زلزال روسيا.. ترامب يحذر من تسونامي في هاواي وألاسكا ويدعو الأمريكيين إلى الحيطة    إعلام كندي: الحكومة تدرس الاعتراف بدولة فلسطين    ترامب: لن نسمح لحماس بالاستيلاء على المساعدات الغذائية المخصصة لغزة    ملك المغرب: الشعب الجزائري شقيق.. وتربطنا به علاقة إنسانية وتاريخية    تشكيل النصر المتوقع لمواجهة تولوز الفرنسي وديًا    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 30-7-2025 مع بداية التعاملات    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    الكرملين يلتزم الصمت بعد تقليص ترامب المهلة المحددة لوقف النار في أوكرانيا    تنسيق الجامعات 2025| كل ما تريد معرفته عن بكالوريوس إدارة وتشغيل الفنادق "ماريوت"    4 أرغفة ب دينار.. تسعيرة الخبز الجديدة تغضب أصحاب المخابز في ليبيا    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    الحكومة تواصل إنقاذ نهر النيل: إزالة 87 ألف حالة تعدٍ منذ 2015 وحتى الآن    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    عمر فاروق: وعي الشعب المصري خط الدفاع الأول ضد مؤامرات «الإرهابية»    مدير أمن سوهاج يتفقد الشوارع الرئيسية لمتابعة الحالة الأمنية والمرورية    غرق طفل بترعة في مركز سوهاج.. والإنقاذ النهري ينتشل الجثة    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الإعلامى حسام الغمرى: جماعة الإخوان تحاول تشويه موقف مصر الشريف تجاه فلسطين.. فيديو    محمد محسن يحتفل بعيد ميلاد زوجته هبة مجدي برسالة رومانسية (صور)    لهذا السبب... لطفي لبيب يتصدر تريند جوجل    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    إخماد حريق في محول كهرباء في «أبو النمرس» بالجيزة    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    من المهم توخي الحذر في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 30 يوليو    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    «التموين»: لا صحة لعدم صرف الخبز المدعم لأصحاب معاش تكافل وكرامة    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    مطران دشنا يترأس صلوات رفع بخور عشية بكنيسة الشهيد العظيم أبو سيفين (صور)    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    وزير الخارجية يتوجه إلى واشنطن في زيارة ثنائية    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    استعدادًا للموسم الجديد.. نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    ناشط فلسطيني: دور مصر مشرف وإسرائيل تتحمل انتشار المجاعة في غزة.. فيديو    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    خبير بيئي: حرائق قرية برخيل ناتجة عن اشتعال ذاتي بسبب تخمر بقايا المحاصيل والقمامة    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    عاصم الجزار: لا مكان للمال السياسي في اختيار مرشحينا    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    ترامب: الهند ستواجه تعريفة جمركية تتراوح بين 20% و25% على الأرجح    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    بدأت بصداع وتحولت إلى شلل كامل.. سكتة دماغية تصيب رجلًا ب«متلازمة الحبس»    طريقة عمل سلطة الطحينة للمشاوي، وصفة سريعة ولذيذة في دقائق    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفارقة في رواية "الأرملة السوداء"
نشر في صوت البلد يوم 09 - 05 - 2016

صدرت رواية "الأرملة السوداء" للكاتب العربي الأردني صبحي فحماوي، في طبعتها الثانية عن مكتبة الأسرة / وزارة الثقافة الأردنية عام 2015. وكانت الأولى قد صدرت عن دار الهلال المصرية في مايو/أيار 2011، وتقع في 262 صفحة من القطع المتوسط، توزعت على ستة وعشرين عنواناً.
وهذه الرواية في شكلها العام تعبر عن كون "روح شهريار العظيم - ملك ألف ليلة وليلة - قد حلت في جسد طفل حديث الولادة، إذ سيطرت هواجس على مخيلة والده سراج البدر - المسكون بتقمص الأرواح التي تغير عليه كل ليلة، فتتحبب إليه حيناً، وتهاجمه بشراسة ترهبه أحياناً – إلى أن أقنعته أن روح الملك شهزمان ستحل في جسد مولوده الأول، فسماه بنفس الاسم الشهير! وعزز ذلك التأثير إقدامه، بأن أوعز إليه بتسمية ولده الثاني نفس الاسم السابق لأخيه الملك شهريار، الذي ذاع صيته في عموم الأرض، وليس في بلاد هارون الرشيد وحدها.
الشاب شهريار، الذي عاش طفولته في جبل النظيف وتحديداً بجانب (مقبرة عيشة)، قبل أن يكبر وينتقل إلى إحدى مناطق غرب عمان، يعمل مدعي عام بعد دراسته للقانون وحصوله على شهادة الماجستير وتحضيره لرسالة الدكتوراة تحت عنوان "الجريمة النسوية"، وكان يعاني من عقدة ضد المرأة بشكل عام، ومن الأنثى والأنوثة بشكل خاص، فهو يرى أن الذكر مظلوم في حياته، يعيش ويموت في خدمة الأنثى، التي تستغله في كل شيء، وشغله خوفه على الذكر لدرجة الوصول إلى امكانية الانقراض "فإن احتمال انقراض الرجال وارد، نظراً لطبيعة عملهم، الذي يتصف أحياناً بالخطورة، فضلاً على الضغوطات النفسية، وما ينجم عنها من أعراض مرضية، كأمراض القلب، والشرايين، والذبحات الصدرية، والجلطات، والضغط، والسكري، وغيرها من الأمراض القاتلة".
عمله كمدعي عام عرض عليه العديد من القضايا، التي زادت عقدته، ضد المرأة، التي تتقن دور الضحية، وتستغل الذكر في كل شيء، ومن بين القضايا:
1- قضية الرجل العجوز صاحب الدكان، الذي طالب سيدة بسداد الدين المتراكم عليها، ولكنها سارعت إلى خلع حجابها، وصراخها، واتهامه بهتك عرضها.
2- قضية المرأة التي اتهمت رجلا باغتصابها، وهي التي ذهبت إليه بمحض إرادتها؛ وذلك لطبيعة عملها المشبوه والمنحرف.
3- قضية (محسن المالح) مع زوجته (حياة)، التي حمّلته ما لا طاقة له به، من مصاريف رحلات وطلباتها التي قسمت ظهره، وكان آخرها سيارة. دون مراعاة ظروف زوجها المادية، والاحساس به.
4- قضية (عشتار محمود) مع (جعفر الطالبي)، هذا الرجل المتغرب، أوقعت به، واستدرجته بكيدها إلى شقتها، في وقت متأخر، فتفاجأ بقدوم زوجها، مما دفعه إلى القفز من أعلى البناية، مما أدى إلى وفاته، واستمرت التحقيقات مع مرافقه، الذي تبين فيما بعد أن المرأة وزوجها كانا على ترتيب واتفاق للقيام بهذا الفعل.
وبقي يحيا كذلك حتى جمعه القدر عند الطبيب (علاء الكاشف) المختص بالأمراض النفسية، ب (شهرزاد)، صاحبة رؤيا مناقضة له تماماً، فهي طالبة دكتوراه، تدرس "الاكتئاب النسوي"، وترى أن الرجل يمارس غطرسته وسلطته على الأنثى المستضعفة، التي تفني عمرها في خدمته، وصحتها في تربية أبنائه، الذين ينسبون في النهاية له، وليس لها.
المفارقة في رواية "الأرملة السوداء":
إذا جاز لنا تصنيف هذه الرواية، اعتبرناها رواية قائمة على ثنائية (الأنا/الآخر)، تتبنى المفارقة لإشعار القارىء بفحوى خطابها. وليس هدف السخرية هنا إثارة الابتسامة الممتعة فقط، وإنما هي مفارقة مُرّة، تنتقد الوضع القائم، وتحث على تغييره، المتمثل في نظرة المرأة للرجل، ونظرة الرجل للمرأة. وبالتالي تكون خطة من خطط الخطاب الروائي التي من خلالها ينشد التأثير والتغلغل في القرّاء، وجذبهم وبعث الدهشة في نفوسهم، وإثارة الأسئلة، والتشويق، ومعرفة ما سيحدث.
والمفارقة بحسب رأي د. نبيلة إبراهيم "لغة اتصال سري بين الكاتب والقارئ"، ويرى محمد العبد، أن المفارقة "نوع من التضاد بين المعنى المباشر المنطوق والمعنى غير المباشر، ويرى د. عبدالهادي خضير أن المفارقة "تعبير لغوي بأسلوب بليغ يهدف إلى استثارة القارئ، وتحفّز ذهنه لتجاوز المعنى الظاهري المتناقض للعبارة والوصول إلى المعاني الخفية التي هي مرام الشاعر الحقيقي، فالمفارقة مفهوم فضفاض، أسال النقاد الكثير من الحبر في دراسته، ولكن يمكن اجماله بأنه معنى ظاهر يخفي في داخله معنى باطن يتناقض مع الظاهر.
وفي روايتنا "الأرملة السوداء" تطالعنا المفارقة من بدايتها، خلال المشهد الذي يقدمه صبحي فحماوي بحرفيه عالية، يوهم القارئ بأنها علاقة بين رجل وامرأة، حتى يندهش، بأنه يتحدث عن أنثى العنكبوت، التي يشاهد فيلم وثائقي عنها (شهريار)، فحضر عنصر الدهشة والمفاجأة وباغت القارئ، مما رسم البسمة على شفتيه في النهاية.
وأيضاً قصة الشيخ السمندل: "سألت الشيخ السمندل عن الزواج بامرأتين، فلم يُفضِّل ذلك ."وهنا أفرجت ميسون عن نابيها بابتسامة مطْمئنة، وقد هدأت أساريرها، ولكن زوجها وبعد انتظار لئيم، أردف قائلاً : ورداً على استفساري عن الحل الأفضل، قال الشيخ السمندل:
"من الأفضل أن يتزوج الرجل بثلاث نساء، ذلك لأنه إذا تزوج باثنتين، فإنهما سيُنسيانه الحليب الذي رضعه..."
ومن بين المفارقات التي يمكن حصر جزء بسيط منها:
1- مفارقة العنوان:
من يطالع العنوان من الناحية السطحية، يعتقد أنه يتحدث أرملة بشرتها سوداء، ولكن الدلالة العميقة غير ذلك، "سواء كان إنساناً أو حيواناً، فعلاقة الأنثى بالذكر، لاتختلف عن علاقة "الأرملة السوداء" بذكر العنكبوت!"
2- مفارقة المنظور (الرؤيا):
ساهمت هذه المفارقة بشكل كبير في البناء الدرامي للرواية، "أنا في الحقيقة مهتم بإنشاء جمعية لحماية الرجل. تضحك شهرزاد فتقول: " حماية الرجل؟! يا رجل، قل حماية المرأة".
تجلت بين (شهريار)، و(شهرزاد)، وذلك بانحياز الأول (للذكور)، والأخرى (للإناث).
"تتابع دخول (أنثى وذكر) متضادين في أفكارهما الأنثوية والذكورية، ويدعي كل منهما أن جنسه محاصر ومظلوم ومضطهد من قبل الطرف الآخر، وأن اسميهما شهريار وشهرزاد، فشعر أنها مفارقة عجيبة".
* شهريار:
* "معظم المتهمين بالأعمال الشائنة في هذه المحكمة، والذين يتعرضون للعذاب هم من الذكور وليست الإناث!"
*- "أليس من الظلم أن يُمنع دخول الرجال الفارين في (قوارب الموت المهاجرة إلى إيطاليا)، بينما يسمح للنساء الجميلات بحرية العبور!"
*- "أليس ذكاء المرأة هو الذي أَتْبع المولود إلى عائلة الزوج وليس لعائلتها، وذلك لتتخلص من تبعات حمايته ونفقاته، التي يتكلفها حتى لو طلقها، أو مات موروثاً..."
شهرزاد:
*- "الشباب يتزوجون في الوقت الذي يريدون"، تقول لنفسها، "وأما الشابات فلا يستطعن أن يقررن زواجهن في الوقت المناسب! هم يختارون شريكة الحياة التي يريدون، ولكن البنات ينتظرن من يفرض نفسه عليهن باختيار".
*- "وتستغرب الباحثة حال الأب، الذي إذا حمل بطيخة من الدكان إلى بيته فإنه يتثاقل بحملها، ولكن الأم تحمل جنينها في بطنها تسعة أشهر، دون أن تتخلى عن مسؤولياتها في الحمل المترافق مع خدمة البيت وباقي أفراد الأسرة..".
*- "إن هذه العروس بعد زواجها ستحمل كل طفل من أطفالها في بطنها تسعة أشهر، فهل تستكثر عليها أن يحملها الرجل لعدة دقائق، إلى أن يحين إيداعها في قفص الزوجية؟".
3- مفارقة الحدث:
* .. في السابق كانت الإناث تُمنع من السفر دون موافقة ولي الأمر الخطِّية، واليوم انقلبت الآية، فصار يسمح للإناث، بينما يُمنع الذكور من السفر، دون موافقة ولي الأمر الخطية
* تمثلت في تحول رؤية كل من (شهريار/شهرزاد)، في نهاية الرواية، من خلال الجمعية التي بدأت (حماية الرجل)، الى (جمعية حماية الانسان). "وخلال هذه الفترة القصيرة التي قضتها في الجمعية، استطاع شهريار أن يغيِّر الكثير من مفاهيم شهرزاد نحو الرجل، واستطاعت هي أن تغير الكثير من مفاهيمه نحو المرأة، فيلتقيان في منتصف الطريق."
* إن ذهابه إلى أخصائي نفسي (الطبيب علاء الكاشف)، ليفك عقدته ضد المرأة، جعل الطبيب تحول إلى أول أنصار أفكاره، ومن مؤسسي (جمعية حماية الرجل)!
4- مفارقة التناص:
* "كان شهريار في تلك اللحظات يفكر في قصة (يوسف مع امرأة العزيز)، الذي رغم أن قميصه قد قُدّ من دبر، إلا أنه أُدخل إلى السجن، ولم يخرج منه إلا بعد عدة سنين، وفي ظروف غامضة. فالتناص هنا، متناقض مع السياق، فسيدنا يوسف لم يرتكب فاحشة وسُجن، بينما الرجل الذي اعتدى على ابنته، حر طليق.
* "أنا أتألم إذن أنا موجود." * "للأنثى مثل حظ الذكرين!"
5- المفارقة اللفظية:
* "فقالت وهي راغبة مُتمنِّعة" * "نحن النساء نُحَبُّ، لا نحِبّ.!"
* " وهي منشغلة بالتفكير في أنانية الرجل، تداهمها صور مضحكة محزنة"
* "معي وليس معي"!
6- مفارقة مكان:
* "مقر الجمعية الذي صادف أن يكون إلى جوار (حديقة الوفاق والاتفاق)".
* "ونوادي للسهرات البريئة، وأخرى لغير البريئة". * "كان أبي يملك سيارة شحن في بلدنا (صرفند العمار) سنة الستة وثلاثين، يوم ما كان أبوك يملك حماراً في بلدكم (صرفند الخراب)!"
في النهاية يمكن القول إن هذه الرواية ثرية بمفارقاتها، وهذا جزء بسيط منها، إذ أنها تطرقت إلى ثنائية الزواج عند العرب والغرب (ص90-91)، وأيضاً سلطة الرجل على الرجل، وسلطة المرأة على المرأة (ص201).
..........
ليث الرواجفة - أكاديمي عربي أردني
صدرت رواية "الأرملة السوداء" للكاتب العربي الأردني صبحي فحماوي، في طبعتها الثانية عن مكتبة الأسرة / وزارة الثقافة الأردنية عام 2015. وكانت الأولى قد صدرت عن دار الهلال المصرية في مايو/أيار 2011، وتقع في 262 صفحة من القطع المتوسط، توزعت على ستة وعشرين عنواناً.
وهذه الرواية في شكلها العام تعبر عن كون "روح شهريار العظيم - ملك ألف ليلة وليلة - قد حلت في جسد طفل حديث الولادة، إذ سيطرت هواجس على مخيلة والده سراج البدر - المسكون بتقمص الأرواح التي تغير عليه كل ليلة، فتتحبب إليه حيناً، وتهاجمه بشراسة ترهبه أحياناً – إلى أن أقنعته أن روح الملك شهزمان ستحل في جسد مولوده الأول، فسماه بنفس الاسم الشهير! وعزز ذلك التأثير إقدامه، بأن أوعز إليه بتسمية ولده الثاني نفس الاسم السابق لأخيه الملك شهريار، الذي ذاع صيته في عموم الأرض، وليس في بلاد هارون الرشيد وحدها.
الشاب شهريار، الذي عاش طفولته في جبل النظيف وتحديداً بجانب (مقبرة عيشة)، قبل أن يكبر وينتقل إلى إحدى مناطق غرب عمان، يعمل مدعي عام بعد دراسته للقانون وحصوله على شهادة الماجستير وتحضيره لرسالة الدكتوراة تحت عنوان "الجريمة النسوية"، وكان يعاني من عقدة ضد المرأة بشكل عام، ومن الأنثى والأنوثة بشكل خاص، فهو يرى أن الذكر مظلوم في حياته، يعيش ويموت في خدمة الأنثى، التي تستغله في كل شيء، وشغله خوفه على الذكر لدرجة الوصول إلى امكانية الانقراض "فإن احتمال انقراض الرجال وارد، نظراً لطبيعة عملهم، الذي يتصف أحياناً بالخطورة، فضلاً على الضغوطات النفسية، وما ينجم عنها من أعراض مرضية، كأمراض القلب، والشرايين، والذبحات الصدرية، والجلطات، والضغط، والسكري، وغيرها من الأمراض القاتلة".
عمله كمدعي عام عرض عليه العديد من القضايا، التي زادت عقدته، ضد المرأة، التي تتقن دور الضحية، وتستغل الذكر في كل شيء، ومن بين القضايا:
1- قضية الرجل العجوز صاحب الدكان، الذي طالب سيدة بسداد الدين المتراكم عليها، ولكنها سارعت إلى خلع حجابها، وصراخها، واتهامه بهتك عرضها.
2- قضية المرأة التي اتهمت رجلا باغتصابها، وهي التي ذهبت إليه بمحض إرادتها؛ وذلك لطبيعة عملها المشبوه والمنحرف.
3- قضية (محسن المالح) مع زوجته (حياة)، التي حمّلته ما لا طاقة له به، من مصاريف رحلات وطلباتها التي قسمت ظهره، وكان آخرها سيارة. دون مراعاة ظروف زوجها المادية، والاحساس به.
4- قضية (عشتار محمود) مع (جعفر الطالبي)، هذا الرجل المتغرب، أوقعت به، واستدرجته بكيدها إلى شقتها، في وقت متأخر، فتفاجأ بقدوم زوجها، مما دفعه إلى القفز من أعلى البناية، مما أدى إلى وفاته، واستمرت التحقيقات مع مرافقه، الذي تبين فيما بعد أن المرأة وزوجها كانا على ترتيب واتفاق للقيام بهذا الفعل.
وبقي يحيا كذلك حتى جمعه القدر عند الطبيب (علاء الكاشف) المختص بالأمراض النفسية، ب (شهرزاد)، صاحبة رؤيا مناقضة له تماماً، فهي طالبة دكتوراه، تدرس "الاكتئاب النسوي"، وترى أن الرجل يمارس غطرسته وسلطته على الأنثى المستضعفة، التي تفني عمرها في خدمته، وصحتها في تربية أبنائه، الذين ينسبون في النهاية له، وليس لها.
المفارقة في رواية "الأرملة السوداء":
إذا جاز لنا تصنيف هذه الرواية، اعتبرناها رواية قائمة على ثنائية (الأنا/الآخر)، تتبنى المفارقة لإشعار القارىء بفحوى خطابها. وليس هدف السخرية هنا إثارة الابتسامة الممتعة فقط، وإنما هي مفارقة مُرّة، تنتقد الوضع القائم، وتحث على تغييره، المتمثل في نظرة المرأة للرجل، ونظرة الرجل للمرأة. وبالتالي تكون خطة من خطط الخطاب الروائي التي من خلالها ينشد التأثير والتغلغل في القرّاء، وجذبهم وبعث الدهشة في نفوسهم، وإثارة الأسئلة، والتشويق، ومعرفة ما سيحدث.
والمفارقة بحسب رأي د. نبيلة إبراهيم "لغة اتصال سري بين الكاتب والقارئ"، ويرى محمد العبد، أن المفارقة "نوع من التضاد بين المعنى المباشر المنطوق والمعنى غير المباشر، ويرى د. عبدالهادي خضير أن المفارقة "تعبير لغوي بأسلوب بليغ يهدف إلى استثارة القارئ، وتحفّز ذهنه لتجاوز المعنى الظاهري المتناقض للعبارة والوصول إلى المعاني الخفية التي هي مرام الشاعر الحقيقي، فالمفارقة مفهوم فضفاض، أسال النقاد الكثير من الحبر في دراسته، ولكن يمكن اجماله بأنه معنى ظاهر يخفي في داخله معنى باطن يتناقض مع الظاهر.
وفي روايتنا "الأرملة السوداء" تطالعنا المفارقة من بدايتها، خلال المشهد الذي يقدمه صبحي فحماوي بحرفيه عالية، يوهم القارئ بأنها علاقة بين رجل وامرأة، حتى يندهش، بأنه يتحدث عن أنثى العنكبوت، التي يشاهد فيلم وثائقي عنها (شهريار)، فحضر عنصر الدهشة والمفاجأة وباغت القارئ، مما رسم البسمة على شفتيه في النهاية.
وأيضاً قصة الشيخ السمندل: "سألت الشيخ السمندل عن الزواج بامرأتين، فلم يُفضِّل ذلك ."وهنا أفرجت ميسون عن نابيها بابتسامة مطْمئنة، وقد هدأت أساريرها، ولكن زوجها وبعد انتظار لئيم، أردف قائلاً : ورداً على استفساري عن الحل الأفضل، قال الشيخ السمندل:
"من الأفضل أن يتزوج الرجل بثلاث نساء، ذلك لأنه إذا تزوج باثنتين، فإنهما سيُنسيانه الحليب الذي رضعه..."
ومن بين المفارقات التي يمكن حصر جزء بسيط منها:
1- مفارقة العنوان:
من يطالع العنوان من الناحية السطحية، يعتقد أنه يتحدث أرملة بشرتها سوداء، ولكن الدلالة العميقة غير ذلك، "سواء كان إنساناً أو حيواناً، فعلاقة الأنثى بالذكر، لاتختلف عن علاقة "الأرملة السوداء" بذكر العنكبوت!"
2- مفارقة المنظور (الرؤيا):
ساهمت هذه المفارقة بشكل كبير في البناء الدرامي للرواية، "أنا في الحقيقة مهتم بإنشاء جمعية لحماية الرجل. تضحك شهرزاد فتقول: " حماية الرجل؟! يا رجل، قل حماية المرأة".
تجلت بين (شهريار)، و(شهرزاد)، وذلك بانحياز الأول (للذكور)، والأخرى (للإناث).
"تتابع دخول (أنثى وذكر) متضادين في أفكارهما الأنثوية والذكورية، ويدعي كل منهما أن جنسه محاصر ومظلوم ومضطهد من قبل الطرف الآخر، وأن اسميهما شهريار وشهرزاد، فشعر أنها مفارقة عجيبة".
* شهريار:
* "معظم المتهمين بالأعمال الشائنة في هذه المحكمة، والذين يتعرضون للعذاب هم من الذكور وليست الإناث!"
*- "أليس من الظلم أن يُمنع دخول الرجال الفارين في (قوارب الموت المهاجرة إلى إيطاليا)، بينما يسمح للنساء الجميلات بحرية العبور!"
*- "أليس ذكاء المرأة هو الذي أَتْبع المولود إلى عائلة الزوج وليس لعائلتها، وذلك لتتخلص من تبعات حمايته ونفقاته، التي يتكلفها حتى لو طلقها، أو مات موروثاً..."
شهرزاد:
*- "الشباب يتزوجون في الوقت الذي يريدون"، تقول لنفسها، "وأما الشابات فلا يستطعن أن يقررن زواجهن في الوقت المناسب! هم يختارون شريكة الحياة التي يريدون، ولكن البنات ينتظرن من يفرض نفسه عليهن باختيار".
*- "وتستغرب الباحثة حال الأب، الذي إذا حمل بطيخة من الدكان إلى بيته فإنه يتثاقل بحملها، ولكن الأم تحمل جنينها في بطنها تسعة أشهر، دون أن تتخلى عن مسؤولياتها في الحمل المترافق مع خدمة البيت وباقي أفراد الأسرة..".
*- "إن هذه العروس بعد زواجها ستحمل كل طفل من أطفالها في بطنها تسعة أشهر، فهل تستكثر عليها أن يحملها الرجل لعدة دقائق، إلى أن يحين إيداعها في قفص الزوجية؟".
3- مفارقة الحدث:
* .. في السابق كانت الإناث تُمنع من السفر دون موافقة ولي الأمر الخطِّية، واليوم انقلبت الآية، فصار يسمح للإناث، بينما يُمنع الذكور من السفر، دون موافقة ولي الأمر الخطية
* تمثلت في تحول رؤية كل من (شهريار/شهرزاد)، في نهاية الرواية، من خلال الجمعية التي بدأت (حماية الرجل)، الى (جمعية حماية الانسان). "وخلال هذه الفترة القصيرة التي قضتها في الجمعية، استطاع شهريار أن يغيِّر الكثير من مفاهيم شهرزاد نحو الرجل، واستطاعت هي أن تغير الكثير من مفاهيمه نحو المرأة، فيلتقيان في منتصف الطريق."
* إن ذهابه إلى أخصائي نفسي (الطبيب علاء الكاشف)، ليفك عقدته ضد المرأة، جعل الطبيب تحول إلى أول أنصار أفكاره، ومن مؤسسي (جمعية حماية الرجل)!
4- مفارقة التناص:
* "كان شهريار في تلك اللحظات يفكر في قصة (يوسف مع امرأة العزيز)، الذي رغم أن قميصه قد قُدّ من دبر، إلا أنه أُدخل إلى السجن، ولم يخرج منه إلا بعد عدة سنين، وفي ظروف غامضة. فالتناص هنا، متناقض مع السياق، فسيدنا يوسف لم يرتكب فاحشة وسُجن، بينما الرجل الذي اعتدى على ابنته، حر طليق.
* "أنا أتألم إذن أنا موجود." * "للأنثى مثل حظ الذكرين!"
5- المفارقة اللفظية:
* "فقالت وهي راغبة مُتمنِّعة" * "نحن النساء نُحَبُّ، لا نحِبّ.!"
* " وهي منشغلة بالتفكير في أنانية الرجل، تداهمها صور مضحكة محزنة"
* "معي وليس معي"!
6- مفارقة مكان:
* "مقر الجمعية الذي صادف أن يكون إلى جوار (حديقة الوفاق والاتفاق)".
* "ونوادي للسهرات البريئة، وأخرى لغير البريئة". * "كان أبي يملك سيارة شحن في بلدنا (صرفند العمار) سنة الستة وثلاثين، يوم ما كان أبوك يملك حماراً في بلدكم (صرفند الخراب)!"
في النهاية يمكن القول إن هذه الرواية ثرية بمفارقاتها، وهذا جزء بسيط منها، إذ أنها تطرقت إلى ثنائية الزواج عند العرب والغرب (ص90-91)، وأيضاً سلطة الرجل على الرجل، وسلطة المرأة على المرأة (ص201).
..........
ليث الرواجفة - أكاديمي عربي أردني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.