ففي الوقت الذي تنخفض فيه أعداد الكتب الممنوعة علي المستوي العالمي، نجدها تتصاعد وتيرتها في العالم العربي، والتي تخضع دائمًا لفلك "الدين، والجنس، والسياسة"، الذي لا يسمح للكتابة الإبداعية بالمساس به أو حتي الدوران بين طياته. هذا، وقد أفاد تقرير، صدر مؤخرًا عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بأنه بتفحص العناوين التي صودرت في الوطن العربي والعالم، اتضح أن خمسة وسبعين بالمائة من الكتب المصادرة فلسفية أو دينية أو جنسية، وأن عشرة بالمائة فقط أدبية، أما البقية فصودرت لأسباب سياسية. "صوت البلد" تحاول رصد عدد من الكتب التي مُنعت أو صودرت، تبعًا لهذا الفلك. "لم أسئ للإسلام، ولم أقترب منه، بل إن الكتاب توثيقي، جمعت فيه كتابات أشهر رجال الدين الإسلامي الذين أساءوا للعقيدة المسيحية، أمثال: محمد عمارة وسيد قطب ويوسف القرضاوي وابن تيمية".. جاء ذلك علي لسان د. نجيب جبرائيل، مستشار البابا شنودة بطريرك الأقباط الأرثوذكس، الذي رفض مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر كتابه، الذي صدر مؤخرًا، باعتباره يحتقر من قدر علماء الإسلام، نظرًا لما تناوله من مزاعم بأن هناك استعلاء من الأغلبية المسلمة علي الأقلية المسيحية. وفي السياق ذاته ألغت دار "راندوم هاوس"، البريطانية، للنشر والتوزيع، نشر رواية "جوهرة المدينة"، للمؤلفة الأمريكية تشيري جونز، التي تتناول حياة السيدة عائشة، رضي الله عنها، زوج النبي محمد، صلي الله عليه وسلم، خوفاً من أن يؤدي نشرها إلي موجة عنف. وأعربت الدار عن أنها تلقت نصائح بعدم نشر الرواية، خوفًا من الموجة "هجومية"، التي قد تتسبب فيها من بعض المسلمين، كما أنها قد تدفع بعض المجموعات المتطرفة إلي إثارة العنف، في خطوة منها - بحسب الدار - للحفاظ علي أمن المؤلفة وموظفي المؤسسة وبائعي الكتب وغيرهم من الأشخاص المشاركين في توزيع الرواية وبيعها. أما سحب "أوراق العشب" الشعرية، لوايتمان، من أسواق بوسطن عام 1881، فهو حدث يشابه كثيرا محاولات منع المجموعة الأولي لشاعر الغزل نزار قباني المعنونة ب "قالت لي السمراء"، حين طالبت المؤسسة الدينية العربية بمصادرتها. وعلي الصعيد ذاته، فقد صودرت، علي مستوي الدول العربية، رواية "الخبز الحافي" للراحل محمد شكري، والتي ترجمت إلي 38 لغة أجنبية؛ نظرًا لما أثارته من ضجة لاعتبار البعض إياها جريئة لا تتماشي وتقاليد المجتمعات العربية. وتبقي مصادرة كتابي "في الشعر الجاهلي"، و"المعذبون في الأرض"، لطه حسين، الأشرس أدبيا.. أما عبد الرحمن الشرقاوي، فلم يسلم أيضًا من المصادرة، حيث منع له "الفتي مهران" وبعدها مسرحيته "الحسين ثائرا وشهيدا". وفي عام 1979 دارت معركة شرسة حول كتاب "الفتوحات المكية" لابن عربي في مجلس الشعب نظرًا لكونه مخالفا للاداب. تبعة كتاب "مقدمة في فقه اللغة العربية" للويس عوض في بداية الثمانينيات. وعلي المستوي العربي، اتهم صادق جلال العظم، بلبنان، بالكفر بسبب كتابه "نقد الفكر الديني"، إلا أن القضاء اللبناني برأه، لكنه منع كتاب "حديقة الحواس" للشاعر عبده وازن بإيعاز من أحد المراجع الدينية بلبنان، كما صودر كتاب"إسلام ضد الإسلام" للمفكر الليبي الصادق النيهوم. "أولاد حارتنا".. هو عنوان رواية الرائع نجيب محفوظ، التي صودرت أربعة عقود، رغم كونها عملا أدبيا خالصا، تلتها رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر بعد إعلان عدد من نواب الإخوان المسلمين أنهم يرون فيها ما يخدش الحياء العام. كما امتنعت دائرة المطبوعات والنشر الأردنية، عن إعطاء الموافقة علي إجازة لكتاب العالم السفلي "ثمانون يوماً في الجويدة"، للكاتب علي السنيد، وهو يحمل تجربة ذاتية للكاتب في سجن الجويدة عام 1997، إثر اعتقاله بتهمة التطاول، وحمل نقداً شديداً علي إدارة السجن في تلك الفترة واتهمها بتجاوز قانون السجون. أما عن أكثر قضايا المصادرة استفزازا، فكان من نصيب تلك الرواية التي تناولت وجود نسل سري ينتمي إلي السيد المسيح، بناء علي زعم زواجه السري من مريم المجدلية.. إذ تشير إلي زعم ملوك فرنسا من سلالة ميروفينجين بأنهم متحدرون من نسل المسيح نفسه، وأن لوحة العشاء التي أبدعها دافنشي، تحمل إشارات سرية عن الزواج المفترض. ووسط تظاهرة كلامية ضد د. محمد عمارة، أحرق كتابه الذي يبيح دم المسيحيين في مصر التي يسكنها نحو ثمانية ملايين مسيحي. حين رأي البعض أن الكتاب يحرض علي الفتنة والقتل ولا حل إلا بحرقه. وفي 2008 طالب مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، بمنع دخول كتاب "علوم الحديث عند الزيدية والمحدثين"، للكاتب اليمني عبد الله بن حمود العزي, لحماية أفكار المجتمع الإسلامي من البلبلة، كما جاء في بيان أصدره الازهر. وأكد البيان أن المؤلف يغالي في مدحه لبعض الصحابة لاسيما أهل البيت. وقبله بعام منعت وزارة الإعلام البحرينية، الرواية السعودية للكاتب مظاهر اللاجامي، نظرًا لاحتوائها علي "ألفاظ جنسية فاضحة". أما كتاب محمد فتوح "الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الديني" فقد أثارت مصادرته من قبل مجمع البحوث الإسلامية، ضجة واسعة، وكان وزير العدل قد فوض إلي المجمع ممارسة أدوار قضائية فيما يتعلق بالكتب التي تتناول الإسلام. والمصير نفسه لاقاه كتاب "سقوط الإمام" للكاتبة الصحفية نوال السعداوي، إلا أن الرواية التي صدرت قبله ب20 عامًا لم يصدر وقتها قرار بمنعها، والتي مانت تتضمن انتقادات حادة للتسلط الذي يمارسه الحاكم والنفاق الذي يلجأ إليه مساعدوه، ومن بينهم علماء الإسلام بحسب ما تراه السعداوي. وفي إيران حظرت الحكومة الطبعة الثانية من رواية ماركيز "ذاكرة غانياتي الحزينات" بعدما تلقي وزير الثقافة شكاوي من محافظين يرون في الرواية ترويجا للدعارة، لكن منعها أدي إلي نتائج عكسية، أذ أصبحت تباع بأكثر من ضعفي سعرها المقرر.. والرواية تتناول عجوزًا بلغ التسعين، ويحيا وحيدا، لأن علاقاته الغرامية العابرة لم تدع له وقتا للحب فيمنح نفسه ليلة عشق مجنونة مع مراهقة صغيرة. وعلي الصعيد الغربي، وقعت رواية "دكتور زيفاجو" للويس باسترناك والحاصلة علي جائزة نوبل للاداب تحت سطوة الرقيب الذي أصدر قرارًا بمنعها، كما منع رواية "عوليس" لمدة 15 سنة ووصفها بأنها بذيئة، ولم يرفع الحظر عنها إلا في العام الثالث والثلاثين بعد التسعمائة من الألف. وفي عام 1989 منعت نسخة مصورة من "قلنسوة ركوب حمراء صغيرة" في منطقتين تعليميتين في كاليفورنيا إذ تظهر البطلة وهي تتناول الطعام والنبيذ مع جدتها، أما "وتل فاني" لجون كليلاند، فيروي قصة عاهرة اشتهرت بالوصف الجنسي الصريح، إلا أن المحكمة الأمريكية العليا برأته عام 1966من تهمة المجون. وفي إيطاليا حظر كتاب جاك لندن "الدعوة إلي الجموح"، وكذلك يوغوسلافيا التي عدت أعماله متطرفة للغاية.. وأُحرقت أعماله من قبل الحكومة النازية. ليبقي ثالوث "الدين، والجنس، والسياسة"، خطرًا يهدد الكتاب والمثقفين؛ خوفًا من مصادرة أعمالهم.