وزير الكهرباء يبحث مستجدات تنفيذ مشروعات «مصدر» الإماراتية في مصر    مصر تشجب إعلان حالة المجاعة في قطاع غزة    الأهلي بطلا لكأس السوبر السعودي على حساب النصر    استئناف الإسكندرية تفتح تحقيقات موسعة بصدد حادث الغرق الجماعي في شاطىء أبو تلات    توجيهات حكومية بسرعة إنهاء أعمال تطوير المواقع الأثرية بالإسكندرية    محافظ الغربية يفتتح قسم جراحة المخ والأعصاب بمستشفى كفر الزيات العام    مذكرة تفاهم بين جامعتي الأزهر ومطروح تتضمن التعاون العلمي والأكاديمي وتبادل الخبرات    وزير الصحة الفلسطيني: فقدنا 1500 كادر طبي.. وأطباء غزة يعالجون المرضى وهم يعانون من الجوع والإرهاق    بحوث الصحراء.. دعم فني وإرشادي لمزارعي التجمعات الزراعية في سيناء    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    مؤتمر ألونسو: هذا سبب تخطيط ملعب التدريبات.. وموقفنا من الانتقالات    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    قيادي بمستقبل وطن: تحركات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة ومشبوهة    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    وزارة الصحة تقدم 314 ألف خدمة طبية مجانية عبر 143 قافلة بجميع المحافظات    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    وزيرا الإنتاج الحربي والبترول يبحثان تعزيز التعاون لتنفيذ مشروعات قومية مشتركة    منال عوض تناقش استعدادات استضافة مؤتمر الأطراف ال24 لحماية بيئة البحر الأبيض المتوسط من التلوث    "التنمية المحلية": انطلاق الأسبوع الثالث من الخطة التدريبية بسقارة غدًا -تفاصيل    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    ماذا ينتظر كهربا حال إتمام انتقاله لصفوف القادسية الكويتي؟    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    الداخلية تكشف ملابسات اعتداء "سايس" على قائد دراجة نارية بالقاهرة    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    إزالة مزرعة سمكية مخالفة بمركز الحسينية في الشرقية    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    رغم تبرئة ساحة ترامب جزئيا.. جارديان: تصريحات ماكسويل تفشل فى تهدئة مؤيديه    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فنون عريقة ومندثرة أنعشها الحظر وجدَّدتْ شبابها
نشر في صوت البلد يوم 18 - 05 - 2020

مع وجود فرصة أكبر للتأمل والانتقاء والتنقل بين البدائل في ظل الساعات المطوّلة التي وفّرتها العزلة الراهنة، تعددت روافد الإشباع الثقافي والفني وتشعّبت إلى أبعد حد، وَمَضَت الفنون الأصيلة والعروض والحفلات القديمة والأشكال الإبداعية المندثرة والمنسيّة تتحسس مكانها من جديد هي الأخرى فوق مائدة الواقع العامرة، بل إنها سجّلت آلاف المشاهدات فور بثها على قنوات اليوتيوب خلال الأيام الماضية.
تحت وطأة الحجر المنزلي والانعزال وقتاً طويلاً وتعطُّل الأنشطة الجماعية، ازداد التعطش إلى الزاد الثقافي والفني، من أجل المعرفة والاستنارة والدهشة والمتعة والتسلية، للتغلب على وحش الفراغ الذي لا يقل خطورة عن ويلات الوباء المستجدّ. وإلى جانب ما بثته قنوات اليوتيوب من ألوان الفنون الحديثة والمعاصرة والتجريبية لتلبية احتياجات الجمهور وإضاءة أوقاته القاسية بالأمل والسعادة، فإن الماضي قد قام بدوره أيضاً على أفضل وجه لدعم الحاضر بأغراض التثقّف والمتعة والترفيه المنزلي، من خلال تلك الفنون العريقة والأصيلة التي انتعشت مؤخراً في الفضاء الإلكتروني، وجدّدت شبابها في الأثواب الافتراضية المبتكرة.
تعلقت أنظار جمهور الثقافة والفن خلال الآونة الأخيرة بتلك العروض الافتراضية وقنوات اليوتيوب التي أطلقتها وزارة الثقافة المصرية والتقت فيها إبداعات سائر القطاعات والهيئات والمؤسسات، بين مسرح وسينما ودراما وموسيقى وغناء وورش عمل وخلافه، إلى جانب عروض وندوات المجلس الأعلى للثقافة، والمركز القومي لثقافة الطفل، ودار الأوبرا المصرية، وغيرها.
انتظمت هذه المواد المتنوعة جميعها تحت الشعار الصحي المجتمعي السائد "خليك في البيت"، حماية من أخطار التقارب وعدوى الإصابة بالفيروس، كما أن بعض هذه العروض أخذ على عاتقه نشر المعلومات التوعوية، للكبار والصغار على السواء، إيماناً بالدور التنويري والتثقيفي للفن، إلى جانب الرسائل الجمالية وعناصر التشويق والبهجة.
مواكبة التقنية
في ظهورها الإلكتروني الجديد، حرصت بعض هذه الفنون والحفلات الأصيلة والقديمة على مواكبة عصر التقنية قدر جهدها، تمشيّاً مع أسلوب بثها الرقمي عبر الفضاء الافتراضي، ومن ذلك حفلات أم كلثوم بتقنية "الهولوغرام"، نقلاً عن أحدث حفلات دار الأوبرا المصرية، وقد سمحت هذه التقنية المستحدثة "التصوير الحركي المجسّم الثلاثي الأبعاد" بتجسيد كوكب الشرق وفرقتها الموسيقية الكاملة أثناء أداء أغنياتها، وكأنما جرى استدعاء شخصياتهم جميعاً بأسلوب جاذب أضفى حيوية على هذه الحفلات، ومنحها صدقية وقدرة على خرق الزمن.
المدهش أن سهرة هولوغرام أم كلثوم على قناة وزارة الثقافة حققت أكثر من 156 ألف مشاهدة على اليوتيوب في وقت قياسي، بما يشير إلى تفوق فنون الماضي وتعلق قلوب الجمهور بها بدافع "النوستالجيا" من جهة، وإلى تنوع ذائقة الأفراد المعزولين في المنازل، من أجيال مختلفة، من جهة ثانية، وإلى وجود خواء نسبي في الفنون الحديثة والمعاصرة، بما سمح بإطلالة الماضي على الساحة الافتراضية بهذه الصورة، من جهة ثالثة.
امتدت حفلة "حيرت قلبي"، القديمة الجديدة، على مدار ساعة، وتخللتها الإعلانات التجارية كذلك كأي منتج فني رائج تسويقيّاً، بما يعني أن الهدف الخدمي المعلن من وراء هذه الحفلات قد يتطور ليتسع لأغراض ربحية في وقت لاحق، مثل حفلات "عرائس أم كلثوم وفرقتها"، التي كانت تقدمها "ساقية الصاوي" خلال الأشهر الماضية، محققة ربحية عالية.
لقيت حفلات الموسيقى والغناء والأوبرا، الماضوية والمنتمية إلى "التطريب" و"النغم الأصيل" أيضاً، مشاهدات عالية فور بثها على قنوات اليوتيوب في فترة الحظر المنزلي، ومنها على سبيل المثال سهرات: الموسيقار عمر خيرت (670 ألف مشاهدة)، المطرب مدحت صالح (28 ألف مشاهدة)، المطرب علي الحجار (9 آلاف مشاهدة)، أوركسترا القاهرة السيمفونية (3500 مشاهدة). وشملت قائمة العروض الأخيرة في قناة وزارة الثقافة عدداً من الأعمال القديمة، منها: أوبرا عايدة، فرقة باليه أوبرا القاهرة، مسرحيات وعروض درامية كلاسيكية، وغيرها.
مقاومة الاندثار
مع إجراءات مواجهة فيروس كورونا المستجدّ، فإن بعض الفنون والإبداعات المهملة والمنسيّة والمهمّشة كذلك راحت تقاوم التحنيط والاندثار بتجددها وإعادة بثها افتراضيّاً، بالتوازي مع العروض القديمة وحفلات الأبيض والأسود. ومن هذه الفنون التي بحثت عن زاوية جديدة لتعود من خلالها، فن الأراجوز، الأب الشرعي لفنون السخرية، وأعرق فنون الهزل والضحك.
أطل "الفهلوي الشعبي"، كما يلقب في مصر، من خلال حلقات "الأراجوز يعظ"، ويوميات "الأراجوز في الحظر"، التي أطلقها "المركز القومي لثقافة الطفل"على اليوتيوب، لنشر التوعية الصحية والاجتماعية حول الوباء في إطار كوميدي، ومخاطبة الأطفال بما يلائم عقولهم وخيالاتهم حول كيفية الاستفادة من وقت الفراغ، وممارسة الأنشطة المثمرة "أون لاين"، إلى جانب الأنشطة الذهنية والبدنية في المنزل.
وفن الأراجوز له وضعية خاصة في مصر، فهو ليس مجرد دمية متحركة، ولكنه تلخيص واف لعناصر الشخصية المصرية ومقوماتها الشعبية، وقد عُرف على مدار أكثر من سبعمئة عام كرمز من رموز الشفافية والقدرة على قول الحق بطلاقة وحرية وإطلاق سهام النقد والاحتجاج لتقويم الخلل المجتمعي وتحدي السلطة وإزاحة أي فساد أو خطر قائم. وتعرض هذا الفن العريق خلال السنوات الأخيرة لأزمات كثيرة، اقتصادية وفنية، إلى جانب تراجع هامش الحرية، بما عرّض "الأراجوز" للانزواء خارج المشهد، على الرغم من اعتماده بقائمة اليونسكو للتراث الثقافي العالمي منذ عام ونصف العام.
"فرقة رضا للفنون للشعبية"، ملكة الفلكلور والفنون التراثية والاستعراضات الحركية في النصف الثاني من القرن الماضي محليّاً وعربيّاً ودوليّاً، قد استعادت قدراً من وهجها وحضورها عبر حفلاتها المبثوثة على قنوات اليوتيوب، وتفاعل آلاف المشاهدين من جديد مع تابلوهات: "الأقصر بلدنا"، الإسكندراني"، "الدحية"، "غزل في الريف"، "الفلاحين"، "التنورة"، "التحطيب"، وغيرها، المعبرة عن ملامح وخصائص الحياة في الأقاليم والمحافظات المصرية المتعددة.
وعلى الرغم من تكريم الدولة للفرقة منذ شهور قليلة، لمناسبة مرور ستين عاماً على تأسيسها، فإن فرقة رضا تعاني مشكلات جوهرية هي الأخطر منذ قرار تأميمها في العهد الناصري، إذ يتطلب النهوض الحقيقي الجاد بها إنفاقاً تمويليّاً ضخماً وجهوداً متواصلة لدعمها وزيادة عدد أعضائها الأساسيين المدربين، وهو الأمر الذي لا تتحمله ميزانية وزارة الثقافة، التي اكتفت بدعم الفرقة معنويّاً.
أتاحت عروض اليوتيوب الأخيرة بعض نكهات الفرقة المعبرة عن روح الشعب ونبضه، فهذه الاستعراضات الغنائية والحركية التي تحقق البهجة وتوفر الإمتاع، هي في الوقت نفسه ترجمة عميقة الدلالات للثقافة الشفاهية برمّتها والموروث المجتمعي والعادات والتقاليد ومفردات الحياة اليومية وطقوسها الاعتيادية في مختلف المحافظات والأقاليم والبيئات المحلية.
مع وجود فرصة أكبر للتأمل والانتقاء والتنقل بين البدائل في ظل الساعات المطوّلة التي وفّرتها العزلة الراهنة، تعددت روافد الإشباع الثقافي والفني وتشعّبت إلى أبعد حد، وَمَضَت الفنون الأصيلة والعروض والحفلات القديمة والأشكال الإبداعية المندثرة والمنسيّة تتحسس مكانها من جديد هي الأخرى فوق مائدة الواقع العامرة، بل إنها سجّلت آلاف المشاهدات فور بثها على قنوات اليوتيوب خلال الأيام الماضية.
تحت وطأة الحجر المنزلي والانعزال وقتاً طويلاً وتعطُّل الأنشطة الجماعية، ازداد التعطش إلى الزاد الثقافي والفني، من أجل المعرفة والاستنارة والدهشة والمتعة والتسلية، للتغلب على وحش الفراغ الذي لا يقل خطورة عن ويلات الوباء المستجدّ. وإلى جانب ما بثته قنوات اليوتيوب من ألوان الفنون الحديثة والمعاصرة والتجريبية لتلبية احتياجات الجمهور وإضاءة أوقاته القاسية بالأمل والسعادة، فإن الماضي قد قام بدوره أيضاً على أفضل وجه لدعم الحاضر بأغراض التثقّف والمتعة والترفيه المنزلي، من خلال تلك الفنون العريقة والأصيلة التي انتعشت مؤخراً في الفضاء الإلكتروني، وجدّدت شبابها في الأثواب الافتراضية المبتكرة.
تعلقت أنظار جمهور الثقافة والفن خلال الآونة الأخيرة بتلك العروض الافتراضية وقنوات اليوتيوب التي أطلقتها وزارة الثقافة المصرية والتقت فيها إبداعات سائر القطاعات والهيئات والمؤسسات، بين مسرح وسينما ودراما وموسيقى وغناء وورش عمل وخلافه، إلى جانب عروض وندوات المجلس الأعلى للثقافة، والمركز القومي لثقافة الطفل، ودار الأوبرا المصرية، وغيرها.
انتظمت هذه المواد المتنوعة جميعها تحت الشعار الصحي المجتمعي السائد "خليك في البيت"، حماية من أخطار التقارب وعدوى الإصابة بالفيروس، كما أن بعض هذه العروض أخذ على عاتقه نشر المعلومات التوعوية، للكبار والصغار على السواء، إيماناً بالدور التنويري والتثقيفي للفن، إلى جانب الرسائل الجمالية وعناصر التشويق والبهجة.
مواكبة التقنية
في ظهورها الإلكتروني الجديد، حرصت بعض هذه الفنون والحفلات الأصيلة والقديمة على مواكبة عصر التقنية قدر جهدها، تمشيّاً مع أسلوب بثها الرقمي عبر الفضاء الافتراضي، ومن ذلك حفلات أم كلثوم بتقنية "الهولوغرام"، نقلاً عن أحدث حفلات دار الأوبرا المصرية، وقد سمحت هذه التقنية المستحدثة "التصوير الحركي المجسّم الثلاثي الأبعاد" بتجسيد كوكب الشرق وفرقتها الموسيقية الكاملة أثناء أداء أغنياتها، وكأنما جرى استدعاء شخصياتهم جميعاً بأسلوب جاذب أضفى حيوية على هذه الحفلات، ومنحها صدقية وقدرة على خرق الزمن.
المدهش أن سهرة هولوغرام أم كلثوم على قناة وزارة الثقافة حققت أكثر من 156 ألف مشاهدة على اليوتيوب في وقت قياسي، بما يشير إلى تفوق فنون الماضي وتعلق قلوب الجمهور بها بدافع "النوستالجيا" من جهة، وإلى تنوع ذائقة الأفراد المعزولين في المنازل، من أجيال مختلفة، من جهة ثانية، وإلى وجود خواء نسبي في الفنون الحديثة والمعاصرة، بما سمح بإطلالة الماضي على الساحة الافتراضية بهذه الصورة، من جهة ثالثة.
امتدت حفلة "حيرت قلبي"، القديمة الجديدة، على مدار ساعة، وتخللتها الإعلانات التجارية كذلك كأي منتج فني رائج تسويقيّاً، بما يعني أن الهدف الخدمي المعلن من وراء هذه الحفلات قد يتطور ليتسع لأغراض ربحية في وقت لاحق، مثل حفلات "عرائس أم كلثوم وفرقتها"، التي كانت تقدمها "ساقية الصاوي" خلال الأشهر الماضية، محققة ربحية عالية.
لقيت حفلات الموسيقى والغناء والأوبرا، الماضوية والمنتمية إلى "التطريب" و"النغم الأصيل" أيضاً، مشاهدات عالية فور بثها على قنوات اليوتيوب في فترة الحظر المنزلي، ومنها على سبيل المثال سهرات: الموسيقار عمر خيرت (670 ألف مشاهدة)، المطرب مدحت صالح (28 ألف مشاهدة)، المطرب علي الحجار (9 آلاف مشاهدة)، أوركسترا القاهرة السيمفونية (3500 مشاهدة). وشملت قائمة العروض الأخيرة في قناة وزارة الثقافة عدداً من الأعمال القديمة، منها: أوبرا عايدة، فرقة باليه أوبرا القاهرة، مسرحيات وعروض درامية كلاسيكية، وغيرها.
مقاومة الاندثار
مع إجراءات مواجهة فيروس كورونا المستجدّ، فإن بعض الفنون والإبداعات المهملة والمنسيّة والمهمّشة كذلك راحت تقاوم التحنيط والاندثار بتجددها وإعادة بثها افتراضيّاً، بالتوازي مع العروض القديمة وحفلات الأبيض والأسود. ومن هذه الفنون التي بحثت عن زاوية جديدة لتعود من خلالها، فن الأراجوز، الأب الشرعي لفنون السخرية، وأعرق فنون الهزل والضحك.
أطل "الفهلوي الشعبي"، كما يلقب في مصر، من خلال حلقات "الأراجوز يعظ"، ويوميات "الأراجوز في الحظر"، التي أطلقها "المركز القومي لثقافة الطفل"على اليوتيوب، لنشر التوعية الصحية والاجتماعية حول الوباء في إطار كوميدي، ومخاطبة الأطفال بما يلائم عقولهم وخيالاتهم حول كيفية الاستفادة من وقت الفراغ، وممارسة الأنشطة المثمرة "أون لاين"، إلى جانب الأنشطة الذهنية والبدنية في المنزل.
وفن الأراجوز له وضعية خاصة في مصر، فهو ليس مجرد دمية متحركة، ولكنه تلخيص واف لعناصر الشخصية المصرية ومقوماتها الشعبية، وقد عُرف على مدار أكثر من سبعمئة عام كرمز من رموز الشفافية والقدرة على قول الحق بطلاقة وحرية وإطلاق سهام النقد والاحتجاج لتقويم الخلل المجتمعي وتحدي السلطة وإزاحة أي فساد أو خطر قائم. وتعرض هذا الفن العريق خلال السنوات الأخيرة لأزمات كثيرة، اقتصادية وفنية، إلى جانب تراجع هامش الحرية، بما عرّض "الأراجوز" للانزواء خارج المشهد، على الرغم من اعتماده بقائمة اليونسكو للتراث الثقافي العالمي منذ عام ونصف العام.
"فرقة رضا للفنون للشعبية"، ملكة الفلكلور والفنون التراثية والاستعراضات الحركية في النصف الثاني من القرن الماضي محليّاً وعربيّاً ودوليّاً، قد استعادت قدراً من وهجها وحضورها عبر حفلاتها المبثوثة على قنوات اليوتيوب، وتفاعل آلاف المشاهدين من جديد مع تابلوهات: "الأقصر بلدنا"، الإسكندراني"، "الدحية"، "غزل في الريف"، "الفلاحين"، "التنورة"، "التحطيب"، وغيرها، المعبرة عن ملامح وخصائص الحياة في الأقاليم والمحافظات المصرية المتعددة.
وعلى الرغم من تكريم الدولة للفرقة منذ شهور قليلة، لمناسبة مرور ستين عاماً على تأسيسها، فإن فرقة رضا تعاني مشكلات جوهرية هي الأخطر منذ قرار تأميمها في العهد الناصري، إذ يتطلب النهوض الحقيقي الجاد بها إنفاقاً تمويليّاً ضخماً وجهوداً متواصلة لدعمها وزيادة عدد أعضائها الأساسيين المدربين، وهو الأمر الذي لا تتحمله ميزانية وزارة الثقافة، التي اكتفت بدعم الفرقة معنويّاً.
أتاحت عروض اليوتيوب الأخيرة بعض نكهات الفرقة المعبرة عن روح الشعب ونبضه، فهذه الاستعراضات الغنائية والحركية التي تحقق البهجة وتوفر الإمتاع، هي في الوقت نفسه ترجمة عميقة الدلالات للثقافة الشفاهية برمّتها والموروث المجتمعي والعادات والتقاليد ومفردات الحياة اليومية وطقوسها الاعتيادية في مختلف المحافظات والأقاليم والبيئات المحلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.