يفسر كتاب «نقد السّرد» للدكتور أحمد زياد محبّك، الدافع الأولي لقراءة الرواية والقصة، فيقول: هو تحقيق متعة السّرد. إذ أنّ لدى الإنسان بصورة عامّة، دافع كامن يمكن أنّ نسميه مجازاً غريزة السّرد، فكلّ منا يودّ أنّ يروي قصة أو حكاية، عاشها أو سمعها، كذلك فإنّ لديه ميلاً إلى سماع حكاية الآخرين.. فهي إذاً متعة حركية، مثل شبكة العنكبوت يقود بعضها إلى بعض، ويرتبط بها، تماماً إنها كالشبكة سرعان ما تهتز كلّ خيوطها لدى الاصطدام بجزء صغير منها. يرغب المرء في قراءة الرواية لأنها تضعه في عالم جديد بالنسبة إليه، لا يعرفه من قبل، يكتشف أبعاده، ويعرف شخصياته، ويعيش خبرته، ويجد متعته، ويمتلك من خلاله معرفة، ويحسّ أنه دخل عالماً جديداً عليه، ولكي يدخل القارئ في عالم الرواية لا بدّ له من تخيّل الشخصيات، وتصور الأماكن والوقائع والحوادث.. وبذلك تنشّط الرواية المخيلة، وتحفزها على العمل وتحرّك قوى التفكير والتخيل... وهذه القوى تنطلق من الرواية، بما فيها من وصف لغوي وصوغ كلمة لتبني عالماً متخيلاً وبذلك يحسّ القارئ بممارسة الحرية وهو يكوّن الشخصيات ويتمثل الحوادث والأماكن كما يشاء، فيطلق لخياله الفنان المبدع، وفي ممارسة الحرية متعة لا تعد لها متعة. ويجد القارئ متعة كبيرة في الحوار بين الشخصيات، وهو حوار مكثف يدل على الشخصية، يكشفها ويعرّفها. اعتبر المؤلف أنّ القصة القصيرة تصوّر جزءاً من الحياة، ولا تظهر قيمتها إلا عند النهاية، إنها الفن الصعب، وتحتاج إلى قوّة في الحبك وإلى إيجاز شديد وتكثيف. كما إنّ ما يميز الرواية رؤيتها الشاملة للحياة وعرضها كثيراً من القضايا والمشكلات، لذلك فهي تزدحم بالشخصيات، وتكثر فيها الحوادث الكبيرة المفصلية. اختار الكاتب «انكسارات الرؤى المستحيلة» لمحمد جبريل نموذجاً ليطبق عليه ما قدّمه من آراء في القصة القصيرة. ويعالج الدكتور محبّك القصة القصيرة جدّاً، فيعتبرها إنتاج الواقع العربي الذي يعيش تناقضات كثيرة، إنها نوع أدبي جديد جاء ليقدّم شكلاً جديداً من التعبير. وهي انطلاق حرّ في فضاء حرّ للتعبير عن الحرية، ولا يمكن إخضاعها لقيد أو قانون أو قاعدة.. إنها تبدع ذاتها.