"عام انهارت فيه الثقافة".. عنوان استأثر به العام 2011، رغم أنه الأبرز في تاريخ مصر الحديثة؛ إذ شهد انفراجة ديمقراطية في الحياة السياسية، التي استأسد بمقدراتها فصيل سياسي واحد، قضي خلال فترة حكمه علي أحلام المصريين كافة، إلي أن جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير، فأسقطت رأس النظام؛ وأعلنت مخاض "مصر جديدة" لا تزال تبحث عن مخرج لكبوتها. 1 - إلغاء معرض القاهرة للكتاب بدأ العام 2011 - علي المستوي الثقافي - بحالة من التشتت والتخبط سادت وزارة الثقافة، فور اندلاع أحداث التحرير، واستصدر وزير الثقافة آنذاك "فاروق حسني" قرارًا بإلغاء فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب، والذي كان مقررًا له يوم التاسع والعشرين من يناير، وجاء قرار الإلغاء جراء المظاهرات والاحتجاجات التي كانت محتدمة حينها، خاصة بعد توقف معظم الطرق المؤدية إلى وسط البلد؛ مما شكل عائقاً أمام جمهور المعرض لحضور الفعاليات. 2- شطب وزارة الثقافة وثاني أبرز أحداث العام، كانت الدعوة المطالبة بإلغاء وزارة الثقافة، وهي الدعوة التي أعلن عدد من المثقفين عدم تأييدهم لها؛ حتى بعد دخول مصر مرحلة ديمقراطية جديدة؛ نظرًا لوجود بعض الأنشطة والخدمات الثقافية التى يجب أن تقدم من قبل مؤسسة حكومية لا يستطيع الأفراد القيام بها.. وطالب المثقفون حينها بضرورة عمل بعض الإصلاحات والتغييرات التى من شأنها خدمة الحياة الثقافية والمحافظة على استقلال المثقفين وحريتهم فى الكتابة. 3- رحيل فاروق حسني وتعاقب الوزراء حالة من عدم الاستقرار والتخبط شهدتها وزارة الثقافة خلال بدايات العام المنقضي، خاصة بعد رحيل فاروق حسني الذي ظل مهيمنًا علي الوزارة قرابة الربع قرن، وبعدها اعتلي سُدتها في وقت قياسي ثلاثة وزراء؛ بدءًا بالناقد د. جابر عصفور والذي تقدم باستقالته فور الانتقادات التي تلقاها من عدد من المثقفين، والذين اعتبروا قبوله المنصب سُبة في تاريخه الأدبي، ثم محمد عبد المنعم الصاوي والذي بسقوط حكومة الفريق أحمد شفيق تمت الإطاحة به، مرورًا بما تردد عن إمكانية ترشح الكاتبة سكينة فؤاد لاعتلاء كرسي الوزارة وما لاقته - حينها - من هجوم، خاصة أنها بعيدة عن النشاط الثقافي، وصولًا إلي د. عماد أبوغازي والذي جاء تعيينه فور تشكيل حكومة د. عصام شرف رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الانتقالية، والذي جاء ترشيحه مثار جدل واسع.. وجاء التشكيل الحكومي الجديد برئاسة د. كمال الجنزوري، بتعيين الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة د. شاكر عبد الحميد وزيرًا للثقافة. 4- إقالة زاهي حواس ورابع الأحداث الثقافية الأبرز في العام الماضي كانت الإطاحة بوزير الآثار د. زاهي حواس، والذي ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية أنه بات قربانا لثورة يناير؛ بعد أن أنشئت وزارة الآثار الأولى من أجله وحده، فهو عالم الآثار الأكثر شهرة على مستوى العالم. ونشرت الصحيفة تقريرًا مطولاً بعنوان: "رحيل طاغية - ديكتاتور الآثار المصرية"؛ نظرًا إلي أنه كان متعاليا مع موظفيه، وسادت فترة توليه الوزارة الفساد وعدم الشفافية، وتعيينات غير مستحقة، أجبرت الحكومة على تغييره في أول تغيير وزاري، بعد خروج مظاهرات مصرية تطالب بإقالته من حقيبة الآثار. 5- سرقة الآثار وضياع الحلم "سرقة الآثار" كانت واحدة من سلبيات ثورة يناير، التي تجرع المصريون مرارتها؛ حيث أكد د. محمد عبد المقصود رئيس الإدارة المركزية للآثار، أن المشاكل فى هيئة الآثار كانت موجودة قبل الثورة، وأن سرقات الآثار مستمرة وليست مسألة جديدة ولكنها زادت بعد الثورة.. وأن الدولة قامت بإنشاء تسعة وأربعين مخزناً أثرياً لحماية الآثار بعد الثورة، وذلك بمساعدة القوات المسلحة. وأضاف بأن الشعب هو الذى حمى آثار مصر، وأن وزارة الداخلية وافقت على تسليح أفراد الأمن القائمين على حراسة المخازن الأثرية. 6- دستور المثقفين شهد العام الماضي بزوغ فكرة "دستور المثقفين" وهي الفكرة التي أطلقها عدد من المثقفين للخروج من الأزمة، والتي تقدموا بها لحكومة د. عصام شرف السابقة ليتم الاستعانة بها فى وضع المبادئ الأساسية للدستور القادم، وقال د. عز الدين نجيب - صاحب الفكرة - خلال تصريحات صحفية له مؤخرًا: إن الوثيقة أصبح مصيرها محلك سر، خاصة بعدما فوجئوا باستقالة الحكومة بالكامل وغياب مصير الوثيقة كغيرها من الوثائق والمبادرات الأخرى. وأشار إلى أنهم سيحاولون إحياء الوثيقة من جديد، وعرضها على حكومة د. الجنزوري، ولكن بعد استقرار الأوضاع. 7- معرض فيصل للكتاب حفل العام 2011 بواحد من أهم الإنجازات التي تضاف إلي سجل د. أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب، إذ تحدي الظروف الأمنية وحالة الفوضي التي عمت أرجاء الشارع، وأطلق معرض "فيصل للكتاب"، والذي أقيمت فعالياته خلال شهر رمضان الماضي، والذي تتضمن في جلسته الختامية عددًا من المقترحات من شأنها تطوير أداء المعرض خلال دوراته القادمة، وذلك بعدما أعلن مجاهد أنه سيتم تحويل أرض الهيئة بمنطقة فيصل لمعرض دائم للكتاب، باعتبار أن التجربة فى مجملها كانت جيدة، ولا يشوبها سوى بعض السلبيات القليلة. وقال الشاعر شعبان يوسف - حينها - إن التجربة كانت مميزة للغاية ومختلفة تحمل نوعاً من المغامرة؛ وذلك لصعوبة تحويل هذا المكان الواقع وسط منطقة عشوائية شديدة الازدحام لمتلقى فكرى وثقافى. وأوضح بأن المعرض بحاجة لمزيد من التطوير من الناحية الإنشائية، وإدخال مزيد من المرافق قائلا: بشكل عام كان المعرض جيدا، وعلينا أن نتغاضى عن تلك النواقص، خاصة أنها التجربة الأولى من نوعها، وأعتقد أن العناصر البشرية الجديدة فى الهيئة قادرة على تطويرها فيما بعد. 8- رحيل أدمي قلوب النخبة حالة من الحزن خيمت علي العام المنقضي؛ بدأت برحيل الروائي خيرى شلبى، بعد رحلة طويلة من الإبداع فى عالم القصة والرواية، عن عمر يناهز الثلاث والسبعين عامًا. كما رحل الكاتب أنيس منصور عن عمر يناهز السبعة وثمانين عاما، إثر إصابته بالتهاب رئوى حاد وآلام فى الظهر، تم على إثرها نقله إلى غرفة العناية المركزة، نظراً لتدهور حالته الصحية.. وقال نبيل عتمان مدير مكتب أنيس منصور، إن الراحل أوصى قبل وفاته بدفنه بجوار والدته بمدافن العائلة بمدينة نصر. فيما رحل الكاتب أحمد بهجت، عن عمر يناهز التسعة وسبعين عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، بمستشفى "المقاولون"، ولبهجت أكثر من عشرين مؤلفاً دينياً وأدبياً، منها أنبياء الله، بحار الحب عند الصوفية، مذكرات صائم، مذكرات زوج، أحسن القصص، الطريق إلى الله، قميص يوسف، وغيرها، وطبع من كتابه "أنبياء الله" 36 طبعة. واختتم العام برحيل د. محمود حافظ رئيس مجمع اللغة العربية، ورئيس المجمع العلمى المصرى، ورئيس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، الذي توفي عن عمر يناهز التسعة وتسعين عامًا، بغرفة العناية المركزة فى مستشفى "قصر العيني" الفرنساوى، بعدما ساءت حالته الصحية بعد احتراق المجمع العلمى المصرى الذى كان يرأسه. 9- مئوية نجيب محفوظ شهدت فعاليات العام 2011 احتفالية المجلس الأعلى للثقافة، التي قرر إطلاقها مواكبة للعيد المئوى لميلاد الروائى العالمي نجيب محفوظ، والتي ستستمر حتى نهاية العام، وكان خبر الاحتفالية صغيرًا فى حجمه كبيرًا فى معانيه، واعتبره البعض خبرًا جدد التأكيد على أن الموت لا يحجب إلا الوجود الذاتى، بينما يبقى الإبداع متربعا على قلوب المحبين والعاشقين عن جدارة واستحقاق.. فنجيب محفوظ اسم عظيم ظل راسخا فى الذاكرة. وشهدت المئوية هذا العام جدلًا كبيرًا، خاصة بعد إعلان دار "ثيوبي" البريطاني عن بيع مخطوطات وكتابات نادرة لنجيب محفوظ، في مزاد علني، وما تبعها من تأكيدات فاطمة نجيب محفوظ، أن تلك المخطوطات، مسروقة ولم تخرج من مصر بعلم الأسرة، وأن الأسرة علمت بنبأ البيع منذ فترة تولى د. عماد أبو غازى لوزارة الثقافة والذى وعد بمخاطبة الجهات المعنية لوقف عملية البيع. وأوضحت بأن الأمر لم يقتصر على حد مخاطبة وزير الثقافة السابق فحسب، بل أيضا عمرو موسى المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، والذى وعد بالتدخل لوقف عملية البيع، إضافة إلى المحامى الخاص بالعائلة والذى قام بدوره بمخاطبة دار سوثبى البريطانية التى أعلنت عن إجراء المزاد؛ ليغلق الملف علي سؤال مفاده: من سرق أرشيف نجيب محفوظ؟ 10- موقف ثقافي متخاذل.. في رأي البعض! وسط الاحتفالية بمئوية نجيب محفوظ، ووسط حالة العنف ونار الاعتصامات والتظاهرات التي عاشها الشارع المصري خلال الفترات الأخيرة من العام 2011، خرج عدد من الكتاب والإعلاميين والمثقفين والسياسيين ببيان يطالبون فيه بوقف المظاهرات الفئوية والاحتجاجات والمعارك الكلامية الفضائية، ثلاثة أشهر من أجل مصر نترك فيها الفرصة للوزارة الجديدة. وقال الموقعون على البيان - حينها - إننا ككتاب وصحفيين ومثقفين وإعلاميين وسياسيين، نناشد جمع القوى السياسية الكبيرة والشابة، إسلامية وغير إسلامية، ليبرالية ويسارية، فى أنحاء مدن وقرى وميادين الجمهورية، أن نتجرد من أيديولوجياتنا ومصالحنا الحزبية والشخصية، وأن نمنح مصر الكنانة أم الدنيا وشعبها الطيب فترة هدنة تلتقط فيها أنفاسها. 11- حريق المجمع العلمي.. حريق لمصر حدث مروع هز مشاعر المثقفين الغيورين، تبدي في مشهد النيران التي التهمت المجمع العلمي المصري، مؤخرًا. وهو المشهد الذي أدانه جمهور المثقفين وأساتذة التاريخ؛ إذ يعتبر ذاك المجمع من أقدم المؤسسات العلمية فى العالم كله، حيث أنشئ عام 1798، أى منذ أكثر من مائتى سنة على أكتاف علماء الحملة الفرنسية التى قادها نابليون بونابرت. وكان للمجمع المصرى أربع شعب هى الرياضيات، والفيزياء، والطب، والزراعة، والتاريخ، وفى عام 1918 أصبح مهتماً بالآداب والفنون الجميلة وعلم الآثار، والعلوم الفلسفية.. وبالمجمع مكتبة تضم نحو أربعين ألف كتاب من أمهات الكتب؛ أهمها على الإطلاق كتاب وصف مصر، وله مجلة سنوية ومطبوعات خاصة. وكانت النيران قد اشتعلت بمبنى المجمع على إثر أحداث مجلس الوزراء، مما يهدد بإحراق أهم ما يحتويه المجمع. ووصف عدد من المثقفين حريق المجمع بأنه عملية قذرة، وطالبوا بإعدام وحرق من قام بذلك العمل، لأنها مصيبة كبيرة.. واضعين اللوم على الحكومة السابقة والحالية والمجلس العسكرى؛ لأنهم تهاونوا مع هؤلاء الصعاليك.