أثار اقتراب الجمعية التأسيسية لوضع الدستور من نهاية عملها سؤالاً يلح علي الشارع المصري، وهو: هل يجب إعادة الانتخابات الرئاسية عقب الاستفتاء علي الدستور الجديد أم أن الرئيس محمد مرسي باق حتي نهاية ولايته في سنة 2016؟ آراء فقهاء القانون الدستوري، جاء أغلبها مؤيداً لإعادة الانتخابات الرئاسية، بحجة أن الرئيس تم انتخابه وفق دستور سابق يحدد صلاحياته ومهامه، وهو ما يختلف عن صلاحيات الرئيس في الدستور الجديد، مما يعني ضرورة العودة مرة أخري إلي الشعب بوصفه وحده صاحب السلطة. يقول الفقيه الدستوري الدكتور إبراهيم درويش إن الاتجاه الحديث في العالم هو إعادة انتخاب كل مؤسسات الدولية الرئاسية والبرلمانية عقب إقرار أي دستور جديد، وهذا ما حدث في أغلب دول العالم، وكذلك في مصر سنة 1971 عندما تمت صياغة الدستور الجديد فإنه نص علي إعادة الاستفتاء علي الرئيس أنور السادات، لكن السادات غير هذا النص بنفسه قبل الاستفتاء علي الدستور. ويضيف درويش أن المتابع لعمل الجمعية التأسيسية الحالية يكتشف أنها لن تسمح بإعادة انتخاب الرئيس، لأن أغلب أعضائها ينتمون للتيار الذي ينتمي له الرئيس وأنهم سيضعون نصاً في باب الأحكام الانتقالية يتيح لمحمد مرسي استكمال مدته الرئاسية وهذا ما لا يحدث إلا في الدول المتخلفة. ويشير درويش إلي أن الحكمة من إعادة انتخاب رئيس الدولة هي أن الشعب انتخبه وفق الإعلان الدستوري الذي يحدد صلاحيات الرئيس وبقية السلطات، وهو ما سيختلف كثيراً في الدستور الجديد وهو ما يعني أنه لابد من العودة إلي الشعب مرة أخري لاختيار الرئيس وفق الصلاحيات الجديدة. ويوضح درويش أن عمل الجمعية التأسيسية الحالية به كثير من العبث، فالمستقر حالياً في العالم أن الدساتير توضع بواسطة لجنة صغيرة لا يزيد عددها علي خمسة عشر عضواً نصفهم علي الأقل من الكتاب والأدباء والشعراء، علي أن تستمع اللجنة إلي كل التيارات والاتجاهات السياسية التي تقدم للجنة تصورات مكتوبة عن الدستور الجديد. كما تستمع اللجنة للأقليات علي أن تصبغ في نهاية عملها القضايا المتفق عليها، أما القضايا الخلافية فإنها تحاول تقريب وجهات النظر فيها حتي تصل إلي التوافق التام وليس برأي أغلبية معينة حتي لو كانت أغلبية تفوق التسعين بالمائة، لأن الدساتير توضع بالتوافق التام. من جانبها تقول المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا إنه من المستقر في الفقه الدستوري أن تتم إعادة انتخاب كل المؤسسات في حال إقرار الشعب لوثيقة دستورية جديدة، وهذا ما سبق وحدث في كثير من دول العالم وأشهرها فرنسا عقب إقرار دستور الجمهورية الخامسة سنة 1968 رغم أن الرئيس الفرنسي وقتها كان الرمز الكبير الجنرال ديجول. وتضيف الجبالي أن إعادة انتخاب المؤسسات القائمة ومن بينها رئاسة الجمهورية يكون بسبب التغييرات التي تطرأ علي الدستور الجديد، خاصة إذا كنا في مرحلة انتقالية أو عقب ثورة أو أحداث غير عادية. وتشير الجبالي إلي أن إعادة انتخاب الرئيس عقب إقرار الدستور الجديد ليست واجبة فمن الممكن أن ينص الدستور الجديد، وفي باب الأحكام الانتقالية علي أن يستكمل الرئيس أو أية مؤسسة أخري لمدتها القانونية أو جزء منها، ولكن ذلك يتم في الأغلب في حال وجود حالة توافق وطني، وليس حالة من الانقسام التي تعيشها مصر حالياً، فالرئيس المنتخب محمد مرسي فاز بأغلبية ضئيلة جداً ما يجعلنا أبعد ما نكون عن حالة التوافق الوطني الأمر الذي يجعل من الأفضل لمصر أن تعاد الانتخابات الرئاسية مرة أخري. وتشدد الجبالي علي أنه في حال اختلاف أعضاء الجمعية التأسيسية علي قضية إعادة الانتخابيات الرئاسية فأنه يجوز لعشرين بالمائة من أعضائها أن يحيلوا هذا النص أو أي نص يختلفون عليه إلي المحكمة الدستورية العليا وذلك وفق نص الإعلان الدستوري المكمل الذي يعطي الحق لرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو المجلس العسكري أو 20% من أعضاء التأسيسية اللجوء للدستورية العليا عند الاختلاف علي أي نص في الدستور الجديد قبل عرضه علي الشعب للاستفتاء عليه. وتوضح المستشارة تهاني الجبالي أن الحكمة الدستورية العليا لها وحدها القول الفصل في حسم أي خلاف حول أحد نصوص الدستور الجديد، وعليه أن تفصل استناداً إلي القيم الدستورية المتعارف عليها، وكذلك أهداف ثورة 25 يناير، وحقوق المواطنين، وما هو مستقر في وجدان الجماعة الوطنية المصرية وربما يضمن وحدة وتجانس الدستور الجديد، وتعتبر المحكمة الدستورية بذلك ضماناً لعدم انفراد تيار سياسي معين بتمرير بعض مواد الدستور بما يخدم أفكاره وآرائه بعيداً عن التوافق الوطني الذي يعتبر الأصل في صياغة الدساتير. ويقول الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي إن الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد لها الحق في أن تضع في باب الأحكام الانتقالية ما ينص علي أن يستكمل الرئيس والمؤسسات المنتخبة لمدتها كاملة أو جزء منها أو أن تنتهي بمجرد الاستفتاء علي الدستور الجديد علي أو أن تنتهي بمجرد الاستفتاء علي الدستور الجديد علي أن تقوم هذه المؤسسات بدورها لحين انتخاب مؤسسات جديدة. ويضيف الإسلامبولي أنه وإن كان الجمعية التأسيسية هذا الحق فإن الأصح أن يعاد انتخاب كل المؤسسات التشريعية أو التنفيذية بمجرد إقرار دستور جديد لأن الدستور الجديد يحدد صلاحيات هذه المؤسسات والتي تختلف بالتأكيد عما كانت عليه في الدستور السابق. كما أن النظام السياسي كله ربما تحدث فيه تغييرات جوهرية تجعل من إعادة انتخاب رئيس الجمهورية والمؤسسات القائمة أمراً واجباً. ويختلف مع هذا الرأي الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري مؤكداً أن الأصل المستقر عليه هو أن تستمر المؤسسات المنتخبة بعد إقرار الدستور الجديد إلي نهاية مدتها، وفي بعض الأحيان ينص الدستور الجديد علي استمرار هذه المؤسسات في باب الأحكام الانتقالية وهذا ما حدث في مصر عندما تم الاستفتاء علي دستور 1971 ونص علي أن يستكمل الرئيس أنوار السادات مدته الأولي إلي نهايتها سنة 1976. ويشير البنا إلي أنه لا يوجد ما يلزم بالنص علي ذلك وأن كانت هذه هي القاعدة العامة المطبقة، خاصة إذا لم يحدث تغيير في النظام السياسي القائم، كما أن الوضع المصري يدفعنا إلي استمرار هذه المؤسسات _ بما فيها مؤسسة الرئاسة _ في عملها لأن الوضع الداخل لا يحتمل انتخابات أخري خاصة وأن مصر شهدت في وقت قصير استفتاء علي الإعلان الدستوري وآخر علي الدستور الجديد وانتخاب ومجلسي الشعب والشوري مرة لمرتين وانتخابات رئاسية، وبالتأكيد نحن لسنا بحاجة إلي انتخابات رئاسية أخري.