الوقوع في فخ تعاطي الحبوب المخدرة أصبح آفة اجتماعية تهدد مستقبل الأجيال الحالية، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة بمعظم أنحاء العالم ظاهرة الإقبال على تلك الحبوب ولعل من أشهرها مخدر "الكبتاجون" الذي يعد واحدًا من أخطر أنواع الأقراص المخدرة وأشدها فتكًا بالصحة العامة للإنسان. و"الكبتاجون" هو الاسم التجاري للفينيثايلين وهو أحد مشتقات مادة الأمفيتامين وهي مادة كيميائية تسبب النشاط الزائد وكثرة الحركة وعدم الشعور بالتعب والجوع، حيث تعد من المخدرات التصنيعية شديدة الخطورة، والتي استطاعت في وقت قصير أن تغزو أسواق المخدرات. تقول د. مها غانم، أستاذ الطب الشرعي والسموم الإكلينيكية بكلية الطب جامعة الإسكندرية، إن تعاطي حبوب الكبتاجون يعد أمرًا خطيرًا واستمرار تناوله يؤدي إلى إدمانه، حيث يعد حاليًا من أخطر أنواع الحبوب المخدرة التي انتشرت بين الشباب في مختلف دول العالم في الفترة الأخيرة، مشيرة إلى أن من يتعاطى تلك الحبوب؛ يعاني من اليقظة لفترات زمنية طويلة، بالإضافة إلى حدوث هلاوس سمعية وبصرية واضطراب الحواس فيتخيل المتعاطي أشياء لا وجود لها من الأساس، مع الشعور بفقدان الشهية والأرق إلى جانب نوبات الأكتئاب والخمول وسرعة ضربات القلب. وأضافت: الكبتاجون بدأ تصنيعه في الأصل كدواء عالمي منذ عام 1961، وكان يستخدم في علاج حالات الاكتئاب، حيث كان الأطباء يصفونه في السابق للمرضى حتى يعطيهم النشاط، كما أكتشف الأطباء أن المادة المستخدمة في تصنيع الكبتاجون تساعد على الاستيقاظ السهر؛ فقاموا بوصف أحد مشتقاتها للأشخاص الذين يعانون من داء النوم المرضي، وهو الأمر الذي ساعد الكثير من المرضى الذين يعانون من هذا الاضطراب، ما أدى إلى تحسن حالتهم وتقليل نوبات الإصابة بالنوم المفاجئ، والتي كانت تحدث لهم في أي وقت بما في ذلك وقت العمل أو أحيانًا في مواقف خطرة مثل قيادة السيارة أو عند تشغيل ماكينات ثقيلة أثناء العمل، كما أن الكبتاجون كان يستخدم أيضًا في علاج مرض فرط الحركة عند الأطفال، حيث يعمل على تغيير مستويات مواد معينة في الدماغ، وكذلك علاج الأطفال المصابين ببعض التلف البسيط في خلايا الدماغ. وأردفت: للأسف شهدت الفترة الحالية انتشار استخدام هذه الحبوب كمخدر في مختلف دول العالم، حيث أنه عند تعاطيها؛ تقوم عملية الأيض بتحليلها إلى مواد، والتي تساهم بدورها في تحفيز الجهاز العصبي المركزي، مما يزيد اليقظة والتركيز والأداء الجسماني، كما يساهم في زيادة نسبة مادة معينة في الدماغ، والتي تؤدي بدورها إلى زيادة الانتباه بشكل كبير، وللأسف اكتشف بعد سنوات من اختراع هذا الدواء، أن أثاره السلبية تفوق إيجابياته، فهو يؤدي إلى الإدمان، ومن شأنه أن يصيب الإنسان بالاكتئاب فيما بعد، ووفقًا لهذا، تم منعه في معظم دول العالم، إلا أنه ما يزال تصنعيه "غير القانوني" قائمًا في العديد من الدول، حيث يتم المتجارة به كنوع من أنواع المخدرات بين الشباب. وحول آراء أساتذة الطب النفسي بخصوص تلك الحبوب المخدرة وتأثيرها على المتعاطين، أشار د. إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن هناك اعتقاد خاطىء حول أن حبوب "الكبتاجون" المخدرة ترفع معدلات الشجاعة وتزيد من الشعور بالإقدام أو النشوة، موضحًا أنها في واقع الأمر تمثل كيمياء للإدمان والعنف والإجرام المجتمعي، حيث يؤدي تعاطيها بين الشباب إلى زيادة معدلات العنف وحدوث الجرائم بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى التفكك الأسري، لافتًا إلى أن الشخص الذي يقبل على تعاطي مثل تلك الحبوب الفتاكة؛ يفقد القدرة على التحكم في عقله مما يحوله إلى شخص مضطرب نفسيًا وعقليًا. وأرجع "مجدي"؛ تعاطي المخدرات ومنها الحبوب المخدرة إلى عدة أسباب قد تختلف من شخص لآخر، إلا أنه قد ألمح إلى صعوبة التوصل إلى عوامل محدده تدفع بالشباب إلى التعاطي، وقال: "نستطيع أن نبرز أهم الأسباب التي تؤدي إلى التعاطي وهي غياب الوازع الديني والانحراف الاخلاقي عن القيم الدينية المتعارف عليها، بالإضافة إلى اضطراب الشخصية الذي يعاني منه فئة كبيرة من الشباب في وقتنا الحالي، وذلك بسبب الاختلاط برفقاء السوء، كما أن هناك فئة مخطئة تستخدم المخدرات للهروب الواقع الذي تعيشه". من تجعل المخدرات من الشخص المدمن إنسانا كسولا مهملا لأداء مسؤولياته. وقال: إن إدمان مثل تلك المخدرات المخلقة كالكبتاجون يؤدي إلى العديد من المشكلات المجتمعية مثل اضطراب العلاقات الأسرية وما يترتب عليها من تفكك وطلاق، حيث أن المدمن يساوره شعور دائم بالقلق والتوتر والخوف إلى جانب العصبية الزائدة، كما أن هناك احتمالية كبيرة لقيام المدمن بأعمال غير مشروعة وغير أخلاقية كالسرقة والكذب والاحتيال والشذوذ. من جانبه أكد د. وليد رشاد، أستاذ علم الاجتماع بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية، أن تعاطي المواد المخدرة مثل حبوب الكبتاجون يعد عملاً إجراميًا في حق الشخص المتعاطي وحق المجتمع أيضًا، ملمحًا إلى أن المدمن من الممكن أن يفعل أي شيء في سبيل الحصول على الجرعة المخدرة، وهو الأمر الذي يجعل المدمن لا يستطيع إقامة علاقات طيبة بمن حوله من أفراد العائلة أو الجيران والأصدقاء، وبذلك يزداد شعور المدمن بالأكتئاب ما يجعله فريسة سهلة للوقوع في أمور خطيرة كالانتحار. ولفت "رشاد" إلى أن للأسرة دور كبير في توجيه ومتابعة الأبناء، وإبعادهم عن سبل التعاطي، قائلاً: "إن أغلب المدمنين ينحدرون من أسر مفككه وتعاني من مشكلات اجتماعية عميقة. كما أننا لا يجب أن ننسى أن هناك عوامل اجتماعية أخرى تؤدي إلى الاتجاه نحو الإدمان؛ كوفرة المواد المخدرة وسهولة الحصول عليها عن طريق المهربين والمروجين، كما ترتبط ظاهرة الإدمان بعملية التنشئة الاجتماعية المستمدة من بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة".