"إذا الشعب يومًا أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر"، قالها الشاعر التونسى أبو القاسم الشابى فى بدايات القرن الماضى لتتحقق فى ثورة "الياسمين" مع مطلع القرن الحادى والعشرين. إلا أن لسان حال المصريين جاء مغايرًا، فمنذ الخامس والعشرين من يناير، وحتى الآن يرددون "لا تصالح" لأمل دنقل، وقصائد فؤاد نجم؛ لتهلب مشاعر الملايين فى الميدان، الذى ضمت جوانبه أنواع الإبداع والفن كافة، وفي الذكري الأولي للثورة، نستعرض مسيرة الشعر الثوري خلال العام 2011، وتطوراته المتوقعة في العام الحالي. فكانت البداية مع القصائد الثورية المعتادة للشيخ إمام سيد درويش وغيرها من أغانى الثورة، لكن الأمر ازداد إبداعًا وتحديًا حينما نمقت هتافات الثوار فى قصائد وأغانٍ، منها قصائد "تميم البرغوثى" الشاعر المصرى - الفلسطينى: "يا مصر هانت وبانت كلها كام يوم.. نهارنا نادى ونهار الندل مش باين"، ثم تطورت بعد تفاعل الأحداث وقول عبد الرحمن الأبنودى: "أيادى مصرية سمرا ليها فى التمييز.. ممدوة وسط الزئير بتكسر البراويز.. سطوع لصوت الجموع شوف مصر تحت الشمس.. آن الأوان ترحلى يا دولة العواجيز".. تزيد حماسة الشباب وتقوى عزيمتهم، فيستطرد الحال: "لكن خلاص يا وطن.. صحيت جموع الخلق قبضوا على الشمس بأيديهم.. وقالوا لا من المستحيل أن يفرطوا عقد الوطن تانى.. والكدب تانى محال يلبس قناع الحق.. بكل حب الحياة خوض فى دم أخوك.. قول أنت مين للى باعوا حلمنا وباعوك وأهانوك". ومن ميدان الأبنودى إلى ميدان هشام الجخ، الذي كتب "مشهد رأسى من ميدان التحرير"؛ ليلقى نظرة شعرية على عالم مصري جديد، فيرى أن مصر القادمة تستحق شعرًا خاصًا وإحساسًا جديدًا، فيبدأ قصيدته معلنًا رفضه وتجاوزه لشعره القديم كله: "خبئ قصائدك القديمة كلها.. مزق دفاترك القديمة كلها.. واكتب لمصر اليوم شعرًا مثلها.. لا صمت بعد اليوم يفرض خوفه.. فاكتب سلامًا نيل مصر وأهلها"، ليؤكد الإرادة الجديدة للشعب الذى خرج من كهف خوفه لينطلق فى الميدان ثائرًا. وفي هذا السياق، يقول الشاعر أحمد سويلم، إن عددًا كبيرًا من الشعراء قدموا إبداعاتهم من وعى ميدان التحرير، لذا فالشعراء هم أكثر المبدعين استجابة للثورة، باعتباره أسرع الأساليب الفنية مواكبة لأى حدث. وقسّم القصائد التي نمت مع المد الثوري المصري إلي نوعين؛ أولهما: قصائد بسيطة محفزة ومحرضة على الثورة خارجة علي العاطفة الوطنية من الدرجة الأولى، وربما لا ننتظر فيها أن تكون على مستوى فنى كبير، وهى مثل الأغانى الوطنية التى تتجه إلى العاطفة مباشرة، وهى تعبير ثورى عما يشعر به الشاعر. أما القصائد الأخرى التى لابد أن تمتلك البعد الفنى الجيد لا يمكن إلقاؤها فى الميدان؛ لأن الشاعر حريص على أن تقرأ قصائده فى أى زمان دون ارتباطها الآنى بالحدث، فكلها أعمال حماسية وقريبة من وجدان المتلقى، حيث ترضى الجمهور المتعدد ومتنوع الثقافات، وليس مطلوبًا أن تكون القصيدة من الصور العميقة أو الغامضة التى تحير المتلقى. فالثورة شعبية ولا يمكن تجاهل تلك النقطة مطلقًا، لهذا فإن الشاعر حينما يصدر ديوانًا عن هذه الثورة لابد أن يعيد النظر فى قصائده لتكون على المستوى الجيد. وحول توقعاته بتطورات شعر الثورة خلال العام الحالي، أوضح سويلم بأن الشعر هو استمرار لذلك التاريخ الثورى، ليرصد كل الأمور بشكل فنى ليؤكد دوره القوى؛ لأنه جزء من الثقافة التى لابد أن تكون لها القوة المؤثرة فى استكمال مسار الثورة، ولتكون الحافز لتجميع الشعب حولها، فهى أقوى من أى من الأنشطة السياسية. بينما يرى الشاعر عبد المنعم رمضان، أن الشعر لم يكن مواكبًا للثورة بشكل عام، منذ البداية وحتى الآن، بل إن الثوار كانوا عادة يعودون لأشعار فؤاد نجم وأمل دنقل القديمة، حتى عندما استندوا للأبنودى عادوا لقصيدته القديمة التى قالها فى مطلع الثمانينيات "الأحزان العادية" والتى عبرت بقوة عن روح الميدان. لكن ما كتبه الأبنودى أيام الثورة لم يكن بنفس القوة فقد كان بلا روح قتالية من داخل الميدان. ويؤكد أن ما يستحق أن يقال عليه شعر الثورة هو الأشعار والهتافات التى كان يطلقها الشعب بعفوية بعيدًا عن الأضواء، وهى الأشعار التى عبرت بقوة عن الأحداث بتطوراتها وتواتراتها، فالأشعار التى قدمها أمين حداد - مثلًا - أثناء الثورة هى التى استطاعت أن تعيش قليلاً داخل الوطن المجروح.