شعبة الدواجن تتوقع ارتفاع الأسعار بسبب تخارج صغار المنتجين    إدانة عربية واسلامية لمصادقة الكنيست الإسرائيلي على ضم الضفة والأغوار في فلسطين    وزير الخارجية يتوجه إلى السنغال في المحطة الخامسة والأخيرة من جولته في غرب إفريقيا    تقرير: بايرن يقدم عرضه الجديد ل ليفربول من أجل لويس دياز    خبر في الجول - الزمالك ينتظر قرار فيريرا لضم مدافع حسنية أغادير    إبراهيم عادل: أبو تريكة قدوتي.. وهدفي في باراجواي اللحظة الأسعد بمسيرتي    وولفرهامبتون يضم أرياس من فلومينينسي    جامعة الإسكندرية تبحث التعاون مع التأمين الصحي الشامل لتقديم خدمات طبية متكاملة    مصر تستهجن الدعاية المغرضة لتشويه دورها الداعم لقضية فلسطين    إعلام فلسطيني: 89 شهيدًا و453 مصابا بنيران جيش الاحتلال خلال 24 ساعة    "الشعب الجمهوري" يشيد بجهود مصر في دعم غزة وإدخال المساعدات الإنسانية    رسميا.. الأهلي يعير كباكا إلى زد لمدة موسم واحد    قرار رادع .. لسكة الحديد تنهى خدمة مشرف قطار بسبب تأخير الركاب نصف ساعة بمحطة تلا    غسلوا 75 مليون جنيه من تجارة المخدرات.. الداخلية تضبط 3 متهمين    ضبط سائق يقوم بحركات استعراضية خطرة خلال حفل زفاف بالإسكندرية    تحرير 93 مخالفة تموينية بالمنيا    البنك المركزى الأوروبى يبقى معدلات الفائدة دون تغيير    الصحة تشارك في المؤتمر الدولي السابع عشر لمناظير المخ والعمود الفقري    ماكرون وزوجته يرفعان دعوى تشهير ضد المؤثرة الأمريكية كانديس أوينز    الداخلية تضبط طرفي مشاجرة بالأسلحة البيضاء بين سائقي توك توك في العمرانية    بسبب السرعة الزائدة.. مصرع عامل ديلفري إثر انقلاب دراجته النارية بالتجمع الخامس    اليوم.. عروض لفرق الشرقية والموسيقى العربية بالعلمين ضمن صيف بلدنا    إيهاب توفيق والموسيقى العربية في افتتاح صيف الأوبرا 2025 باستاد الإسكندرية    إقبال جماهيري على فعاليات "المواطنة" بالمنيا.. "الثقافة" تُضيء القرى برسائل الوعي والانتماء    طور سيناء تطلق سوق اليوم الواحد بتخفيضات تصل 25% لتخفيف العبء عن المواطنين    المشاط تدعو الشركات السويسرية للاستفادة من آلية ضمانات الاستثمار الأوروبية لزيادة استثماراتها في مصر    الشباب والرياضة تتلقى الاستقالة المسببة من نائب رئيس وأمين صندوق اتحاد تنس الطاولة    «جمال الدين» يستعرض إمكانات «اقتصادية قناة السويس» أمام مجتمع الأعمال بمقاطعة تشجيانغ    لطلاب الثانوية العامة والأزهرية.. شروط قبول بالأكاديمية العسكرية المصرية (إنفوجراف)    المجلس الأعلى للإعلام يوافق على 21 ترخيصًا جديدًا لمواقع إلكترونية    عمرو الورداني: نحن لا نسابق أحدًا في الحياة ونسير في طريق الله    بدء التشغيل الكلي لمجمع المواقف الجديد في بني سويف    قبل 150 يومًا من انطلاق "كان 2025".. الفراعنة ملوك الأرقام القياسية    بقيمة 227 مليون جنيه.. «صحة المنوفية» تكشف حصاد العلاج على نفقة الدولة خلال 6 أشهر    سيدة على مشارف ال80 عاما تغادر محطة الأمية في قطار التضامن «لا أمية مع تكافل»    نتيجة الثانوية الأزهرية بمحافظة كفر الشيخ.. رابط مباشر    انفجار لغم يشعل صراعا بين كمبوديا وتايلاند.. اشتباكات حدودية وغارات جوية    وزير الري يتابع جاهزية المنظومة المائية خلال موسم أقصى الاحتياجات    بنسخ خارجية لمختلف المواد.. ضبط مكتبة بدون ترخيص في الظاهر    تحليل رقمي.. كيف زاد عدد متابعي وسام أبو علي مليونا رغم حملة إلغاء متابعته؟    جامعة قناة السويس تُعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني وتُقرّ دعمًا للطلاب    «خدمة المجتمع» بجامعة القاهرة يناقش التكامل بين الدور الأكاديمى والمجتمعى والبيئي    شهدت التحول من الوثنية إلى المسيحية.. الكشف عن بقايا المدينة السكنية الرئيسية بالخارجة    3 أفلام ل محمد حفظي ضمن الاختيارات الرسمية للدورة ال 82 لمهرجان فينيسيا (تفاصيل)    نقابة المهن السينمائية تشيد بمسلسل "فات الميعاد"    معسكر كشفي ناجح لطلاب "الإسماعيلية الأهلية" بجامعة قناة السويس    عمرو الورداني: النجاح ليس ورقة نتيجة بل رحلة ممتدة نحو الفلاح الحقيقي    لو لقيت حاجة اقعدها وقت قد ايه لحين التصرف لنفسي فيها؟.. أمين الفتوى يجيب    علي جمعة يوضح معنى قوله تعالى {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال النصف الأول من 2025    "مدبولي" يؤكد أهمية بناء الوعي في تشييد حائط صد ضد نمو الشائعات    "الجبهة الوطنية" يعقد أول لقاء جماهيري بالإسماعيلية لدعم مرشحته داليا سعد في انتخابات الشيوخ    713 ألف خدمة طبية قدمتها مبادرة «100 يوم صحة» خلال أسبوعها الأول في القليوبية    تفاصيل عملية دهس قرب بيت ليد.. تسعة مصابين واستنفار إسرائيلي واسع    الإسكندرية تحتفل بتاريخها.. في "يوم وداع الملك"    «كتالوج»... الأبوة والأمومة    مدنية الأحكام وتفاعلها مجتمعيًّا وسياسيًّا    أعراض برد الصيف وأسبابه ومخاطره وطرق الوقاية منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل القصة في «رسائل الرمال» للمغربي عبد الواحد كفيح
نشر في صوت البلد يوم 12 - 06 - 2016

تصدر هذه المجموعة للقاص عبد الواحد كفيح، بعد مجموعتين قصصيتين «أنفاس مستقطعة» و"رقصة زوربا»، إضافة إلى رواية بعنوان «روائح مقاهي المكسيك».
في كل هذه الأعمال يواصل الكاتب مشروعه السردي الذي يطبعه تجذير القص في الثقافة الشعبية بمكوناتها الحكائية الشفوية وتعبيراتها الدارجة وقيمها المختلفة ونماذجها البشرية البسيطة. هذه المكونات بقدر ما تمنح الحياة للثقافة الشعبية داخل النص المكتوب، بقدر ما يستمد النص ذاته حياته منها.
عمل القصة في مجموعة "رسائل الرمال"
تبطئ السرد: أول ما يثير الانتباه في كثير من قصص المجموعة هو استراتيجة تبطئ السرد، بواسطة إبدالات متنوعة أهمها الوصف. في قصة «من قتل الجثة في ثلاجة الموتى» يعمد السرد إلى التخفيف من حدة تتابع الأحداث بوصف مشاعر السارد وأحواله الداخلية، وهو في الغرفة، أمام ثلاجة الموتى. من جهة ثانية، يلجأ السرد إلى تنويع الضمائر، من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب. وهو تنويع ينتج حكايتين متوازيتين، لكنه يؤدي إلى نوع من التراكم التكراري، إلى حد ما. إن الذي يجري كبح تدفقه في الحقيقة- هو سيولة الحكي بمقوماته الشفوية وخطابه الشعبي، الذي يعمل السرد على «أسلبته». من أهم ملامح هذا الخطاب هو توجه السارد المباشر إلى القارئ «لا أحد منكم سيصدق قصتي ولو أقسمت برأس أمي وكل عظام جدتي». هذه التدخلات المباشرة تعيد إلى الذهن صورة (الحكواتي في الحلقة الشعبية) أكثر من صورتها في الإرث السردي المكتوب. يتجلى الملمح الثاني في رصف الجمل الوصفية التي تصف حالة واحدة. في بداية قصة «من قتل الجثة» تصل هذه الحالة إلى اثنتي عشرة جملة، إنها خاصية الخطاب الشفوي الذي يسعى إلى تكرار المعنى نفسه، وإن بجمل متنوعة، سعيا إلى ترسيخ هذا المعنى وتجنبا لنسيانه وموته. توظيف الخطاب الشفوي بأبعاده الثقافية لا يتم بطريقة إحالية، بل يتم بطريقة عضوية، ينتمي فيها هذا الخطاب بتنوعاته إلى نسيج الخطاب السردي. إلى جانب الوصف، يوظف السرد تقنية الاسترجاع لتبطئ تتابع الأحداث.
في قصة «فوبيا الكلاب» يستعيد السارد قصصا من الطفولة، تؤطرها القصة الأم، هذا الاسترجاع وظيفته الكشف عن حلقات السببية التي أدت ببطل القصة إلى حالة الخوف أو (الخواف) في الحاضر (فوبيا). في المقام الثاني يتيح هذا الاسترجاع للماضي الطفولي المقارنة بين الماضي والحاضر، لتصل القصة في حدثها الختامي إلى مفارقة مشحونة بالسخرية المريرة. يفضل بطل القصة «وجع الكلاب» الذي كان يستعمله مشعوذ شعبي لقلع الأضراس على خطف راتبه الشهري من طبيب أسنان معاصر. إنه الخوف نفسه الذي يتكون ويتلون مع الوقت ويتكيف بكيمياء المقهورين، بتلك الإرادات والخيارات المهزومة.
الأسلوب الثالث نجده في قصة «في أقل من دقيقة». العنوان وحده يوحي بكثافة اللحظة وتمددها الأفقي، في إشارة المرور تحاول سائقة إغواء سائق. كانت المرأة تبحث عن ذاتها في مرآة الرجل، وتذهب إلى حد تخيل (خميل المضاجع). السرد الأفقي يملأ اللحظة بحركية أخرى من الخيالات والاستيهامات والإغراءات والحركات الدقيقة؛ إنها أفعال الرغبة.
2- التناص: تحفل المجموعة بالنصوص والعلامات والرموز التي تتناص مع النصوص القصصية، سواء من التراث السردي العربي أو من التراث العالمي. وتتناص القصص بصفة خاصة مع المحكي الشفوي في الكثير من مقوماته، ناهيك عن التوظيف العضوي لبعض مقوماته الأخرى. في قصة «من قتل الجثة…» نستعيد صدى رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس»، خاصة في نهايتها. وفي قصة «أصدقائي الخالدون» يستحضر السارد رموزا وأسماء مؤسسة في تاريخ الأدب العربي والعالمي: دون كيشوت، عنترة، حي بن يقظان، همنغواي… ثيمة القصة الأساسية هي أن السارد سليل هذه الشخصيات. وفي القصة يجري تنسيب الزمان والجغرافيا ليصبح الانتماء إلى عالم آخر مشترك هو عالم الأدب.
المفارقة
من وظائف المفارقة في بعض نصوص المجموعة:
الكشف عن التناقض التاريخي، إذ لا يبدو أن هناك فرقا بين الماضي والحاضر، ويظل الحرمان ملازما للإنسان البسيط بعيدا عن الشعارات والخطب، فبطل قصة «فوبيا الكلاب» تلازمه الفوبيا طيلة حياته. في الماضي يتملكه الخوف من (كلاب) المشعوذ الشعبي الذي يقتلع أضراس المرضى في حلقات الأسواق الأسبوعية. وكأن هذه العملية وتبعاتها هي مجرد فرجة… وفي الحاضر يجد البطل نفسه عاجزا عن دفع كلفة العلاج لطبيب عصري مسلح بالعلم. في كلتا الحالتين فهذا البطل هو ضحية للجهل والفقر معا.
الكف عن تناقضات اجتماعية وثقافية: في قصة «امسحوا العقارب» فئتان من الأطفال؛ الأولى لا تنجح في رسم صورة العقرب، لأنها تعيش في عالم بعيد عن العقارب والحشرات التي تتساكن مع الطبقات المسحوقة مثلها مثل بعض الحيوانات. أما الفئة الثانية فتنجح في رسم صورة العقرب إلى درجة (الحقيقة). وما هذه الحقيقة إلا الموت الذي ذهب ضحيته بعض من الأطفال بفعل لسعات العقارب. إنه اللسع الاجتماعي المردي والمهلك في أعمق صوره. في قصة «ليالي النكد» تحكي الأم لولدها عن الظروف المأساوية التي رافقت وضعها إياه. لكن الأم تكشف في النهاية أن حكيها هو مجرد عتاب، مجرد تخيل، كما أن نعته بالفأر طيلة مسار الحكاية، يعيد إلى الأذهان صورة الطريدة الهاربة دوما من خصم مهدد… لا تكتفي القصة بهذا المسار السطحي للأحداث، بل تنقل السرد إلى سؤال الوجود، ويتمثل في (هروب) الإنسان من القدر وبحثه الدائم عن لغز الحياة والموت.
ت- الرغبة: في بعض القصص تكشف الرغبة شيئا فشيئا عن غرائزها لتتمظهر في النهاية بكامل عريها وظلالها من السخرية، ضدا على مواقف الجد (التراجيدية) أو داخلها. في قصة «أقل من دقيقة» تولد الرغبة في مكان مشحون بالتوتر والانتظار وهو التوقف في أضواء المرور. هنا تطلق إحدى الشخصيتين العنان لرغباتها الدفينة عبر التخيل والاستيهام، فتتبع الرغبة طرقها وقوانينها الخاصة، ضدا على أو بمحاذاة قوانين السير العامة والرسمية. إن الرغبة في هذه القصة هي اللاقانون في مواجهة أو داخل أو مع القانون نفسه.. وفي قصة «حطام سلطانة البحر» نجد أن مواصفات شخصية سلطانة تكاد تكون أسطورية. في النهاية ترتد عليها الرغبة في توحشها وعريها، بعد أن تغتصب من طرف أحد أحفادها المنتشرين والذين تجهل جلهم، من فرط معاشرتها للقراصنة العابرين.
رسائل القصة
القصة ك "لوغوس"
في قصة «شهرزاد» نقرأ نوعا من القلب لمسار الحكاية الأصلية. في هذه القصة تتولى شهرزاد الحكم بين الناس بالعدل، فيما يقضي شهريار يومه في النوم، منتظرا الليل لسماع الحكايا. وفي النهاية ينتحر شهريار بسبب جبروته وبطشه وكل الآلام التي سببها لشعبه. الحكاية في القصة هي سياسة وثورة خفية تقودها شهرزاد باسم المستعبدين والمظلومين. إنها، فضلا عن ذلك، ثورة ضد الذكورية المستفحلة. هكذا فشهريار هو الذي يموت،لأنه لم يحك الحكاية المناسبة، تلك الحكاية الحضارية التي قوامها العدل والمساواة… في قصة «علق القصة وغلق الباب»، يأوي شخص إلى غرفة فندق فيتخيل حكايات أشخاص عبروا من الغرفة نفسها؛ رجل أعمال، راقصة، هارب من العدالة، مريض… إن المكان- الغرفة هو سجل لقصص الناس وتجاربهم المتراوحة بين الحياة والموت. تكشف القصة عن عوالم تتجاوز السطح وتدفع بالمغامرة السردية إلى حدود التأويل الفلسفي. وفي قصة «ليالي النكد» تتجسد الفلسفة الشعبية ببساطتها وخطابها المستند إلى مناورات وطرق حكائية خاصة.إنها لا تخبرنا أبداعن هوية القط الذي يطارد الفأر؟
في مجموعة «رسائل الرمال» أكثر من رسالة تهم الثيمات والطرق السردية وحضور الثقافة الشعبية في مكوناتها الحكائية، داخل النص. لكل ذلك فالسرد في قصص المجموعة منفتح ومتعدد، خاصة أنه لا يقطع الصلة مع المكون الشفوي الذي يعد جزءا لا يتجزأ من الفسيفساء اللغوية والتواصل اليومي.
رسائل الرمال: مجموعة قصصية. عن منشورات ديهيا . نجمة الشرق- بركان. الطبعة الأولى 2015.
.......
٭ قاص وروائي/المغرب
تصدر هذه المجموعة للقاص عبد الواحد كفيح، بعد مجموعتين قصصيتين «أنفاس مستقطعة» و"رقصة زوربا»، إضافة إلى رواية بعنوان «روائح مقاهي المكسيك».
في كل هذه الأعمال يواصل الكاتب مشروعه السردي الذي يطبعه تجذير القص في الثقافة الشعبية بمكوناتها الحكائية الشفوية وتعبيراتها الدارجة وقيمها المختلفة ونماذجها البشرية البسيطة. هذه المكونات بقدر ما تمنح الحياة للثقافة الشعبية داخل النص المكتوب، بقدر ما يستمد النص ذاته حياته منها.
عمل القصة في مجموعة "رسائل الرمال"
تبطئ السرد: أول ما يثير الانتباه في كثير من قصص المجموعة هو استراتيجة تبطئ السرد، بواسطة إبدالات متنوعة أهمها الوصف. في قصة «من قتل الجثة في ثلاجة الموتى» يعمد السرد إلى التخفيف من حدة تتابع الأحداث بوصف مشاعر السارد وأحواله الداخلية، وهو في الغرفة، أمام ثلاجة الموتى. من جهة ثانية، يلجأ السرد إلى تنويع الضمائر، من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب. وهو تنويع ينتج حكايتين متوازيتين، لكنه يؤدي إلى نوع من التراكم التكراري، إلى حد ما. إن الذي يجري كبح تدفقه في الحقيقة- هو سيولة الحكي بمقوماته الشفوية وخطابه الشعبي، الذي يعمل السرد على «أسلبته». من أهم ملامح هذا الخطاب هو توجه السارد المباشر إلى القارئ «لا أحد منكم سيصدق قصتي ولو أقسمت برأس أمي وكل عظام جدتي». هذه التدخلات المباشرة تعيد إلى الذهن صورة (الحكواتي في الحلقة الشعبية) أكثر من صورتها في الإرث السردي المكتوب. يتجلى الملمح الثاني في رصف الجمل الوصفية التي تصف حالة واحدة. في بداية قصة «من قتل الجثة» تصل هذه الحالة إلى اثنتي عشرة جملة، إنها خاصية الخطاب الشفوي الذي يسعى إلى تكرار المعنى نفسه، وإن بجمل متنوعة، سعيا إلى ترسيخ هذا المعنى وتجنبا لنسيانه وموته. توظيف الخطاب الشفوي بأبعاده الثقافية لا يتم بطريقة إحالية، بل يتم بطريقة عضوية، ينتمي فيها هذا الخطاب بتنوعاته إلى نسيج الخطاب السردي. إلى جانب الوصف، يوظف السرد تقنية الاسترجاع لتبطئ تتابع الأحداث.
في قصة «فوبيا الكلاب» يستعيد السارد قصصا من الطفولة، تؤطرها القصة الأم، هذا الاسترجاع وظيفته الكشف عن حلقات السببية التي أدت ببطل القصة إلى حالة الخوف أو (الخواف) في الحاضر (فوبيا). في المقام الثاني يتيح هذا الاسترجاع للماضي الطفولي المقارنة بين الماضي والحاضر، لتصل القصة في حدثها الختامي إلى مفارقة مشحونة بالسخرية المريرة. يفضل بطل القصة «وجع الكلاب» الذي كان يستعمله مشعوذ شعبي لقلع الأضراس على خطف راتبه الشهري من طبيب أسنان معاصر. إنه الخوف نفسه الذي يتكون ويتلون مع الوقت ويتكيف بكيمياء المقهورين، بتلك الإرادات والخيارات المهزومة.
الأسلوب الثالث نجده في قصة «في أقل من دقيقة». العنوان وحده يوحي بكثافة اللحظة وتمددها الأفقي، في إشارة المرور تحاول سائقة إغواء سائق. كانت المرأة تبحث عن ذاتها في مرآة الرجل، وتذهب إلى حد تخيل (خميل المضاجع). السرد الأفقي يملأ اللحظة بحركية أخرى من الخيالات والاستيهامات والإغراءات والحركات الدقيقة؛ إنها أفعال الرغبة.
2- التناص: تحفل المجموعة بالنصوص والعلامات والرموز التي تتناص مع النصوص القصصية، سواء من التراث السردي العربي أو من التراث العالمي. وتتناص القصص بصفة خاصة مع المحكي الشفوي في الكثير من مقوماته، ناهيك عن التوظيف العضوي لبعض مقوماته الأخرى. في قصة «من قتل الجثة…» نستعيد صدى رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس»، خاصة في نهايتها. وفي قصة «أصدقائي الخالدون» يستحضر السارد رموزا وأسماء مؤسسة في تاريخ الأدب العربي والعالمي: دون كيشوت، عنترة، حي بن يقظان، همنغواي… ثيمة القصة الأساسية هي أن السارد سليل هذه الشخصيات. وفي القصة يجري تنسيب الزمان والجغرافيا ليصبح الانتماء إلى عالم آخر مشترك هو عالم الأدب.
المفارقة
من وظائف المفارقة في بعض نصوص المجموعة:
الكشف عن التناقض التاريخي، إذ لا يبدو أن هناك فرقا بين الماضي والحاضر، ويظل الحرمان ملازما للإنسان البسيط بعيدا عن الشعارات والخطب، فبطل قصة «فوبيا الكلاب» تلازمه الفوبيا طيلة حياته. في الماضي يتملكه الخوف من (كلاب) المشعوذ الشعبي الذي يقتلع أضراس المرضى في حلقات الأسواق الأسبوعية. وكأن هذه العملية وتبعاتها هي مجرد فرجة… وفي الحاضر يجد البطل نفسه عاجزا عن دفع كلفة العلاج لطبيب عصري مسلح بالعلم. في كلتا الحالتين فهذا البطل هو ضحية للجهل والفقر معا.
الكف عن تناقضات اجتماعية وثقافية: في قصة «امسحوا العقارب» فئتان من الأطفال؛ الأولى لا تنجح في رسم صورة العقرب، لأنها تعيش في عالم بعيد عن العقارب والحشرات التي تتساكن مع الطبقات المسحوقة مثلها مثل بعض الحيوانات. أما الفئة الثانية فتنجح في رسم صورة العقرب إلى درجة (الحقيقة). وما هذه الحقيقة إلا الموت الذي ذهب ضحيته بعض من الأطفال بفعل لسعات العقارب. إنه اللسع الاجتماعي المردي والمهلك في أعمق صوره. في قصة «ليالي النكد» تحكي الأم لولدها عن الظروف المأساوية التي رافقت وضعها إياه. لكن الأم تكشف في النهاية أن حكيها هو مجرد عتاب، مجرد تخيل، كما أن نعته بالفأر طيلة مسار الحكاية، يعيد إلى الأذهان صورة الطريدة الهاربة دوما من خصم مهدد… لا تكتفي القصة بهذا المسار السطحي للأحداث، بل تنقل السرد إلى سؤال الوجود، ويتمثل في (هروب) الإنسان من القدر وبحثه الدائم عن لغز الحياة والموت.
ت- الرغبة: في بعض القصص تكشف الرغبة شيئا فشيئا عن غرائزها لتتمظهر في النهاية بكامل عريها وظلالها من السخرية، ضدا على مواقف الجد (التراجيدية) أو داخلها. في قصة «أقل من دقيقة» تولد الرغبة في مكان مشحون بالتوتر والانتظار وهو التوقف في أضواء المرور. هنا تطلق إحدى الشخصيتين العنان لرغباتها الدفينة عبر التخيل والاستيهام، فتتبع الرغبة طرقها وقوانينها الخاصة، ضدا على أو بمحاذاة قوانين السير العامة والرسمية. إن الرغبة في هذه القصة هي اللاقانون في مواجهة أو داخل أو مع القانون نفسه.. وفي قصة «حطام سلطانة البحر» نجد أن مواصفات شخصية سلطانة تكاد تكون أسطورية. في النهاية ترتد عليها الرغبة في توحشها وعريها، بعد أن تغتصب من طرف أحد أحفادها المنتشرين والذين تجهل جلهم، من فرط معاشرتها للقراصنة العابرين.
رسائل القصة
القصة ك "لوغوس"
في قصة «شهرزاد» نقرأ نوعا من القلب لمسار الحكاية الأصلية. في هذه القصة تتولى شهرزاد الحكم بين الناس بالعدل، فيما يقضي شهريار يومه في النوم، منتظرا الليل لسماع الحكايا. وفي النهاية ينتحر شهريار بسبب جبروته وبطشه وكل الآلام التي سببها لشعبه. الحكاية في القصة هي سياسة وثورة خفية تقودها شهرزاد باسم المستعبدين والمظلومين. إنها، فضلا عن ذلك، ثورة ضد الذكورية المستفحلة. هكذا فشهريار هو الذي يموت،لأنه لم يحك الحكاية المناسبة، تلك الحكاية الحضارية التي قوامها العدل والمساواة… في قصة «علق القصة وغلق الباب»، يأوي شخص إلى غرفة فندق فيتخيل حكايات أشخاص عبروا من الغرفة نفسها؛ رجل أعمال، راقصة، هارب من العدالة، مريض… إن المكان- الغرفة هو سجل لقصص الناس وتجاربهم المتراوحة بين الحياة والموت. تكشف القصة عن عوالم تتجاوز السطح وتدفع بالمغامرة السردية إلى حدود التأويل الفلسفي. وفي قصة «ليالي النكد» تتجسد الفلسفة الشعبية ببساطتها وخطابها المستند إلى مناورات وطرق حكائية خاصة.إنها لا تخبرنا أبداعن هوية القط الذي يطارد الفأر؟
في مجموعة «رسائل الرمال» أكثر من رسالة تهم الثيمات والطرق السردية وحضور الثقافة الشعبية في مكوناتها الحكائية، داخل النص. لكل ذلك فالسرد في قصص المجموعة منفتح ومتعدد، خاصة أنه لا يقطع الصلة مع المكون الشفوي الذي يعد جزءا لا يتجزأ من الفسيفساء اللغوية والتواصل اليومي.
رسائل الرمال: مجموعة قصصية. عن منشورات ديهيا . نجمة الشرق- بركان. الطبعة الأولى 2015.
.......
٭ قاص وروائي/المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.