وبعضهم يبرر ما يقوم به رافعًا شعارات مخادعة من قبيل ثقافة السلام ومعرفة الآخر. زيارة الفنانة التونسية هند صبري لفلسطين بتأشيرة إسرائيلية، ومشاركة المخرج يسري نصر الله في مهرجان تورنتو الذي احتفي بمدينة تل أبيب والسينما الإسرائيلية، فتحت الجدل من جديد حول التطبيع ومصيره! المخرج يسري نصر الله المنشور برر حضوره المهرجان قائلاً: منذ زمن طويل لم يحدث أن احتشد رأي عام عالمي بهذه الأهمية لإدانة عنصرية إسرائيل، ومعني احتياج إسرائيل لتمويل حملات من هذا النوع (حملة تجديد صورة إسرائيل التي قامت بها وزارة الخارجية الإسرائيلية والقنصلية الإسرائيلية في كندا) أن التأييد المطلق وغير المشروط الذي كانت تحصل عليه من الغرب أصبح مهدداً، ومن ثم فإن الوقت - في تصوري - موات للتواجد بشكل هجومي وفعال في المحافل الدولية واستخدامها لتوسيع رقعة إدانة دولة الفصل العنصري وعدم ترك فرصة الانفراد لها بالجمهور الذي يحضر هذه المحافل بكثافة. ووجود نهضة حقيقية في المجال السينمائي العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص ولهفة المهرجانات علي أفلامنا فرصة عظيمة لإفساد رغبة إسرائيل في تحسين صورتها عبر تمويلها لتظاهرات مثل "مدينة لمدينة" علي حساب عزلنا عن المحافل الدولية لتتيح لنفسها فرصة تصوير نفسها علي أنها الدولة الحضارية الوحيدة في الشرق الأوسط التي لديها سينما وأدب وبحث أكاديمي، ويكفينا أن أفلامنا تعرض لأنها جيدة وليس لأن حكوماتنا تمول تواجدنا كي تبيض وجهها. وقال نصر الله: لا أظن أن الحجج ولا الأفلام ولا الأعمال الأدبية أو الأكاديمية تنقصنا لمواجهة إسرائيل في أي محفل دولي. إسرائيل لن تكف عن تمويل تواجدها الإعلامي والفني في المهرجانات ولن تكف عن محاولة استبعاد مثقفينا وفنانينا عن التواصل مع العالم، وموقفنا ليس ضعيفاً ورأيي أن الظرف ملائم لأن نكون أكثر إيجابية في المحافل الدولية، وذهابي لتورنتو كان نابعاً من هذا التقييم. وبسؤال الكاتب الكبير وحيد حامد رفض الكاتب توزيع الاتهامات علي البعض. فقد عرض فيلم نصر الله والمخرج واجه الإسرائيليين بصورة مشرفة وكان سفيراً ضد مزاعم إسرائيل وهذا شيء يرضيني. ويؤكد الناقد سمير فريد أنه لا أحد ينكر موقف نصر الله المبدئي في دفاعه المتواصل عن الحقوق الفلسطينية، منذ أن كان أحد قادة الحركة الطلابية في السبعينيات من القرن الماضي، ولكنه يشير إلي أن من طالبوه بالمقاطعة اعتبروا ذلك متسقا مع موقفه لأن المخرج الكندي جون جريسون الذي بدأ حركة الاحتجاج قاطع المهرجان بسحب فيلمه لرفضه التظاهر. ويري فريد أن مقاطعة المخرجين العرب الأفضل في هذه الحالة، وليس الاكتفاء بالتوقيع علي بيان الاحتجاج الذي اشترك فيه أكثر من ألف سينمائي من كندا وأمريكا وأوروبا والمعارضة في إسرائيل. أما د. وحيد عبد المجيد نائب رئيس هيئة الكتاب والخبير بمركز الأهرام الاستراتيجي فيري أنه يجوز المشاركة في مثل هذه الأحداث كنوع من المقاومة وبالتعبير عن الحق الفلسطيني - العربي ومواجهة النشاطات الصهيونية التي تسعي إلي إقناع المجتمع الدولي بأن الجاني هو الضحية، إلا أنه يؤكد أن الأمر يختلف بالنسبة لمهرجان القصبة السينمائي فالذهاب إلي فلسطين حتي الاحتلال الصهيوني هو أحد أشكال التطبيع التي لا يصح أن يكون هناك خلاف عليها، ليس فقط لأن هذا يقتضي الحصول علي تأشيرة دخول من العدو ولكن أيضاً لأنه يعني اعترافاً بأمر واقع يريد هذا العدو تكريسه، بحيث تظل صيغة السلطة الفلسطينية الهزلية حلا لمشكلة الاحتلال وليس للقضية التي صارت مهددة بالتلاشي لأسباب من بينها الأمر الواقع المراد فرضه. ويفرق السيناريست مصطفي محرم بين المشاركة في مهرجانات تحضرها إسرائيل والمشاركة في أي أنشطة ثقافية أو اجتماعية داخل إسرائيل. حيث يؤكد أن مفهوم التطبيع ينطبق فقط علي المشاركة في فعاليات ثقافية داخل إسرائيل. ويتفق مع نصر الله علي ضرورة الاشتراك في مهرجانات أو معارض فنية أو غيرها خارج إسرائيل حتي نثبت جدارتنا وتفوقنا. إلا أنه يري أن الذهاب إلي مهرجان القصبة داخل إسرائيل نوع من التطبيع.