ترامب: قريبون من تحقيق السلام ويوجه الشكر لمصر وقطر والسعودية والأردن وتركيا    منتخب مصر يتأخر بهدف أمام تشيلى فى الشوط الأول بكأس العالم للشباب    أسعار الخضروات فى أسيوط اليوم السبت 4102025    اسعار الحديد فى أسيوط اليوم السبت 4102025    بعد أشمون، تحذير عاجل ل 3 قرى بمركز تلا في المنوفية بسبب ارتفاع منسوب النيل    اليوم، الهيئة الوطنية تعلن الجدول الزمني لانتخابات مجلس النواب    عاجل - حماس: توافق وطني على إدارة غزة عبر مستقلين بمرجعية السلطة الفلسطينية    تتقاطع مع مشهد دولي يجمع حماس وترامب لأول مرة.. ماذا تعني تصريحات قائد فيلق القدس الإيراني الأخيرة؟    موافقة حماس على خطة ترامب... خطوة استباقية قد تفتح أفق إنهاء الحرب    اسعار الذهب فى أسيوط اليوم السبت 4102025    نجم نيوكاسل يكتسح منصات التواصل بسبب تسريحة شعر الأميرة ديانا (صور)    تشكيل الأهلي المتوقع أمام كهرباء الإسماعيلية في الدوري    الأرصاد: طقس دافئ اليوم السبت وغدًا الأحد مع انخفاض طفيف بالحرارة    بيطري بني سويف تنفذ ندوات بالمدارس للتوعية بمخاطر التعامل مع الكلاب الضالة    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بالطريق الدائري بالفيوم    نسرح في زمان".. أغنية حميد الشاعري تزيّن أحداث فيلم "فيها إيه يعني"    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم السبت 4102025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الأقصر    سعر السمك البلطى والسردين والجمبرى والكابوريا بالأسواق السبت 04-10-2025    الإثنين أم الخميس؟.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للقطاع العام والخاص بعد قرار رئيس الوزراء    "مستقبل وطن" يتكفل بتسكين متضرري غرق أراضي طرح النهر بالمنوفية: من بكرة الصبح هنكون عندهم    هدافو دوري المحترفين بعد انتهاء مباريات الجولة السابعة.. حازم أبوسنة يتصدر    تامر مصطفى يكشف مفاتيح فوز الاتحاد أمام المقاولون العرب في الدوري    أبرزها قناة kids5 وmbc3.. ترددات قنوات الكارتون للأطفال 2025    نادى سموحة يُعلن عن عدم اكتمال النصاب القانونى لاجتماع الجمعية العمومية    القلاوى حكما لمباراة إنبى وزد.. وعباس لفاركو ودجلة فى دورى Nile    تفاعل مع فيديوهات توثق شوارع مصر أثناء فيضان النيل قبل بناء السد العالي: «ذكريات.. كنا بنلعب في الماية»    لبحث الجزر النيلية المعرضة للفيضانات.. تشكيل لجنة طوارئ لقياس منسوب النيل في سوهاج    تفاصيل موافقة حماس على خطة ترامب لإنهاء الحرب    موعد امتحانات شهر أكتوبر 2025 لصفوف النقل.. التعليم تحدد تفاصيل أول اختبار شهري للطلاب    رابط منصة الشهادات العامة 2025-2026 عبر موقع وزارة التربية والتعليم    مصرع شاب بطلق ناري في مشاجرة بأسوان    النص الكامل ل بيان حماس حول ردها على خطة ترامب بشأن غزة    «عايزين تطلعوه عميل لإسرائيل!».. عمرو أديب يهدد هؤلاء: محدش يقرب من محمد صلاح    الصحف المصرية.. أسرار النصر عرض مستمر    الوادى الجديد تحتفل بعيدها القومى.. حفل فنى وإنشاد دينى.. وفيلم بالصوت والضوء عن تاريخ المحافظة    6 أبراج «روحهم حلوة»: حسّاسون يهتمون بالتفاصيل ويقدمون الدعم للآخرين دون مقابل    عمرو دياب يشعل دبي بحفل ضخم.. وهذه أسعار التذاكر    وزير الرى الأسبق: ليس هناك ضرر على مصر من فيضان سد النهضة والسد العالى يحمينا    وائل عبد العزيز يتوعد صفحة نشرت خبرا عن ضياع شقيقته ياسمين    احتفاء واسع وخطوة غير مسبوقة.. ماذا فعل ترامب تجاه بيان حماس بشأن خطته لإنهاء حرب غزة؟    جيش الاحتلال الإسرائيلى يقتحم بلدات فى نابلس ويعتقل شابين فلسطينيين    محيط الرقبة «جرس إنذار» لأخطر الأمراض: يتضمن دهونا قد تؤثرا سلبا على «أعضاء حيوية»    عدم وجود مصل عقر الحيوان بوحدة صحية بقنا.. وحالة المسؤولين للتحقيق    متحدث «الري»: أديس أبابا خزّنت كميات مياه ضخمة بالسد الإثيوبي قبل الموعد لأسباب إعلامية    في زفة عروسين، مصرع فتاة وإصابة آخرين خلال تصادم سيارة ملاكي بسور خرساني بمنشأة القناطر    ضبط 108 قطع خلال حملات مكثفة لرفع الإشغالات بشوارع الدقهلية    سعر الدولار مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية فى بداية الأسبوع السبت 04-10-2025    أسعار السكر والزيت والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 4 أكتوبر 2025    لزيادة الطاقة وبناء العضلات، 9 خيارات صحية لوجبات ما قبل التمرين    الشطة الزيت.. سر الطعم الأصلي للكشري المصري    داء كرون واضطرابات النوم، كيفية التغلب على الأرق المصاحب للمرض    هل يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة قناة السويس تنظم مهرجان الكليات لسباق الطريق احتفالًا بانتصارات أكتوبر    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم الجمعه 3 أكتوبر 2025 اعرفها بدقه    افتتاح 3 مساجد بمراكز محافظة كفر الشيخ    رسميًا.. البلشي وعبدالرحيم يدعوان لعقد اجتماع مجلس الصحفيين من جريدة الوفد الأحد    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جوزف أبي ضاهر يكشف زمن فؤاد حبيش رائد " المكشوف "
نشر في صوت البلد يوم 29 - 02 - 2016

يتناول الشاعر والباحث جوزيف أبي ضاهر في كتابه «فؤاد حبيش وزمن المكشوف» (مؤسّسة الفكر اللبناني - جامعة سيدة اللويزة) أهم إنجازات الأديب اللبناني الرائد فؤاد حبيش خلال مراحل مختلفة من حياته، ملقيًا الضوء على النجاح الذي حققه في مجلة ثم جريدة «المكشوف»، على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
يزخر كتاب أبي ضاهر بمعلومات وعناوين متشعّبة، ينتمي كل منها إلى حقبات متنوعة، قد تحتاج معها الى إعادة القراءة وربط الأمور في إطارها الزمني أو البنيوي. فالكتاب يستند في عناوينه الفرعية إلى الحقبة الزمنية حينًا ويتجاوزها أحيانًا خدمةً للمعنى، ما يحول دون الإغفال عن جزء على حساب الجزء الآخر، كأنّ أبي ضاهر أراد الإمساك بانتباه القارئ من البداية حتى الفراغ من القراءة الأولى. يستعرض الكتاب في مراحله الأولى بدايات مسيرة الشيخ فؤاد حبيش كضابط ترجمان في ما كان يُعرَف ب «جيش الشرق». وتجدر الإشارة إلى أن فؤاد حبيش يتحدر من عائلة لبنانية محافظة جعلته شديد الحرص على مشيخته التي لطالما اعتدّ بها.
راح حبيش بعد ثلاثة أشهر على دخوله الجندية يردّد عبارة الفرنسي ألفرد دوفيني: «بدأت أتذوّق لذة عَظَمِة الجندية رغم قساوة عبوديتها». وفي هذا الإطار يشرح الكاتب على لسان أحد رفاق تلك المرحلة، روفايل لحود: «هذا التعليق عَكَس حقيقة شعورٍ كان يخالجه وهو في مطلع حياته العسكرية القصيرة الأمد. ومع ذلك، لا نجد بين معارفه، في غضون تلك الفترة، من يستطيع القول إنّه لم يندمج اندماجًا كليًا في السلك الذي اعتنقه مختارًا».
عقب ذلك استقال الشيخ فؤاد من الجيش مغادرًا إلى مصر لمتابعة دراسته، في وقت كانت الحركة الصحافية اللبنانية تشهد نموًا مضطردًا، مع كل من جريدة «الأهرام» على يد سليم وبشارة تقلا ودار «الهلال» مع جرجي زيدان وروز اليوسف.
في إطار التمهيد لعرض هذه المرحلة الزمنية، تبدو أجزاء الكتاب مترابطة في ما بينها حينًا، ومفكّكة من حيث المبنى في أحيانٍ أخرى. يروي الكاتب على لسان أحدهم بعض مآثر الشيخ فؤاد أو المواقف البارزة التي طبعت حياته المهنية الثقافية والمجتمعية؛ إلا أنّه وخلال قراءة سريعة لهذه الحكايا التي تأتي تباعًا يصعب تمييز هوية الراوي في الغالب: أهو الكاتب أم شخص آخر؛ إذ قد يغفلنا أمام هذا الزخم من المعلومات التنبّه لذلك، بخاصة وأنّه، أي الكاتب، لا يذكر ذلك في شكل واضح، بل قد يتطرق إليه في سياق جملة في الحديث عن حادثة أخرى فتتمازج الأحاديث ببعضها بعضًا. أما المراحل الزمنية تلك فتأتي من حيث المضمون والبنية في أربعة فصول أساسية، يمهّد كل منها للآخر والعكس صحيح؛ من العسكرية إلى الالتزام الأدبي، مرورًا بانتقال الشيخ فؤاد من مرحلة «رسول العري» ليصبح رسولًا للفكر، وتتمخّض منها الحرية والقضايا المصيرية في رحم «المكشوف» وما أحدثته من نهضة ثقافية.
يتوقّف أبو ضاهر عند الكتابات التي نشرها الشيخ فؤاد في مجلات وصحف لبنانية، منها مجلّة «المعرض» الثقافية الشهيرة، حيث «بلغت غزارة إنتاجه حدًّا جعله يكتب بغير توقيع واحد حتى بات عدد التواقيع التي استتر وراءَها في «المعرض» أو في «المكشوف» (لاحقًا) ستة أو سبعة».
وينغمس الكاتب في الحديث عن تجارب الشيخ فؤاد في هذا المجال متوقفًا عند العلاقات التي ربطته بأشهر الكتّاب والأدباء في تلك المرحلة. وقد يستطرد أحيانًا ليصف مواقف حصلت بحضوره، ما يجعل هذا الكتاب وثيقة مهمة تحمل بين دفتيها بعض خبايا الحركة الثقافية وتفاصيلها، وكذلك البوصلة التي كانت تحرّكها في تلك المرحلة.
في هذا الإطار، يستعرض أبو ضاهر تجربة الشيخ حبيش في «المعرض» حيث تكوَّنت عصابة «عصبة العشرة» وفي طليعتها: ميشال أبو شهلا، ميشال أبو شبكة، خليل تقي الدين وفؤاد حبيش. وقد ربطوا صداقة وثيقة بأمير الشعراء أحمد شوقي الذي آثر التعرّف إلى أفراد العصبة الذائعة الصيت، هو المعروف بابتعاده عن النقاد حتى لو أنصفوه.
يلقي الكاتب الضوء على نقطة مهمة في مسيرة الشيخ فؤاد المهنية، فيشير إلى أنه كان رائدًا في كتابة التحقيقات والأحاديث. ففي زمن كان للخبطة الصحافية وقع بارز يدوم أكثر من شهر، أجرى الشيخ فؤاد لقاءً مع أم كلثوم بعنوان «نصف ساعة مع أم كلثوم»، نُشِر في «المعرض».
يتجذّر الكاتب في تعريف القارئ ب«اعتناق» الشيخ فؤاد نظرية التعري، إذ يروي كعادته ودائمًا على لسان أحد رفاقه وزملائه الشيخ خليل تقي الدين أن فؤاد في دعوته إلى العري «أراد أن يدعو إلى الجديد. «أراد أن يخلع الزيف، ويمزق البراقع، ويحطّم القيود...».
يجد القارئ نفسه مرة جديدة أمام مخطوطة تروي له نقاشات حدثت في وقت سابق، وُضعت على بساط البحث حينها، من دون أن يتم إشراكه في التساؤل والنقاش أو وضعه أمام فرضيات. وعلى رغم أن هذه النظرية الإشكالية مازالت قائمة، يكتفي الكاتب بسرد ما حصل، ربما أمانة للماضي، ولكن ألا يجعلنا ذلك أسرى له؟ أليس أدب حبيش جزءًا من تراكم في مسيرة نهضة ثقافية؟
وبالعودة إلى ما أسلفنا، إنه وبعد أن نشر الشيخ فؤاد في «الأحرار» سبع حلقات بعنوان «الرجال العراة»، جمعها تاليًا في كتاب وضع في صفحته الأولى: «بئس شرف الفتاة والعائلة يقوم على غشاء في البكارة خيوطه أوهن من خيوط العنكبوت». وجاءت مقدمة الكتاب لتبرز الدافع لإصدار هذه النسخة المترجمة من كتاب بالفرنسية ل «لويس شارل رواييه». وفي الإطار، اعتبر حبيش أنه لا يقف من العري موقف الناقد إنما هو آمن به ولا مجال لمناقشته في إيمانه.
هنا تكمن الثورة التي أطلقها فؤاد حبيش في السنة الأولى من أعداد مجلته «المكشوف» وفي المؤلفات التي نشرها بعدما أسس دار نشر حملت اسم «المكشوف» أيضًا. وفي ربيع 1936 كان للأستاذ افرام البستاني دور بارز في التعديل في نهج «المكشوف»، في محاولة ل «ستر عوراته». وتمّت تسمية هذه النقلة النوعية بمشاركة لفيف من أبرز الأدباء والمثقفين وصاحب المجلة طبعًا، وذلك بعدما كانت «المكشوف» «تجاوزت حدود المحظورات المجتمعية والثقافية والدينية». وما كان إلا أن «استتر المكشوف» وتدافعت الأقلام الجديدة إلى المجلة فعرفت نجاحًا مضطردًا. ثم تحولت بعد ذلك إلى جريدة يومية تدعم النقد القاسي والقارص الذي لم يغب في أي عدد من أعدادها، ومنه ما لم يحمل توقيع كاتبه.
عملت «المكشوف» على قيام نهضة جديدة في الحياة الأدبية وتحفيز الطاقات الشابة على قاعدة «إلى ما يُكتب لا إلى مَن يَكتب»، وأسست لحركة تصحيحية أطلقتها في الأوساط الأدبية والفكرية على امتداد العالم العربي. هذا ويعود الفضل ل «المكشوف» في إنصاف الأديبة الكبيرة مي زيادة ومساعدتها في الدعوى التي أقامها ضدها أقرباؤها للسيطرة على ممتلكاتها متهمين إياها بالجنون، وقد خصص الكاتب فصلًا لذلك روى فيه تفاصيل ما حدث. ويتشعّب الكاتب للحديث عن نظرة الشيخ فؤاد للقومية الفكرية اللبنانية وتوثيق الحالة الثقافية في تلك المرحلة من خلال تأثيرات الوضع السياسي فيها، والتغييرات التي شهدتها تلك المرحلة الزمنية على هذا الصعيد. فغدا هذا الجزء نوعًا من الإضاءة المفصلة على تفاصيل ما حدث وتفاعلات الشيخ فؤاد مع التغيرات الحاصلة.
يصطحبنا الكاتب في هذا العمل في رحلة إلى الزمن المكشوف أو إلى الزمن الجميل، بروّاده ونخبه ومثقفيه الذين مروا في حياة الشيخ فؤاد حبيش، فدخلوا يومياته ورافقوه في مسيرة فكرية خاضها من على كل المنابر، وبخاصة في مجلة «المعرض» ودار «المكشوف»؛ هذا فضلًا عن مشاكسات عصابة «عصبة العشرة»؛ والأهم أنه قد يفي الشيخ فؤاد حبيش جزءًا ولو بسيطًا من حقه.
يتناول الشاعر والباحث جوزيف أبي ضاهر في كتابه «فؤاد حبيش وزمن المكشوف» (مؤسّسة الفكر اللبناني - جامعة سيدة اللويزة) أهم إنجازات الأديب اللبناني الرائد فؤاد حبيش خلال مراحل مختلفة من حياته، ملقيًا الضوء على النجاح الذي حققه في مجلة ثم جريدة «المكشوف»، على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
يزخر كتاب أبي ضاهر بمعلومات وعناوين متشعّبة، ينتمي كل منها إلى حقبات متنوعة، قد تحتاج معها الى إعادة القراءة وربط الأمور في إطارها الزمني أو البنيوي. فالكتاب يستند في عناوينه الفرعية إلى الحقبة الزمنية حينًا ويتجاوزها أحيانًا خدمةً للمعنى، ما يحول دون الإغفال عن جزء على حساب الجزء الآخر، كأنّ أبي ضاهر أراد الإمساك بانتباه القارئ من البداية حتى الفراغ من القراءة الأولى. يستعرض الكتاب في مراحله الأولى بدايات مسيرة الشيخ فؤاد حبيش كضابط ترجمان في ما كان يُعرَف ب «جيش الشرق». وتجدر الإشارة إلى أن فؤاد حبيش يتحدر من عائلة لبنانية محافظة جعلته شديد الحرص على مشيخته التي لطالما اعتدّ بها.
راح حبيش بعد ثلاثة أشهر على دخوله الجندية يردّد عبارة الفرنسي ألفرد دوفيني: «بدأت أتذوّق لذة عَظَمِة الجندية رغم قساوة عبوديتها». وفي هذا الإطار يشرح الكاتب على لسان أحد رفاق تلك المرحلة، روفايل لحود: «هذا التعليق عَكَس حقيقة شعورٍ كان يخالجه وهو في مطلع حياته العسكرية القصيرة الأمد. ومع ذلك، لا نجد بين معارفه، في غضون تلك الفترة، من يستطيع القول إنّه لم يندمج اندماجًا كليًا في السلك الذي اعتنقه مختارًا».
عقب ذلك استقال الشيخ فؤاد من الجيش مغادرًا إلى مصر لمتابعة دراسته، في وقت كانت الحركة الصحافية اللبنانية تشهد نموًا مضطردًا، مع كل من جريدة «الأهرام» على يد سليم وبشارة تقلا ودار «الهلال» مع جرجي زيدان وروز اليوسف.
في إطار التمهيد لعرض هذه المرحلة الزمنية، تبدو أجزاء الكتاب مترابطة في ما بينها حينًا، ومفكّكة من حيث المبنى في أحيانٍ أخرى. يروي الكاتب على لسان أحدهم بعض مآثر الشيخ فؤاد أو المواقف البارزة التي طبعت حياته المهنية الثقافية والمجتمعية؛ إلا أنّه وخلال قراءة سريعة لهذه الحكايا التي تأتي تباعًا يصعب تمييز هوية الراوي في الغالب: أهو الكاتب أم شخص آخر؛ إذ قد يغفلنا أمام هذا الزخم من المعلومات التنبّه لذلك، بخاصة وأنّه، أي الكاتب، لا يذكر ذلك في شكل واضح، بل قد يتطرق إليه في سياق جملة في الحديث عن حادثة أخرى فتتمازج الأحاديث ببعضها بعضًا. أما المراحل الزمنية تلك فتأتي من حيث المضمون والبنية في أربعة فصول أساسية، يمهّد كل منها للآخر والعكس صحيح؛ من العسكرية إلى الالتزام الأدبي، مرورًا بانتقال الشيخ فؤاد من مرحلة «رسول العري» ليصبح رسولًا للفكر، وتتمخّض منها الحرية والقضايا المصيرية في رحم «المكشوف» وما أحدثته من نهضة ثقافية.
يتوقّف أبو ضاهر عند الكتابات التي نشرها الشيخ فؤاد في مجلات وصحف لبنانية، منها مجلّة «المعرض» الثقافية الشهيرة، حيث «بلغت غزارة إنتاجه حدًّا جعله يكتب بغير توقيع واحد حتى بات عدد التواقيع التي استتر وراءَها في «المعرض» أو في «المكشوف» (لاحقًا) ستة أو سبعة».
وينغمس الكاتب في الحديث عن تجارب الشيخ فؤاد في هذا المجال متوقفًا عند العلاقات التي ربطته بأشهر الكتّاب والأدباء في تلك المرحلة. وقد يستطرد أحيانًا ليصف مواقف حصلت بحضوره، ما يجعل هذا الكتاب وثيقة مهمة تحمل بين دفتيها بعض خبايا الحركة الثقافية وتفاصيلها، وكذلك البوصلة التي كانت تحرّكها في تلك المرحلة.
في هذا الإطار، يستعرض أبو ضاهر تجربة الشيخ حبيش في «المعرض» حيث تكوَّنت عصابة «عصبة العشرة» وفي طليعتها: ميشال أبو شهلا، ميشال أبو شبكة، خليل تقي الدين وفؤاد حبيش. وقد ربطوا صداقة وثيقة بأمير الشعراء أحمد شوقي الذي آثر التعرّف إلى أفراد العصبة الذائعة الصيت، هو المعروف بابتعاده عن النقاد حتى لو أنصفوه.
يلقي الكاتب الضوء على نقطة مهمة في مسيرة الشيخ فؤاد المهنية، فيشير إلى أنه كان رائدًا في كتابة التحقيقات والأحاديث. ففي زمن كان للخبطة الصحافية وقع بارز يدوم أكثر من شهر، أجرى الشيخ فؤاد لقاءً مع أم كلثوم بعنوان «نصف ساعة مع أم كلثوم»، نُشِر في «المعرض».
يتجذّر الكاتب في تعريف القارئ ب«اعتناق» الشيخ فؤاد نظرية التعري، إذ يروي كعادته ودائمًا على لسان أحد رفاقه وزملائه الشيخ خليل تقي الدين أن فؤاد في دعوته إلى العري «أراد أن يدعو إلى الجديد. «أراد أن يخلع الزيف، ويمزق البراقع، ويحطّم القيود...».
يجد القارئ نفسه مرة جديدة أمام مخطوطة تروي له نقاشات حدثت في وقت سابق، وُضعت على بساط البحث حينها، من دون أن يتم إشراكه في التساؤل والنقاش أو وضعه أمام فرضيات. وعلى رغم أن هذه النظرية الإشكالية مازالت قائمة، يكتفي الكاتب بسرد ما حصل، ربما أمانة للماضي، ولكن ألا يجعلنا ذلك أسرى له؟ أليس أدب حبيش جزءًا من تراكم في مسيرة نهضة ثقافية؟
وبالعودة إلى ما أسلفنا، إنه وبعد أن نشر الشيخ فؤاد في «الأحرار» سبع حلقات بعنوان «الرجال العراة»، جمعها تاليًا في كتاب وضع في صفحته الأولى: «بئس شرف الفتاة والعائلة يقوم على غشاء في البكارة خيوطه أوهن من خيوط العنكبوت». وجاءت مقدمة الكتاب لتبرز الدافع لإصدار هذه النسخة المترجمة من كتاب بالفرنسية ل «لويس شارل رواييه». وفي الإطار، اعتبر حبيش أنه لا يقف من العري موقف الناقد إنما هو آمن به ولا مجال لمناقشته في إيمانه.
هنا تكمن الثورة التي أطلقها فؤاد حبيش في السنة الأولى من أعداد مجلته «المكشوف» وفي المؤلفات التي نشرها بعدما أسس دار نشر حملت اسم «المكشوف» أيضًا. وفي ربيع 1936 كان للأستاذ افرام البستاني دور بارز في التعديل في نهج «المكشوف»، في محاولة ل «ستر عوراته». وتمّت تسمية هذه النقلة النوعية بمشاركة لفيف من أبرز الأدباء والمثقفين وصاحب المجلة طبعًا، وذلك بعدما كانت «المكشوف» «تجاوزت حدود المحظورات المجتمعية والثقافية والدينية». وما كان إلا أن «استتر المكشوف» وتدافعت الأقلام الجديدة إلى المجلة فعرفت نجاحًا مضطردًا. ثم تحولت بعد ذلك إلى جريدة يومية تدعم النقد القاسي والقارص الذي لم يغب في أي عدد من أعدادها، ومنه ما لم يحمل توقيع كاتبه.
عملت «المكشوف» على قيام نهضة جديدة في الحياة الأدبية وتحفيز الطاقات الشابة على قاعدة «إلى ما يُكتب لا إلى مَن يَكتب»، وأسست لحركة تصحيحية أطلقتها في الأوساط الأدبية والفكرية على امتداد العالم العربي. هذا ويعود الفضل ل «المكشوف» في إنصاف الأديبة الكبيرة مي زيادة ومساعدتها في الدعوى التي أقامها ضدها أقرباؤها للسيطرة على ممتلكاتها متهمين إياها بالجنون، وقد خصص الكاتب فصلًا لذلك روى فيه تفاصيل ما حدث. ويتشعّب الكاتب للحديث عن نظرة الشيخ فؤاد للقومية الفكرية اللبنانية وتوثيق الحالة الثقافية في تلك المرحلة من خلال تأثيرات الوضع السياسي فيها، والتغييرات التي شهدتها تلك المرحلة الزمنية على هذا الصعيد. فغدا هذا الجزء نوعًا من الإضاءة المفصلة على تفاصيل ما حدث وتفاعلات الشيخ فؤاد مع التغيرات الحاصلة.
يصطحبنا الكاتب في هذا العمل في رحلة إلى الزمن المكشوف أو إلى الزمن الجميل، بروّاده ونخبه ومثقفيه الذين مروا في حياة الشيخ فؤاد حبيش، فدخلوا يومياته ورافقوه في مسيرة فكرية خاضها من على كل المنابر، وبخاصة في مجلة «المعرض» ودار «المكشوف»؛ هذا فضلًا عن مشاكسات عصابة «عصبة العشرة»؛ والأهم أنه قد يفي الشيخ فؤاد حبيش جزءًا ولو بسيطًا من حقه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.