جح الشعب المجروحة كرامته، النقية ضمائره، الفارغة جيوبه، المريضة أجساده، المسرطن طعامه.. وعلي يد شباب مصر وبدماء الشهداء استطعنا إسقاط النظام الفاسد الكاذب بإصرار وتنظيم وباتحاد كل فئات الشعب المصري؛ سياسيون وفنانون وأدباء وصحفيون وشيوخ، في مشهد تاريخي في ميدان التحرير مليء بالمشاهد الحضارية والإنسانية كالصلاة جماعة في الميدان ورفع علم مصر وسط أغان حماسية، رحل الفساد وسقطت الأقنعة وظهرت الحقائق وفتحت ملفات ظلت سجينة في أيادي الفاسدين سنوات كثيرة، وأصبحت مطروحة للنقاش.. قصص وأسرار عن فساد وسرقة ونهب وتدليس وتآمر وخيانة لوزراء ومسئولين، وشخصيات تشرف علي نتائج وتقارير مهمة؛ لذلك أتوقع أن تتحول مصر إلي ويكيليكس آخر في الأيام القادمة. فلم تطح هذه الثورة بالفاسدين فقط، بل أظهرت المنافقين ولصوص الثورة ومحبي الظهور الإعلامي، وكنت قد توقعت في مقال سابق عقب تزوير انتخابات 2010 أن الشعب سيرد بثورة شعبية وكان هذا التوقع محل نقاش مع هيئات التحرير رفضته صحف وقبلته صحف؛ لذلك كنت أول المهللين والمؤيدين بهذه الثورة؛ لأنني شاهدت حلمي وتوقعي يحدث علي أرض الواقع. رحل عهد الرئيس مبارك بحلوه ومره وتشكلت مصر دستورياً وسياسياً من جديد وسط آمال كبيرة للمصرين في مستقبل أفضل، وشباب يحلم بالوظيفة والزواج وأسرة تحلم بمسكن وموطن آمن جيد الخدمات والمرافق ومواطن يحلم بأن تصان كرامته خارج مصر، ولكن كما كان الفساد في عقود فلن يكون الإصلاح في شهور؛ فعلينا العمل والاجتهاد فقد غابت مصر طويلاً عن التطور وعن الدور السياسي والثقافي والفكري والعلمي الذي يليق بدولة بتاريخ وقدرات مصر. صفحة جديدة في تاريخ مصر ينبغي أن نسطرها بحكمة.. فيا أيها المصلحون والمثقفون والثوار رحل الفساد ورحل مبارك وجاء وقت الإصلاح ونعلمكم أن مسيرة التغيير والتنمية لم تنته بل بدأت وعليكم دور أهم وأنبل وأعظم مما تحقق؛ لذلك نطالبكم ونحن معكم باستثمار مكاسب الثورة وتوجيه القوي الآن للإصلاح الاجتماعي والمحلي بجانب السياسي بنفس التوحد والإصرار ليتحقق التوازن والتنمية والاستقرار بشكل سلمي متحضر وليكن بوسائل مثل مناقشة وتقديم التقارير والشكاوي والدراسات والإحصائيات التي ظلت سجينة الأدراج والعقول بشكل مرتب وآمن وقانوني وتحديد مشاكل واحتياجات المصريين في القري والمدن المختلفة وفي النقابات والهيئات المختلفة في محاولة لعمل دراسة لعوامل الضعف حتي تصبح لدينا خطة مدروسة عند البداية في الإصلاح الاجتماعي في الفترة القادمة.. فأمامنا فاسدون كثيرون غير هؤلاء فليس الفساد في مصر فساداً سياسياً ورئاسياً فقط بل هناك المدير الفاسد والصحفي المدلس والمراقب المزور والمدينة التي تشرب مياهًا ملوثة والمريض الذي يموت لعدم توفر تكاليف العلاج؛ فالشعب والثوار خاصة الشباب أصبحوا قوة لابد أن تستخدم في تنمية هذه البلاد ولا يسرقنا الوقت بالتغني بمكاسب الثورة أو بالانتقام الشخصي فنحن نريد إصلاحاً بإرادة الشعب يشمل جميع القطاعات لا إصلاحاً مصبوغاً بأجندات خارجية ومصالح شخصية، وعلي الجيش أن يكون مسانداً لعملية الإصلاح والتنمية فهي لا تقل أهمية عن الجهاد والدفاع عن الوطن وأن يمهد لانتقال آمن ومنظم للسلطة وأن يشرف علي محاكمة كل الفاسدين.. فتحية لثوار ومفكري مصر ورحمة الله علي شهداء الحرية والكرامة. وعلي من يتهاون أو يتكاسل في المشاركة في التنمية، أن يتنحي عن منصبه وعن مصريته كما تنحي النظام الفاسد.