في معرضه المنعقد حاليًا بقاعة صلاح طاهر في دار الأوبرا بعنوان "طمي النيل" يعكس التشكيلي أحمد عبدالجواد البيئة الأسوانية بكل مفرداتها وقيمها الأصيلة التي شكلت مخيلته بصورة بديعة. يضم المعرض قرابة الخمسين لوحة متفاوتة الأحجام، وإن كان يطغى عليها الجحم الكبير، ويؤكد الفنان أن هذه المساحة تشعره بالرضا كونه استطاع السيطرة عليها. عن معرضه "طمي النيل" قال التشكيلي أحمد عبدالجواد ل"بوابة الأهرام": هذه الأعمال نابعة من وجداني الشخصي، لافتًا إلى أن "طمي النيل" يشير إلى البيئة التي يحيا بها الإنسان. ويستشهد ببذرة القمح التي تخرج سنابل، موضحا،السنبلة تحتاج رعاية، وعندما ينشأ الإنسان في بيئة صالحة وبها حياة وجمال نجد وجدانه يُبنى خطوة بخطوة حتى ينصهر مع بيئته. ويتابع: المكان في أسوان ساحر. وعندما نتحدث عن النيل نذكر الجنادل، فنستدعي على الفور أغنية "الجندول والنيل نجاشي" لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب. المجتمع الأسوانى متلاحم وبشرى. ووجدان الفنان هنا يلعب دورًا كبيرًا في تغذيته حتى في التفاعل اللوني، والبيوت نفسها لها طابع خاص. حيث إن البيت النوبي متفرد يشبه البيت المعبدي. وينوه: المعبد يتكون من فناء وحوش ثم الحجرات إلى أن نصل قدس الأنفاس أي الحجرة المظلمة جدًا، وقد صنع التلاحم البشري والمعماري ارتباطًا وثيقًا في كل أعمالي. ولا يمكن أن ننسى النخيل الذي يلعب دورًا هامًا في البيئة النوبية، قبل التهجير وغرق بيوت النيل في السد العالي، كان هناك مليون نخلة، ولكن تعرضت للغرق، وهذا سبب حزنًا عميقًا للناس الذين عاصروا البيوت الغارقة. ويضيف: في أعمالي الأخيرة لا أشعر بأنني أرسم بل أبني. و البناء هنا في اللوحة يتم بشكل وجداني أكثر منه لوني. حتى في الوجوه السمراء والملابس والإكسسوارات وعلاقات الناس معا. بعض اللوحات بها صوفية كبيرة. هنا يوضح قائلا: تضم اللوحات أناسا يسيرون بقوة كما يريدون، وكأنهم مترابطون في روحانية رهيبة بملابسهم البيضاء. وقد رسمت جزء من القلب والدم يتدفق فيه. تنعم أسوان بعدد كبير المعابد تجلى أثرها في مخيلة الإنسان الأسواني حيث يقول "عبد الجواد": البشر بأسوان متلاحمون معا، يستمدون الوفاء من بعض القصص القديمة، نجد قصة إيزيس و أوزريس وست ونفتيس وكل قصص الوفاء والسيدة المخلصة التي تبحث عن زوجها وتجوب خلفه البلاد. وحتى قصة رمسيس الذي أقام معبدا كاملا لزوجته نفرتاري منذ 7000 سنة، فقد أعطى الملك رسالة توحي بأن المرأة لها مكانة كبيرة. تلعب المرأة دور بطولة في معرض "طمي النيل" إذ يقول عبدالجواد: المرأة هي الأم والبنت والزوجة والحبية. اسميها "الحياة". و عشقي الكبير للمرأة الجنوبية التي نجدها مسيطرة بوجدانها وعواطفها واحتوائها لأسرتها. هي التي تقوم بأدوار محورية؛ لذا لابد أن تحتل مكانة كبيرة عندي. يعد "طمي النيل" المعرض الفردي رقم 37 للفنان أحمد عبد الجواد، الذي ساهم في الحركة التشكيلية بداية من عام 1979، والذي يقول إن هذا المعرض عصارة تجاربه السابقة، لذا استغرق إعداده قرابة العشر سنوات. ويستطرد: ورغم أنني قدمت معرضا فرديا عام 2013 بعنوان "بيوت النيل" فإنني لا أعمل في عدة لوحات بالتوازي بل أرسم بعض اللوحات و"أركنها" لمعرض خاص بها. ينتمي عبد الجواد للمدرسة للتعبيرية التأثيرية، ويرى أنه لم يتم التطرق لهذا الاتجاه منذ فترة، على حد قوله. ويقول منتقدا: ربما نجد حالة "استسهال" من الشباب؛ حيث يأخذ العمل التجريدي أو السيريالي أو مجرد مساحات لونية من باب الاستسهال. ويردف: أتمنى أن نعيد فنوننا التعبيرية لروح الشباب وتنمية روح الانتماء لديهم. وقد أهدى الفنان معرضه لأرواح ضحايا الطائرة الروسية.