أمريكا والدول الغربية، بل كل الدول في العالم، تقدم مصلحتها فوق أي شيء آخر، ويمكنها بيع حلفائها من الرؤساء والأفراد المتعاونين معها والمتمولين منها مضحية بالملايين التي أنفقتها عليهم إذا كانت مصلحتها على الجانب الآخر. حدث ذلك ويحدث على مر التاريخ الإنساني بأكمله، فأمريكا باعت شاه إيران وصدام حسين ومن بعدهم حسني مبارك، فقبل أقل من سنة كانت أمريكا تقف كالأسد بجانب نظام حسني مبارك أي قبل اندلاع ثورة يناير بقليل، وبعد الاندلاع الثوري لشعب مصر كانت متأرجحة بين اتجاهين لا تعرف أيهما ستميل عنده كفة الميزان، وهل ستنجح الثورة فتؤيدها أم ستفشل فتظل مؤيدة لحسني مبارك ونظامه وحكومته التي وصفتها بأنها ثابتة قوية، ثم فجأة انقلبت على حسني مبارك ونظامه "حبيبها المفضل" بعد اكتشافها أن الثورة ناجحة لا محالة، فأعلنت على لسان رئيسها أوباما ووزيرة خارجيتها والمتحدثين الرسميين بها عن وجوب تخلي وتنحي الرئيس مبارك عن الحكم الآن وليس غدا، وقبلها لحست فرنسا كلامها ووعودها ل"بن علي" بمساعدته في قمع ثورة تونس ثم إعلانها الوقوف مع ثورة الشعب التونسي خوفا على مصالحها في شمال أفريقيا. الآن أمريكا لن تجازف بمصالحها مع النظام المصري الجديد الذي يمثله المجلس العسكري حاليا ثم نظام الإسلاميين خلال الفترة القليلة القادمة مع رئيس سيكون مستقلا نوعا ما عن ركاب أمريكا والغرب (رغما عنه إذا لم يكن بإرادته)، ومن أجل ذلك فإن الواضح من تسريبات "ويكيليكس" بشأن حفنة المتمولين المصريين أن أمريكا بدأت في التخلي عنهم بشكل يوحي أن يدها بعيدة عما حدث وأن ما سرب من وثائق كان غصبا عنها وأنها "أخذت على حين غرة من المدعو جوليان اسانج ووثائقه"، وقد أدركت أمريكا أن متموليها في مصر ليسوا أذكياء بما فيه الكفاية وأنهم سيكونون عبئا عليها وليس عونا لها خلال المرحلة المقبلة بزعيقهم وصوتهم العالي على الفاضي والمليان ومع وضد حكومتهم ومن يمولونهم، ولكن يكفيهم "فخرا وتيها أنهم حصدوا الملايين منها مقابل الزعيق والصوت العالي وشن الحرب الكلامية على كل من يقف في وجوههم ووجه ديمقراطيتهم الجميلة والطيبة وبنت الحلال، والمتاجرة بحقوق الإنسان المصري الغلبان الذي لا يجد مأوى له مقابل إنفاقهم جزءًا معتبرًا من التمويل لشراء الفيلل والشقق الفاخرة لتكون سكنا لهم بعد التقاعد من الخدمة الأمريكية"، مصالح أمريكا والغرب اليوم وغدا مع النظام المصري الجديد الذي بدأت معه بوادر شفافية وتصدي للفساد بجميع أنواعه وبدأ يأخذ مسارا مغايرا لما كان عليه أيام مبارك، ولن تضحي سيدتهم أمريكا بالنظام من أجل عيون شوية متمولين يمكن ترضيتهم بزيارة لها أو عشاء فاخر في سفارتها أو الاطمئنان على صحتهم في المناسبات السعيدة، أو يمكنها إذا جد جديد شراء حفنة أخرى أكثر إزعاجا للحكومة المصرية الجديدة وأكثر تهييصا منهم في المناسبات الوطنية والمؤتمرات الحقوقية، ثم تتركهم لوثائق ويكيليكس تعريهم من أوراق التوت التي تسترهم.