تضيف الأزمة المالية في مصر إلى الضغوط التي يمارسها محتجون وساسة على المجلس العسكري الحاكم لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية قبل منتصف 2012 وهو الموعد الذي حدده الجيش للعودة إلى ثكناته. وارتفعت ديون مصر لتبلغ حاليا 85 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وتفاقم عجز الميزانية وهوت احتياطيات النقد الأجنبي إلى مستوى ربما سيكفي في يناير/كانون الثاني لتغطية واردات البلاد لشهرين فقط وهي عوامل تشكل في مجموعها الوصفة المثالية لأزمة مالية. وهذه مجموعة من العوامل القابلة للانفجار أمام أي حكومة وربما تشجع الجيش على السعي لأن ينأى بنفسه عن مشاكل مصر الاقتصادية ويعطي الحكومة الجديدة مزيدا من السلطات قبل أن يكتوي بنيران أزمة مالية. وفي الوقت الحاضر لا يزال الجيش مصرا على الاحتفاظ بصلاحيات واسعة لحين إجراء الانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران المقبل لكن الضغوط لانتقال سلس للسلطة بدأت تتزايد خلال احتجاجات الشهر الماضي على الحكم العسكري وأيدها ساسة يطالبون بمزيد من الصلاحيات بعد الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية. وربما تكون المشاكل الاقتصادية التي تمر بها مصر القشة التي تقصم حكم المجلس العسكري. وقال رضا أغا كبير الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى رويال بنك أوف سكوتلند "التقلبات الاقتصادية التي نراها...تشكل مزيدا من الضغوط على المجلس العسكري ليعمل بطريقة تهدئ هذه التوترات ... حتى إذا لم يدرك الشارع ذلك جيدا فإن الحكومة تدركه جيدا". وهبط الجنيه المصري في الأيام الماضية لأدنى مستوى في نحو سبع سنوات أمام الدولار وارتفعت تكلفة اقتراض الحكومة لأعلى مستوياتها في ثلاثة أعوام وخفضت وكالة ستاندرد آند بورز تصنيفها لمصر قائلة إن "الوضع السياسي والاقتصادي الضعيف" يزداد سوءا. ويحدث ذلك كله في ظل فراغ سياسي. وتحولت احتجاجات في الشوارع مطالبة بإنهاء الحكم العسكري إلى أعمال عنف الشهر الماضي مما أسفر عن مقتل 42 شخصا. ومن بين التنازلات التي قدمها المجلس العسكري قبوله استقالة الحكومة إلا أن هذه الخطوة لم تكن كافية لاقناع المتظاهرين بفض اعتصامهم في ميدان التحرير. ولم يعلن بعد رئيس الوزراء المكلف كمال الجنزوري تشكيل الحكومة الجديدة مقرا بصعوبة مهمته نظرا للتحديات. وستشهد وزارة المالية في ظل مجلس الوزراء الجديد ثالث تغيير وزاري منذ الإطاحة بحسني مبارك في فبراير/شباط. وشكا وزير سابق من التدخل في سياسة وزارته. وحينما رفضت مصر الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي في الصيف قال الوزير إن ذلك يرجع جزئيا إلى قلق المجلس العسكري من تراكم الديون. وقال اللواء محمود نصر رئيس هيئة الشؤون المالية للقوات المسلحة إن من الأفضل عدم الاقتراض من الخارج حيث ترتبط القروض بقيود تقوض السيادة الوطنية. وتضيف انتخابات برلمانية جرت جولتها الأولى .. أيضا إلى عوامل عدم اليقين حيث يتوقع الإسلاميون أن يحققوا نجاحا مما يثير مخاوف بعض المستثمرين الغربيين. وقال الإخوان المسلمون إن الحكومة القادمة ينبغي أن يشكلها الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية وربما يشيرون إلى حكومة أخرى بعد أشهر أو حتى أسابيع. وقال أغا "ليس من المعروف بعد إن كان (المجلس العسكري) سيستطيع البقاء حتى انتهاء هذه الانتخابات. إذا استمرت التوترات في التصاعد أعتقد أنه سيكون من الصعب جدا بقاء الجيش حتى أوائل مارس". ويمكن أن تؤدي التداعيات الاقتصادية إلى زيادة حدة الجدل السياسي حيث يلقي الساسة والعسكريون باللوم على بعضهم البعض. وفي غضون ذلك تحتاج مصر إلى حل سريع. ويقول خبراء اقتصاديون إن عجز الميزانية لا يمكن تحمله بدون تغيير في السياسات. وقال الجيش الخميس إن العجز قد يرتفع من 8.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 11 في المئة بحلول يوني/ حزيران 2012 وهو ما يتمشى مع ما قاله خبراء لأشهر. وقال سيمون وليامز الخبير الاقتصادي لدى إتش.إس.بي.سي "لا يزال هناك طريق طويل أمام العملية السياسية حتى تكتمل إدارتها وسيظل تمويل العجز الكبير والمتزايد في الميزانية تحديا رئيسيا". وحتى قبل الثورة كان لدى الحكومة مشكلات في توصيل السلع الاستهلاكية المدعمة إلى مستحقيها من الفقراء. ويقول الجيش الآن إنه قد يحتاج لمراجعة هذا الدعم الحساس. وقال اللواء نصر إن هناك حلولا عديدة للتعامل مع العجز ومن بينها إعادة النظر في الدعم وبصفة خاصة دعم البنزين. رووعدت دول الخليج بتقديم مساعدات كبيرة لمصر وقدمت قطر والسعودية بالفعل مليار دولار لدعم الميزانية. ويقول خبراء اقتصاديون إن البنوك المصرية وصلت إلى أقصى حد ممكن في إقراض الحكومة مما اضطر الحكومة لدفع عائدات مرتفعة. وارتفع متوسط العائد في الثلاثة أشهر السابقة على أذون خزانة لأجل 91 يوما بما يزيد عن 2.25 نقطة مئوية إلى 14.25 في المئة. وقال يوسف كامل محلل استثمارات الدخل الثابت لدى رسملة "عندما ترتفع أسعار الفائدة فهذا يعني أنهم في حاجة إلى مزيد من الاقتراض وهذا بدروه يدفع الفائدة للصعود". وأظهرت حسابات أن الحكومة تحتاج لجمع عشرة مليارات جنيه شهريا بجانب الديون التي تحتاج لتمديد آجال استحقاقها. ويمكن أن يؤدي إبرام صفقة قرض مع صندوق النقد الدولي إلى طمأنة المستثمرين الذي يفضلون السير على خطى الصندوق. وقال وزير المالية المستقيل حازم الببلاوي إن الحكومة تعود الآن مجددا إلى صندوق النقد بصفقة متوقعة مماثلة للقرض الذي ألغته الحكومة في وقت سابق ويبلغ 3.2 مليار دولار. لكن إبرام هذه الصفقة قد يصبح مثار شك في ظل التغيير الوزاري. ورغم ذلك فإن الجنزوري الذي تولى رئاسة الحكومة في عهد مبارك في سنوات التسعينات تمكن من تحسين العلاقات مع صندوق النقد والبنك الدوليين مما يتيح له الاستفادة من ذلك. وقال كامل "سيؤثر قرض صندوق النقد الدولي بالقطع في تمويل العجز لكن التأثير كان سيكون أكبر إذا كانت الصفقة أبرمت منذ ثلاثة أشهر". مضيفا أن ذلك يمكن أن يخفف الضغوط على أسعار الفائدة. وقد يكون خفض قيمة الجنيه حلا سريعا يساعد على جعل مصر أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب في أذون الخزانة حيث ينتظر كثير منهم أن يصبح سعر صرف الجنيه قريبا من قيمته السوقية قبل أن يعودوا إلى السوق. لكن ذلك يمكن أن يدفع التضخم للصعود بعد أن انخفض في الأشهر الأخيرة إلى خانة الآحاد بعد سنوات من الارتفاع الكبير. وكان ارتفاع الأسعار من بين شكاوى المحتجين ضد مبارك وربما لا يكون الجيش راغبا في أن يوصم بخفض قيمة الجنيه. وفي الوقت نفسه فإن قدرة الحكومة محدودة في الدفاع عن قيمة عملتها التي تراجعت نحو خمسة في المئة أمام الدولار منذ يناير/كانون الثاني. وانخفضت احتياطيات النقد الأجنبي 16 مليار دولار إلى 20 مليار دولار في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني وقال اللواء نصر إن الاحتياطيات يمكن أن تهبط إلى 15 مليار دولار بنهاية يناير/كانون الثاني وهذا سيكون كافيا لتغطية الواردات لشهرين حيث سيكون متاحا عشرة مليارات دولار فقط بينما سيوجه الباقي لسداد التزامات أخرى.