محافظ مطروح يبحث مع وزير الإسكان استقرار مياه الشرب وتطوير مشروعات البنية التحتية    بعد بيانها الأخير.. ماذا يعني إعلان الأمم المتحدة المجاعة في غزة؟    الحرس الوطني الأمريكي يحشد قواته للانتشار في 19 ولاية    باكستان ترسل 100 طن من المساعدات الإنسانية إلى غزة    بعد خسارة السوبر السعودي.. عقدة رونالدو مستمرة مع النصر    النيابة تطلب تحريات غرق 6 فتيات وإصابة 24 أخريات بشاطئ أبو تلات في الإسكندرية    قصر ثقافة الأنفوشي يستضيف جولة جديدة لاكتشاف المواهب في «كورال وأوركسترا مصر الوطني» بقيادة سليم سحاب    جامعة كفر الشيخ تطلق قافلة طبية توعوية شاملة لقرية الرغامة    فحص 578 مواطنا ضمن قوافل طبية مجانية بالبحيرة    «هذا لا يقلقني».. تصريح مفاجئ من تشابي ألونسو عن برشلونة    الجندي يشدد على ضرورة تطوير أساليب إعداد وإخراج المحتوى العلمي لمجمع البحوث الإسلاميَّة    زلزال بقوة 6 درجات يضرب المحيط الهادئ قبالة سواحل السلفادور وجواتيمالا    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    صلاح عبد العاطي: إسرائيل تماطل في المفاوضات ومصر تكثف جهودها لوقف إطلاق النار    داعية: سيدنا النبي لم يكن عابسًا وكان مُتبَلِّجَ الوجه    الوفديون يتوافدون على ضريح سعد زغلول قبل احتفالية ذكرى رحيل زعماءه التاريخيين    توجيهات بالتنسيق مع إحدى الشركات لإقامة ملعب قانونى لكرة القدم بمركز شباب النصراب في أسوان    حالة الطقس في محافظة الفيوم غدا الأحد 24-8-2025    بحوث الصحراء.. دعم فني وإرشادي لمزارعي التجمعات الزراعية في سيناء    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    15 صورة.. البابا تواضروس يدشن كنيسة الشهيد مارمينا بفلمنج شرق الإسكندرية    إسماعيل يوسف مديرا لشؤون الكرة في الاتحاد الليبي    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    "عبد الغفار" يتابع استعدادات "المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية -3"    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    «عامل وفني ومدرس».. إتاحة 267 فرصة عمل بالقليوبية (تفاصيل)    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    منال عوض تناقش استعدادات استضافة مؤتمر الأطراف ال24 لحماية بيئة البحر الأبيض المتوسط من التلوث    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    الداخلية تكشف ملابسات اعتداء "سايس" على قائد دراجة نارية بالقاهرة    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    حملة مكبرة لإزالة إشغالات الباعة الجائلين والتعديات على الطريق بمدينة أبوتيج بأسيوط    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    "يونيسيف" تطالب إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها والسماح بدخول المساعدات بالكميات اللازمة لغزة    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ما حكاه الصوفي" رواية الأسطورة والحقيقة
نشر في صوت البلد يوم 26 - 06 - 2020

تنضم رواية "ما حكاه الصوفي"، إلى قائمة الروايات الهندية المعاصرة المترجمة إلى اللغة العربية، لتقف جنبا إلى جنب مع روايات أروندتي روي التي نالت جائزة البوكر عن رواية "رب الأشياء الصغيرة"، وأنيتا ديساي التي رشحت للبوكر ثلاث مرات، وابنتها كيران ديساي التي نالت البوكر عن روايتها "ميراث الخسارة"، ورواية "مثل ترنيمة قناع هندي لحياة دستويفسكى" للكاتب الهندى بيرومبادافام سرى دهاران، وغيرها قائمة طويلة من الروايات، التي مهما طالت سيظل ثمة قصور في معرفتنا لكتاب شبه القارة الهندية، ليس بسبب اتساعها الجغرافي وحسب، بل أيضا بسبب تعدد اللغات التي يكتب بها الكتاب، وتحتاج هذه اللغات المحلية أن يتم نقلها إلى اللغة الإنجليزية، ومنها إلى العربية.
تمتلك الرواية الهندية خلفية ثقافية واجتماعية شديدة التنوع والثراء والاختلاف أيضا عن ما يقدمه أي نوع آخر من الروايات العالمية، وهذا يرجع إلى المنابع الفكرية التي تنحدر منها الثقافة الهندية في تلاقح معتقدات دينية تجمع بين الإله والإنسان والطبيعة، فمن الممكن رؤية تأثير الديانة الهندوسية والبوذية، على قناعات الأبطال وسلوكهم، إلى جانب تأثير الديانتين الإسلامية والمسيحية، حيث ينعكس تأثيرهما بشكل واضح حين يحصل تماس مباشر مع قناعات أخرى، كما سنرى في الرواية.
يستطيع قارى رواية "ما حكاه الصوفي" (دار مسعى – لوتس عُمان ، الكويت ) أن يشم رائحة البخور وزيت جوز الهند تعبق مع خطوات السائرين نحو مقام "الولية"، بل وأن يرى "السيدهارت" الذين يعيشون لقرون وهم يعبرون البحار ويتنقلون من مكان لآخر، وأن يسمع الابتهال للأنهار المقدسة والبحار السبعة، وأن يحس بالأحداث التي تسير بتناغم مع حركة الكواكب، وأن لا يندهش من حضور الآلهة بهجافاتي مثل شبح غير مرئي يتحرك في البيت بدون توقف.
يمضي البطل السارد، وهو شاب هندوسي لطالما سافر بحثا عن أساطير وعادات وتقاليد الناس في الهند، نحو مقام الولية، وهناك يلتقي مع رجلٍ عجوزٍ،حكيم مؤرخ للكون يخمن أنه يمتلك معرفة مدهشة ومتفردة لذلك يجلس معه مستسلما لما سيحكيه. تبدأ الرواية بهذه الفقرة الكاشفة : " سئمنا نحن أبناء المنطقة الحقائق البحتة والعقلانية، لذلك حين سمعنا بظهور مقام على شاطئنا ابتهجنا جدا. إن كان ذلك خرافة فليكن ، تعلمنا منذ سنوات طويلة أن نؤمن بالحقائق القاسية فقط، فما الذي جنيناه؟ "
ينطلق السرد بشكل دائري ليبدأ مع الحكيم الصوفي، وينتهي معه وهو يحكي للبطل قصة مقام الولية ، حين أنجبت جدة قبيلة "ميليبو اللارا" سلالة من الرجال، وطفلة واحدة هي آمالو، التي بدورها أنجبت أيضا الذكور، وصارت القبيلة مهددة بالفناء إن لم تُرزق بطفلة ليستمر النسل، ثم تحصل المعجزة وتأتي ولادة الطفلة "كارتي" برعم أنثوي جديد ستطفو على التاريخ المجيد لقبيلة ميليبو اللارا. لكن في نفس يوم الولادة كان على شانكو مينون، سيد القبيلة وخال الطفلة، أن يتنبأ بطالعها، وكانت النبؤة واضحة، لكن لا حائل دون حدوثها. ويظل السؤال الذي يطرحه شانكو مينون : " هل سوف تُعاد كتابة أقدارنا؟"
الطفلة ترضع من أمها بنهم، وتكبر مع كل دقيقة تمر، والد الطفلة رحل بلا عودة منذ أن كانت آمالو حاملا، قال : " أنا ذاهب إلى الحج، لا تسألي عني." يهاجم القرية وباء يشبه الجدري،وفي أسابيع قليلة يكبر شانكو مينون عمدة القبيلة عشرات السنين، وكان كلما عاد من مراسم حرق جثة وجد في ردهة البيت جثة أخرى.
أما كارتي فإنها تكبر وتصبح رمزا للشباب والجمال، لها جسد نوراني، وشجاعة تجعلها قادرة على التعامل مع مرض الجدري ، مما يجعل الجميع يتعامل معها على أنها محمية من الآلهة بهجافاتي، حتى أنها حين يأتي جباة الضرائب المكلفين بجمع المال تجلس في غرفة الآلهة، يهاب الجباة رؤيتها ويمضون مبتعدين .. تتداخل العلاقة في الرواية بين السماوي والدنيوي، بين الإنسان والإله، لم يكن سهلا على كارتي هذا التمجيد الذي تُعامل به ، كانت تراه عقابا فقد آلمتها العزلة التي وضعوها فيها لأنها تحب الناس والطبيعة تصف كارتي نفسها بأن في قلبها حملا ثقيلا مثل الرصاص، تقول :" لابد أن يكون هذا هو الشعور الأبدي ذاته الذي تشعر به للآلهة التي تُعبد"
تحضر أيضا بقوة العلاقة مع الكون والطبيعة،في طريقة الوصف كأن يقول :" تفاعلت القوى الكونية المسيطرة جميعها فأمطرت على بيت ميليبواللارا شظايا مذنب متفجر. حملت نسائم الربيع المتراقصة الملايين من فيروسات الجدري. أليست المعجزة من عمل الشيطان والإله نفسه، "ثم ينتقل الراوي بسلاسة وخفة في السرد من حدث إلى آخر، كأن يُنهي فصل المرض الذي هاجم العائلة في الفصل التالي بجملة افتتاحية تقول : " انتهت الأوقات السيئة بشكل منظم، كما لو أن قوانين محبوكة جيدا تحكمها..اختفى الجدري من الحقول بعد أن قُضى عليه"
يكشف الكاتب عبر تفاصيل شتى العلاقة مع الاستعمار الإنكليزي وأثره على المجتمع الهندي بكل فئاته، كما نرى مثلا في موقف شانكو مينون حين يقرر التخلي عن منصبه لأنه يشعر بعدم القدرة على تحقيق العدالة،كما يتطرق إلى الحواجز الطبقية للفئات الإجتماعية في الهند.
تتخذ الأحداث منعطفا آخر حين تقع كارتي في حب ماموتي الشاب المسلم الذي يأتي لشراء محاصيل قبيلة ميليبو اللارا، تمضي معه إلى بلدته تاركة خلفها كل تاريخها كفتاة مصطفاة من الآلهة بهجافاتي. تمضي كارتي في عالمها الجديد، غارقة بالحب والخوف والغربة في مناظرة تاريخية جميلة حد الألم. وتأخذ كارتي اسما جديدا بعد أن اعتنقت الاسلام هو "سيتارا"
لكن الصراع بين المسلمين المتعصبين والهندوس لن يترك العاشقين في حالهما حين يشيد ماموتي معبدا في أرضه إرضاء لزوجته كارتي، مما أثار غضب الإمام المسلم أفارموسليار. لنقرأ : " حاولنا أن ننسى سبب الخلاف فقام الهندوس بزيارة بيوت المسلمين التي اعتادوا أن يأكلوا فيها حتى الشبع من وجبة البرياني التي تقدم لهم، وفي المقابل زار المسلمون بيوت الهندوس الذين اعتادوا التهام حلوى الباياسام معهم. إلا أن الغصة بقيت في قلوبنا، فلا يمكن استرجاع الدفء الذي انفلت مرة واحدة عندما تمزقت العلاقات وتنافرت. كيف يمكن للأصدقاء أن يصبحوا غرباء."
تُجسد فكرة "الولية" دلالة رمزية لكل المعتقدات الأزلية الراسخة في المجتمع الهندي،مع ما يكشف عن الخلافات الطائفية التي تتسبب في تشظي المجتمع وفرقته. ثم هناك التفاصيل الحياتية التي تدل على قناعات الأبطال، محرقة الجثث في ساحة البيت، قوى غامضة من العالم السماوي، الافتتان المثلي المغوي بالخطيئة بين ماموني وأمير، ثم الايمان والشغف بوجود الولية : " لقد كنا ضائعين في البحر وصلينا استعدادا للموت، فلم يكن ممكنا أن ينقذنا شيئ، ثم جاءت هذه الولية." تنتهي الرواية مع جملة للحكيم الصوفي تقول : "الإنسان ما زال يتعلم الخير، ودائما لديه الرغبة في أن يكون خيرا، هذه الرغبة تظهر من وقت لآخر على شكل ولية، وحين ننسى تظهر لنا ولية أخرى" .
الجدير بالذكر أن رواية "ما حكاه الصوفي" للكاتب الهندي: كي بي رامانوني وهو أستاذ جامعي في جامعة مالايالام، وقد أصدر أربع روايات حازت جميعها على جوائز. وقام بترجمة الرواية عن المالايالامية : ان جوبالاكريشناو آر إي آشر، وترجمتها عن الإنجليزية الكاتبة والمترجمة أزهار أحمد وهي كاتبة عمانية ، تكتب القصة القصيرة والرواية ولها مساهمات عديدة في أدب الطفل والنشئة ، وقام بالمراجعة: ويلابوراتو عبدالكبير.
تنضم رواية "ما حكاه الصوفي"، إلى قائمة الروايات الهندية المعاصرة المترجمة إلى اللغة العربية، لتقف جنبا إلى جنب مع روايات أروندتي روي التي نالت جائزة البوكر عن رواية "رب الأشياء الصغيرة"، وأنيتا ديساي التي رشحت للبوكر ثلاث مرات، وابنتها كيران ديساي التي نالت البوكر عن روايتها "ميراث الخسارة"، ورواية "مثل ترنيمة قناع هندي لحياة دستويفسكى" للكاتب الهندى بيرومبادافام سرى دهاران، وغيرها قائمة طويلة من الروايات، التي مهما طالت سيظل ثمة قصور في معرفتنا لكتاب شبه القارة الهندية، ليس بسبب اتساعها الجغرافي وحسب، بل أيضا بسبب تعدد اللغات التي يكتب بها الكتاب، وتحتاج هذه اللغات المحلية أن يتم نقلها إلى اللغة الإنجليزية، ومنها إلى العربية.
تمتلك الرواية الهندية خلفية ثقافية واجتماعية شديدة التنوع والثراء والاختلاف أيضا عن ما يقدمه أي نوع آخر من الروايات العالمية، وهذا يرجع إلى المنابع الفكرية التي تنحدر منها الثقافة الهندية في تلاقح معتقدات دينية تجمع بين الإله والإنسان والطبيعة، فمن الممكن رؤية تأثير الديانة الهندوسية والبوذية، على قناعات الأبطال وسلوكهم، إلى جانب تأثير الديانتين الإسلامية والمسيحية، حيث ينعكس تأثيرهما بشكل واضح حين يحصل تماس مباشر مع قناعات أخرى، كما سنرى في الرواية.
يستطيع قارى رواية "ما حكاه الصوفي" (دار مسعى – لوتس عُمان ، الكويت ) أن يشم رائحة البخور وزيت جوز الهند تعبق مع خطوات السائرين نحو مقام "الولية"، بل وأن يرى "السيدهارت" الذين يعيشون لقرون وهم يعبرون البحار ويتنقلون من مكان لآخر، وأن يسمع الابتهال للأنهار المقدسة والبحار السبعة، وأن يحس بالأحداث التي تسير بتناغم مع حركة الكواكب، وأن لا يندهش من حضور الآلهة بهجافاتي مثل شبح غير مرئي يتحرك في البيت بدون توقف.
يمضي البطل السارد، وهو شاب هندوسي لطالما سافر بحثا عن أساطير وعادات وتقاليد الناس في الهند، نحو مقام الولية، وهناك يلتقي مع رجلٍ عجوزٍ،حكيم مؤرخ للكون يخمن أنه يمتلك معرفة مدهشة ومتفردة لذلك يجلس معه مستسلما لما سيحكيه. تبدأ الرواية بهذه الفقرة الكاشفة : " سئمنا نحن أبناء المنطقة الحقائق البحتة والعقلانية، لذلك حين سمعنا بظهور مقام على شاطئنا ابتهجنا جدا. إن كان ذلك خرافة فليكن ، تعلمنا منذ سنوات طويلة أن نؤمن بالحقائق القاسية فقط، فما الذي جنيناه؟ "
ينطلق السرد بشكل دائري ليبدأ مع الحكيم الصوفي، وينتهي معه وهو يحكي للبطل قصة مقام الولية ، حين أنجبت جدة قبيلة "ميليبو اللارا" سلالة من الرجال، وطفلة واحدة هي آمالو، التي بدورها أنجبت أيضا الذكور، وصارت القبيلة مهددة بالفناء إن لم تُرزق بطفلة ليستمر النسل، ثم تحصل المعجزة وتأتي ولادة الطفلة "كارتي" برعم أنثوي جديد ستطفو على التاريخ المجيد لقبيلة ميليبو اللارا. لكن في نفس يوم الولادة كان على شانكو مينون، سيد القبيلة وخال الطفلة، أن يتنبأ بطالعها، وكانت النبؤة واضحة، لكن لا حائل دون حدوثها. ويظل السؤال الذي يطرحه شانكو مينون : " هل سوف تُعاد كتابة أقدارنا؟"
الطفلة ترضع من أمها بنهم، وتكبر مع كل دقيقة تمر، والد الطفلة رحل بلا عودة منذ أن كانت آمالو حاملا، قال : " أنا ذاهب إلى الحج، لا تسألي عني." يهاجم القرية وباء يشبه الجدري،وفي أسابيع قليلة يكبر شانكو مينون عمدة القبيلة عشرات السنين، وكان كلما عاد من مراسم حرق جثة وجد في ردهة البيت جثة أخرى.
أما كارتي فإنها تكبر وتصبح رمزا للشباب والجمال، لها جسد نوراني، وشجاعة تجعلها قادرة على التعامل مع مرض الجدري ، مما يجعل الجميع يتعامل معها على أنها محمية من الآلهة بهجافاتي، حتى أنها حين يأتي جباة الضرائب المكلفين بجمع المال تجلس في غرفة الآلهة، يهاب الجباة رؤيتها ويمضون مبتعدين .. تتداخل العلاقة في الرواية بين السماوي والدنيوي، بين الإنسان والإله، لم يكن سهلا على كارتي هذا التمجيد الذي تُعامل به ، كانت تراه عقابا فقد آلمتها العزلة التي وضعوها فيها لأنها تحب الناس والطبيعة تصف كارتي نفسها بأن في قلبها حملا ثقيلا مثل الرصاص، تقول :" لابد أن يكون هذا هو الشعور الأبدي ذاته الذي تشعر به للآلهة التي تُعبد"
تحضر أيضا بقوة العلاقة مع الكون والطبيعة،في طريقة الوصف كأن يقول :" تفاعلت القوى الكونية المسيطرة جميعها فأمطرت على بيت ميليبواللارا شظايا مذنب متفجر. حملت نسائم الربيع المتراقصة الملايين من فيروسات الجدري. أليست المعجزة من عمل الشيطان والإله نفسه، "ثم ينتقل الراوي بسلاسة وخفة في السرد من حدث إلى آخر، كأن يُنهي فصل المرض الذي هاجم العائلة في الفصل التالي بجملة افتتاحية تقول : " انتهت الأوقات السيئة بشكل منظم، كما لو أن قوانين محبوكة جيدا تحكمها..اختفى الجدري من الحقول بعد أن قُضى عليه"
يكشف الكاتب عبر تفاصيل شتى العلاقة مع الاستعمار الإنكليزي وأثره على المجتمع الهندي بكل فئاته، كما نرى مثلا في موقف شانكو مينون حين يقرر التخلي عن منصبه لأنه يشعر بعدم القدرة على تحقيق العدالة،كما يتطرق إلى الحواجز الطبقية للفئات الإجتماعية في الهند.
تتخذ الأحداث منعطفا آخر حين تقع كارتي في حب ماموتي الشاب المسلم الذي يأتي لشراء محاصيل قبيلة ميليبو اللارا، تمضي معه إلى بلدته تاركة خلفها كل تاريخها كفتاة مصطفاة من الآلهة بهجافاتي. تمضي كارتي في عالمها الجديد، غارقة بالحب والخوف والغربة في مناظرة تاريخية جميلة حد الألم. وتأخذ كارتي اسما جديدا بعد أن اعتنقت الاسلام هو "سيتارا"
لكن الصراع بين المسلمين المتعصبين والهندوس لن يترك العاشقين في حالهما حين يشيد ماموتي معبدا في أرضه إرضاء لزوجته كارتي، مما أثار غضب الإمام المسلم أفارموسليار. لنقرأ : " حاولنا أن ننسى سبب الخلاف فقام الهندوس بزيارة بيوت المسلمين التي اعتادوا أن يأكلوا فيها حتى الشبع من وجبة البرياني التي تقدم لهم، وفي المقابل زار المسلمون بيوت الهندوس الذين اعتادوا التهام حلوى الباياسام معهم. إلا أن الغصة بقيت في قلوبنا، فلا يمكن استرجاع الدفء الذي انفلت مرة واحدة عندما تمزقت العلاقات وتنافرت. كيف يمكن للأصدقاء أن يصبحوا غرباء."
تُجسد فكرة "الولية" دلالة رمزية لكل المعتقدات الأزلية الراسخة في المجتمع الهندي،مع ما يكشف عن الخلافات الطائفية التي تتسبب في تشظي المجتمع وفرقته. ثم هناك التفاصيل الحياتية التي تدل على قناعات الأبطال، محرقة الجثث في ساحة البيت، قوى غامضة من العالم السماوي، الافتتان المثلي المغوي بالخطيئة بين ماموني وأمير، ثم الايمان والشغف بوجود الولية : " لقد كنا ضائعين في البحر وصلينا استعدادا للموت، فلم يكن ممكنا أن ينقذنا شيئ، ثم جاءت هذه الولية." تنتهي الرواية مع جملة للحكيم الصوفي تقول : "الإنسان ما زال يتعلم الخير، ودائما لديه الرغبة في أن يكون خيرا، هذه الرغبة تظهر من وقت لآخر على شكل ولية، وحين ننسى تظهر لنا ولية أخرى" .
الجدير بالذكر أن رواية "ما حكاه الصوفي" للكاتب الهندي: كي بي رامانوني وهو أستاذ جامعي في جامعة مالايالام، وقد أصدر أربع روايات حازت جميعها على جوائز. وقام بترجمة الرواية عن المالايالامية : ان جوبالاكريشناو آر إي آشر، وترجمتها عن الإنجليزية الكاتبة والمترجمة أزهار أحمد وهي كاتبة عمانية ، تكتب القصة القصيرة والرواية ولها مساهمات عديدة في أدب الطفل والنشئة ، وقام بالمراجعة: ويلابوراتو عبدالكبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.