5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لنا عبدالرحمن : على الكاتب ألّا يفكّر في المتلقي عند إنجاز نصّه الأدبي
نشر في صوت البلد يوم 26 - 06 - 2016

«إذا كان في الحياة سحر.. إذا كان في الحياة سر.. فإن الكتابة هي السحر وهي السر الذي يتكشف رويدا رويدا عبر حبال من كلمات»، بهذه الكلمات تصف القاصة والروائية الدكتورة لنا عبدالرحمن تجربتها مع الكتابة، ذلك العالم الذي ولجته من باب القصة القصيرة أولا قبل مضيّها قُدُما باتجاه الرواية، لتمرر من خلاله نظرتها للعالم، وتتحدث عن حالات تعاني القمع بأشكاله المختلفة؛ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
أصدرت عبدالرحمن في القصة: «أوهام شرقية» و«الموتى لا يكذبون» عن وكالة الصحافة العربية في القاهرة، ولها في الرواية: «حدائق السراب»، و«تلامس»، و«أغنية لمارغريت» وجميعها صدرت عن الدار العربية للعلوم في بيروت، و«ثلج القاهرة» عن دار آفاق، وصدرت روايتها الأخيرة «قيد الدرس» عن دار الآداب في بيروت.
ولأن عبدالرحمن بدأت قاصة ثم انتقلت لكتابة الرواية، فإن السؤال الأول الذي طرحته عليها «وكالة الأنباء العمانية» يدور حول ما إذا كانت كتابة القصة القصيرة نوعا من التدريب على كتابة الرواية، فكان ردّها: «القصة القصيرة تمرين جيد للكاتب على ضبط إيقاع العمل، واختيار الجمل اللماحة والقصيرة، لكن بعد مدة من التمرس بالكتابة يكتشف الكاتب إيقاعه الداخلي إن كان يتماهى مع النفَس القصير، أو يحتاج لمساحات أطول في السرد، فمسألة الإيقاع الداخلي مهمة جدا، لأنها تساعد الكاتب على فهم ذاته الإبداعية أكثر»
ونظرا لانتماء لنا عبدالرحمن إلى الجيل الذي تفتّح وعيه على الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فإن لهذه التجربة تأثيرها في نفسها وفي كتاباتها، وهي توضح هذا التأثير بقولها: «ذاكرة الحرب من الصعب التحرر منها بالنسبة لأيّ إنسان، بل ولأيّ كاتب عايش لحظاتها، لأنها تطلّ برأسها المفزع الذي نحاول التخلص منه عبر الكتابة»، وتضيف: «من هنا ربما يكون الكاتب محظوظا في تلقّيه هبة الكتابة التي تساعده على التحرر من ذاكرته المثقلة بالألم، لكن في النتيجة تظل فكرة النص الجوهرية والأساسية هي التي تحدد ما سيتم تناوله»
ناقشت الدكتورة لنا في روايتها «أغنية لمارغريت» أحداث حرب تموز 2006 التي شنّتها «إسرائيل» على لبنان، ويدور السرد بالتوازي مع حياة الروائية الفرنسية الشهيرة مارجريت دوراس خلال سنواتها الأخيرة. وحول اختيارها «دوراس» تحديدا تقول عبدالرحمن: «عانت دوراس من هاجس الزمن، ومن هاجس الجسد من زاوية تلاشيه اليومي، نحن نتقدم بالسن في كل يوم خطوة نحو مصيرنا الأخير، لكن دوراس كانت تقاوم كل هذه التساؤلات في الكتابة والفرار إلى عالمها الداخلي، لذا اختارت العزلة عن باريس وتفرغت لكتابتها». وتتابع بقولها: «كل هذه التساؤلات تنشغل بها (زينب) بطلة الرواية، أو بعبارة أدق، تلتحم زينب مع التساؤلات الفلسفية لتتناسى هاجس الحرب الدائرة في الواقع، لذا تكتب رسائل مفترضة إلى حبيب مارجريت دوراس، تدير حوارا معه، وفي الوقت نفسه تراقب الحياة الحقيقية التي تدور من حولها».
وتؤكد الدكتورة لنا أنها تتقاطع مع مارجريت دوراس في الفلسفة والحياة، مستذكرة ما قالته تلك الكاتبة في آخر حوار أجري معها: «هناك الكتابة، ثم الحياة بفواجعها ومظالمها، ولا يمكن أن نجمع بين الاثنين إلّا عندما نجعل من الحياة ومن كوارثها مادة للكتابة»
وهي ترى في هذا السياق أن كوارث الحياة وفواجعها تحضر عبر الكتابة ليس بشكل محض اختياري، وإنما في «لعبة قدرية لتبادل أدوار»، بحيث تبدو الحياة ساخرة جدا وقاسية، وتبدو الكتابة أكثر رحمة وألفة، في مقابل لحظات أخرى «يحلّ فيها الواقع بكل ثقله، لتهجرنا الكتابة رغم كل المحاولات لاستدعائها»
وتناقش لنا عبدالرحمن مسألة البحث عن الهوية بعمق فلسفي، بخاصة في روايتها «قيد الدرس»، إذ حضرت فكرة الانتماء بشكل أكثر وضوحا، ليس الانتماء للمكان فقط، بل مراجعة الوعي في علاقته بالهوية. وهي تقرّ بأن الهويات «تكون قاتلة أحيانا، ومنجية في أحيان أخرى تبعا لرؤيتنا لها». وتوضح في هذا السياق أن السؤال المؤرق في داخلنا يظل يدور عن حقيقة انتمائنا؛ إلى أيّ مدى نرتبط بالبلد الذي وُلدنا به وحملنا هويته؟ إلى أيّ حد يحقق لنا هذا الانتماء تصالحا ورضا عن علاقتنا، سواء مع الزمان أو المكان الذي ننتمي إليه، أو في علاقتنا مع «الأنا»؟ لذا تبدو قضية «قيد الدرس» هي البشر الذين لا يحملون هوية.. فكرة الشتات الداخلي الذي يبدو أنه يهدد العالم ككل في الوقت الراهن.
وحول آلية إنجاز الرواية، تقول الدكتورة لنا: إنها تضع مخططاً مسبقاً، لكنه ليس مخططاً بالشكل الكامل، فالمكان والأبطال والحدث الرئيسي تكون واضحة بالنسبة لها في مرحلة ما قبل الكتابة، إذ تدون العديد من الملاحظات على دفاتر صغيرة تعود إليها حين تبدأ بالكتابة فتسترشد بها. وهذه الملاحظات تتضمن «تفاصيل وأسماء، وألوانا، وديكورات، وأمراضا، وأشياء كثيرة تمثل رموزا ومفاتيح للنص» الذي تكتبه.
وينطلق اعتناء د.لنا بالمكان ومنحه «دور البطولة» في بعض أعمالها، من فهمها للمكان بوصفه من العناصر المهمة في بناء الرواية، إنه «المسرح الذي يتحرك عليه الأبطال ويتفاعلون معه، يتأثرون به، ويؤثر بهم». ولهذا، فإنها على المستويين الذاتي والإبداعي تهتم كثيرا بتفاصيل الأمكنة، والمدن، والشوارع، والأحياء، والقرى، وكل ما له علاقة بالمكان، وتحاول بذل جهد لاكتشاف المكان، والتعرف إليه عن كثب؛ لأن «المكان هو التاريخ» بالنتيجة.
وحول الفرق بين الكتابة والصورة، ترى الدكتورة لنا أن الصورة تنقل المشهد خارجيا، مع تفاصيل نفسية قليلة تتضح من الصورة نفسها، بينما الرواية تنقل أبعادا نفسية أعمق مما تفعله الصورة، وهذه هي الميزة الأساسية للرواية: «القدرة على تصوير العالم الداخلي للإنسان، تناقضاته وصراعه، تشوشه واضطرابه»، فالكاميرا يمكنها فعل هذا بشكل موجز وبمساعدة تفاصيل أخرى مثل الحوار (الكلمة)، أما النص المكتوب فينجح عبر الكلمة فقط في تقديم مشهد كامل للحياة.
ولا تتردد د.لنا في كشف موقفها من تعبير «الأدب النسوي»، قائلة: «لا أعرف ما المقصود بالنمطية النسوية، أو بالسجال المستمر عن الكتابة النسوية. أنا أكتب ما يسبب لي هاجسا داخليا للكتابة عنه. ففي روايتي (تلامس) حضر هاجس الجنون الذي تخافه البطلة، وفي (أغنية لمارجريت) هناك تداخل بين الزمن والجسد والحب من باب السؤال الوجودي الكبير عن الموت، وفي (ثلج القاهرة) تناولت فكرة الحيوات السابقة.. بطلاتي كن نساء، لكن هواجسهن عامة ومن الممكن أن تطال أي إنسان، سواء امرأة أو رجلاً»..
وبشأن القارئ وحضوره في ذهن الروائي عندما يكتب، ترى د.لنا أنه ليس من الصواب أن يفكر الكاتب بالمتلقي عند الكتابة، فهذا «مشوِّش» بالنسبة له. وتضيف: «ثم من هو هذا المتلقي المجهول؟ نحن نعيش في عالم عربي واسع، وفي زمن تكنولوجي بامتياز.. لذا يبدو التفكير بالقارئ أمرا عبثيا في كثير من الأحيان».
وتنظر عبدالرحمن إلى إشرافها على عدد من حلقات الكتابة الإبداعية في الرواية على أنها تجربة مهمة بالنسبة لها، وتقول فيها: «هي تجربة ممتعة جدا من جانب اكتشاف مواهب جديدة ومتخوفة من فعل الكتابة، ومع مرور الوقت وتجاوز الحاجز الوهمي للخوف من الكلمات تبدأ النصوص بالتشكل، ويبدأ العصف الذهني بين المشاركين»، وهي مع ذلك تعيد التأكيد: «الحلقة وحدها لا تصنع كاتبا، لكنها تساعد الكاتب الذي لديه شغف بالكتابة على اكتشاف طريقه».
«إذا كان في الحياة سحر.. إذا كان في الحياة سر.. فإن الكتابة هي السحر وهي السر الذي يتكشف رويدا رويدا عبر حبال من كلمات»، بهذه الكلمات تصف القاصة والروائية الدكتورة لنا عبدالرحمن تجربتها مع الكتابة، ذلك العالم الذي ولجته من باب القصة القصيرة أولا قبل مضيّها قُدُما باتجاه الرواية، لتمرر من خلاله نظرتها للعالم، وتتحدث عن حالات تعاني القمع بأشكاله المختلفة؛ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
أصدرت عبدالرحمن في القصة: «أوهام شرقية» و«الموتى لا يكذبون» عن وكالة الصحافة العربية في القاهرة، ولها في الرواية: «حدائق السراب»، و«تلامس»، و«أغنية لمارغريت» وجميعها صدرت عن الدار العربية للعلوم في بيروت، و«ثلج القاهرة» عن دار آفاق، وصدرت روايتها الأخيرة «قيد الدرس» عن دار الآداب في بيروت.
ولأن عبدالرحمن بدأت قاصة ثم انتقلت لكتابة الرواية، فإن السؤال الأول الذي طرحته عليها «وكالة الأنباء العمانية» يدور حول ما إذا كانت كتابة القصة القصيرة نوعا من التدريب على كتابة الرواية، فكان ردّها: «القصة القصيرة تمرين جيد للكاتب على ضبط إيقاع العمل، واختيار الجمل اللماحة والقصيرة، لكن بعد مدة من التمرس بالكتابة يكتشف الكاتب إيقاعه الداخلي إن كان يتماهى مع النفَس القصير، أو يحتاج لمساحات أطول في السرد، فمسألة الإيقاع الداخلي مهمة جدا، لأنها تساعد الكاتب على فهم ذاته الإبداعية أكثر»
ونظرا لانتماء لنا عبدالرحمن إلى الجيل الذي تفتّح وعيه على الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فإن لهذه التجربة تأثيرها في نفسها وفي كتاباتها، وهي توضح هذا التأثير بقولها: «ذاكرة الحرب من الصعب التحرر منها بالنسبة لأيّ إنسان، بل ولأيّ كاتب عايش لحظاتها، لأنها تطلّ برأسها المفزع الذي نحاول التخلص منه عبر الكتابة»، وتضيف: «من هنا ربما يكون الكاتب محظوظا في تلقّيه هبة الكتابة التي تساعده على التحرر من ذاكرته المثقلة بالألم، لكن في النتيجة تظل فكرة النص الجوهرية والأساسية هي التي تحدد ما سيتم تناوله»
ناقشت الدكتورة لنا في روايتها «أغنية لمارغريت» أحداث حرب تموز 2006 التي شنّتها «إسرائيل» على لبنان، ويدور السرد بالتوازي مع حياة الروائية الفرنسية الشهيرة مارجريت دوراس خلال سنواتها الأخيرة. وحول اختيارها «دوراس» تحديدا تقول عبدالرحمن: «عانت دوراس من هاجس الزمن، ومن هاجس الجسد من زاوية تلاشيه اليومي، نحن نتقدم بالسن في كل يوم خطوة نحو مصيرنا الأخير، لكن دوراس كانت تقاوم كل هذه التساؤلات في الكتابة والفرار إلى عالمها الداخلي، لذا اختارت العزلة عن باريس وتفرغت لكتابتها». وتتابع بقولها: «كل هذه التساؤلات تنشغل بها (زينب) بطلة الرواية، أو بعبارة أدق، تلتحم زينب مع التساؤلات الفلسفية لتتناسى هاجس الحرب الدائرة في الواقع، لذا تكتب رسائل مفترضة إلى حبيب مارجريت دوراس، تدير حوارا معه، وفي الوقت نفسه تراقب الحياة الحقيقية التي تدور من حولها».
وتؤكد الدكتورة لنا أنها تتقاطع مع مارجريت دوراس في الفلسفة والحياة، مستذكرة ما قالته تلك الكاتبة في آخر حوار أجري معها: «هناك الكتابة، ثم الحياة بفواجعها ومظالمها، ولا يمكن أن نجمع بين الاثنين إلّا عندما نجعل من الحياة ومن كوارثها مادة للكتابة»
وهي ترى في هذا السياق أن كوارث الحياة وفواجعها تحضر عبر الكتابة ليس بشكل محض اختياري، وإنما في «لعبة قدرية لتبادل أدوار»، بحيث تبدو الحياة ساخرة جدا وقاسية، وتبدو الكتابة أكثر رحمة وألفة، في مقابل لحظات أخرى «يحلّ فيها الواقع بكل ثقله، لتهجرنا الكتابة رغم كل المحاولات لاستدعائها»
وتناقش لنا عبدالرحمن مسألة البحث عن الهوية بعمق فلسفي، بخاصة في روايتها «قيد الدرس»، إذ حضرت فكرة الانتماء بشكل أكثر وضوحا، ليس الانتماء للمكان فقط، بل مراجعة الوعي في علاقته بالهوية. وهي تقرّ بأن الهويات «تكون قاتلة أحيانا، ومنجية في أحيان أخرى تبعا لرؤيتنا لها». وتوضح في هذا السياق أن السؤال المؤرق في داخلنا يظل يدور عن حقيقة انتمائنا؛ إلى أيّ مدى نرتبط بالبلد الذي وُلدنا به وحملنا هويته؟ إلى أيّ حد يحقق لنا هذا الانتماء تصالحا ورضا عن علاقتنا، سواء مع الزمان أو المكان الذي ننتمي إليه، أو في علاقتنا مع «الأنا»؟ لذا تبدو قضية «قيد الدرس» هي البشر الذين لا يحملون هوية.. فكرة الشتات الداخلي الذي يبدو أنه يهدد العالم ككل في الوقت الراهن.
وحول آلية إنجاز الرواية، تقول الدكتورة لنا: إنها تضع مخططاً مسبقاً، لكنه ليس مخططاً بالشكل الكامل، فالمكان والأبطال والحدث الرئيسي تكون واضحة بالنسبة لها في مرحلة ما قبل الكتابة، إذ تدون العديد من الملاحظات على دفاتر صغيرة تعود إليها حين تبدأ بالكتابة فتسترشد بها. وهذه الملاحظات تتضمن «تفاصيل وأسماء، وألوانا، وديكورات، وأمراضا، وأشياء كثيرة تمثل رموزا ومفاتيح للنص» الذي تكتبه.
وينطلق اعتناء د.لنا بالمكان ومنحه «دور البطولة» في بعض أعمالها، من فهمها للمكان بوصفه من العناصر المهمة في بناء الرواية، إنه «المسرح الذي يتحرك عليه الأبطال ويتفاعلون معه، يتأثرون به، ويؤثر بهم». ولهذا، فإنها على المستويين الذاتي والإبداعي تهتم كثيرا بتفاصيل الأمكنة، والمدن، والشوارع، والأحياء، والقرى، وكل ما له علاقة بالمكان، وتحاول بذل جهد لاكتشاف المكان، والتعرف إليه عن كثب؛ لأن «المكان هو التاريخ» بالنتيجة.
وحول الفرق بين الكتابة والصورة، ترى الدكتورة لنا أن الصورة تنقل المشهد خارجيا، مع تفاصيل نفسية قليلة تتضح من الصورة نفسها، بينما الرواية تنقل أبعادا نفسية أعمق مما تفعله الصورة، وهذه هي الميزة الأساسية للرواية: «القدرة على تصوير العالم الداخلي للإنسان، تناقضاته وصراعه، تشوشه واضطرابه»، فالكاميرا يمكنها فعل هذا بشكل موجز وبمساعدة تفاصيل أخرى مثل الحوار (الكلمة)، أما النص المكتوب فينجح عبر الكلمة فقط في تقديم مشهد كامل للحياة.
ولا تتردد د.لنا في كشف موقفها من تعبير «الأدب النسوي»، قائلة: «لا أعرف ما المقصود بالنمطية النسوية، أو بالسجال المستمر عن الكتابة النسوية. أنا أكتب ما يسبب لي هاجسا داخليا للكتابة عنه. ففي روايتي (تلامس) حضر هاجس الجنون الذي تخافه البطلة، وفي (أغنية لمارجريت) هناك تداخل بين الزمن والجسد والحب من باب السؤال الوجودي الكبير عن الموت، وفي (ثلج القاهرة) تناولت فكرة الحيوات السابقة.. بطلاتي كن نساء، لكن هواجسهن عامة ومن الممكن أن تطال أي إنسان، سواء امرأة أو رجلاً»..
وبشأن القارئ وحضوره في ذهن الروائي عندما يكتب، ترى د.لنا أنه ليس من الصواب أن يفكر الكاتب بالمتلقي عند الكتابة، فهذا «مشوِّش» بالنسبة له. وتضيف: «ثم من هو هذا المتلقي المجهول؟ نحن نعيش في عالم عربي واسع، وفي زمن تكنولوجي بامتياز.. لذا يبدو التفكير بالقارئ أمرا عبثيا في كثير من الأحيان».
وتنظر عبدالرحمن إلى إشرافها على عدد من حلقات الكتابة الإبداعية في الرواية على أنها تجربة مهمة بالنسبة لها، وتقول فيها: «هي تجربة ممتعة جدا من جانب اكتشاف مواهب جديدة ومتخوفة من فعل الكتابة، ومع مرور الوقت وتجاوز الحاجز الوهمي للخوف من الكلمات تبدأ النصوص بالتشكل، ويبدأ العصف الذهني بين المشاركين»، وهي مع ذلك تعيد التأكيد: «الحلقة وحدها لا تصنع كاتبا، لكنها تساعد الكاتب الذي لديه شغف بالكتابة على اكتشاف طريقه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.