في الوقت الذي كانت تتجه الأنظار في ليبيا لاستكمال العملية الديمقراطية، والتي تجسدت في قيام المؤتمر الوطني في انتخاب رئيس وزراء ليبيا.. جاء حادث الهجوم على القنصلية الأمريكية ببنغازي، والذي أسفر عن مقتل السفيرالأميركي في ليبيا وثلاثة أمريكيين آخرين، ليقلب الأوضاع هناك رأسا على عقب، ويضع ليبيا في دائرة التوتر من جديد بعد ظهور توقعات ليبية وأمريكية بأن الحادث لم يكن رد فعل عفوي في إطار الاحتجاجات ضد فيلم مسيء للإسلم بل هو من تدبير وتخطيط تنظيم القاعدة. منذ الحادث حدث نوع من التضارب بين المسئوليين الليبيين والأمريكيين حول تفسيرات الهجوم على القنصلية فقد اعتبره "محمد المقريف" رئيس المؤتمر الوطني الليبي هجوما مدبرا ومخططا له من القاعدة، وأن هناك عناصرأجنبية متورطة في الهجوم دخلت البلاد قبل بضعة أشهر من مالي، والجزائر تحاول صوملة أو أفغنة ليبيا..إلا أن المتحدث باسم الرئيس الأمريكي رفض وجود دليل على أن الهجوم كان مخططا سلفا، وهو تأكيد زاد من غموض الحادث خاصة بعد أن اعتبره مسئولون ليبيون من تدبير أتباع القذافي. وأرجعها البعض الآخر إلى ضعف الحكومة الانتقالية في ليبيا في السيطرة على الأوضاع الأمنية .. والدليل على ذلك أن مدينة بنغازي مهد الثورة الليبية ضد القذافي العام الماضي عددا من التفجيرات والهجمات على قوافل ومنظمات دولية، وأيضا على البعثات الغربية في الأشهر القليلة الماضية. إلا أن الحكومة الأمريكية عادت وأكدت أن الهجوم يحمل سمات عمليات تنظيم القاعدة من خلال تأكيد "مايك أورجرز" رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي.. وهو ما قاله إعلان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والذي يتخذ من اليمن مقرا له، والذي أكد على أن مقتل السفير الأميركي لدى ليبيا جاء انتقاما لمقتل «أبو يحيي الليبي» الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، ودعا التنظيم إلى استهداف الدبلوماسيين والمصالح الأمريكيةوالغربية في العالم العربي.. المشكلة الحقيقية في رأي المراقبين حاليا هو المأزق الذي تعاني منه حكومة "أوباما" حاليا في ليبيا بعد صدور تسريبات تؤكد أن المسئولين الأمريكيين كانوا يعرفون أن هناك خططا للهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي ولم يحذروا العاملين فيها، أويتخذوا الاحتياطات اللازمة لتأمينها، وفي هذا الصدد تشير صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في فقد العديد من المستندات السرية الموجودة بالقنصلية أثناء الهجوم تحوي أسماء عدد من الليبيين العملاء للولايات المتحدة هناك، وهو ما قد يعرضهم للخطر، وأيضا مستندات تفاصيل تعاقدات النفط بين واشنطن والحكومة الانتقالية الليبية. في الوقت نفسه فقد استغلت واشنطن الحادث للتأكد على عدم قدرة الحكومة الليبية ليس في مجرد حماية البعثات الدبلوماسية الموجودة لديها، ولكن في عدم وجود قوة فعالة من الشرطة والجيش تستطيع فرض الأمن، وحتى يتحقق ذلك فقد أرسلت قوى من جنود "المارينز" لتقوم بحماية السفارة الأمريكية في طرابلس والقنصليات والمصالح الأمريكية هناك، بالإضافة إلى وصول مدمرتين قبالة سواحل ليبيا حتى تستطيع الحكومة اللييية الجديدة فرض الأمن.. وهو شأن قد يتخذ شهورا أو سنوات.. فواشنطن أحد المسئولين عن فوضى السلاح التي حدثت في ليبيا، والتي يمكن أن تحدث في سوريا..وفي هذا الصدد لا يستبعد بعض المراقين أن يكون عملاء واشنطن في ليبيا من تنظيم القاعدة ومتشددين آخرين هم الذين نفذوا هذه العملية أملا في إحياء ذكرى 11 سبتمبر التي فقدت بريقها في ظل أحداث كبرى في العالم العربي، وبهذا تبقي على ظاهرة العداء للإسلام في أمريكا وأوروبا، ويمكن استخدامها ذريعة في تواجد أمريكي خارجي في دول جديدة تحت بند محاربة الإرهاب وهذا ما قد يحدث في ليبيا.