صدر للأديب والأكاديمي المغربي عبدالرحيم جيران عن دار النهضة العربية ببيروت كذلك، ديوانه الأول بعنوان “سيرة شرفة”. وزيّنت غلافه لوحة للفنانة التشكيلية اللبنانية المتميزة جنان الخليل. ويعدّ هذا الديوان أول خطوة للأديب نحو الإعلان عن هويته الشعرية الأولى إلى جانب هويته النقدية والسردية، والتي ظلت في الظل لمدة تزيد عن الأربعين عاما. فهو بإصداره هذا يضع حدّا لرهبته من الشعر، ولعزوفه عن نشر قصائده مجموعة بين دفتي ديوان. ويعد هذا الإصدار الشعري تجربة متفردة في الكتابة الشعرية، وذات أسلوب خاص في نحت القصيدة. وهو عبارة عن قصيدة نهرية واحدة ممتدة، تكتسي طابعا سرديا، كنوع من الدفق الذي بين لحظتين: لحظة انفتاح الشرفة التي تطل منها سيدته المميزة التي تستخدم في هيئة رمز يكثف دلالات متعددة، ولحظة طلب الأنا الشعرية من هاته السيدة إغلاق الشرفة. وليست السيدة- المرأة إلا مدينة الدار البيضاء بكل ما تحيل إليه من تاريخ، ومن حلم، ومن زمن. إنها ليست مكانا إلا بالقدر الذي تدل فيه على تجربة إنسانية يتداخل فيها الخاص والعام وتقوم طريقة بناء القصيدة على أسلوب الحوار بين الشاعر والسيدة- المرأة، والذي يتخذه الشاعر وسيلة يمارس بوساطتها نقد كل شيء، بما في ذلك الذات، والأحلام التي راودت جيلا، والواقع الحالي في ترديه، وتنكره للقيم الأصيلة. ولم يكن ليتحقق هدف الشاعر هذا دون تمرده على القصيدة نفسها، ومعاييرها، حيث يرغمها على أن تتقبل إمكانات الأساليب المختلفة، وعلى محاورة نصوص فلسفية وروائية وثقافية متنوعة. إن القصيدة في هذا الديوان تتشكل في حضن المعرفة لغة، وصورا، ومعاني.