تعد "وكالة البلح" من أقدم وأشهر الأسواق التجارية في القاهرة، فهي تنتمي لتاريخ طويل يمتد بجذوره إلى مئات السنوات، ويحمل بين طياته ملامح عصور المختلفة التي شهدتها مصر، فقد بدأ تاريخ تلك المنطقة المطلة على نيل القاهرة عند ساحل بولاق في عصر المماليك، الذين اختاروها لإقامة قصورهم الفخمة فيها، ما حول الخلاء إلى منطقة عامرة بأفخر القصور وأجمل المباني وأزهى الحدائق، إلى جانب عدد من المساجد الكبيرة مثل السناينة والخضيري وميرزا، إلا أن هذا الوضع لم يستمر طويلا، بفعل حريق هائل أتى على كل مباني المنطقة وتركها خرابا ورمادا، فهجرت وعادت مرة أخرى إلى الخراب، وعند قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر في 1798م استخدم الأهالي بقايا القصور كمتاريس لصد هجمات الفرنسيين. ونظرا لقرب المنطقة من شاطئ النيل تم استخدامها كمخازن ومحلات لتخزين القطن الوارد عبر النيل، وبعد انتقال تجارة القطن إلى الإسكندرية توقف دور الوكالة كمركز تجاري، إلى أن عادت لممارسة دورها من جديد مع تجارة البلح "الإبريمي" التي كانت تأتي عبر النهر من جنوب مصر، ومن هنا اكتسبت اسم "وكالة البلح"، وبدأ العمران يزحف عليها من جديد، ولكن هذه المرة لم يكن قصورا فاخرة إنما منازل بسيطة للعمال العاملين في الوكالة، واستمر هذا الوضع حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945، ومع رحيل القوات الإنجليزية عن مصر ظهرت مخلفات الجيش الإنجليزي، من حرير المظلات وأقنعة الغاز والخيام والأحذية والبترات الرسمية للجنود، وعجلات السيارات العسكرية القديمة، وهكذا بدأت تجارة "الخردة" تأخذ مكانها في سوق الوكالة التي لم تعد قاصرة على تجارة البلح بل شملت سلع ومنتجات أخرى متنوعة، وحقق التجار من "الخردة" ثروات هائلة وفي الوقت الحالي تستطيع أن تجد في الوكالة كل شيء يمكن أن يخطر على بالك أو لا يخطر، ابتداء من الملابس بجميع أنواعها الجديدة والقديمة، المحلية والمستوردة والإكسسوارات، وكل قطع غيار السيارات، وتجلب الوكالة بضائعها من كل أنحاء مصر، ومن الخارج عبر قناة السويس، حيث يبيع تجار السفن الحبال والآلات وكميات هائلة من الملابس المستعملة إلى تجار وكالة البلح في مقابل السجائر والمأكولات، ومع هذا النشاط حضر إليها التجار من كل مكان بحثا عن مكسب أفضل وقد تحقق للكثير ما أرادوا فحققوا ثروات طائلة من وراء التجارة في وكالة البلح، وكانت التجارة في الوكالة تدار بشكل عشوائي دون أية قيود، أو نظام أو رقابة حتى 1986، حيث تنبهت الحكومة المصرية لذلك، وقامت بحملة تمشيط واسعة داخلها، وألغت العشوائيات، وسيطرت على عشرات السيارات المسروقة والآلات، ووضعت لها نظاما مازال ساريا حتى الآن. وعن تطور حركة التجارة بالوكالة، يوضح الحاج عمران الصعيدي أقدم تجار الملابس المستعملة أو «البالة» بوكالة البلح، أن التجارة في الوكالة بعد أن كانت مقتصرة على بيع كل أنواع البلح وبجانبه أقمشة الكتان الآتية من صعيد مصر، تطور الوضع، خاصة بعد رحيل الجيش البريطاني عن مصر، وقام التجار الذين اشتروا مخلفات الجيش من ملابس، وبطاطين، وحقائب، وأدوات منزلية، ببيعها في الوكالة، كذلك انتشرت أيضا تجارة الملابس المستعملة (البالة)، بعد أن كانت مقتصرة على منطقة بورسعيد»، مشيرا إلى أنه مع تطور حركة التجارة بالوكالة تغيرت وتطورت أيضاً أساليب الترويج التي أصبحت سمة لافتة في الوكالة، فتجار الوكالة أصبح لديهم أساليب متطورة للترويج لبضاعتهم تشبه التي تقوم بها كبرى محلات الملابس، حيث يتم الاحتفاظ بأرقام موبايلات الزبائن، للاتصال بهم فور قدوم البضائع الجديدة، وأغلبهم من الطبقات الراقية الذين يحرصون على شراء الملابس ذات الماركات المشهورة، بالإضافة إلى العديد من الممثلين الذين يطلبون موديلات ملابس بعينها عند دخولهم إلى عمل جديد. عندما تدخل إلى هذه الوكالة، يمكن أن تجد كل ما تريده فبإمكانك شراء سيارة بالقطعة أو بالكيلو إذا أردت فكل شيء موجود من أصغر شيء "الصامولة" حتى المحرك الكبير، وهي مليئة بالأسواق في الحواري الضيقة، وأزقتها دائما مختنقة بالتجار والزوار والعربات والمخازن، ويكفي أن تعرف أن هذه الحواري والأزقة بها بضائع تصل إلى 3 بلايين جنيه مصري هي حجم كل رأس المال المتداول، ويسيطر على هذا السوق الكبير عشرون تاجرا على الأكثر هم من الأعيان والسادة من بين ألفي تاجر كل حياتهم مرتبطة بالوكالة ومعيشتهم وأرزاقهم، والمثير أن معظمهم يجهلون القراءة والكتابة، ورغم ذلك حققوا ثروات كبيرة. داخل الوكالة كل فرد منشغل بعمله يبحث عن زبائنه، أو عن صفقة ينفذها سواء بالشراء أو البيع، وهم غالبا يشترون بأسعار زهيدة ويبيعون بآلاف الجنيهات، والأسعار بها رغم ذلك منخفضة تماما عن الأسعار الخارجية، والتجول داخل الوكالة متعة رغم المشقة التي يواجهها أي متجول فرؤية البضائع متعة والزبائن ومشاجراتهم مع البائعين متعة والزحام أيضا، ففوق العربات تتراكم أكوام الملابس المستعملة دون تنسيق، وعدد كبير من العرائس يذهبن إلى هذه الوكالة لشراء كل لوازمهن بأسعار منخفضة جدا مقارنة بالأسعار الخارجية، وهن يأتين من كل مكان سواء من صعيد مصر أو بحري أو القاهرة الكبرى. ويقول محمد الجرجاوي، أحد كبار التجار بالوكالة: معظم تجار الوكالة يتاجرون في المنسوجات المحلية من إنتاج الشركات المصرية وتجارة الملابس المستوردة سواء الجديدة أو المستعملة، والكل هنا يسير وفقا للقانون ويدفعون الضرائب اللهم إلا قليلا، وأعتقد أن التفتيشات التي تقوم بها الشرطة من وقت إلى آخر لا تترك الفرصة لأحد للتهرب أو المتاجرة في الأشياء المسروقة، حيث يتم الاطلاع بشكل مستمر على الإيصالات والفواتير الخاصة بالسيارات وقطع الغيار التي تدخل الوكالة، وبالطبع ينظرون إلى أرقام المحركات لمعرفة ما إذا كانت مسروقة أم لا. ويضيف الجرجاوي: معظم زبائن الوكالة ليس من القاهرة فقط ولكن أيضا من الدلتا وصعيد مصر يأتين للحصول على مستلزماتهم نظرا لانخفاض الأسعار وجودة السلع، لافتا إلى أن أكثر ما يتم شراؤه من الوكالة هو الستائر وأغطية الأسرة وأقمشة التنجيد، إلى جانب الملابس، مشيرا إلى أن زبائن الوكالة لا يقتصرون على محدودي الدخل فقط، ولكن هناك الكثير من الأغنياء يأتون لشراء لوازمهم وخاصة من أقمشة الستائر والملابس الجاهزة لانخفاض ثمنها بالمقارنة بالمحلات الأخرى، وأيضا لوجود موديلات لا يمكن العثور عليها خارج الوكالة، ما يجعل الوكالة المكان الأنسب سعرا وجودة لشراء مستلزمات المنزل والملابس. وقد قدمت بعض الأعمال الفنية عن وكالة البلح، كان من أبرزها المسلسل التليفزيوني الشهير "لن أعيش في جلباب أبي" بطولة الفنان نور الشريف، والذي يحكي قصة شاب فقير قدم من الصعيد ليعمل بوكالة البلح، واجتهد وكافح حتى وصل بعد تعب وجهد إلى مصاف كبار التجار والأثرياء، ومن ثم أصبحت الوكالة منجم خبرة ومكاسب مادية لكل من يقصدها سواء كان البائع أو المشترى الذي يفضل أن يشتري منها للحصول على أرخص الأسعار وأفضل الخامات. تعد "وكالة البلح" من أقدم وأشهر الأسواق التجارية في القاهرة، فهي تنتمي لتاريخ طويل يمتد بجذوره إلى مئات السنوات، ويحمل بين طياته ملامح عصور المختلفة التي شهدتها مصر، فقد بدأ تاريخ تلك المنطقة المطلة على نيل القاهرة عند ساحل بولاق في عصر المماليك، الذين اختاروها لإقامة قصورهم الفخمة فيها، ما حول الخلاء إلى منطقة عامرة بأفخر القصور وأجمل المباني وأزهى الحدائق، إلى جانب عدد من المساجد الكبيرة مثل السناينة والخضيري وميرزا، إلا أن هذا الوضع لم يستمر طويلا، بفعل حريق هائل أتى على كل مباني المنطقة وتركها خرابا ورمادا، فهجرت وعادت مرة أخرى إلى الخراب، وعند قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر في 1798م استخدم الأهالي بقايا القصور كمتاريس لصد هجمات الفرنسيين. ونظرا لقرب المنطقة من شاطئ النيل تم استخدامها كمخازن ومحلات لتخزين القطن الوارد عبر النيل، وبعد انتقال تجارة القطن إلى الإسكندرية توقف دور الوكالة كمركز تجاري، إلى أن عادت لممارسة دورها من جديد مع تجارة البلح "الإبريمي" التي كانت تأتي عبر النهر من جنوب مصر، ومن هنا اكتسبت اسم "وكالة البلح"، وبدأ العمران يزحف عليها من جديد، ولكن هذه المرة لم يكن قصورا فاخرة إنما منازل بسيطة للعمال العاملين في الوكالة، واستمر هذا الوضع حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945، ومع رحيل القوات الإنجليزية عن مصر ظهرت مخلفات الجيش الإنجليزي، من حرير المظلات وأقنعة الغاز والخيام والأحذية والبترات الرسمية للجنود، وعجلات السيارات العسكرية القديمة، وهكذا بدأت تجارة "الخردة" تأخذ مكانها في سوق الوكالة التي لم تعد قاصرة على تجارة البلح بل شملت سلع ومنتجات أخرى متنوعة، وحقق التجار من "الخردة" ثروات هائلة وفي الوقت الحالي تستطيع أن تجد في الوكالة كل شيء يمكن أن يخطر على بالك أو لا يخطر، ابتداء من الملابس بجميع أنواعها الجديدة والقديمة، المحلية والمستوردة والإكسسوارات، وكل قطع غيار السيارات، وتجلب الوكالة بضائعها من كل أنحاء مصر، ومن الخارج عبر قناة السويس، حيث يبيع تجار السفن الحبال والآلات وكميات هائلة من الملابس المستعملة إلى تجار وكالة البلح في مقابل السجائر والمأكولات، ومع هذا النشاط حضر إليها التجار من كل مكان بحثا عن مكسب أفضل وقد تحقق للكثير ما أرادوا فحققوا ثروات طائلة من وراء التجارة في وكالة البلح، وكانت التجارة في الوكالة تدار بشكل عشوائي دون أية قيود، أو نظام أو رقابة حتى 1986، حيث تنبهت الحكومة المصرية لذلك، وقامت بحملة تمشيط واسعة داخلها، وألغت العشوائيات، وسيطرت على عشرات السيارات المسروقة والآلات، ووضعت لها نظاما مازال ساريا حتى الآن. وعن تطور حركة التجارة بالوكالة، يوضح الحاج عمران الصعيدي أقدم تجار الملابس المستعملة أو «البالة» بوكالة البلح، أن التجارة في الوكالة بعد أن كانت مقتصرة على بيع كل أنواع البلح وبجانبه أقمشة الكتان الآتية من صعيد مصر، تطور الوضع، خاصة بعد رحيل الجيش البريطاني عن مصر، وقام التجار الذين اشتروا مخلفات الجيش من ملابس، وبطاطين، وحقائب، وأدوات منزلية، ببيعها في الوكالة، كذلك انتشرت أيضا تجارة الملابس المستعملة (البالة)، بعد أن كانت مقتصرة على منطقة بورسعيد»، مشيرا إلى أنه مع تطور حركة التجارة بالوكالة تغيرت وتطورت أيضاً أساليب الترويج التي أصبحت سمة لافتة في الوكالة، فتجار الوكالة أصبح لديهم أساليب متطورة للترويج لبضاعتهم تشبه التي تقوم بها كبرى محلات الملابس، حيث يتم الاحتفاظ بأرقام موبايلات الزبائن، للاتصال بهم فور قدوم البضائع الجديدة، وأغلبهم من الطبقات الراقية الذين يحرصون على شراء الملابس ذات الماركات المشهورة، بالإضافة إلى العديد من الممثلين الذين يطلبون موديلات ملابس بعينها عند دخولهم إلى عمل جديد. عندما تدخل إلى هذه الوكالة، يمكن أن تجد كل ما تريده فبإمكانك شراء سيارة بالقطعة أو بالكيلو إذا أردت فكل شيء موجود من أصغر شيء "الصامولة" حتى المحرك الكبير، وهي مليئة بالأسواق في الحواري الضيقة، وأزقتها دائما مختنقة بالتجار والزوار والعربات والمخازن، ويكفي أن تعرف أن هذه الحواري والأزقة بها بضائع تصل إلى 3 بلايين جنيه مصري هي حجم كل رأس المال المتداول، ويسيطر على هذا السوق الكبير عشرون تاجرا على الأكثر هم من الأعيان والسادة من بين ألفي تاجر كل حياتهم مرتبطة بالوكالة ومعيشتهم وأرزاقهم، والمثير أن معظمهم يجهلون القراءة والكتابة، ورغم ذلك حققوا ثروات كبيرة. داخل الوكالة كل فرد منشغل بعمله يبحث عن زبائنه، أو عن صفقة ينفذها سواء بالشراء أو البيع، وهم غالبا يشترون بأسعار زهيدة ويبيعون بآلاف الجنيهات، والأسعار بها رغم ذلك منخفضة تماما عن الأسعار الخارجية، والتجول داخل الوكالة متعة رغم المشقة التي يواجهها أي متجول فرؤية البضائع متعة والزبائن ومشاجراتهم مع البائعين متعة والزحام أيضا، ففوق العربات تتراكم أكوام الملابس المستعملة دون تنسيق، وعدد كبير من العرائس يذهبن إلى هذه الوكالة لشراء كل لوازمهن بأسعار منخفضة جدا مقارنة بالأسعار الخارجية، وهن يأتين من كل مكان سواء من صعيد مصر أو بحري أو القاهرة الكبرى. ويقول محمد الجرجاوي، أحد كبار التجار بالوكالة: معظم تجار الوكالة يتاجرون في المنسوجات المحلية من إنتاج الشركات المصرية وتجارة الملابس المستوردة سواء الجديدة أو المستعملة، والكل هنا يسير وفقا للقانون ويدفعون الضرائب اللهم إلا قليلا، وأعتقد أن التفتيشات التي تقوم بها الشرطة من وقت إلى آخر لا تترك الفرصة لأحد للتهرب أو المتاجرة في الأشياء المسروقة، حيث يتم الاطلاع بشكل مستمر على الإيصالات والفواتير الخاصة بالسيارات وقطع الغيار التي تدخل الوكالة، وبالطبع ينظرون إلى أرقام المحركات لمعرفة ما إذا كانت مسروقة أم لا. ويضيف الجرجاوي: معظم زبائن الوكالة ليس من القاهرة فقط ولكن أيضا من الدلتا وصعيد مصر يأتين للحصول على مستلزماتهم نظرا لانخفاض الأسعار وجودة السلع، لافتا إلى أن أكثر ما يتم شراؤه من الوكالة هو الستائر وأغطية الأسرة وأقمشة التنجيد، إلى جانب الملابس، مشيرا إلى أن زبائن الوكالة لا يقتصرون على محدودي الدخل فقط، ولكن هناك الكثير من الأغنياء يأتون لشراء لوازمهم وخاصة من أقمشة الستائر والملابس الجاهزة لانخفاض ثمنها بالمقارنة بالمحلات الأخرى، وأيضا لوجود موديلات لا يمكن العثور عليها خارج الوكالة، ما يجعل الوكالة المكان الأنسب سعرا وجودة لشراء مستلزمات المنزل والملابس. وقد قدمت بعض الأعمال الفنية عن وكالة البلح، كان من أبرزها المسلسل التليفزيوني الشهير "لن أعيش في جلباب أبي" بطولة الفنان نور الشريف، والذي يحكي قصة شاب فقير قدم من الصعيد ليعمل بوكالة البلح، واجتهد وكافح حتى وصل بعد تعب وجهد إلى مصاف كبار التجار والأثرياء، ومن ثم أصبحت الوكالة منجم خبرة ومكاسب مادية لكل من يقصدها سواء كان البائع أو المشترى الذي يفضل أن يشتري منها للحصول على أرخص الأسعار وأفضل الخامات.