خروجاً عن المألوف منحت لجنة نوبل في العاصمة النرويجية أوسلو مؤخراً جائزة هذا العام للاتحاد الأوروبي بوصفه مشروع سلام ناجح بعد الحرب العالمية الثانية بدلاً من إهداء الجائزة العالمية الرفيعة لأفراد بعينهم. المفارقة المثيرة للدهشة أن تكريم الاتحاد الأوروبي يحل في توقيت توجه فيه أصابع الاتهام إلى سياساته التي تسببت في تفاقم الأزمات المالية في دول مثل اليونان وإسبانيا وأدت إلى حدوث اضطرابات وتظاهرات عنيفة لم تشهدها هذه الدول منذ فترة طويلة. حصد الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل للسلام 2102 تقديراً من اللجنة النرويجية لجهوده في توحيد القارة الأوروبية وتحويلها من قارة تسودها الحروب إلى قارة يظلها السلام. "ثورييون ياجلاند" رئيس اللجنة المختصة بمنح جوائز نوبل فسر قرار اللجنة بأن الاتحاد الأوروبي ساهم على مدار أكثر من ستة عقود في التطور السلمي للقارة وكذلك تعزيز الديمقراطية في دول جنوب القارة والسعي لاندماج دول شرق القارة في التكتل في أعقاب النهيار الاتحاد السوفيتي لتضييق الهوة بين الشرق والغرب. توقيت نيل الاتحاد الأوروبي لجائزة نوبل هذا العام ليس مصادفة خاصة أنه رشح أكثر من مرة خلال السنوات الماضية ولم يحصل عليها. فالجائزة قد تكون بمثابة رسالة سياسة إلى الاتحاد على خلفية حدوث انقسام بين الدول الأوروبية التي بات تضامنها على المحك في ظل أزمة الديون التي تعصف بمنطقة اليورو التي تتشارك فيها 17 دولة من بين 27 دولة يضمها الاتحاد. ذلك عبر عنه رئيس اللجنة بقوله "هذه الجائزة رسالة إلى أوروبا . نريد أن نذكر كل الأوروبين بما أنجزناه في هذه القاهرة لا يجب علينا أن ندعها تعاود الانفصال مرة أخرى ونتيح الفرصة للنزعات الوطنية والمتطرفة لتنمو فيها لأننا نعلم نتيجة ذلك جداً". وكما هي العادة تثير دائماً جائزة نوبل في مجال السلام على وجه الخصوص جدلاً واسعاً بين السياسيين الذين يرفضون منحها على أسس سياسية – مثلما حدث مع الرئيس أوباما قبل مرور عام على تولية السلطة – وليست إنسانية للشخص أو الهيئة التي تحقق أكبر فائدة وخير للبشرية كما تشير وصية الفريد نوبل. ومن ثم يرى مارتن كالانان زعيم المحافظين في البرلمان الأوروبي أن سياسات الاتحاد أدت إلى حدوث اضطرابات اجتماعية لم تشهدها القارة من قبل ، وأن منح الجائزة للاتحاد الأوروبي قد قوض العمل الرائع لفائزين آخرين يستحقون الجائزة. أما مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني في فرنسا فتؤكد أن لجنة نوبل فقدت مصداقيتها لأنها منحت الجائزة "للحرب الاجتماعية وليس السلام". البعض أيضاً وجه انتقادات عنيفة للاتحاد الأوروبي لوصفه بالمؤسسه السلمية كونه ساهم في التدخل العسكري في شئون الدول الأخرى مثل أفغانستان والعراق وليبيا ويرغوسلافيا. نيل الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل للسلام في ظل تراجع الدعم الذي يحظى به أثار الكثير من التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى حد وصفه البعض بأنه "كذبة أبريل متأخرة" خاصة أن الدولة التي منحته الجائزة أخفقت حكوماتها المتعاقبة في اقناع الشعب بفكرة الانضمام إلى الاتحاد. وكان "ثورييون ياجلاند" رئيس وزراء النرويج السابق والرئيس الحالي للجنة قد سبق له تزعم جهود انضمام بلاده للاتحاد في عام 1994 لكن الناخبين النرويجيين رفضوا ومن ثم فقد تعرض لانتقادات شديدة داخل النرويج بعدوى أنه يسعى للعودة إلى عالم السياسة من خلال تكريمه للاتحاد الأوروبي. وتجدر الإشارة إلى أن لجنة نوبل تضم خمسة أعضاء يتم تعيينهم من قبل البرلمان النرويجي وفقاً للتمثيل النسبي للأحزاب بشرط أن يكون من بينها حزبان ناقدان للاتحاد الأوروبي ، وعادة ما يصدر قرار اللجنة بالإجماع وتأتي المعارضة الشديدة داخل النرويج للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي بشكل رئيسي من المزارعين الذين يتمتعون بحواجز جمركية حمائية عالية وكذلك من جانب الصيادين الذين يخشون من قيام الدول الأوروبية الأخرى بإستغلال ثروة النرويج الكبيرة من الأسماك ، ويرى العديد من النرويجيين أن الاتحاد يعد تهديداً لسيادة الدول وقد تمكنت النرويج من الازدهار خارج حدود الاتحاد بفضل مواردها النفطية حتى إنها حققت أقل معدلات بطالة في أوروبا ومعدلات نمو اقتصادي سنوي تزيد على 3 في المائة.