تعتبر الشائعات من أخطر الأسلحة التي تهدد المجتمعات في قيمها ورموزها ، إذ يتعدى خطرها الحروب المسلحة بين الدول ؛ بل أن بعض الدول تستخدمها كسلاح فتاك له مفعول كبير في الحروب المعنوية أو النفسية التي تسبق تحرك الآلة العسكرية ؛ ولا يتوقف خطرها مع هذا المجال فحسب بل إنها الأخطر اقتصادياً.. والأدهى اجتماعياً.. وليست الشائعة بظاهرة مستحدثة علينا، إلا أنها خلقت منذ بدء الخليقة، استخدمها الإنسان كثيرة لزعزعة الأمن والاستقرار حيث أطلقها وصدقها وتأثر بها ومات فيها، لتتبلور في أحضان ثقافته علي مر العصور متشكلة ومتلونة بملامح كل زمان تخرج فيه. وتستهدف الشائعات أمورا معنوية كثيرة ؛ لذا أطلق عليها الحرب المعنوية أو الحرب النفسية، وتكمن خطورتها في أنها تستخدم ضد أفراد تتمازج مع مزاجهم وتفكيرهم ؛ فتجذبهم إليها ليصبحوا أدوات لترديدها دون أن يدركوا مدى خطورتها ؛ خاصة في زمان تضاعفت خلاله سرعة انتشارها. والكل يعرف بأن سوق الشائعات في مجتمعاتنا العربية في الفترة الراهنة يمتاز بالمزيد من الرواج حيث تتنوع الشائعات من شخصية، لسياسية، لإقتصادية إلا أن تأثيرها يصيب الناس بالقلق .. د. عماد محمد مخيمر أستاذ علم النفس بجامعة الزقازيق يقول: إن مصدر الشائعات غالباً يكون غير معروف، فحينما يروج شخص شائعة ما وتسأله عن مصدرها يقول: "سمعتها من فلان أو يقولون كذاِ" دون التحقق من صحة ما يقول، والشخص المروج للشائعات إما حاقد أو جاهل أو مستفيد من ترويج الشائعة وانتشارها وخير دليل علي ذلك ما رأيناه فترة اندلاع الثورات العربية، حيث يستغل البعض الأخبار لانهم المضارون من الثورة الكاذبة، عمداً لإحداث حالة من الخوف عند الناس ليشعروا بالفوضي وعدم الامان مستخدمين في ذلك عمليات البلطجة وترويع المواطنين، لذا نجد بعض الناس يقولون: "ان النظام السابق افضل فعلي الاقل كنا نشعر بالامن والامان" وهذا هو اهم مطلب تسعي الثورة المضادة ان تحققه. ويضيف مخيمر : إن من شأن الشائعات أن تثير الذعر والتوتر والقلق في نفوس الناس ؛ خاصة في حالة الفراغ الثقافي والفكري لديهم، وتنتشر الشائعات وينشط مروجوها أثناء ما نسميه ب "أوقات توقع الخطر" وهي اوقات الحروب والكوارث والفوضي لأن الناس يتوقعون حدوث الشر خلال هذه الأوقات، وهذا هو سبب انتشار الشائعة لان الناس في هذه التوقيتات حينما يسمعون اي معلومة يتناقلونها فيما بينهم دون التحقق من صحتها خوفا منهم علي ابنائهم وممتلكاتهم. وتشير د. فوزية عبدالستار أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة إلى أن الشائعة تدخل ضمن نطاق الكلام الذي ينقل ولا أصل له ؛ ولكنها تثار لأغراض يصبو إليها مروجوها، ومعظم الشائعات التي تثار في هذه الآونة ليست ذات قيمة فمثلاً الشائعات التي تثار علي موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" في جميع المجالات السياسية وتنال رموزا سياسية أو فكرية أو ترويج شائعة وفاة لنجم من نجوم الفن والمجتمع والسياسية والاقتصاد والتي تتأثر لها أسواق المال العالمية وإن كان تأثير بعضها ضعيفا ؛ إلا أن هناك نوعا من الشائعات له خطورة كبيرة في التأثير السلبي على المجتمع، وذلك في حالة تعلق الشائعة بأمور مصيرية سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الإجتماعية. وترى أن الشائعات التي ليست لها أي قيمة أو تأثير لا يجب الالتفات إليها، أما الشائعات التي تسبب بليلة فكرية أو تحدث اضطرابات وأضرارا داخل المجتمع بالاضافة الي قصد سوء النية فإن القانون يجرمها، وذلك ما تنص عليه مواد قانون العقوبات . وعلي جانب آخر يؤكد د. صلاح مدكور أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس :إن الشائعات شأنها شأن الدعاية فهما أسلوبان هدامان يحدثان أضرارا سلبية داخل المجتمعات عن طريق إثارة الغرائز واستغلال العواطف لإحداث فتنة داخل المجتمع الغرض منها أن تصل المعلومة التي يريد مروجوها أن تنتشر بين الناس بأسلوب فعال، وبذلك تكون النتيجة إيجابية لديهم سلبية علي المجتمع. وينوه د. مدكور إلى أن الشائعات تلعب علي ما يسمي ب " مفتاح الشخصية" وهو الوتر الحساس أو الإحتياجات التي هي نقطة ضعف الأشخاص. وتعبير "شائعة" يعني رسالة سريعة الانتقال الهدف منها إحداث بلبلة أو فوضي لتحقيق أهداف في غالبها تكون هدامة ؛ لأنها تلعب علي احتياجات الناس في محاولة لإحداث التأثير الإيجابي لمروجيها خاصة في أوقات الأزمات. كما يشير د. مدكور إلى أن وسائل الإعلام متهمة بترويجها للشائعات ؛ خاصة ما شهدناه أثناء ثورات الربيع العربي وبعد سقوط الأنظمة البائدة حيث حاولت وسائل الإعلام جميعاً أن توفق أن توفق من أوضاعها ولكنها فشلت ؛ وذلك بسبب عدم تطبيق نظرية "حراس البوابة الإعلامية"، فمن المعروف أن الحكومات السلطوية أو الديكتاتورية تشرف على العملية الإعلامية بكل جوانبها وهذا ما هو سائد في أغلب بلداننا العربية ولكن هناك مهمة الحراسة البوابة إيجابياً هي تمنع نشر أي خبر من شأنه أن يحدث فتنة في المجتمع إلا أن الحرية الإعلامية أفسدتها الكثير من وسائل الإعلام بصورة خاطئة ؛ ولا سيما التليفزيون الذي يساعد على إثارة الشائعات ؛ لأنها لا تثار في المجتمع الا عن طريقة فالناس التي تستقي الأخبار والمعلومات من خلاله . ويبين د. مدكور أن الإعلام المحترم هو الذي يلتزم بصياغة مادته الإعلامية في ضوء حراسة البوابة الإيجابية ؛ لذا فإن الصحافة تتميز عن الراديو والتليفزيون بالتخصص فلا يكتب عمود في صحيفة إلا متخصص فيه ولذلك لا تزال محتفظة بكينونتها عن الإعلام المسموع والمرئي ؛ لأنها ملتزمة بالبوابة الايجابية التي هي أحد أساسيات توصيل الرسالة الإعلامية إلي الجمهور في الوقت الراهن. أخلاقيات ضائفة ويوضح د. سيد عبدالباري مدير المراكز الثقافية بوزراة الأوقاف المصرية: أن الشائعات أمر مناف لما جاء به الدين الاسلامي جملة وتفصيلا، لأن الدين يحرص علي سلامة المجتمع من كل ما يصيب أفراده ومن كل ما يأتي علي دنيانا سواء كان ذلك بالأخلاق الفاسدة أو بالعقائد الباطلة أو بالسلوك السلبي، والشائعات خلق سيئ حذر القرآن الكريم منه في كثير من آياته، والسنة النبوية ايضاً حذرت من خطورة الشائعات علي المجتمع، حيث قال الله تعالي: "ان الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لولا إذ سمعتموه قتلم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم، يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين". وقال النبي صلي الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه يده" فنبه علي اللسان قبل اليد لانه من المعروف ان "جروحات السنام لها التئام ولا يلتئم ما جرح اللسان". ويضيف عبدالباري : أنه لو ترك المجال لكل من شاء أن يقول ما شاء في أي وقت شاء لكانت هناك حالة من الريبة والشك لا تطاق معها الحياة بحال، وتمسي الامة وتصبح وسمعتها ملوثة وأعراضها مجرحة وكل واحد لا يأمن علي نفسه، لذلك حذر الشرع من ذلك أشد التحذير وتوعد مروجي الشائعات. وأن من يسمع الشائعة لا يكون أول من أطلقها وإذا سمع بها فلا يعمل علي ترويجها ونشرها بين الناس لئلا يكون أحد الكذابين الذين عناهم الحديث الشريف: "كفي بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع" ليكون في الدرجة العالية التي نوه عنها الحديث الشريف: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". وعلى المستوى الاقتصادي يقول د. حمدي عبدالعظيم الخبير الاقتصادي أن كل الشائعات علي اختلافها تؤثر جميعها علي الاقتصاد وتعرقل عملية التنمية، وتؤثر بدورها علي تدفق الاستثمار الخارجي داخل البلاد ، ولعل الشائعة التي أثرت كثيراً علي الاقتصاد العالمي هي تفاقم أزمة الديون الأمريكية والتي كان لها أكبر الأثر عربياً ؛ حيث أصبح ذلك مضاعفاً نتيجة الشائعات. ويرى د. عبد العظيم أن الشائعات بأنواعها حية رقطاء تنفث سمومها في المجتمع ؛ وإذا لم يتكاتف كل الشعب في مقاومتها ودرئها بكل عنف فإنها تقضي علي الروح المعنوية التي هي أساس كل نجاح، فهناك أناس يهدفون إلى أن تكون الأوضاع غير مستقرة ويرغبون في أن نفقد الثقة في أنفسنا ونتشكك في النيات.