موعد إعلان نتيجة تنسيق القبول بكليات جامعة الأزهر 2025    وزير الصناعة: مصر أصبحت قادرة على إنتاج 2500 أتوبيس سنويًا    أسعار الخضراوات والفاكهة بداية اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025    "السويداء" صداع فى رأس النظام السورى.. خارطة طريق لحل الأزمة بدعم أمريكي سعودي تركي أردني واللجنة القانونية ترفض خارطة طريق الحكومة    ملك إسبانيا يؤكد من القاهرة: أزمة غزة الإنسانية لا تحتمل    تفاصيل تحرك قافلة المساعدات الإنسانية ال 39 من مصر باتجاه قطاع غزة    حالة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A: تحاليل وفحوصات ومتابعة من طبيب الأهلي    طقس اليوم الأربعاء فيه تحسن ملحوظ والأجواء معتدلة    ضبط عناصر بؤر إجرامية من جالبى ومتجرى المواد المخدرة والأسلحة النارية غير المرخصة وبحوزتهم أكثر من طن من المواد المخدرة تقدر قيمتها ب137 مليون جنيه    مهرجان الجونة يكشف عن برنامج مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة بالدورة الثامنة (صور)    في غياب رونالدو، تشكيل النصر المتوقع أمام الاستقلال بدوري أبطال آسيا 2    تراجع أسعار النفط قبل ساعات من قرار الفيدرالي الأمريكي بشأن سعر الفائدة    كامل الوزير يتابع حركة نقل الركاب بالسكك الحديدية    سؤال برلماني حول الربط بين المصروفات الدراسية واستلام الكتب    حائزة على جولن جلوب ونجمة Dynasty، وفاة الممثلة الأمريكية باتريشيا كراولي عن 91 عامًا    اليوم العالمي لسلامة المرضى، الصحة العالمية: وفاة 800 ألف طفل قبل بلوغهم الخامسة سنويا    تقرير: اليابان لا تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الوقت الحالي    أسعار السمك اليوم الاربعاء 17-9-2025 في محافظة الشرقية    أسعار اللحوم اليوم الاربعاء 17-9-2025 فى محافظة الشرقية    موعد صرف معاشات أكتوبر 2025 وطرق الاستعلام عن المعاش إلكترونيًا    3 شهداء في قصف إسرائيلي على منزل وسط قطاع غزة    تعليم القاهرة تعلن مواعيد العام الدراسي الجديد 2025-2026 من رياض الأطفال حتى الثانوي    جوتيريش: ما يحدث في غزة مدمّر ومروع ولا يمكن التساهل معه    منال الصيفي تحيي الذكرى الثانية لوفاة زوجها أشرف مصيلحي بكلمات مؤثرة (صور)    وزير الدفاع السعودي ولاريجاني يبحثان تحقيق الأمن والاستقرار    الصورة الأولى للشاب ضحية صديقه حرقا بالشرقية    أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 17-9-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    الخارجية التركية ترحب بخارطة الطريق لحل أزمة محافظة السويداء السورية    السيطرة على حريق هائل نشب بمطعم الشيف حسن بمدينة أبوحمص بالبحيرة    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في حادث تصادم موتوسيكل وسيارة نقل بمركز بدر بالبحيرة    محافظ جنوب سيناء يشيد بإطلاق مبادرة «صحح مفاهيمك»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 17-9-2025 في محافظة قنا    رئيس جامعة المنيا يشارك في اجتماع «الجامعات الأهلية» لبحث استعدادات الدراسة    التعليم تكشف حقيقة إجبار الطلاب على «البكالوريا» بديل الثانوية العامة 2025    مبابي: مباراة مارسيليا تعقدت بعد الطرد.. ولا أفكر في أن أكون قائدا لريال مدريد    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    بالصور- مشاجرة وكلام جارح بين شباب وفتيات برنامج قسمة ونصيب    "يانجو بلاي" تكشف موعد عرض فيلم "السيستم".. صورة    سارة سلامة بفستان قصير وهيدي كرم جريئة .. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    أمين عمر حكما لمواجهة الإسماعيلي والزمالك    «دروس نبوية في عصر التحديات».. ندوة لمجلة الأزهر بدار الكتب    حرق من الدرجة الثانية.. إصابة شاب بصعق كهربائي في أبو صوير بالإسماعيلية    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    بسبب زيزو وإمام عاشور.. ميدو يفتح النار على طبيب الأهلي.. وينتقد تصريحات النحاس    انخفاض بدرجات الحرارة، الأرصاد تعلن طقس اليوم    أبرزها الإسماعيلي والزمالك، حكام مباريات الخميس بالجولة السابعة من الدوري المصري    4 أيام عطلة في سبتمبر.. موعد الإجازة الرسمية المقبلة للقطاع العام والخاص (تفاصيل)    قبول الآخر.. معركة الإنسان التي لم ينتصر فيها بعد!    على باب الوزير    يوفنتوس ينتزع تعادلًا دراماتيكيًا من دورتموند في ليلة الأهداف الثمانية بدوري الأبطال    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    مي عز الدين تهنئ محمد إمام بعيد ميلاده: «خفة دم الكون»    قافلة طبية مجانية بقرية الروضة بالفيوم تكشف على 300 طفل وتُجري37 عملية    حتى لا تعتمد على الأدوية.. أطعمة فعالة لعلاج التهاب المرارة    يؤثر على النمو والسر في النظام الغذائي.. أسباب ارتفاع ضغط الدم عن الأطفال    ليست كلها سيئة.. تفاعلات تحدث للجسم عند شرب الشاي بعد تناول الطعام    فيديو - أمين الفتوى يوضح حالات سجود السهو ومتى تجب إعادة الصلاة    أمين الفتوى يوضح الجدل القائم حول حكم طهارة الكلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"فتاة سهلة" فيلم فرنسي عن علاقة معقدة بين صديقتين
نشر في صوت البلد يوم 15 - 10 - 2020

يروي الفيلم الفرنسي "فتاة سهلة" (fille facile)، الذي بدأ عرضه مؤخراً عبر شبكة نتفليكس، حكاية تبدو بسيطة جداً، لكنها ممتلئة بالتفاصيل، وغنية بوجهات النظر، بحيث تتحول إلى حكاية مُعقدة؛ عن فتاتين تختار كل منهما طريقها المخالف لطريق الأخرى في الحياة، بناء على مغامرة عفوية تخوضانها ذات صيف، ونشهد عليها معهما في الفيلم.
حاز الفيلم جائزة برنامج نصف شهر المخرجين من مهرجان "كان" عام 2019. وهو من إخراج ريبيكا زلوتوفسكي، التي كتبت له أيضاً السيناريو بالتعاون مع تيدي لوسي موديست.
تستعيد البطلة "نايما"- تلعب دورها مينا فريد- الأحداث التي وقعت لها ذات صيف بينما كانت تستعد لبداية أول خطواتها العملية، استعادة تجعلنا مَشاهد الفيلم نعيشها مثل حلم، على صوتها، وهي تروي المعلومات الضرورية عنها، كالسياق العام لحياتها، وظروفها الشخصية، لكن من غير أن تحدد ما هي اللحظة التي تروي فيها هذه الحكاية الآن. في يونيو(تموز)، كانت نايما مراهقة لم تحتفل بعد بعيد ميلاها السادس عشر، تعيش مع والدتها العاملة في فندق بمدينة "كان" بجنوب فرنسا، أنهت للتو دراستها. والمفترض بعد أن تمر العطلة، أن تبدأ تدربها كطاهية في الفندق نفسه الذي تعمل فيه الأم، لكنها مازالت مترددة أو غير متحمسة. لديها صديق مثلي مقرب، هو "دودو"- يلعب دوره لخضر دريدي- يُطالبها بمرافقته معظم الوقت وبأداء دور معه في العرض الذي ينوي تقديمه كي يصبح ممثلاً. لكنّ إن نايما مرتبطة بمحيطها، لديها مسؤوليات معنوية تجاه الأم وتجاه الصديق، وليست مشغولة بالبحث عما تريده فعلاً. في هذه الأثناء، تصل "صوفيا" ابنة عمها- تلعب دورها زاهية دِهار- وتبدو للوهلة الأولى نقيضاً لشخصية نايما. توفيت والدتها منذ وقت قريب، وبالتالي لا واجبات عليها تجاه أحد، زارت مراراً عيادات التجميل، على الرغم من أنها مازالت في أوائل العشرينيات من العمر، تعرف كيف تفتن الآخرين بجسدها، حين تتعرى تماماً لتنزل إلى البحر، وحين تمشي حافية على الرمال، وتتحدث بفلسفة حول أي موضوع. إنها لا تعمل ولا تخطط لذلك، أو أن عملها ينحصر في أن تلعب دور المرأة الجذابة اللا مبالية بالعواطف وبأحكام الآخرين، وهو عمل يتطلب تركيزاً خرافياً على عكس ما نظن، في الاعتناء بالجسد، كي يكون جميلاً على الدوام. باختصار إذا كانت نايما ملتزمة، فإن صوفيا حرة إلى درجة العبث.
الفقر والثراء
تنشأ بين الفتاتين رابطة نفسية عميقة، تضع نايما يدها على ذراع صوفيا، وتقول لها: أنا أعرف أنك حزينة على والدتك. ولا تصدق كلماتها، حين تُعبّر الأخرى بغرور: لا أهتم! تلازمها نايما كظلها، على الرغم من الإهانة التي تتعرض لها، حين يضايقهما شابان يسيران على شاطئ البحر، تغويهما صوفيا بلا سبب. وعلى الرغم من أنها لا تفهم تماماً لماذا تتصرف ابنة عمها بهذه الطريقة، فإن نايما لا تصطدم بها، ولا تحكم عليها، وشيئاً فشيئاً، تبتعد عن صديقها الغيور دودو لتبقى في صحبة صوفيا معظم الوقت.
حين يصل إلى الميناء يخت الشاب الثري "آندريه"- يلعب دوره نيونو لوبس- تأخذ الأحداث مجرى آخر، أو ربما تسير في مجراها الحقيقي. فصوفيا تبادر، وترسل نظراتها إلى الشاب الذي ينجذب إليها على الفور، وهي تغني كنوع من تمضية الوقت في الملهى الليلي. يستعرض آندريه نمط حياته أمام المارة الأقل حظاً منه، يريدهم أن يروه وهو يجلس على حافة اليخت، يعزف ويغني ويطلب العشاء. إنه يؤمن بأهمية الثنائيات، في حديثه مع مدير أعماله فيليب- يلعب دوره بينوا ماجيميل- يقول إنه من المفيد للفقير أن يعرف عن وجود الثراء لأن هذا يجعله أكثر قدرة على احتمال فقره، ولا يمكن للثري أن يعرف معنى الثراء ما لم يجرب حالة الفقر. أما الجمال، فهو لا يسعى لاستهلاكه، بحسب وصفه إنه محض هاو له. (الهواية) هي الكلمة التي تسمح لنا بالتنبؤ بشكل علاقته المقبلة بصوفيا.
لا يذهب الفيلم إلى مساءلة أفعال صوفيا من الناحية الأخلاقية التقليدية. كل شيء في "فتاة سهلة" محاط بطبقة فنية رقيقة. المشاهد الطبيعية الجميلة لمدينة "كان"، التي تبدو كقطعة من الجنة. الفخامة والوفرة على متن اليخت، والخدم الذين يتحركون تلبية للطلبات، في صمت وخفة الملائكة. وموسيقى فرانز شوبيرت البديعة التي تزين شريط الصوت- يعزفها للفيلم دومينيك شوفاليه- والعنصر الأخير تحديداً، يتكفل كلما نسينا بتذكيرنا أننا لسنا هنا، للحكم على صوفيا، بل لأننا مثل الجميع نريد أن نستمتع.
تسمح صوفيا لنايما بأن ترافقها في هذه الرحلة، فتقتسم معها طوال هذه الأجازة عيشة آندريه الرحّال. آندريه من جانبه، يترك نفسه ليعيش هذه المغامرة مع صوفيا على أنها مغامرة. وتتجرأ نايما أكثر فتتلصص عليهما حين يمارسان الحب، لتراها صوفيا ولا تبعدها كأنما لتعرفها ماذا تعني الحرية من وجهة نظرها.
على متن هذا القارب، تكتشف نايما أن إيطاليا قريبة من مدينتها، وتتعرف أكثر على فيليب، الذي تُهدي ربيكا مخرجة "فتاة سهلة" فيلمها إلى ذكراه. يراقبها فيليب من بعيد، وهي تراقب هذا العالم، يتدخل من آنٍ إلى آخر، كي يقول لها إنها جميلة. الاعتقاد الذي يصعب على نايما تصديقه، هي التي لا تهتم كثيراً بهيئتها، وهناك شيء طفولي لا يُفارق نظراتها، وترى تأثير جمال صوفيا الخلاب على رجل مثل آندريه.
الحرية تستلزم العمل
في بيت إحدى صديقات آندريه، في إيطاليا، تتعرض الشخصية التي تنسجها صوفيا بحرص لاختبار. حين تقول بطريقة متباهية إن صوت البواخر البعيدة يُذكّرها بروايات مارغريت دوراس، تلتقط السيدة المُضيفة منها الخيط، وتسألها عمّا قرأته لدوراس، فتراوغ صوفيا، ما يخيفنا أن كذبتها قد أوشكت على الانكشاف، قبل أن تستأنف صوفيا سعيها وتُجيب عن السؤال بطريقة تُدهش الحضور، وتُظهر مرة أخرى أنها ليست تافهة كما قد نظن. لكن إلى متى يمكن لعلاقة صوفيا وآندريه أن تستمر وتحت أي شروط؟
من الحلم إلى الحقيقة
في حركة تجرح الرقة في الفيلم، يتمرد أحد أفراد الخدم، ويَعمد إلى إظهار ازدرائه للضيوف، تعتذر نايما كثيراً عن خطأ ارتكبته من دون قصد. وهنا يظهر فيليب محاولاً أن يعيد الشاب إلى صوابه، أو على الأقل إلى التهذيب الذي ينبغي أن يتحلى به، ولو كذباً أمام أسياده. لكن في هذه الحركة أيضاً، نعود من الحلم إلى العالم الحقيقي، نرتدّ إلى صلات رسمتها الفروق الطبقية، أو بالأدق، رسمها مَنْ يستفيدون من هذه الفروق. يتحدث فيليب عن فكرة "القيمة"، ويقول لنايما: إنكِ تتحلين بالقيمة في نفسكِ. مُعيداً بذلك شيئاً من الاتزان إلى المشهد، وبالأخص إلى نايما، وهي مضطرة إلى الافتراق عن صوفيا، فقط لتواصل، أو ربما تبدأ طريقها.
"فتاة سهلة" فيلم يبدو سهلاً، لكنه ليس كذلك بأي حال، وهو عمل متميز على مستوى السيناريو المنسوج بذكاء بعيداً من المباشرة، وعلى مستوى التمثيل الذي يبدو طبيعياً إلى أقصى حد. فيلم يحتفي بالحسيّة، التي أوقعنا الفن في هواها وجعلنا أكثر حساسية تجاهها، كما يحتفي بالسينما نفسها، ويقدم تحية لنجمات الإغواء من كل زمن، أليس الإغواء اختياراً في النهاية؟
يروي الفيلم الفرنسي "فتاة سهلة" (fille facile)، الذي بدأ عرضه مؤخراً عبر شبكة نتفليكس، حكاية تبدو بسيطة جداً، لكنها ممتلئة بالتفاصيل، وغنية بوجهات النظر، بحيث تتحول إلى حكاية مُعقدة؛ عن فتاتين تختار كل منهما طريقها المخالف لطريق الأخرى في الحياة، بناء على مغامرة عفوية تخوضانها ذات صيف، ونشهد عليها معهما في الفيلم.
حاز الفيلم جائزة برنامج نصف شهر المخرجين من مهرجان "كان" عام 2019. وهو من إخراج ريبيكا زلوتوفسكي، التي كتبت له أيضاً السيناريو بالتعاون مع تيدي لوسي موديست.
تستعيد البطلة "نايما"- تلعب دورها مينا فريد- الأحداث التي وقعت لها ذات صيف بينما كانت تستعد لبداية أول خطواتها العملية، استعادة تجعلنا مَشاهد الفيلم نعيشها مثل حلم، على صوتها، وهي تروي المعلومات الضرورية عنها، كالسياق العام لحياتها، وظروفها الشخصية، لكن من غير أن تحدد ما هي اللحظة التي تروي فيها هذه الحكاية الآن. في يونيو(تموز)، كانت نايما مراهقة لم تحتفل بعد بعيد ميلاها السادس عشر، تعيش مع والدتها العاملة في فندق بمدينة "كان" بجنوب فرنسا، أنهت للتو دراستها. والمفترض بعد أن تمر العطلة، أن تبدأ تدربها كطاهية في الفندق نفسه الذي تعمل فيه الأم، لكنها مازالت مترددة أو غير متحمسة. لديها صديق مثلي مقرب، هو "دودو"- يلعب دوره لخضر دريدي- يُطالبها بمرافقته معظم الوقت وبأداء دور معه في العرض الذي ينوي تقديمه كي يصبح ممثلاً. لكنّ إن نايما مرتبطة بمحيطها، لديها مسؤوليات معنوية تجاه الأم وتجاه الصديق، وليست مشغولة بالبحث عما تريده فعلاً. في هذه الأثناء، تصل "صوفيا" ابنة عمها- تلعب دورها زاهية دِهار- وتبدو للوهلة الأولى نقيضاً لشخصية نايما. توفيت والدتها منذ وقت قريب، وبالتالي لا واجبات عليها تجاه أحد، زارت مراراً عيادات التجميل، على الرغم من أنها مازالت في أوائل العشرينيات من العمر، تعرف كيف تفتن الآخرين بجسدها، حين تتعرى تماماً لتنزل إلى البحر، وحين تمشي حافية على الرمال، وتتحدث بفلسفة حول أي موضوع. إنها لا تعمل ولا تخطط لذلك، أو أن عملها ينحصر في أن تلعب دور المرأة الجذابة اللا مبالية بالعواطف وبأحكام الآخرين، وهو عمل يتطلب تركيزاً خرافياً على عكس ما نظن، في الاعتناء بالجسد، كي يكون جميلاً على الدوام. باختصار إذا كانت نايما ملتزمة، فإن صوفيا حرة إلى درجة العبث.
الفقر والثراء
تنشأ بين الفتاتين رابطة نفسية عميقة، تضع نايما يدها على ذراع صوفيا، وتقول لها: أنا أعرف أنك حزينة على والدتك. ولا تصدق كلماتها، حين تُعبّر الأخرى بغرور: لا أهتم! تلازمها نايما كظلها، على الرغم من الإهانة التي تتعرض لها، حين يضايقهما شابان يسيران على شاطئ البحر، تغويهما صوفيا بلا سبب. وعلى الرغم من أنها لا تفهم تماماً لماذا تتصرف ابنة عمها بهذه الطريقة، فإن نايما لا تصطدم بها، ولا تحكم عليها، وشيئاً فشيئاً، تبتعد عن صديقها الغيور دودو لتبقى في صحبة صوفيا معظم الوقت.
حين يصل إلى الميناء يخت الشاب الثري "آندريه"- يلعب دوره نيونو لوبس- تأخذ الأحداث مجرى آخر، أو ربما تسير في مجراها الحقيقي. فصوفيا تبادر، وترسل نظراتها إلى الشاب الذي ينجذب إليها على الفور، وهي تغني كنوع من تمضية الوقت في الملهى الليلي. يستعرض آندريه نمط حياته أمام المارة الأقل حظاً منه، يريدهم أن يروه وهو يجلس على حافة اليخت، يعزف ويغني ويطلب العشاء. إنه يؤمن بأهمية الثنائيات، في حديثه مع مدير أعماله فيليب- يلعب دوره بينوا ماجيميل- يقول إنه من المفيد للفقير أن يعرف عن وجود الثراء لأن هذا يجعله أكثر قدرة على احتمال فقره، ولا يمكن للثري أن يعرف معنى الثراء ما لم يجرب حالة الفقر. أما الجمال، فهو لا يسعى لاستهلاكه، بحسب وصفه إنه محض هاو له. (الهواية) هي الكلمة التي تسمح لنا بالتنبؤ بشكل علاقته المقبلة بصوفيا.
لا يذهب الفيلم إلى مساءلة أفعال صوفيا من الناحية الأخلاقية التقليدية. كل شيء في "فتاة سهلة" محاط بطبقة فنية رقيقة. المشاهد الطبيعية الجميلة لمدينة "كان"، التي تبدو كقطعة من الجنة. الفخامة والوفرة على متن اليخت، والخدم الذين يتحركون تلبية للطلبات، في صمت وخفة الملائكة. وموسيقى فرانز شوبيرت البديعة التي تزين شريط الصوت- يعزفها للفيلم دومينيك شوفاليه- والعنصر الأخير تحديداً، يتكفل كلما نسينا بتذكيرنا أننا لسنا هنا، للحكم على صوفيا، بل لأننا مثل الجميع نريد أن نستمتع.
تسمح صوفيا لنايما بأن ترافقها في هذه الرحلة، فتقتسم معها طوال هذه الأجازة عيشة آندريه الرحّال. آندريه من جانبه، يترك نفسه ليعيش هذه المغامرة مع صوفيا على أنها مغامرة. وتتجرأ نايما أكثر فتتلصص عليهما حين يمارسان الحب، لتراها صوفيا ولا تبعدها كأنما لتعرفها ماذا تعني الحرية من وجهة نظرها.
على متن هذا القارب، تكتشف نايما أن إيطاليا قريبة من مدينتها، وتتعرف أكثر على فيليب، الذي تُهدي ربيكا مخرجة "فتاة سهلة" فيلمها إلى ذكراه. يراقبها فيليب من بعيد، وهي تراقب هذا العالم، يتدخل من آنٍ إلى آخر، كي يقول لها إنها جميلة. الاعتقاد الذي يصعب على نايما تصديقه، هي التي لا تهتم كثيراً بهيئتها، وهناك شيء طفولي لا يُفارق نظراتها، وترى تأثير جمال صوفيا الخلاب على رجل مثل آندريه.
الحرية تستلزم العمل
في بيت إحدى صديقات آندريه، في إيطاليا، تتعرض الشخصية التي تنسجها صوفيا بحرص لاختبار. حين تقول بطريقة متباهية إن صوت البواخر البعيدة يُذكّرها بروايات مارغريت دوراس، تلتقط السيدة المُضيفة منها الخيط، وتسألها عمّا قرأته لدوراس، فتراوغ صوفيا، ما يخيفنا أن كذبتها قد أوشكت على الانكشاف، قبل أن تستأنف صوفيا سعيها وتُجيب عن السؤال بطريقة تُدهش الحضور، وتُظهر مرة أخرى أنها ليست تافهة كما قد نظن. لكن إلى متى يمكن لعلاقة صوفيا وآندريه أن تستمر وتحت أي شروط؟
من الحلم إلى الحقيقة
في حركة تجرح الرقة في الفيلم، يتمرد أحد أفراد الخدم، ويَعمد إلى إظهار ازدرائه للضيوف، تعتذر نايما كثيراً عن خطأ ارتكبته من دون قصد. وهنا يظهر فيليب محاولاً أن يعيد الشاب إلى صوابه، أو على الأقل إلى التهذيب الذي ينبغي أن يتحلى به، ولو كذباً أمام أسياده. لكن في هذه الحركة أيضاً، نعود من الحلم إلى العالم الحقيقي، نرتدّ إلى صلات رسمتها الفروق الطبقية، أو بالأدق، رسمها مَنْ يستفيدون من هذه الفروق. يتحدث فيليب عن فكرة "القيمة"، ويقول لنايما: إنكِ تتحلين بالقيمة في نفسكِ. مُعيداً بذلك شيئاً من الاتزان إلى المشهد، وبالأخص إلى نايما، وهي مضطرة إلى الافتراق عن صوفيا، فقط لتواصل، أو ربما تبدأ طريقها.
"فتاة سهلة" فيلم يبدو سهلاً، لكنه ليس كذلك بأي حال، وهو عمل متميز على مستوى السيناريو المنسوج بذكاء بعيداً من المباشرة، وعلى مستوى التمثيل الذي يبدو طبيعياً إلى أقصى حد. فيلم يحتفي بالحسيّة، التي أوقعنا الفن في هواها وجعلنا أكثر حساسية تجاهها، كما يحتفي بالسينما نفسها، ويقدم تحية لنجمات الإغواء من كل زمن، أليس الإغواء اختياراً في النهاية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.