استطاعت مؤلفة سلسلة هاري بوتر «جي كي رولينج» أن تكون مؤلّفة من أكثر الكتاب مبيعًا عالميًّا فقد باعت سلسلة كتبها 4 ملايين نسخة، وبعد أن ودّعت شاشة السينما، تعود رواية "هاري بوتر" إلى الحياة مجدداً في عام 2014 لكن عبر خشبة المسرح هذه المرة. وقالت رولينغ على موقعها الإلكتروني : إن "هذه المسرحية الجديدة التي ستعرض في بريطانيا ستكشف عن قصة غير مروية حول بدايات هاري بوتر وطفولته يتيماً ومنبوذاً ... ستظهر بعض الشخصيات المحببة من قصص هاري بوتر، وستمنحنا المسرحية نظرة إلى داخل قلب الفتى وعقله، فقد بات اليوم ساحراً أسطورياً ". لقد حققت قصص هاري بورتر نجاحًا كبيرًا حين تحولت إلى أفلام سينمائية أدهشت الجمهور وأقبل عليها الكبار والشباب والأطفال، وقد بدأ هذا النجاح الكبير منذ صدور الجزء الأول منها "هاري بوتر وحجر الفلاسفة" عام 1998، وترجمت إلى معظم لغات العالم، ومنها العربية وبيع من الجزء السادس من السلسلة، "هاري بوتر الأمير الهجين" عشرة ملايين نسخة عشية صدوره، واعتبر أكثر الكتب انتشارا، من حيث إقبال الجماهير عليه حتى صدر الجزء السابع والأخير من السلسلة "هاري بوتر ومقدسات الموت" الذي بيع منه ثمانية ملايين نسخة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. أرقام قياسية وبين صدور الكتاب الأول عام 1998 "هاري بوتر وحجر الفلاسفة" ثم تحوله إلى فيلم، وبين اكتمال السلسلة بإطلاق الفيلم الأخير ثلاث عشرة سنة حقق فيها "هاري بوتر" أرقامًا هي الأولى في التاريخ، وشغل جيلًا من القراء وعشاق السينما حول العالم، حيث جمعت بين عالمي المغامرة والسحر، لتفاجئ الغرب بحقيقة وجود عوالم فوق بشرية، أو علمية ، وتغذي لدى أطفال العالم أحلام القوة الخارقة التي يمثلها البطل "هاري بوتر" وأحلام الثروة والشهرة التي نالها الصغار الذين قاموا بدور البطولة. ليس هناك شك في أن المطلعين على عوالم هاري بوتر وتاريخه، سيعرفون ماذا تعني أرقام المبيعات لهذه السلسلة ؟ نقول ببساطة إنها كالتالي: 15 مليار دولار هو مجموع ما تحقق من أرباح في طول العالم وعرضه من كل ما له علاقة بالفتى الساحر الذي صارت له في العالم اليوم شهرة تفوق شهرة شارلي شابلن، وميكي ماوس، وجيمس بوند مجتمعين. والرقم 7، هو عدد الكتب التي تدور من حول حياة ومغامرات هاري بوتر.. أما السنوات العشر أو أكثر قليلًا، فهي الفترة الزمنية التي استغرقتها مغامرات هاري بوتر للتحول إلى ظاهرة لا سابق لها في تاريخ البشرية: ظاهرة "أدبية"، سينمائية بين أمور أخرى. قصة الكاتبة قبل عقدين من الزمن لم يكن هناك وجود لهاري بوتر ولا لرواياته ولا أفلامه، ولا لأي ذكر له. ولكن كانت هناك امرأة، ذكية متقدة الذهن تبحث منذ أول سنوات مراهقتها عن إنجاز تثبت من خلاله وجودها في هذا العالم. والحقيقة أنها حين عثرت على هذا الإنجاز في العام 1990، لم تكن مدركة أنها فعلت ذلك.. بل كان عليها أن تنتظر بضعة أعوام أخرى وتبذل جهودًا كبيرة وتقرع أبوابًا عديدة، قبل أن يتحقق لها ما لم تكن حتى لتجرؤ على أن تحلم به.تبدأ حكايتنا هنا ذات يوم من العام 1990 في ذلك اليوم كانت الكاتبة الشابة – التي ستذاع شهرتها في العالم كله خلال العقدين التاليين تحت اسم "دجي. كي. راولنج" – جالسة على مقعدها في قطار ينقلها من مانشستر إلى لندن، تفكر كعادتها بنص تكتبه. فجأة ومن دون مقدمات لمعت في رأسها صورة هاري بوتر. الفتى الساحر اللطيف. هكذا، إذن، ولد هاري بوتر الذي ستعطيه راولنج تاريخًا لمولده الأول من يوليو عام 1980. ومهما يكن من الأمر فإن الكاتبة لن تفرغ من كتابة روايتها الأولى – من بطولة هاري- إلا في العام 1995 لتبدأ الحكاية الحقيقية هنا بالتحول إلى أسطورة. إنها حكاية كاتبة شابة أنجزت رواية وتريد أن تعثر لها الآن ناشر. ولنا هنا أن نتصور مقدار الخيبات التي ستواجهها، إذ راحت ترسل المخطوط إلى ناشر بعد الآخر. لم يرَ واحد منهم أية إمكانات تجارية لرواية في مئات الصفحات بطلها طفل ولد لأبوين ساحرين ماتا حين كان في أول حياته، ولن يعرف إلا في سن الحادية عشرة أنه ورث عنهما موهبة السحر. كان اسم الرواية "هاري بوتر وحجر الفيلسوف".. والأدهى من هذا أن الكاتب امرأة وجمور القراء العريضة ليسوا متحمسين لقراءة نص كهذا تكتبه امرأة. ومع هذا وصل النص ذات يوم إلى دار نشر "بلومزبيري" اللندنية، ورأت هذه الدار أن في إمكانها أن تجازف، مقدمة للكاتبة أول دفعة على الحساب: 2500 جنيه إسترليني. وجازفت. وكان ذلك في العام 1997، حين نشر الكتاب بعد سنوات من "ولادته" في رحلة القطار. والمدهش أن القراء الإنجليز، صغارًا وكبارًا، أقبلوا على شرائه وقراءته وبدأت شهرته تكبر تدريجيًا، إلى درجة أن دار نشر "سكولاستك" الأمريكية اهتمت به وقررت نشره في طول أمريكا وعرضها، مشترطة – مقابل 105 آلاف دولار دفعتها إلى الثانية- تغيير عنوانه من "هاري بوتر وحجر الفيلسوف"، إلى "هاري بوتر وحجر الساحر" خوفًا من ألا يعكس العنوان الأول لعبة السحر، مضفيًا على الكتاب بعدًا عقلانيًا فكريًا ما سيحول دون رواجه! وهكذا بلغت شهرة هذه الرواية الآفاق وكان مجموع النسخ التي بيعت من أجزاء الرواية السبعة، في أكثر من 97 لغة، يفوق 450 مليون نسخة. وبالكتاب السابع أغلقت راولنج سلسلة مغامرات هاري هذه، بيد أنها لم تقتل الشخصية، كما فعل مواطنها "آرثر كونان دويل" ذات يوم حين استبدت به الغيرة من مخلوقه "شرلوك هولمز" فقتله في رواية كان يفترض بها أن تكون الأخيرة، لكنه لم يتورع عن إعادته إلى الحياة.. لاحقًا، تحت ضغط قرائه. وتعد مجموعة أفلام هاري بوتر أكثر مجموعة "سلسلة" سينمائية تحقيقًا للإيرادات في تاريخ السينما، متفوقة على سلسلة أفلام جيمس بوند، كما على سلسلة "ملك الخواتم"، و"حرب النجوم" وما شاكلها. ولئن كانت "مغامرة هاري بوتر" الروائية بدأت في العام 1995 بعد سنوات الاختمار الأولى، فإن مغامرته السينمائية بدأت العام 2000، بعد أعوام قليلة من الاختمار. بعدما اكتشف المنتج "دايفيد هيمان" في عام 1997، وجود نص هو رواية" هاري بوتر الأولى" يمكن تحويله إلى فيلم، وكان النجاح الأسطوري للسلسلة الروائيةلم يتحقق بعد، جرى الاتصال بالكاتبة عن طريق وكلائها، وباسم شركة "وارنر براذرز"، ليعرض عليها مبلغ مليوني دولار، مقابل الحقوق السينمائية. فوافقت بالطبع؛ لأنه كان واحدًا من أكبر المبالغ التي تعرض سينمائيًا على كاتب مقابل "أول عمل روائي له". وهكذا ولدت السلسلة السينمائية من رحم السلسلة الروائية.. بحيث لا يمضي عامان على صدور كل جزء، حتى يكون الفيلم المقتبس منه قد عرض ليحقق دخلًا أسطوريًا. أسباب النجاح يرى بعض النقاد إن من أسباب نجاح سلسلة هاري بورتر هذا السحر الغريب الذي يحيط بتلك القصص من حيث الإثارة والمتعة والتشويق والانطلاق بالخيال خارج حدود الوقت والزمان والمكان، فإذا هناك عالم من الأساطير ووحوش وكائنات تتحول وتحلق في الفضاء وأسلحة ذرية وحروب فضائية وكائنات غريبة تتصارع من أجل البقاء، فهل شاهدنا في هذا العالم المثير شيء عن حياتنا التي سقطت تحت سيطرة الإرهاب والفتن والحرائق واللامبالاة ؟ كما يجب أن نتأكد أن القصص نجحت أدبيًا قبل أن تصبح أفلامًا سينمائية. ويؤكد النقاد أيضًا، أن أدب الخيال العلمي أصبح الآن في أعلى قائمة مبيعات دور النشر لما يقدمه من حلول مستقبلية واكتشافات لعوالم مجهولة ومحاربة السحر والافتراء والكذب والنفاق والخيانات والحروب والكائنات التي تحاول تدمير عالمنا. لكن ماذا بعد هاري بوتر؟ بعدما أعلنت رولينغ أن الأجزاء السبعة من السلسة انتهت، وأنها لن تكمل الكتابة بها؟كيف ستخرج رولينغ من أسطورة هاري بوتر وتكتب عن أناس عاديين، ليسوا من أهل الخوارق وليسوا سحرة، ولم يضطروا يومًا إلى مشاهدة عالمهم ينهار بسبب عدوٍّ مخيف مرعب آتٍ من عالم الأموات! خاصة وأن رولينغ في اصدار روايتها "منصب شاغر" – الترجمة العربيّة لها عن دار أنطوان- نوفل عام 2013 تخلو من الخيال والخوارق وتعالج مواضيع نفسيّة واجتماعيّة وسياسيّة وموجّهة إلى قرّاء متقدّمين في السنّ. ربما من البديهي أن يكون الناشرون وربما منتجي الأفلام في انتظار ردة فعل القراء على رواية رواينغ، على أمل أن يتم تحويلها إلى فيلم سينمائي يحصد الملايين، كما حدث مع هاري بوتر.