ب 550 مليار دولار.. ترامب يعلن عن إبرام أكبر صفقة تجارية مع اليابان    بعد 7 سنوات من الصمت.. أوباما في مواجهة عاصفة ترامب    "مستقبل وطن" يحشد جماهير مطاي في مؤتمر لدعم مرشحيه بانتخابات الشيوخ 2025    لمدة 7 ساعات.. قطع التيار الكهربائي عن 12 منطقة في البحيرة    7 شهداء إثر استهداف شقة سكنية في منطقة تل الهوا غرب قطاع غزة    جيش الاحتلال يُحاصر مستشفيين ويقتحم بلدات في الضفة الغربية    جوتيريش: الجوع يطرق كل باب في قطاع غزة    أمريكا: مهلة ال50 يومًا التي حددها ترامب بشأن أوكرانيا غير محددة    صاحبة المركز التاسع بالثانوية: "النجاح بالمحبة والاجتهاد لا بالعبقرية" (صور)    رئيس اتحاد الخماسي يُكرم طالب بني سويف الأول على الجمهورية ب100 ألف جنيه    عيار 21 الآن يواصل الارتفاع.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 23 يوليو في الصاغة    برلماني: «ثورة يوليو» الشرارة الأولى لإرساء مبادئ العدالة الاجتماعية    تعليم البحيرة تهنئ الطالبة نوران نبيل لحصولها على المركز السادس فى الثانوية العامة    جامعة الإسكندرية تستقبل وفد المركز الإعلامي الأوزبكستاني    بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة 2025 .. نصائح لاختيار الجامعة والكلية المناسبة لك    مؤشرات تنسيق الثانوية العامة 2025 أدبي.. الحد الأدني ل كليات المرحلة الأولي 2024 (بالنسبة المئوية %)    تنسيق الثانوية العامة 2025 بالدرجات علمي علوم وأدبي كليات تقبل من 65%.. ما هي؟    كتائب القسام: قصفنا موقع قيادة وناقلة جند إسرائيلية بالقذائف والصواريخ    عبدالمنعم سعيد: المنطقة كانت تتجه نحو السلام قبل 7 أكتوبر    عصام سالم: هناك كيل بمكيالين في التعامل مع أزمة فتوح    «الأهلي بياخد الدوري كل أثنين وخميس».. نجم الزمالك السابق يتغنى ب مجلس الخطيب    تطورات الحالة الصحية ل حسن شحاتة.. فاروق جعفر يكشف    رياضة ½ الليل| وفاة لاعب فلسطيني.. صفقة الزمالك «منظورة».. رحيل «عادل» للإمارات.. وأحلام زيزو بالأهلي    سعر الزيت والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    رئيس "بنك الطعام": نقدم نموذج شمولي فريد بالتعاون مع 5 آلاف جمعية    لم تيأس بعد عامين من الرسوب.. طالبة ال 4% تحصد 70% في الثانوية العامة بقنا    حزب الجبهة الوطنية: دعم مادي بقيمة 50 ألف جنيه لأوائل الثانوية العامة    لينك نتيجة الصف الثالث الثانوي 2025 بالاسم ورقم الجلوس.. رسميًا الآن عبر الموقع الرسمي ل وزارة التربية والتعليم    الأولى على الثانوية العامة شعبة أدبي ل«المصري اليوم»: «بكيت فرحًا وسألتحق بالألسن»    بعد نجاحها في الثانوية.. سوزي الأردنية تعلن خطبتها قريبًا    النيران اشتعلت في «الهيش».. الحماية المدنية تسيطر على حريق بأسيوط    شخص مقرب منك يؤذي نفسه.. برج الجدي اليوم 23 يوليو    محمد التاجي: جدي «عبدالوارث عسر» لم يشجعني على التمثيل    محمد التاجي: فهمي الخولي اكتشف موهبتي.. ومسرح الطليعة كان بوابتي للاحتراف    الرابعة على الثانوية: تنظيم الوقت سر النجاح.. وحلمي أكون طبيبة    فرصة لإدراك تأثير جروح الماضي.. حظ برج القوس اليوم 23 يوليو    ما حكم الاعتداء على المال العام؟.. أمين الفتوى يجيب    منها السبانخ والكرنب.. أهم الأطعمة المفيدة لصحة القلب    «الإندومي» والمشروبات الغازية.. أطعمة تسبب التوتر والقلق (ابتعد عنها)    بدون أدوية.. 6 طرق طبيعية لتخفيف ألم الدورة الشهرية    الكشف عن بديل الهلال في السوبر السعودي    دروجبا: محمد شريف هداف مميز.. والأهلي لا يتوقف على أحد    أتلتيكو مدريد يتعاقد مع مارك بوبيل رسميا    وساطات بتركيا تسعى لإطلاق سراحه .. إعلام "المتحدة" يُشيع تسليم محمد عبدالحفيظ    بالصور.. صبا مبارك تستمتع بعطلتها الصيفية أمام برج إيفل    أندية سعودية تنافس بنفيكا على ضم جواو فيليكس    نشرة التوك شو| قانون الإيجار القديم ينتظر قرار الرئيس السيسي.. و"الزراعة" توفر الأسمدة رغم التحديات    ب"فستان تايجر".. أحدث جلسة تصوير جريئة ل نورهان منصور تخطف الأنظار    حدث بالفن| زفاف مخرج ونقل زوج فنانة إلى المستشفى وأحدث أزمات حفلات الساحل الشمالي    ما هي كفارة اليمين؟.. أمين الفتوى يجيب    اعتماد أولى وحدات مطروح الصحية للتأمين الشامل.. وتكامل حكومي - مجتمعي لرفع جودة الخدمات    أهم أخبار الكويت اليوم.. ضبط شبكة فساد في الجمعيات التعاونية    هل يجوز الوضوء مع ارتداء الخواتم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    محافظ شمال سيناء يفتتح "سوق اليوم الواحد" بالعريش لتوفير السلع بأسعار مخفضة    انطلاق المبادرة الوطنية للتطعيم ضد السعار من الإسماعيلية    أدعية لطلاب الثانوية العامة قبل النتيجة من الشيخ أحمد خليل    البورصة المصرية تخسر 12.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    حملة دعم حفظة القرآن الكريم.. بيت الزكاة والصدقات يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لنا عبدالرحمن : على الكاتب ألّا يفكّر في المتلقي عند إنجاز نصّه الأدبي
نشر في صوت البلد يوم 26 - 06 - 2016

«إذا كان في الحياة سحر.. إذا كان في الحياة سر.. فإن الكتابة هي السحر وهي السر الذي يتكشف رويدا رويدا عبر حبال من كلمات»، بهذه الكلمات تصف القاصة والروائية الدكتورة لنا عبدالرحمن تجربتها مع الكتابة، ذلك العالم الذي ولجته من باب القصة القصيرة أولا قبل مضيّها قُدُما باتجاه الرواية، لتمرر من خلاله نظرتها للعالم، وتتحدث عن حالات تعاني القمع بأشكاله المختلفة؛ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
أصدرت عبدالرحمن في القصة: «أوهام شرقية» و«الموتى لا يكذبون» عن وكالة الصحافة العربية في القاهرة، ولها في الرواية: «حدائق السراب»، و«تلامس»، و«أغنية لمارغريت» وجميعها صدرت عن الدار العربية للعلوم في بيروت، و«ثلج القاهرة» عن دار آفاق، وصدرت روايتها الأخيرة «قيد الدرس» عن دار الآداب في بيروت.
ولأن عبدالرحمن بدأت قاصة ثم انتقلت لكتابة الرواية، فإن السؤال الأول الذي طرحته عليها «وكالة الأنباء العمانية» يدور حول ما إذا كانت كتابة القصة القصيرة نوعا من التدريب على كتابة الرواية، فكان ردّها: «القصة القصيرة تمرين جيد للكاتب على ضبط إيقاع العمل، واختيار الجمل اللماحة والقصيرة، لكن بعد مدة من التمرس بالكتابة يكتشف الكاتب إيقاعه الداخلي إن كان يتماهى مع النفَس القصير، أو يحتاج لمساحات أطول في السرد، فمسألة الإيقاع الداخلي مهمة جدا، لأنها تساعد الكاتب على فهم ذاته الإبداعية أكثر»
ونظرا لانتماء لنا عبدالرحمن إلى الجيل الذي تفتّح وعيه على الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فإن لهذه التجربة تأثيرها في نفسها وفي كتاباتها، وهي توضح هذا التأثير بقولها: «ذاكرة الحرب من الصعب التحرر منها بالنسبة لأيّ إنسان، بل ولأيّ كاتب عايش لحظاتها، لأنها تطلّ برأسها المفزع الذي نحاول التخلص منه عبر الكتابة»، وتضيف: «من هنا ربما يكون الكاتب محظوظا في تلقّيه هبة الكتابة التي تساعده على التحرر من ذاكرته المثقلة بالألم، لكن في النتيجة تظل فكرة النص الجوهرية والأساسية هي التي تحدد ما سيتم تناوله»
ناقشت الدكتورة لنا في روايتها «أغنية لمارغريت» أحداث حرب تموز 2006 التي شنّتها «إسرائيل» على لبنان، ويدور السرد بالتوازي مع حياة الروائية الفرنسية الشهيرة مارجريت دوراس خلال سنواتها الأخيرة. وحول اختيارها «دوراس» تحديدا تقول عبدالرحمن: «عانت دوراس من هاجس الزمن، ومن هاجس الجسد من زاوية تلاشيه اليومي، نحن نتقدم بالسن في كل يوم خطوة نحو مصيرنا الأخير، لكن دوراس كانت تقاوم كل هذه التساؤلات في الكتابة والفرار إلى عالمها الداخلي، لذا اختارت العزلة عن باريس وتفرغت لكتابتها». وتتابع بقولها: «كل هذه التساؤلات تنشغل بها (زينب) بطلة الرواية، أو بعبارة أدق، تلتحم زينب مع التساؤلات الفلسفية لتتناسى هاجس الحرب الدائرة في الواقع، لذا تكتب رسائل مفترضة إلى حبيب مارجريت دوراس، تدير حوارا معه، وفي الوقت نفسه تراقب الحياة الحقيقية التي تدور من حولها».
وتؤكد الدكتورة لنا أنها تتقاطع مع مارجريت دوراس في الفلسفة والحياة، مستذكرة ما قالته تلك الكاتبة في آخر حوار أجري معها: «هناك الكتابة، ثم الحياة بفواجعها ومظالمها، ولا يمكن أن نجمع بين الاثنين إلّا عندما نجعل من الحياة ومن كوارثها مادة للكتابة»
وهي ترى في هذا السياق أن كوارث الحياة وفواجعها تحضر عبر الكتابة ليس بشكل محض اختياري، وإنما في «لعبة قدرية لتبادل أدوار»، بحيث تبدو الحياة ساخرة جدا وقاسية، وتبدو الكتابة أكثر رحمة وألفة، في مقابل لحظات أخرى «يحلّ فيها الواقع بكل ثقله، لتهجرنا الكتابة رغم كل المحاولات لاستدعائها»
وتناقش لنا عبدالرحمن مسألة البحث عن الهوية بعمق فلسفي، بخاصة في روايتها «قيد الدرس»، إذ حضرت فكرة الانتماء بشكل أكثر وضوحا، ليس الانتماء للمكان فقط، بل مراجعة الوعي في علاقته بالهوية. وهي تقرّ بأن الهويات «تكون قاتلة أحيانا، ومنجية في أحيان أخرى تبعا لرؤيتنا لها». وتوضح في هذا السياق أن السؤال المؤرق في داخلنا يظل يدور عن حقيقة انتمائنا؛ إلى أيّ مدى نرتبط بالبلد الذي وُلدنا به وحملنا هويته؟ إلى أيّ حد يحقق لنا هذا الانتماء تصالحا ورضا عن علاقتنا، سواء مع الزمان أو المكان الذي ننتمي إليه، أو في علاقتنا مع «الأنا»؟ لذا تبدو قضية «قيد الدرس» هي البشر الذين لا يحملون هوية.. فكرة الشتات الداخلي الذي يبدو أنه يهدد العالم ككل في الوقت الراهن.
وحول آلية إنجاز الرواية، تقول الدكتورة لنا: إنها تضع مخططاً مسبقاً، لكنه ليس مخططاً بالشكل الكامل، فالمكان والأبطال والحدث الرئيسي تكون واضحة بالنسبة لها في مرحلة ما قبل الكتابة، إذ تدون العديد من الملاحظات على دفاتر صغيرة تعود إليها حين تبدأ بالكتابة فتسترشد بها. وهذه الملاحظات تتضمن «تفاصيل وأسماء، وألوانا، وديكورات، وأمراضا، وأشياء كثيرة تمثل رموزا ومفاتيح للنص» الذي تكتبه.
وينطلق اعتناء د.لنا بالمكان ومنحه «دور البطولة» في بعض أعمالها، من فهمها للمكان بوصفه من العناصر المهمة في بناء الرواية، إنه «المسرح الذي يتحرك عليه الأبطال ويتفاعلون معه، يتأثرون به، ويؤثر بهم». ولهذا، فإنها على المستويين الذاتي والإبداعي تهتم كثيرا بتفاصيل الأمكنة، والمدن، والشوارع، والأحياء، والقرى، وكل ما له علاقة بالمكان، وتحاول بذل جهد لاكتشاف المكان، والتعرف إليه عن كثب؛ لأن «المكان هو التاريخ» بالنتيجة.
وحول الفرق بين الكتابة والصورة، ترى الدكتورة لنا أن الصورة تنقل المشهد خارجيا، مع تفاصيل نفسية قليلة تتضح من الصورة نفسها، بينما الرواية تنقل أبعادا نفسية أعمق مما تفعله الصورة، وهذه هي الميزة الأساسية للرواية: «القدرة على تصوير العالم الداخلي للإنسان، تناقضاته وصراعه، تشوشه واضطرابه»، فالكاميرا يمكنها فعل هذا بشكل موجز وبمساعدة تفاصيل أخرى مثل الحوار (الكلمة)، أما النص المكتوب فينجح عبر الكلمة فقط في تقديم مشهد كامل للحياة.
ولا تتردد د.لنا في كشف موقفها من تعبير «الأدب النسوي»، قائلة: «لا أعرف ما المقصود بالنمطية النسوية، أو بالسجال المستمر عن الكتابة النسوية. أنا أكتب ما يسبب لي هاجسا داخليا للكتابة عنه. ففي روايتي (تلامس) حضر هاجس الجنون الذي تخافه البطلة، وفي (أغنية لمارجريت) هناك تداخل بين الزمن والجسد والحب من باب السؤال الوجودي الكبير عن الموت، وفي (ثلج القاهرة) تناولت فكرة الحيوات السابقة.. بطلاتي كن نساء، لكن هواجسهن عامة ومن الممكن أن تطال أي إنسان، سواء امرأة أو رجلاً»..
وبشأن القارئ وحضوره في ذهن الروائي عندما يكتب، ترى د.لنا أنه ليس من الصواب أن يفكر الكاتب بالمتلقي عند الكتابة، فهذا «مشوِّش» بالنسبة له. وتضيف: «ثم من هو هذا المتلقي المجهول؟ نحن نعيش في عالم عربي واسع، وفي زمن تكنولوجي بامتياز.. لذا يبدو التفكير بالقارئ أمرا عبثيا في كثير من الأحيان».
وتنظر عبدالرحمن إلى إشرافها على عدد من حلقات الكتابة الإبداعية في الرواية على أنها تجربة مهمة بالنسبة لها، وتقول فيها: «هي تجربة ممتعة جدا من جانب اكتشاف مواهب جديدة ومتخوفة من فعل الكتابة، ومع مرور الوقت وتجاوز الحاجز الوهمي للخوف من الكلمات تبدأ النصوص بالتشكل، ويبدأ العصف الذهني بين المشاركين»، وهي مع ذلك تعيد التأكيد: «الحلقة وحدها لا تصنع كاتبا، لكنها تساعد الكاتب الذي لديه شغف بالكتابة على اكتشاف طريقه».
«إذا كان في الحياة سحر.. إذا كان في الحياة سر.. فإن الكتابة هي السحر وهي السر الذي يتكشف رويدا رويدا عبر حبال من كلمات»، بهذه الكلمات تصف القاصة والروائية الدكتورة لنا عبدالرحمن تجربتها مع الكتابة، ذلك العالم الذي ولجته من باب القصة القصيرة أولا قبل مضيّها قُدُما باتجاه الرواية، لتمرر من خلاله نظرتها للعالم، وتتحدث عن حالات تعاني القمع بأشكاله المختلفة؛ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
أصدرت عبدالرحمن في القصة: «أوهام شرقية» و«الموتى لا يكذبون» عن وكالة الصحافة العربية في القاهرة، ولها في الرواية: «حدائق السراب»، و«تلامس»، و«أغنية لمارغريت» وجميعها صدرت عن الدار العربية للعلوم في بيروت، و«ثلج القاهرة» عن دار آفاق، وصدرت روايتها الأخيرة «قيد الدرس» عن دار الآداب في بيروت.
ولأن عبدالرحمن بدأت قاصة ثم انتقلت لكتابة الرواية، فإن السؤال الأول الذي طرحته عليها «وكالة الأنباء العمانية» يدور حول ما إذا كانت كتابة القصة القصيرة نوعا من التدريب على كتابة الرواية، فكان ردّها: «القصة القصيرة تمرين جيد للكاتب على ضبط إيقاع العمل، واختيار الجمل اللماحة والقصيرة، لكن بعد مدة من التمرس بالكتابة يكتشف الكاتب إيقاعه الداخلي إن كان يتماهى مع النفَس القصير، أو يحتاج لمساحات أطول في السرد، فمسألة الإيقاع الداخلي مهمة جدا، لأنها تساعد الكاتب على فهم ذاته الإبداعية أكثر»
ونظرا لانتماء لنا عبدالرحمن إلى الجيل الذي تفتّح وعيه على الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فإن لهذه التجربة تأثيرها في نفسها وفي كتاباتها، وهي توضح هذا التأثير بقولها: «ذاكرة الحرب من الصعب التحرر منها بالنسبة لأيّ إنسان، بل ولأيّ كاتب عايش لحظاتها، لأنها تطلّ برأسها المفزع الذي نحاول التخلص منه عبر الكتابة»، وتضيف: «من هنا ربما يكون الكاتب محظوظا في تلقّيه هبة الكتابة التي تساعده على التحرر من ذاكرته المثقلة بالألم، لكن في النتيجة تظل فكرة النص الجوهرية والأساسية هي التي تحدد ما سيتم تناوله»
ناقشت الدكتورة لنا في روايتها «أغنية لمارغريت» أحداث حرب تموز 2006 التي شنّتها «إسرائيل» على لبنان، ويدور السرد بالتوازي مع حياة الروائية الفرنسية الشهيرة مارجريت دوراس خلال سنواتها الأخيرة. وحول اختيارها «دوراس» تحديدا تقول عبدالرحمن: «عانت دوراس من هاجس الزمن، ومن هاجس الجسد من زاوية تلاشيه اليومي، نحن نتقدم بالسن في كل يوم خطوة نحو مصيرنا الأخير، لكن دوراس كانت تقاوم كل هذه التساؤلات في الكتابة والفرار إلى عالمها الداخلي، لذا اختارت العزلة عن باريس وتفرغت لكتابتها». وتتابع بقولها: «كل هذه التساؤلات تنشغل بها (زينب) بطلة الرواية، أو بعبارة أدق، تلتحم زينب مع التساؤلات الفلسفية لتتناسى هاجس الحرب الدائرة في الواقع، لذا تكتب رسائل مفترضة إلى حبيب مارجريت دوراس، تدير حوارا معه، وفي الوقت نفسه تراقب الحياة الحقيقية التي تدور من حولها».
وتؤكد الدكتورة لنا أنها تتقاطع مع مارجريت دوراس في الفلسفة والحياة، مستذكرة ما قالته تلك الكاتبة في آخر حوار أجري معها: «هناك الكتابة، ثم الحياة بفواجعها ومظالمها، ولا يمكن أن نجمع بين الاثنين إلّا عندما نجعل من الحياة ومن كوارثها مادة للكتابة»
وهي ترى في هذا السياق أن كوارث الحياة وفواجعها تحضر عبر الكتابة ليس بشكل محض اختياري، وإنما في «لعبة قدرية لتبادل أدوار»، بحيث تبدو الحياة ساخرة جدا وقاسية، وتبدو الكتابة أكثر رحمة وألفة، في مقابل لحظات أخرى «يحلّ فيها الواقع بكل ثقله، لتهجرنا الكتابة رغم كل المحاولات لاستدعائها»
وتناقش لنا عبدالرحمن مسألة البحث عن الهوية بعمق فلسفي، بخاصة في روايتها «قيد الدرس»، إذ حضرت فكرة الانتماء بشكل أكثر وضوحا، ليس الانتماء للمكان فقط، بل مراجعة الوعي في علاقته بالهوية. وهي تقرّ بأن الهويات «تكون قاتلة أحيانا، ومنجية في أحيان أخرى تبعا لرؤيتنا لها». وتوضح في هذا السياق أن السؤال المؤرق في داخلنا يظل يدور عن حقيقة انتمائنا؛ إلى أيّ مدى نرتبط بالبلد الذي وُلدنا به وحملنا هويته؟ إلى أيّ حد يحقق لنا هذا الانتماء تصالحا ورضا عن علاقتنا، سواء مع الزمان أو المكان الذي ننتمي إليه، أو في علاقتنا مع «الأنا»؟ لذا تبدو قضية «قيد الدرس» هي البشر الذين لا يحملون هوية.. فكرة الشتات الداخلي الذي يبدو أنه يهدد العالم ككل في الوقت الراهن.
وحول آلية إنجاز الرواية، تقول الدكتورة لنا: إنها تضع مخططاً مسبقاً، لكنه ليس مخططاً بالشكل الكامل، فالمكان والأبطال والحدث الرئيسي تكون واضحة بالنسبة لها في مرحلة ما قبل الكتابة، إذ تدون العديد من الملاحظات على دفاتر صغيرة تعود إليها حين تبدأ بالكتابة فتسترشد بها. وهذه الملاحظات تتضمن «تفاصيل وأسماء، وألوانا، وديكورات، وأمراضا، وأشياء كثيرة تمثل رموزا ومفاتيح للنص» الذي تكتبه.
وينطلق اعتناء د.لنا بالمكان ومنحه «دور البطولة» في بعض أعمالها، من فهمها للمكان بوصفه من العناصر المهمة في بناء الرواية، إنه «المسرح الذي يتحرك عليه الأبطال ويتفاعلون معه، يتأثرون به، ويؤثر بهم». ولهذا، فإنها على المستويين الذاتي والإبداعي تهتم كثيرا بتفاصيل الأمكنة، والمدن، والشوارع، والأحياء، والقرى، وكل ما له علاقة بالمكان، وتحاول بذل جهد لاكتشاف المكان، والتعرف إليه عن كثب؛ لأن «المكان هو التاريخ» بالنتيجة.
وحول الفرق بين الكتابة والصورة، ترى الدكتورة لنا أن الصورة تنقل المشهد خارجيا، مع تفاصيل نفسية قليلة تتضح من الصورة نفسها، بينما الرواية تنقل أبعادا نفسية أعمق مما تفعله الصورة، وهذه هي الميزة الأساسية للرواية: «القدرة على تصوير العالم الداخلي للإنسان، تناقضاته وصراعه، تشوشه واضطرابه»، فالكاميرا يمكنها فعل هذا بشكل موجز وبمساعدة تفاصيل أخرى مثل الحوار (الكلمة)، أما النص المكتوب فينجح عبر الكلمة فقط في تقديم مشهد كامل للحياة.
ولا تتردد د.لنا في كشف موقفها من تعبير «الأدب النسوي»، قائلة: «لا أعرف ما المقصود بالنمطية النسوية، أو بالسجال المستمر عن الكتابة النسوية. أنا أكتب ما يسبب لي هاجسا داخليا للكتابة عنه. ففي روايتي (تلامس) حضر هاجس الجنون الذي تخافه البطلة، وفي (أغنية لمارجريت) هناك تداخل بين الزمن والجسد والحب من باب السؤال الوجودي الكبير عن الموت، وفي (ثلج القاهرة) تناولت فكرة الحيوات السابقة.. بطلاتي كن نساء، لكن هواجسهن عامة ومن الممكن أن تطال أي إنسان، سواء امرأة أو رجلاً»..
وبشأن القارئ وحضوره في ذهن الروائي عندما يكتب، ترى د.لنا أنه ليس من الصواب أن يفكر الكاتب بالمتلقي عند الكتابة، فهذا «مشوِّش» بالنسبة له. وتضيف: «ثم من هو هذا المتلقي المجهول؟ نحن نعيش في عالم عربي واسع، وفي زمن تكنولوجي بامتياز.. لذا يبدو التفكير بالقارئ أمرا عبثيا في كثير من الأحيان».
وتنظر عبدالرحمن إلى إشرافها على عدد من حلقات الكتابة الإبداعية في الرواية على أنها تجربة مهمة بالنسبة لها، وتقول فيها: «هي تجربة ممتعة جدا من جانب اكتشاف مواهب جديدة ومتخوفة من فعل الكتابة، ومع مرور الوقت وتجاوز الحاجز الوهمي للخوف من الكلمات تبدأ النصوص بالتشكل، ويبدأ العصف الذهني بين المشاركين»، وهي مع ذلك تعيد التأكيد: «الحلقة وحدها لا تصنع كاتبا، لكنها تساعد الكاتب الذي لديه شغف بالكتابة على اكتشاف طريقه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.