الدينية علي الإطلاق بل وصار الجهر بالدين كأنه الفسق نفسه والفجور بعينه وممارسة الطقوس والعادات الدينية كالصلاة والاحتفال بالمناسبات الدينية أو حتي العادات المرتبطة بالموتي والجنائز لها عقوبة جعلت المواطن يمارسها سراً إلا أنه وكما اسلفت في مقال سابق فإن الهوية الأوزبكية كان لها خصوصية تمثلت في الحفاظ علي كيانها وترابطها وتآلفها وسط كل هذه المتناقضات التي شهدها تاريخ المنطق عبر العصور منذ دخول الإسلام وحتي ارتداء عباءة الشيوعية بعد أن سيطرت الإمبراطورية الروسية وتكونت الجمهوريات الخمسة عشر قبيل منتصف القرن الفائت. وأزوبكستان بطبيعة الموقع والموضع الذي حباها الله به فضلاً عن مواردها الطبيعية والبشرية شكلت هذه المزايا والخواص عبئاً علي قيادتها الواعية والتطرف هو المرض والهاجس الأوحد الذي يهدد الأمن والاستقرار العالمي وبطبيعة حدود أوزبكستان المجاورة للمعسكر الأفغاني الذي طالته أياد عدة منها الروسي الذي أدرك أنه وقع في مستنقع كان الخلاص منه ذا تكلفة باهظة في الأموال والأرواح إضافة إلي الوضع الدولي وها هي أفغانستان وقد أصبحت مرتعاً لقوات أجنبية من مختلف الجنسيات التي نصبت فيها قواتها لمحاربة الإرهاب. في أوزبكستان الآن نهضة دينية وبعث روحاني يجري بأسلوب عقلاني متفرد فالدولة تعيد إنشاء وترميم دور العبادة وشيد علي أراضيها آلاف المساجد وتنظيم بعثات الحج بصورة منتظمة بل إنها تدعم حجاجها إلي بيت الله الحرام وتستطيع الآن أن تسمع بوضوح إلي الآذان في المساجد ويحرص مسلموها علي أداء صلاة الجمعة بل ويبث تليفزيون الدولة ولأول مرة منذ عهد الاتحاد السوفيتي يبث التليفزيوني الحكومي مسلسل محمد رسول الله بعد ترجمته ودبلجته إلي اللغة الأوزبكية اللغة الأم بمعني أن كل قومياتها ودياناتها التي تعيش تحت سمائها تمارس بحرية بالغة طقوسها الدينية وذلك وفق نص الدستور الذي يكفل حرية العقيدة ولا يفوت رئيسها وقائدها المبدع أن يهنيء المسلمين في أعيادهم عبر كلمة معبرة عن احترام الدولة للدين الإسلامي الحنيف الذي تزحز مكتبات رجعات ومتاحف الدولة بالعديد من تراثه الأصلي بل إن بعض قبور الصحابة وقدامي المؤمنين لا تزال علي أرضيها من أمثال قبر عم الرسول «صلي الله عليه وسلم» والإمام البخاري وأبو التصوف بهاء الدين النقشبندي والترمذي والزمخشري إذا ما كنت من المدعوين علي مائدة أوزبكية فتلاحظ أنه قبل وبعد تناول الطعام لابد من ترتيل بذكر الله وهي عادة متأصلة في كل الطبقات. ولا يفوتني هنا أن أذكر بأن أكبر وأهم جامعة إسلامية أسست منذ عشر سنوات هي جامعة طشقند الإسلامية التي تدرس إلي جانب مباديء الدين الحنيف المعتدل تخصصات أخري وقد أسعدني الحظ أن التقي بنخبة من طلابها في نهاية العام الدراسي وكم أعجبت بالمستوي ليس العلمي فقط بل مستوي الثقافة والإحساس بمشاكل المجتمع بل وأهم المشكلات الاقتصادية والسياسية علي الساحة الدولية فقد كانت قدرة هؤلاء الطلاب علي الحوار تفوق كل التوقعات وهذا ما شجعني أن أطلب قضاء يوم آخر كي التقي بالمزيد من الطلاب الذين هم بالفعل قيادات مستنيرة للمستقبل وجمعني في هذا اللقاء رئاسة الجامعة التي كان لها التأثير الأكبر في تنشئة هذا الجيل الصاعد والذي تشعر من خلاله أنه أخ أكبر لأبنائه الطلبة وأرسي فيهم مباديء حرية التعبير والفكر المستنير كما كان كعادته حريصاً علي أن يحضر اللقاء السفير النشط شاه عظيم مينا فاروق السفير الأوزبكي المعتمد لدي جمهورية مصر العربية وكم كنت سعيداً أن أعرف أنه كان أحد أساتذة هذا الصرح العلمي المتميز الذي يضم نخبة رائعة من المستشرقين من دارسي اللغةالعربية والذين بحق هم سفراء لدولهم لدي الدولة العربية والإسلامية كم كان المواطن شديد التعطش لمعرفة واقع وحقيقة الدين ولكن لا تمضي الأمور كما تشتهي الأنفس أي أن غالباً تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد تنشر بعض وسائل الإعلام ذات الأهداف الخاصة ما يثار حول أحداث جرت في طشقند أو ما شاع أن سياسة حكومة أوزبكستان نحو الأديان سوف تكون أكثر تشدداً . واقع الأمر أنه إذا أردت الكتابة عن واقعة أو عن مجتمع ما فإنه لابد من الأساس أن تتعايش مع هذا المجتمع وأن تعايشه فتكون آنذاك الكتابة لها تأثير فضلاً عن أنها سوف تكون واقعية وأكثر مصداقية الحكومة والدولة في أوزبكستان ليست إطلاقاً ضد حرية الدين أو ضد العقائد وخاصة الإسلامية ولكنها في الوقت ذاته حريصة ألا يشوب هذا أية انحرافات أو تشدد أو تطرف الأمر الذي يولد في النهاية ما يسمي بالعنف والإرهاب تخيل معي عزيزي القاريء أن شعباً حرم من ممارسة طقوسه الدينية بل وعوقب عليها لعقود طويلة ورغم ذلك حافظ علي عقيدته وهويته وقوميته وكان بعد الاستقلال شديد التعطش إلي الدين الذي حرمه منه السوفيت وإذا به يقع في محاولة للنيل من صموده وقوته بالعبث باسم الدين والدعوة للتطرف فما موقف الدولة هل تتركه فريسة لهذه النزعات العداونية وللغوغائية والمزايدة تحت عباءة الدين هنا لابد من وقفة حازمة مع قوي التطرف والإرهاب وذلك بنشر روح المحبة، وترسيخ العقيدة في إطارها السليم الواضح الذي لا لبس فيه ولا غموض (يقول كريوف إننا مجتمع مدني حر وإن التعامل مع المؤسسات الدينية قائم علي أساس القانون واحترام وصيانة الحقوق وفي الوقت نفسه علي هذه المؤسسات تأدية واجباتها أمام القانون وهذا هو الطريق الذي اخترناه حسب إرادة ورغبة الشعب). ويكيفيك أن تشاهد في كل موقع مسجداً، بل وحتي في جميع الفنادق، وكذلك موضع القبلة الذي يشير إليه سهم في جميع الفرق تشعر بأنه يمكنك ممارسة جميع عقائدك بحرية وسلاسة لكن ذلك يتطلب وقتاً للانتقال من زمن سابق إلي حاضر وواقع تتسابق فيه الدولة مع الزمن لتحقيق منجزات علي جميع المستويات وفي جميع القطاعات يأتي ذلك في الوقت الذي تحاول قوي التحالف والإرهاب العودة إلي الوراء تحت عباءة الدين والدين بريء من كل هذه الممارسات وضد استخدام العنف كوسيلة لتحقيق الغايات والأهداف لقد وعد كريموف بالأ يسلم شباب الأمة لأي من قوي التطرف والإرهاب وأكد أن يفعلل ذلك ليس بصفته رئيساً للدولة فحسب بل بصفته مسلماً عادياً كم كانت المهمة بالغة الصعوبة فالدولة الشابة البالغة بحلول الأول من سبتمبر الجاري ثمانية عشر عاماً فقط لكن الإنجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية كانت أكثر بكثير من تلك الفترة الزمنية فالتغيير هائل والإ رادة كانت دائماً أقوي من قوي الانهزامية وكان خلف القيادة دائماً شعب واع ومدرك للأخطار المحدقة بمسيرته التي هي بكل المقاييس فخر يحق لها أن تتباهي به .