على الرغم من الحملة الإعلامية التي سبقت ترشح المشير عبدالفتاح السيسي للرئاسة ، إلا أن إعلان ترشحه أثار جدلاً واسعاً في الاوساط السياسية والاعلامية وزاد من حالة الاستقطاب الحادة بين المؤيدين والمعارضين للسيسي ، وفي حين أثار الخبر غضب واستياء أنصار الإخوان المسلمين، والناشطين الذين خرجوا الى الشوارع عام 2011 لوضع حد لتاريخ الأنظمة العسكرية بلباس مدني، بينما مازال حزب النور السلفي منقسماً وحائراً بعد ترشح السيسي، فهناك من يدعم المشير في حملته نحو المنصب الرئاسي، وهناك من يوافق على هذا الدعم ظاهرياً حتى يكون ملتزماً برأى الهيئة العليا للحزب ، وينظر المراقبون إلى أن ترشح السيسي بدلاً من أن يكون حلاً للأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، أصبح هو الأزمة! ويؤيد هذا الرأي د.محمد إبراهيم منصور عضو الهيئة العليا لحزب النور السلفي، الذي يقول : أن قرار ترشح المشير السيسي للرئاسة غير مدروس جيداً، خاصةً وأن الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد حالياً بسبب ما فعله المشير في 30 يوليو، وعزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم، وهذا ليس تأييداً لحكم الإخوان، لكن أصبح هناك فريق سياسي يرفض وجود الرجل في الحياة السياسية، ويؤكد على أن السيسي طوال فترة تواجده كوزير للدفاع كان يُنظر إليه بأنه المتسبب في الأزمة، وبعد ترشحه للرئاسة أصبح هو الأزمة نفسها، واصفاً قرار ترشحه للرئاسة بالمتسرع، نظراً لأن الإخوان لن يتركوا الرجل يعمل بهدوء، وتوقع أن تفجر الأزمات لإفشال ولاية السيسي، وحول موقف حزب النور من اختيار مرشح معين، أوضح منصور أن الدعوة السلفية لا تنظر إلى مرشح بعينه، وإنما تركز على برنامج المرشح، وستختار من يستطيع تحقيق تطلعات المصريين، وتابع: قد يؤيد حزب النور مرشحاً منافساً للسيسي إذا حمل برنامجاً أفضل للمصريين. بيد أن حزب النور السلفي نفسه فقد السيطرة على قواعده الشعبية في المحافظات هذا ما يؤكده د.نبيل نعيم القيادي بتنظيم الجهاد السابق، ولم يعد يمتلك الشريحة الشعبية الأكبر كما تتوهم القوى السياسية، وذهبت تلك التغيرات إلى تأييد الهيئة العليا للحزب لعزل الرئيس محمد مرسي من الحكم، نظراً لأن القواعد الشعبية ترتبط بعلاقات دينية وتعاونية مع الإخوان المسلمين، وهذا سبب عدم نزول السلفيين إلى استفتاء الدستور، وتوقع عدم منح أصواتهم للسيسي في الانتخابات الرئاسية القادمة، وستكون أصواتهم للمرشح المنافس، لافتاً إلى أن الاستقطاب الذي صنعه المشير السيسي بإعلان ترشحه للرئاسة سوف يكشف ازداوجية القوى السياسية، فمعظم القوى تلعب على "الجواد الرابح"، وحتى إذا كان برنامج السيسي ضعيفاً، فإنه الأوفر حظاً ويعتبر المرشح المكتسح وسيفوز بالرئاسة، ولذلك فإن الأحزاب سوف تساند الرجل ظاهرياً لكسب وده، أملاً في الصعود بها إلى السلطة، سواء في تشكيل الحكومة أو في حركات المحافظين. وفي رأي د.أحمد بان الخبير في شئون الجماعات الإسلامية، أن الجماعة السلفية تجيد المراوغة السياسية، وهو ما ظهر واضحاً بعد عزل مرسي، ففي الوقت الذي دعمت فيه خارطة الطريق، قفزت سريعاً عن السلطة المؤقتة بعد أول أزمة، وتابع: أعتقد أن حزب النور السلفي أصبح أمام تحدٍ حقيقي لا ينفع معه المراوغة، فإما دعم السيسي وتأييده في الانتخابات، وإما رفض الترشح، أو الوقوف على الحياد مع جميع المرشحين، لكن السلفيين يعرفون خطواتهم جيداً ويدركون أن السيسي هو رجل المرحلة القادمة، ولذلك تريد الجماعة السلفية عدم الخروج من دائرة القوى السياسية المحسوبة على السلطة الجديدة، ويؤكد الخبير في شئون الجماعات الإسلامية: أن حزب النور يدرك أن مصيره السياسي سيكون مرتبطاً بمصير السلطة الحالية، وبالتالي فإن الحزب لن يغامر بتأييد مرشح منافس، وسيظل يغامر برهانه على السيسي حتى النفس الأخير. توعد إخواني من جهته يرى إبراهيم منير عضو المكتب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بأن صعود المشير السيسي إلى رئاسة الجمهورية سيكون وبالاً على الدولة، ولن يؤدي إلى استقرار أو تهدئة، وحذر من أنه لن يكون هناك تصالح في الدماء التي أريقت –حسب وصفه-، وبالتالي فإن ترشح السيسي لهذا المنصب لم يكن قراراً مناسباً، وسيزيد من تعقيد الأمور السياسية في البلاد، ويقول منير: أن السيسي الذي أطاح بمرسي في يوليو الصيف الماضي، شن حملة دامية على معارضيه، والتي أدت إلى وفاة المئات من أنصار الإخوان، ومع ذلك يراه كثير من المصريين المنقذ للبلاد، واستنكر خطابات السيسي وأسلوبه الحميمي في مخاطباته مع المصريين، واصفاً باستخدامه للغة هادئة وصوت منخفض بالأسلوب المخابراتي وأنه دهاء من السيسي لجذب جماهير الشعب المصري إليه، لافتاً إلى أن الدولة تواجه كابوساً سياسياً واقتصادياً في المستقبل، خاصةً وأنه مع إعلان ترشح السيسي فقدت البورصة أكثر من 15 مليار دولار في الساعات الأولى، وهو دليلاً على تخوّف المستثمرين من المستقبل السياسي والاقتصادي في مصر. ولكن ترشح السيسي للرئاسة كان أمراً متوقعاً، كمايقول مجدي قرقر القيادي بالتحالف الوطني لدعم الشرعية، الذي يصفه بالرجل المتعطش للسلطة، ويضيف: أن التاريخ يؤكد أن قادة الانقلاب ينقضون على السلطة من أجل حماية مصالحهم، وهرباً من الملاحقات القضائية، لافتاً إلى أن الانقسامات السياسية نمت بين الإخوان والسيسي وأصبحت أكثر رسوخاً بعد الانقلاب العسكري ضد مرسي، ولن يكون هناك مخرجاً للأزمة إلا باختفاء السيسي من المشهد العسكري والسياسي نهائياً، وأعتقد أن الخطوة الأولى وهي اختفائه من العسكرية أصبحت أمراً واقعاً بعد تقديم استقالته كوزير للدفاع، ويبقى اختفاؤه السياسي مرهون بنضال جماعة الإخوان المسلمين لإفشال ولاية الرجل، حتى يغضب المصريون عليه ويتم إسقاطه كما فعلت الدولة العميقة مع الرئيس مرسي، حتى يلقى السيسي مصيره المنتظر أمام التاريخ. أحلام مؤجلة بينما يصف أبوالعز الحريري وكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، برنامج السيسي بالأحلام المؤجلة للشعب المصري، خاصةً وأن المصريين يتطلعون إلى رئيس قادر على قيادة الدولة ومواجهة حالة التوترات والاضطربات السياسية التي تمر بها الدولة حالياً، وقلل مما يثيره بعض الناشطين والديمقراطيين من مخاوف بشأن عودة الجيش إلى السلطة، واعتيرها مجرد أوهام وخزعبلات سياسية، على سبيل المثال الرئيس المدني المعزول محمد مرسي لم يكن يهتم كثيراً ببناء دولة ديمقراطية حديثة، بل عمل مع جماعته على انتهاك حقوق الإنسان، وتعذيب المتظاهرين، والدليل على ذلك ما حدث أمام قصر الاتحادية، وشدد على ضرورة أن يكون صوت الشعب مرتفعاًَ ومدوياً ضد أي سلطة أو نظام قادم يعسكر الدولة، حتى لو كان السيسي نفسه، نظراً لأن الشارع هو حجر الزاوية في الدفاع عن قيام الدولة المدنية. في حين عبر طارق الخولي عضو المكتب السياسي لتكتل القوى الثورية، من مستقبل الديمقراطية في مصر في فترة ما بعد ترشح السيسي، خاصةً في ظل ردود الفعل المنقسمة على نطاق واسع تجاه الرجل الذي كان قبل أقل من عامين لم يكن معروفًا للمصريين، ونادراً ما يتحدث إلى وسائل الإعلام، وأوضح أن الشعب لم يكتشف السيسي في مجالات السياسة أو الاقتصاد، ولا أحد يعرف ماذا سيفعل حتى تتجاوز البلاد مشاكلها الراهنة؟، أما جماعة الإخوان المسلمين فيشير الخولي إلى أن العديد من المرشحين المحتملين للرئاسة سوف يتحاورون مع الجماعة طمعاً في دعمها نحو سباق الانتخابات، باستثناء السيسي، نظراً لوجود حواجز سياسية لن يستطيع أي من الطرفين تجاوزها مستقبلاًَ إلا باختفاء أحدهما عن الساحة السياسية نهائياً، ويضيف: في حين ظل حزب النور يتلاعب بدوره السياسي في الدولة، فهو مازال بعيداً عن أحلام السلطة، ولذلك فإنه يسعى إلى تأييد السيسي حتى يحافظ على تجربة الإسلام السياسي التي أخفق فيها الإخوان المسلمون، ولذلك فإن الدعوة السلفية تريد التأكيد على اختلاف المفاهيم بتجربة جديدة.