدفعنا للحديث عن التجريد وبالتالي هل يمكننا القول كما يروّج له إن الفن الإسلامي هو مهد للفن التجريدي المتعلق بالفنون المعاصرة؟
بالفعل فالسمة الأساسية الغالبة على الفن الإسلامي هي التجريد هذا الأخير وجدناه في «الأرابيسك» تلك الأشكال المتكررة كالدائرية مثلا… وهنا أحيلكم إلى انتقادات المستشرقين لتلك الأشكال، على الرغم من تأثيرها على الفنون الحديثة وهنا يمكننا أن نعود إلى السياق التاريخي لاستفادة الفنانين الحديثين والمعاصرين من الفن الإسلامي مثل بول كلي وهنري ماتيس وكاندنسكي… منذ نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 حينها كان الإبداع قد توقف نظرا لافتقاده للأفكار ومكنتهم زيارتهم إلى معرضين أوروبيين الأول في باريس سنة 1903 والثاني في ميونيخ سنة 1910. وقد ضم هذان المعرضان كل ثقافات العالم إذ سيؤثران في الجمال والذوق الفني الأوروبي آنذاك بدأ العالم يعرف عن شيء اسمه فن إسلامي، فقد كانوا يسمونه «الفن المحمدي». ومع استعمار الجزائر بدأ الغربيون يتعرفون على ثقافات أخرى ثم شرعوا في تجميع تلك التحف لعرضها في هذه المعارض الاستعمارية العالمية… هذان المعرضان سيكون لهما الأثر الكبير على الفن الحديث والمعاصر فماتيس مثلا حين سيزور هذه المعارض المؤقتة ستؤثر فيه بشكل كبير جدا لتؤثر بعدها في تاريخ الفن في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20. ابتداء من هذه الرحلة سيعرف العالم بعض الأنواع من الرحلات التي يقوم بها فنانون تشكيليون على رأسهم هنري ماتيس الذي سيزور المغرب، خاصة مدينة طنجة وكذلك دولاكروا وكاندنسكي الذي سيزور تونس… منذ هذه الفترة أصبحوا ينظرون إلى التحف على أنها فن وليس كما كانوا يسمونه «حرفة»، وبالتالي سيستلهمون منه الألوان والهندسة فبول كاندنسكي مثلا سيوظف الحروف (النون-اللام) كما ستستجيب بعض لوحاته لمجموعة من الأشكال والألوان خاصة الأزرق والأحمر… وكذلك الأمر ينطبق على ماتيس، لاسيما بعض لوحاته المعروضة مثلا في نيويورك les marocains (المغاربة) أو تحفه الموجودة في متحف بوشكين في موسكو.
- حديثنا عن الأرابيسك: لماذا تحاشى ثلة من النقاد العرب توظيف مصطلح الزخرفة الذي يعبر عن أحد أهم خصائص الفن العربي الإسلامي وذلك باستعمالهم لمصطلحي الأرابيسك أو الرقش؟
هذا السؤال يحتاج إلى نوع من التدقيق لأن «الأرابيسك» هو تعبير من التعابير الزخرفية و«الرقش» هو أيضا زخرفة، وهنا يتبين لنا شح الدراسات العربية للفن الإسلامي، إذ أن دارسي الفن الإسلامي كلهم غربيون باستثناء بعض الكتابات العربية الخجولة التي تستمد أطروحاتها من الغرب كونهم في الغرب يتوفرون على هذه الثقافة المرتبطة بالفن وتاريخه. عودة إلى مصطلح «الزخرفة» هم يتحاشونها لأنها كانت لها حمولة سلبية في الكتابات الاستشراقية فهنري تيراس حين يتكلم عن الفن الإسلامي يقول أنه فن زخرفي ويذهب بعيدا في الحديث في كونه لا يرقى إلى الفنون التصويرية التي تحتاج إلى إبداع ويرى في هذه الفنون الزخرفية فنونا متكررة معادة لا تمت للإبداع بصلة… ويحيل كذلك للوضع الاعتباري للفنان هذا الأخير في هذه الحالة ما هو إلا صانع يعيد الحركات نفسها ويقدم لنا نسخ متشابهة من المنتوجات… وبالتالي فإن مصطلح الزخرفة يتحاشاها البعض ربما بسبب هذه الحمولة السلبية التي التصقت به.
- ختاما وعودة إلى مسألة التجسيد: فمن خلال الحفريات اتضح وجود رسومات على النقود الإسلامية الأولى، بالإضافة إلى فن المنمنمات الذي يستعين بالتجسيد للحكي، فلماذا حرم هذا الفن من بعد؟
سؤال جيد لأنه يطرح مسألة التجسيد فالتجسيد كان ممنوعا حتى في الديانات الأخرى. ففي الإسلام وهذا ما لم نتكلم عنه كثيرا وهو أنه لم يكن هناك منع في التطبيق، خصوصا في القرون الثلاثة الأولى للإسلام لكن المشكل سيحدث عندما تم تجميع صحيح البخاري والإمام مسلم ففي هذه المرحلة سنرى تأويلا جديدا للتعامل مع هذه الصورة، وبعد هذه المرحلة سيصبح الغالب هو تحريم التجسيد في الفنون وغيابه في جميع الأعمال، خصوصا في شمال أفريقيا والأندلس وفي أقطار أخرى مقابل حضوره في ثقافات أخرى كالفارسية والتركية، لذلك تبقى هذه المسألة مسألة تأويل… فالتجسيد كان يتوفر على خصوصيات فالمنمنمات مثلا هي عنصر مهم جدا في الثقافات والفنون الإسلامية، لأن الصورة كانت حاضرة فيها ولكن الصورة بتصور جديد لا وجود فيه للظل والضوء وكذلك المنظور، خصوصا الوجه. فبعض المستشرقين ذهبوا إلى كون الفنان المسلم لا يتوفر على ثقافة فنية تمكنه من ذلك ولكن هذا خطأ في كون الفنان المسلم كان على وعي في تغييب الظل والضوء… كي لا يكون هنالك تقليد للخالق.
شغل محمد سعيد المرتجي، الناقد والأستاذ الجامعي، مناصب عدّة تنوعت في مجالات اكاديمية وبحثية، وبعضها في مجالات الفن والمتاحف. فهو اضافة الى كونه باحث متخصص في الفنون والمتاحف وعضو في مختبر البحث في المغرب والعوالم الغربي، نال شهادة الدكتوراه من جامعة أفينيون وبلاد الفوكلوز في فرنسا، تحت إشراف الباحث جون دافالون في موضوع «الفن الإسلامي في المتاحف الفرنسية».
التقينا بالمرتجي، وأجرت معه حواراً، حول تشكل «الفن الإسلامي» وأصول هذا المصطلح وعلاقته بالفنون المعاصرة، وتمثلاته في المتاحف العالمية منذ القرن 19 وهنا نص الحوار:
- نتحدث عن مصطلح فن إسلامي كمقابل لمصطلح الفن الغربي، بينما اصطلاح «إسلامي» هو إحالة إلى دين ومعتقد و»الغربي» إلى جغرافيا واتجاه. كيف يمكن إذن أن نتحدث عن تقابل بين هذين المصطلحين؟ أو لماذا الفن الإسلامي وليس فنا آخر؟
في الحقيقة إذا ما أردنا الحديث عن الفن الإسلامي، ما كان ليوجد لولا قدوم الإسلام، هذه أول بديهية للحديث عن مصطلح الفن الإسلامي. إن تسمية الفن الإسلامي دائما كانت مرتبطة حتى بالنسبة للذين يستعملون هذا المصطلح ليس باعتباره فنا دينيا محضا، وحينما أقول ليس فنا دينيا وبالتالي لا يرتبط بهندسة المساجد وأدوات العبادة فقط ولكن يهتم بكل المناحي وكل التعابير الفنية. ففي السنوات الأخيرة بدأ مجموعة من الباحثين يشككون في صحة هذا المصطلح «الفن الإسلامي»، يرون بأن هذا المصطلح غير دقيق، ومرد صعوبة هذه التسمية إلى شساعة الحيز الزماني والمكاني فعندما نقول الفن الإسلامي فإننا نتحدث من بداية الإسلام إلى الآن ومن الأندلس والمغرب الى حدود الهند. بينما أرجع آخرون صعوبة هذه التسمية إلى غياب خصوصيات لهذا الفن كي نسميه إسلاميا وبالتالي اقترحوا في أن نسمي كل فن باسم الدولة أو البلد الذي أنتج هندسة ما مثلا أو أشياء أخرى… وكبدائل أوجدوا واقترحوا مجموعة من التسميات «الفن العربي» مثلا أو «الفن الفارسي» أو «التركي» أو «الفن الموريسكي» ولكن كل هذه التسميات تحمل في طياتها عدم الدقة وهي محدودية هذه التسميات لأننا عندما نتحدث عن فن عربي بالفعل أن الدولة الأموية مثلا في القرنين الأولين كانت دولة عربية يمكننا حينها أن نتحدث عن فن عربي ولكن في الوقت نفسه نتجاهل المؤثرات الخارجية (أعراق أخرى) كالفارسي أو شمال أفريقيا مثلا… وعندما نتحدث عن فن فارسي يحيلنا ذلك مباشرة إلى حقيقة جغرافية وثقافة معينة التي أصبحت تسمى مدرسة الفن الفارسي داخل الفن الإسلامي. أما حين نتكلم عن الفن الموريسكي مثلا يتبادر إلى أذهاننا فن الغرب الإسلامي، وحين نقول الخزف الموريسكي مثلا نتكلم في هذه الحالة عن خزف ذي البريق المعدني خصوصا من القرن 11 إلى القرن18 . ومؤرخو الفن يرون أن هذا الخزف الموريسكي يحددونه في العصر الوسيط فقط أي في أوائل القرن 16. هذه مجموعة من المفارقات.
- يعني يمكننا أن نقول إن مصطلح الفن الإسلامي استطاع أن ينصهر داخل الفنون الأخرى كالأمازيغي مثلاً؟
نعم فقد قدم له بصمة أتاحت لجميع هذه الفنون إمكانية الانصهار داخله لأن الجملة التي نستعمل هي أن هنالك وحدة وداخل هذه الوحدة هناك اختلاف فكل الفنون تجد لها مكانا آمنا داخل وحدة الفن الإسلامي.
- فكيف إذن نستطيع الحديث عن وحدة الفن الإسلامي ونحن نعلم أن الفن الإسلامي يستمد أصوله المعرفية والفلسفية من حضارات أخرى كالإغريقية والرومانية؟
من الثوابت الأساسية في كتابات تاريخ الفن الحديث عن أصول هذا الفن، كما يرى مجموعة من المؤرخين، وُلِدَ خارج الديار الإسلامية وبالتالي فهو فن غير أصيل. وربما هذا الحكم صائب في البدايات الأولى لتشكل الفن الإسلامي. ففي البدايات الأولى كان هناك بالفعل استلهام من طرف الفنانين «الصانع الإسلامي» التعابير الفنية وإعادة استعمال الهندسة والزخرفة لحضارات سابقة، خصوصا حين نتحدث عن البيزنطية والفنون الفارسية والرومانية والأمازيغية، لأن الإسلام جاء في مرحلة بنى ثقافته وتصوره الفلسفي للفنون في أقطار ذات تاريخ قديم وذات تقاليد فنية عريقة، وبالتالي كان من الطبيعي أنه سيكيف هذه المعارف في تصور جديد يتماشى مع الدين الإسلامي الجديد في كل تطوراته.
- هل مع حديثكم هذا، نذهب لتأكيد كلام بعض المستشرقين عن عدم وجود فن إسلامي محض وخالص وما هو إلا إعادة لما سبق؟
هذه المسألة لها علاقة مع الإرث الذي وجده الإسلام في البلدان المفتوحة، فقد شغل بال مجموعة من الباحثين وكان هناك تنظير متعلق ب«هل الإسلام عدو الفنون؟» هذه من جملة الأحكام المجحفة التي جاءت على لسان بعض المستشرقين. صحيح أن الفن الإسلامي مَتَح من الهندسة والزخرفة في القاموس الفني لتلك الحضارات السابقة. فقد وجدت تصاوير حتى في البدايات الأولى للإسلام، غير أن بصمة وأصالة الفن الإسلامي ستظهر من خلال الأعمال اللاحقة، من خلال تصور جديد مبني على:
أولا، غياب التجسيد على الأقل الإنساني والحيواني في أماكن العبادة. فقد كان هنالك غياب تام وقطعي للتجسيد، على الرغم من ذلك فإن الصورة حضرت في القرون الأولى للإسلام في أماكن معينة مثل «قصير عمرة» صور للمرأة والرجل في أماكن خاصة كالحمامات مثلا… وهي محفوظة إلى حد الآن في الحارات الأردنية… لكن أضاف إليها غياب التجسيد خاصة في أماكن العبادة.
ثانيا، على مستوى الهندسة، ومن المعروف أن العرب والمسلمين منذ البدايات كان لهم اهتمام بالرياضيات هذه الأخيرة سيستغلونها في الزخرفة الهندسية لتقدم لنا بناية مختلفة، فإذا رأينا «قبة الصخرة» مثلا أو «المسجد الأموي» في دمشق لن نعثر على أثر لتلك الأفكار التي يروجها المستشرقون في كون الفن الإسلامي أخذ من الفنون السابقة إذ لن نجد مبنى رومانيا في حضارة سابقة يشبه قبة الصخرة وحتى الدعائم أو عناصر الهندسة التي أعيد استعمالها، لأن المسلمين كانوا أذكياء عبر الرياضيات، إذ عملوا على وضع حسابات دقيقة جدا لم يسبق لحضارة أخرى أن وصلت إليه، إضافة إلى الخط العربي هذا الأخير الذي سيمنح لهذه الثقافة طابعا أصيلا متميزا عن باقي الحضارات السابقة.
- الحديث عن الفن الإسلامي يدفعنا للحديث عن التجريد وبالتالي هل يمكننا القول كما يروّج له إن الفن الإسلامي هو مهد للفن التجريدي المتعلق بالفنون المعاصرة؟
بالفعل فالسمة الأساسية الغالبة على الفن الإسلامي هي التجريد هذا الأخير وجدناه في «الأرابيسك» تلك الأشكال المتكررة كالدائرية مثلا… وهنا أحيلكم إلى انتقادات المستشرقين لتلك الأشكال، على الرغم من تأثيرها على الفنون الحديثة وهنا يمكننا أن نعود إلى السياق التاريخي لاستفادة الفنانين الحديثين والمعاصرين من الفن الإسلامي مثل بول كلي وهنري ماتيس وكاندنسكي… منذ نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 حينها كان الإبداع قد توقف نظرا لافتقاده للأفكار ومكنتهم زيارتهم إلى معرضين أوروبيين الأول في باريس سنة 1903 والثاني في ميونيخ سنة 1910. وقد ضم هذان المعرضان كل ثقافات العالم إذ سيؤثران في الجمال والذوق الفني الأوروبي آنذاك بدأ العالم يعرف عن شيء اسمه فن إسلامي، فقد كانوا يسمونه «الفن المحمدي». ومع استعمار الجزائر بدأ الغربيون يتعرفون على ثقافات أخرى ثم شرعوا في تجميع تلك التحف لعرضها في هذه المعارض الاستعمارية العالمية… هذان المعرضان سيكون لهما الأثر الكبير على الفن الحديث والمعاصر فماتيس مثلا حين سيزور هذه المعارض المؤقتة ستؤثر فيه بشكل كبير جدا لتؤثر بعدها في تاريخ الفن في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20. ابتداء من هذه الرحلة سيعرف العالم بعض الأنواع من الرحلات التي يقوم بها فنانون تشكيليون على رأسهم هنري ماتيس الذي سيزور المغرب، خاصة مدينة طنجة وكذلك دولاكروا وكاندنسكي الذي سيزور تونس… منذ هذه الفترة أصبحوا ينظرون إلى التحف على أنها فن وليس كما كانوا يسمونه «حرفة»، وبالتالي سيستلهمون منه الألوان والهندسة فبول كاندنسكي مثلا سيوظف الحروف (النون-اللام) كما ستستجيب بعض لوحاته لمجموعة من الأشكال والألوان خاصة الأزرق والأحمر… وكذلك الأمر ينطبق على ماتيس، لاسيما بعض لوحاته المعروضة مثلا في نيويورك les marocains (المغاربة) أو تحفه الموجودة في متحف بوشكين في موسكو.
- حديثنا عن الأرابيسك: لماذا تحاشى ثلة من النقاد العرب توظيف مصطلح الزخرفة الذي يعبر عن أحد أهم خصائص الفن العربي الإسلامي وذلك باستعمالهم لمصطلحي الأرابيسك أو الرقش؟
هذا السؤال يحتاج إلى نوع من التدقيق لأن «الأرابيسك» هو تعبير من التعابير الزخرفية و«الرقش» هو أيضا زخرفة، وهنا يتبين لنا شح الدراسات العربية للفن الإسلامي، إذ أن دارسي الفن الإسلامي كلهم غربيون باستثناء بعض الكتابات العربية الخجولة التي تستمد أطروحاتها من الغرب كونهم في الغرب يتوفرون على هذه الثقافة المرتبطة بالفن وتاريخه. عودة إلى مصطلح «الزخرفة» هم يتحاشونها لأنها كانت لها حمولة سلبية في الكتابات الاستشراقية فهنري تيراس حين يتكلم عن الفن الإسلامي يقول أنه فن زخرفي ويذهب بعيدا في الحديث في كونه لا يرقى إلى الفنون التصويرية التي تحتاج إلى إبداع ويرى في هذه الفنون الزخرفية فنونا متكررة معادة لا تمت للإبداع بصلة… ويحيل كذلك للوضع الاعتباري للفنان هذا الأخير في هذه الحالة ما هو إلا صانع يعيد الحركات نفسها ويقدم لنا نسخ متشابهة من المنتوجات… وبالتالي فإن مصطلح الزخرفة يتحاشاها البعض ربما بسبب هذه الحمولة السلبية التي التصقت به.
- ختاما وعودة إلى مسألة التجسيد: فمن خلال الحفريات اتضح وجود رسومات على النقود الإسلامية الأولى، بالإضافة إلى فن المنمنمات الذي يستعين بالتجسيد للحكي، فلماذا حرم هذا الفن من بعد؟
سؤال جيد لأنه يطرح مسألة التجسيد فالتجسيد كان ممنوعا حتى في الديانات الأخرى. ففي الإسلام وهذا ما لم نتكلم عنه كثيرا وهو أنه لم يكن هناك منع في التطبيق، خصوصا في القرون الثلاثة الأولى للإسلام لكن المشكل سيحدث عندما تم تجميع صحيح البخاري والإمام مسلم ففي هذه المرحلة سنرى تأويلا جديدا للتعامل مع هذه الصورة، وبعد هذه المرحلة سيصبح الغالب هو تحريم التجسيد في الفنون وغيابه في جميع الأعمال، خصوصا في شمال أفريقيا والأندلس وفي أقطار أخرى مقابل حضوره في ثقافات أخرى كالفارسية والتركية، لذلك تبقى هذه المسألة مسألة تأويل… فالتجسيد كان يتوفر على خصوصيات فالمنمنمات مثلا هي عنصر مهم جدا في الثقافات والفنون الإسلامية، لأن الصورة كانت حاضرة فيها ولكن الصورة بتصور جديد لا وجود فيه للظل والضوء وكذلك المنظور، خصوصا الوجه. فبعض المستشرقين ذهبوا إلى كون الفنان المسلم لا يتوفر على ثقافة فنية تمكنه من ذلك ولكن هذا خطأ في كون الفنان المسلم كان على وعي في تغييب الظل والضوء… كي لا يكون هنالك تقليد للخالق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.