تؤكد دروس التاريخ وحضارات العالم على مر العصور، أن الأمم الرشيدة هي تلك التي تستطيع استثمار أو توظيف قدراتها وثرواتها ومواردها مهما كانت محدودة من أجل الارتقاء بحياة مواطنيها وتحسين نوعية الحياة لهم، على نحو يضمن لها تحقيق التقدم في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية بما يؤهلها لأن تتبوأ مكانة متقدمة في مدارج التطور الحضاري.وتمثل المقارنة بين الإمكانيات الاقتصادية بين كل من البحرين وإيران وفق لغة الأرقام والإحصاءات التي لا تكذب أبداً مساحة واسعة لمفارقات تستحق كثيراً من التأمل والنقاش والتساؤلات. وقبل الاستفاضة في شرح المعطيات المتاحة عن المقارنات والمفارقات بين قدرات كل من الاقتصادين البحريني والإيراني تجدر الإشارة إلى أن هذه القضية كانت محل تفكير واهتمام خاص من الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس التحرير بحكم اهتماماته بالثقافة الإيرانية ومتابعة الشئون الإيرانية عن كثب، وخلال إحدى الحوارات اقترح فكرة ضرورة تسليط الأضواء على هذه القضية المهمة وخاصة في ضوء ما تعرضت له البحرين خلال الفترة الماضية من تهجمات وافتراءات من السياسة الإيرانية وأبواق الإعلام التابعة لها. ومن هناك الأهمية البالغة لمناقشة هذه القضية عبر هذا التحليل. ففي حين تشير لغة الأرقام إلى مؤشرات تسجل للبحرين وسياساتها وتوجهاتها علامات الاستحقاق والتقدير، فإن الأرقام ذاتها بكل ما تحمله من مفارقات تشير بأصابع الاتهام والتقصير والانحرافات إلى السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة في إيران منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979م وحتى يومنا هذا أي على مدى أكثر من ثلاثين عاماً والتي يدفع ثمنها المواطن الإيراني المطحون الذي أغرقه نظامه في سلسلة متتالية من الصراعات الخارجية والأطماع التوسعية التي قادت إلى تدهور الاقتصاد الإيراني ووضعه في نهاية المطاف تحت الحصار الاقتصادي والمالي الدولي نتيجة أزمة البرنامج النووي الإيراني وتداعياتها التي تتوالى فصولاً. البحرين وإيران: مؤشرات وأرقام ولكن نلقي مزيداً من الأضواء على هذه المقارنات الرقمية ذات الدلالة يكفي أن نتأمل معاني ودلالات الأرقام التالية: - يبلغ إجمالي الناتج القومي الإيراني نحو تريليون مليون دولار، ويعود الفضل الأول في ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط الذي يشكل المصدرة الرئيسي للدخل في إيران. - وفي عام 2011 بلغ الناتج القومي الاجمالي لإيران نحو 928,9 مليار دولار. - وبالمقابل نجد أن الناتج الإجمالي للاقتصاد البحرين لا يتجاوز 30,8 مليار دولار فقط حسب إحصاءات .2011 ولكن كيف تمت ترجمة هذا الفارق الشاسع في الثروة المجتمعية في السياسات التنموية في كل من البحرين وإيران؟ تكشف مؤشرات التنمية البشرية وفقا لتقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لعام 2011 أن البحرين تحتل المرتبة ال 42 عالمياً من بين 187 دولة، في حين احتلت إيران المرتبة ال 88 على مستوى العالم. فلماذا تفوقت البحرين على إيران في معدلات التنمية البشرية؟ خاصة أن البحرين وعلى مدى أكثر من عشر سنوات ظلت تحتل المرتبة الأولى أو الثانية عربياً في معدلات التنمية البشرية وظلت محافظة على هذه المكانة المتقدمة حتى الآن. وللإجابة على هذا السؤال الحيوي، لابد من تأكيد حقيقة أن السياسات التنموية العقلانية والموضوعية التي اتبعتها البحرين منذ فجر الاستقلال وقادها سمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان وبلغت درجات متقدمة في عهد المشروع الإصلاحي لجلالة الملك خلال السنوات العشر الماضية هي التي مكنت البحرين من تبوء هذه المكانة المتقدمة في سلم التنمية البشرية على المستوى العالمي. وبالمقابل، يمكن القول بكل موضوعية أيضاً إن السياسات المتهورة التي اتبعها نظام الثورة الإيرانية في الإطار الإقليمي والخارجي والتي لم تحسن استثمار وتوظيف القدرات والثروات الطائلة التي يتوافر عليها الاقتصاد الإيراني هي التي أفضت إلى أن تحتل مرتبة متدنية في منتصف جدول التنمية البشرية على المستوى العالمي. فالبحرين سعت دوماً إلى توظيف مواردها المحدودة من أجل خدمة المواطن فيها بهدف الارتقاء بمستوى معيشته وتخفيف الأعباء عنه وتأهيله ليكون بمثابة قاطرة التنمية فيها وفق شعار «أن الإنسان البحريني هو أغلى ما نملك». لكن بالمقابل نجد أن النظام الإيراني قد قام بتوظيف معظم الموارد الإيرانية وخاصة الثروة النفطية في إطار خدمة مشاريعه التوسعية لبسط السيطرة والنفوذ في الإطار الإقليمي أو محاولة امتلاك القدرات النووية وصرف في سبيل ذلك مئات المليارات من الدولارات وكان ذلك على حساب الارتقاء بالمستوى المعيشي والاجتماعي للمواطن الإيراني، ومستوى التنمية الاقتصادية الحقيقية في الداخل. ويكفي أن يعلم القارئ أن نحو 40 مليون إيراني أي أكثر من نصف سكان إيران البالغ تعداده (74 مليون نسمة) هم مواطنون يعيشون تحت مستوى خط الفقر وفق ما كشفته تقارير الأممالمتحدة والبنك الدولي لعام 2011م وتلك فاجعة حقيقية في بلد نفطي يعد حتى سنوات قليلة ماضية ثاني أكبر منتج نفط في منظمة «الأوبك» بعد السعودية. مفارقات إضافية وتشير معظم مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية إلى تفوق نوعي واضح للبحرين على إيران على نحو يثير التأمل والتفكير الموضوعي. فبالنسبة إلى معدل نمو الإنتاج المحلي الإجمالي بلغ نحو 4,1% في البحرين في عام 2011 على الرغم من الآثار السلبية التي تركتها أحداث فبراير ومارس 2011 على الاقتصاد البحريني، في حين أن الاقتصاد الإيراني لم يتجاوز معدل النمو السنوي فيه خلال عام 2011 نحو 3,2% وفق إحصاءات البنك الدولي، رغم الإمكانيات الهائلة التي تتوافر للاقتصاد الإيراني مما يشير إلى خلل في السياسات الاقتصادية التي يتبعها النظام الإيراني. ويؤكد الخبراء أن الاقتصاد الإيراني بحاجة إلى نسبة نمو لا تقل عن 5% سنوياً على الأقل لكي يتمكن من مواجهة تحديات توظيف 750 ألف خريج جامعي يتخرجون في الجامعات الإيرانية سنوياً. وفيما يتعلق بمستوى دخل الفرد تشير التقديرات إلى أن مستوى دخل الفرد في البحرين يبلغ نحو 27,3 ألف دولار سنوياً، في حين أن مستوى دخل الفرد في إيران لا يتجاوز 12,2 ألف دولار سنويا. وفيما يتعلق بمعدل البطالة في البلدين، ففي حين لم يتجاوز في البحرين في عام 2011 نسبة 3,8%، فإن معدل البطالة في إيران يبلغ 15,3% وهي نسبة عالية حداً ويشير الخبراء إلى توقع ارتفاعها في ضوء الآثار الجانبية للحظر النفطي المفروض على إيران منذ يوليو .2012 وبخصوص معدلات التضخم في الاقتصادية البحريني والإيراني، ففي حين نجحت السياسة المالية والاقتصادين في البحرين في الحفاظ على نسبة متدنية من التضخم لا تتجاوز0,3% في عام 2011م، فإن التضخم في إيران بلغ مستويات خطيرة حيث بلغت نسبته ما يعادل 22,50% عام 2011م، بزيادة 10% عن عام 2010، ويتوقع الخبراء استمرار تزايد معدلات التضخم في إيران في ضوء الحصار الاقتصادي، وسياسات الدعم النقدي التي تتبعها حكومة أحمدي نجاد والتي تقضي برفع دعم الدولة عن السلع الأساسية للمواطنين وتقديم 45 دولاراً شهرياً للأفراد بدلاً من ذلك. وفيما يتعلق بالقدرة على جذب الاستثمارات الخارجية، يلاحظ أن الاقتصاد البحريني نجح في عام 2011 في جذب استثمارات خارجية بقيمة 15,3 مليار دولار، في حين لم تتجاوز الاستثمارات الخارجية في إيران ما يعادل 18 مليار دولار رغم الامكانات الهائلة واتساع نطاق السوق الإيرانية على نحو لا يقارن بالبحرين. والمؤكد أن السياسة التصادمية التي تتبعها إيران مع المجتمع الدولي واستمرار المراوغات بشأن البرنامج النووي الإيراني بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على إيران تقف جميعها بالإضافة إلى السياسات الاقتصادية المتبعة في الداخل وراء خوف الجهات الاستثمارية الخارجية في الاتجاه إلى الاستثمار في إيران. واقع التنمية البشرية وإذا تطرقنا إلى حقائق أكثر تفصيلاً بشأن معدلات التنمية البشرية في كل من البحرين وإيران، فلعل ما يلفت الانتباه الوقائع التالية: فيما يتعلق بالعمر المتوقع للإنسان في كل من البحرين وإيران عند الولادة في ضوء الخدمات الصحية المتوافرة في البلدين، يشير تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأممالمتحدة عام 2011 إلى أن متوسط العمر المتوقع للمواطن البحريني عند الولادة هو 75,1 عاماً، في حين يبلغ في إيران نسبة أقل هي 73 عاماً. وفيما يتعلق بنسبة وافيات الأمهات، فهي تبلغ في البحرين نسبة متدنية تبلغ 19 حالة في كل 100 ألف نسمة، في حين ترتفع في إيران لتصل إلى 30 حالة في كل 100 ألف. وفي حين أن نسبة الولادة تحت إشراف طبي متخصص تبلغ في البحرين 98% فإنها في إيران تبلغ نسبة 97% وفيما يتعلق بمعدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين الكبار من 16 عاماً فما فوق بلغ في البحرين عام 2011 نحو 91,4%، فإنها تبلغ في إيران نسبة 85%. وفيما يتعلق بنسبة الإناث ذوات التحصيل العلمي الثانوي من سن 25 عاماً فما فوق فإنها بلغت في البحرين نسبة مرتفعة جداً تعكس الاهتمام المتعاظم بحقوق المرأة في البحرين، حيث بلغت 74,4%، في حين أنها في إيران لم تتجاوز نسبة 39%. وفيما يتعلق بمستويات الالتحاق بالتعليم في البلدين، يلاحظ استمرار التفوق البحريني حيث بلغت نسبة الالتحاق بالتعليم الابتدائي في البحرين نسبة 106,6% في حين بلغت في إيران 102,8%، وبالنسبة إلى التعليم الثانوي بلغت في البحرين نسبته 96,4% في حين تصل في إيران إلى 83%، وفيما يتعلق بالتعليم الجامعي (العالي)، فإن نسبته في البحرين بلغت في عام 2011 نحو 51,2% في حين لم تتجاوز في إيران ما يعادل 36,5%. وفيما يتعلق بنسبة وفيات الأطفال دون الخامسة فهي لا تتجاوز 12 حالة في كل ألف حالة من المواليد أحياء. في حين أنها تصل في إيران إلى 31 حالة في كل ألف حالة من المواليد أحياء. وفيما يتعلق بنسبة الإنفاق على الصحة في كل البلدين من إجماع الناتج المحلي الإجمالي، نجد أنها في البحرين تصل إلى نسبته 6,5% في حين أنها في إيران لا تتجاوز 5,5%. أما فيما يتعلق بمعدلات الإنفاق على التعليم فهي النسب نفسها في كلا البلدين 6,5% في البحرين، و5,5% في إيران. وتشهد المخصصات المالية في موازنة الدولة الخاصة بالتعليم زيادات مطردة في البحرين حيث بلغت نحو 236 مليون دينار في موازنة عام 2010، وكانت في عام 2009 نحو 200 مليون دينار في حين كانت في عام 2000 حوالي 87 مليون دينار مما يعكس الاهتمام الواضح من قبل الدولة بالتعليم في البحرين. ونتيجة اهتمام الدولة في البحرين بالتعليم أكد تقرير حديث لمنظمة اليونسكو أن البحرين نجحت خلال عامي 2010 و2011 في تحقيق الأهداف الأساسية لبرنامج الأممالمتحدة الخاص بالتعليم للجميع قبل الموعد المستهدف عام 2015، حيث حققت نسبة استيعاب في التعليم الابتدائي وصلت إلى 100% ونتائج متفوقة في القضاء وعلى الأمية بحيث أصبحت 2,46% من السكان مقابل 7,2% عام 1999م. وقد عزز تقرير المعرفة العربي الصادر في فبراير 2010 هذه الحقائق عن البحرين، حيث أكد أنها أكثر دولة عربية حققت معدلات التحاق في التعليم، ونسبة مساواة بين الجنسين، وأقل نسبة تسرب من التعليم عربياً. كما جاءت البحرين في المرتبة الأولى عربياً في نسبة الالتحاق بالتعليم الثانوي بنسبة 97% وهي النسبة الأعلى عربياً. ويعكس هذا الاهتمام بالتعليم الوعي بدوره في نهضة الأمم إذ أنه بات يشكل العمود الفقري لأي تنمية حضارية في تجارب الأمم الحديثة، وفي عصر ثورة المعلومات والتكنولوجيا فإن التعليم والبحث العلمي هما السبيل للتغلب على ندرة الموارد الطبيعية وتحويل المجتمع إلى طاقات إنتاجية غير محدودة. وفيما يتعلق بمعدلات الإنفاق الصحي للحفاظ على صحة المواطنين، يلاحظ ارتفاع موازنة الدولة بشكل مضاعف تقريبا خلال السنوات العشر الماضية في البحرين. فقد بلغت موازنة الصحة نحو 223 مليون دينار في عام 2010 في حين كانت 126 مليون دينار في عام 2005 و 76 مليون دينار عام 2000 مما يعكس العناية الفائقة التي توليها الدولة لصحة المواطن والمقيم في البحرين. الخبز واللحم ومستوى المعيشة بعد أن تخلت حكومة أحمدي نجاد في عام 2010 عن سياسة دعم السلع الضرورية للمواطنين واتجهت إلى سياسة الدعم النقدي المباشر، تزايدت معدلات التضخم في إيران كما سبق أن أشرنا، ومع تزايد وطأة العقوبات الاقتصادية والحظر النفطي على إيران، يتوقع الخبراء في الشئون الإيرانية أن تندلع في إيران اضطرابات اقتصادية بسبب التدهور المتوقع في مستوى معيشة المواطنين ؛ بل أن البعض يرى أن انتفاضات الخبز كان يمكن أن تندلع في إيران منذ سنوات لولا سياسة القمع الشديد التي يتبعها النظام الإيراني في مواجهة أي احتجاجات أو تظاهرات تندد أو تنتقد سياسات نظام الثورة الإيرانية. لكن ذلك لا يمنع من إمكانية توقع اندلاع «ثورة الجياع» في مرحلة لاحقة، وخاصة إذا تراجعت العوائد الإيرانية من تصدير النفط الإيراني إلى الخارج وإذا استمرت أزمة البرنامج النووي الإيراني عالقة من دون حلول تضع حداً للأزمة الاقتصادية الزاحفة إلى إيران. في هذا السياق، لابد من الإشارة إلى ما كشفه تقرير اقتصادي عن الارتفاع في الأسعار في إيران خلال العامين الأخيرين، حيث يشير إلى أن أسعار السلع الأساسية ارتفعت ارتفاعاً ملحوظاً في إيران منذ إتباع سياسة التخلي عن الدعم، وفي هذا السياق فقد ارتفعت أسعار الخبز بصورة واضحة حيث زاد سعر ربطة الخبز من 1000 ريال إيراني إلى عشرة آلاف ريال خلال عامين فقط، في حين ارتفع سعر كيلو اللحم إلى 30 ألف ريال إيراني (أي ما يعادل نحو 13 دولاراً) في حين أن متوسط دخل غالبية الإيرانيين لا يتجاوز 500 دولار شهرياً. وهو ما يؤكد أن إمكانية اندلاع اضطرابات اقتصادية حول الخبز والسلع الحياتية الضرورية هي أمر وارد جداً. وإذا ما وضعنا هذه الحقائق والمعلومات في إطار مقارن مع الأوضاع في البحرين، فلابد من الإشادة بالسياسة الثابتة لحكومة البحرين في دعم السلع الأساسية التي جعلت البحرين لا تواجه أي أزمة في أسعار الخبز منذ أكثر من 40 عاماً أي منذ فجر الاستقلال كما يجب الإشارة إلى السعر الثابت لكيلو اللحم من البحرين الذي لم يتغير منذ أربعة عقود وهو لا يتجاوز ديناراً بحرينياً فقط لا غير في كل الأحوال. وهو أمر لابد أن ينظر إليه بكل تقدير كل ذي عقل وبصيرة مما يعيشون على أرض البحرين. وفي ضوء ارتفاع أسعار اللحوم في إيران يشير أحد خبراء الشئون الإيرانية إلى أن العامل الإيراني اليومي يحتاج إلى أجر عمل يومين متتاليين حتى يتمكن من شراء كيلو لحم واحد لأسرته. حقائق مذهلة عن إيران لم تكن الأوضاع في إيران لتصل إلى هذه الدرجة من التدهور الاقتصادي لولا سياسات الإنفاق غير الرشيد للثروات النفطية الإيرانية والتي أدت إلى تفاقم ظاهرة الفقر في إيران والتي بلغت نسبة لا تقل عن 44% باعتراف البنك المركزي الإيراني نفسه.وقد اعترف وزير الشئون الاجتماعية الإيراني أن عدد السكان الإيرانيين تحت خط الفقر عام 2007 كان نحو 19,4 مليون شخص بنسبة 28% من سكان المدن و36% من سكان الريف، وقد تفاقمت الأوضاع مع تزايد معدلات التضخمم التي بلغت في عام 2011 نحو 26% ويبلغ خط الفقر المطلق في العاصمة طهران (أقل من دولار واحد في اليوم) وحوالي 380 دولاراً سنوياً. ويعود كل ذلك إلى سوء توزيع الدخل والثروة حيث يحصل 8% من سكان إيران على 80% من الدخل الاقتصادي للدولة، وتكمن المفارقة هنا أن الثورة الإيرانية تتحدث دوماً عن أنها ثورة الفقراء والمستضعفين. وطبقاً للإحصاءات الرسمية الإيرانية فإنه في عام 2011 كان 47 مليون إيراني لا يتجاوز دخلهم اليومي 4 دولارات فقط. ويشير أحد الخبراء في الشئون الإيرانية أن الأوضاع كانت ستزداد تفاقماً لولا أن هناك نحو 4 ملايين مهاجر إيراني في الخارج من ذوي الكفاءات والقدرات يقومون بتحويلات شهرية إلى عائلاتهم في الداخل الإيراني لتفادي وقوعهم في مآسي العوز والفاقة. وتأتي هذه التحويلات من إيرانيين يعيشون في أوروبا وأمريكا وبعض دول الخليج العربي ؛ ورغم كل هذه المؤشرات على تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إيران يشير معهد استوكهولم الدولي لدراسات السلام إلى ارتفاع الإنفاق العسكري في الموازنة الإيرانية لعام 2011 بنسبة 127% لترتفع الموازنة العسكرية إلى 16 مليار دولار. كما تتدفق المعلومات عن حجم المليارات التي تنفقها إيران في الخارج من أجل دعم حلفائها، حيث تشير اقل التقديرات أن إيران قدمت ما لا يقل عن 10 مليارات دولار لدعم النظام السوري بقيادة بشار الأسد لمنع سقوطه بعد اندلاع الثورة السورية، وأن الدعم السوري لنظام بشار لا يقل عن مليار دولار شهرياً ناهيك عن الدعم بقوات الحرس الثوري والعناصر المقاتلة فضلاً عن الأسلحة والمؤن الأخرى حيث تعتبر إيران بقاء نظام بشار هدفاً استراتيجياً لإيران. وفيما يتعلق بالدعم الإيراني لحزب الله في لبنان تشير اقل التقديرات بأن هذا الدعم لا يقل عن 500 مليون دولار سنوياً ترتفع لتصل إلى أكثر من ذلك وقت الأزمات، ناهيك عن الدعم المقدم للتمرد الحوثي في اليمن والمليشيات الطائفية في العراق وفيلق القدس وغيرها والتي يشرف عليها الحرس الثوري الذي يسيطر على نحو 30% من الاقتصاد الإيراني عبر هيمنته على كثير من المؤسسات الاقتصادية الحيوية فضلاً عن سيطرته على منافذ التهريب عبر الحدود الإيرانية وخاصة مع العراق وقد ذكرت صحيفة لوس انجلوس تايمز أن الحرس الثوري له علاقات بأكثر من 100 شركة ويحقق إيرادا سنويا لا يقل عن 12 مليار دولار من قطاع الأعمال والإنشاءات والنفط والغاز. الدعم الإيراني للإعلام الخارجي أما فيما يتعلق بالدعم الإيراني للأبواق الإعلامية التي تخدم السياسية الإيرانية في الخارج والتي ظهرت بجلاء خلال الأزمة في البحرين، حيث تجاهلت تلك الأبواق المذابح الرهيبة التي تحدث في سوريا وركزت برامجها على تضخيم الأحداث في البحرين لتضليل الرأي العام الإقليمي والدولي بشأن حقائق الأوضاع في البحرين بما يخدم الأطماع التوسعية الإيرانية في البحرين ودول الخليج العربي الأخرى. وقد بلغ عدد وسائل الإعلام التي تستفيد من الدعم الإيراني في عام 2011 بشكل مباشر 370 مؤسسة إعلامية ناطقة باللغة العربية تعمل على الترويج للفكر الإيراني وأفكار تصدير الثورة الإيرانية إلى المنطقة العربية. وتنفق إيران ما لا يقل عن 5,5 مليارات دولار سنوياً على المؤسسات الإعلامية الناطقة بالعربية والتي تشمل مؤسسات مقروءة ومطبوعة ومسموعة ومرئية وعلى رأسها قناة تلفزيون العالم بالإضافة إلى نحو 71 قناة فضائية موالية لإيران و مئات المواقع الإلكترونية والصحف وتسعى كلها إلى الترويج للسياسات الإيرانية في المنطقة العربية والعالم الإسلامي واتي تشمل أيضاً نشر المذهب الشيعي ومن أبرز المحطات التي تتلقى دعماً إيرانياً: الفرات، أهل البيت، الباقة الإيرانية، المنار، الكوثر، برس، بلادي فورتين، المعارف، العراقية، المسار، أطياف، الأنوار وغيرها. في حين تركز إيران على صرف كل هذه المليارات على الأغراض الدعائية والبحث عن توسيع النفوذ فلابد أن ينعكس ذلك سلباً على الأوضاع الاقتصادية في إيران ناهيك من اتجاهات التمييز التي تمارسها النخبة الفارسية ضد الأعراق الإيرانية الأخرى وخاصة السنة العرب في إقليم الأحواز حيث يبلغ السنة نحو 20% من سكان إيران ومع ذلك يتعرضون لأبشع أنواع القمع والقهر ومحظور عليهم بناء المساجد، ويضطر سنة العاصمة طهران وهم نحو مليون شخص إلى أداء الصلوات في الحدائق العامة بعد أن هدمت السلطات الإيرانية مساجدهم في طهران.