العقيد أحمد محمد عاشور يحصل على زمالة كلية الدفاع الوطني حول استراتيجية مقترحة لاستخدام الأنماط القيادية في تحقيق التميز المؤسسي    وفد القومي للمرأة يزور وكالة التنمية الفلاحية في الرباط    سعر الريال السعودي في البنك المركزي بختام تعاملات الأسبوع    جيش الاحتلال يتبنى هجوم اللاذقية ويزعم أسباب القصف    مفاجأة، الأهلي يقترب من اللعب في الإسماعيلية الموسم المقبل    القبض على تاجري مخدرات وبحوزتهما كميات مختلفة في قنا    المحامي محمد حمودة عن وفاة أحمد الدجوي: ده مش بحبح وسوكة اللي نفذوها    أحمد السقا يتابع مونتاج فيلم "أحمد وأحمد" بعد عودته من دبي    ولادة قيصرية ل سيدة مصابة بالإيدز بقنا، والمحافظة تكشف التفاصيل    محافظة قنا: التزام بالإجراءات الوقائية فى التعامل مع حالة ولادة لمصابة بالإيدز    مفتي الجمهورية: التمسك بأحكام وحدود القرآن الكريم هو السبيل للحفاظ على الأمن الروحي والاجتماعي    هل تلقت تعويضا؟.. ريهام سعيد تكشف كواليس الصلح مع طبيب التجميل نادر صعب    بدأت بهجوم وانتهت بتقبيل الرأس.. القصة الكاملة لخلاف آية سماحة ومشيرة إسماعيل    ثلاثي بشتيل يقترب من الدوري الممتاز    "حزب الوعي" يدين قرار الاحتلال بإنشاء 22 مستوطنة جديدة في الضفة المحتلة    إكسترا نيوز تطلق تجربة جديدة.. مذيعات بالذكاء الاصطناعى عن مستقبل السينما    باكستان ترفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع أفغانستان إلى مرتبة سفير    تطرق أبواب السياسة بثقة :عصر ذهبى لتمكين المرأة فى مصر.. والدولة تفتح أبواب القيادة أمام النساء    من هو أحمد زعتر زوج أمينة خليل؟    مصرع شابين وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم دراجتين بخاريتين ببني سويف    العشر من ذى الحجة    العمل: مستعدون لتوفير الكوادر المصرية المُدربة لسوق العمل الصربي    بتواجد ثلاثي ليفربول.. محمد صلاح يتصدر فريق الجماهير في الدوري الإنجليزي    بالمجان| الكشف الطبى على 800 مواطنًا خلال قافلة طبية بعزبة 8 في دمياط    وفد من مسئولي برامج الحماية الاجتماعية يتفقد المشروعات المنفذة بحياة كريمة في الدقهلية    عالم بالأوقاف: كل لحظة في العشر الأوائل من ذي الحجة كنز لا يعوض    سوريا تُرحب بقرار اليابان رفع العقوبات وتجميد الأصول عن 4 مصارف    4 مشاهدين فقط.. إيرادات فيلم "الصفا ثانوية بنات"    برنامج توعوي مخصص لحجاج السياحة يشمل ندوات دينية وتثقيفية يومية    نادي مدينتي للجولف يستضيف الجولة الختامية من دوري الاتحاد المصري للجولف    ألمانيا تربط تسلم أسلحة إسرائيل بتقييم الوضع الإنساني بغزة    عطل مفاجئ.. انقطاع المياه عن 3 أحياء بمدينة الخارجة    شعبة مواد البناء: أسعار الأسمنت ارتفعت 100% رغم ضعف الطلب    سقوط المتهم بالنصب على المواطنين ب«الدجل والشعوذة»    الحدائق والشواطئ بالإسكندرية تتزين لاستقبال عيد الأضحى وموسم الصيف    محمد حمدي لاعب زد يخضع لجراحة ناجحة فى الكوع    هام بشأن نتيجة قرعة شقق الإسكان الاجتماعي 2025| استعلم عنها    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    «أوقاف الدقهلية» تفتتح مسجدين وتنظم مقارئ ولقاءات دعوية للنشء    فى ليلة ساحرة.. مروة ناجى تبدع وتستحضر روح أم كلثوم على خشبة مسرح أخر حفلاتها قبل 50 عام    خطيب المسجد الحرام: الحج بلا تصريح أذية للمسلمين والعشر الأوائل خير أيام العام    الأعلى للجامعات: فتح باب القبول بالدراسات العليا لضباط القوات المسلحة    حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. دار الإفتاء تجيب    الرئيس السيسى يؤكد التزام مصر الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة لدير سانت كاترين    أزمة تايوان تتفاقم.. واشنطن تعيد تشكيل الردع وبكين تلوّح بالرد    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد بالقليوبية    الرئيس اللبنانى يزور العراق الأحد المقبل    طهران: تقرير الاستخبارات النمساوية المشكك في سلمية برنامجنا النووي كاذب    أسعار النفط تتجه لثاني خسارة أسبوعية قبيل قرار أوبك+    وزير الزراعة يستعرض جهود قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة خلال مايو الجاري    ليلة في حب وردة وبليغ حمدي.. «الأوبرا» تحتفي بروائع زمن الفن الجميل    طقس مائل للحرارة اليوم الجمعة 30 مايو 2025 بشمال سيناء    ريا أبي راشد: أجريت مقابلة تلفزيونية مع مات ديمون بعد ولادة ابنتي بيومين فقط    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن البحر الأحمر    موعد مباراة الاتحاد والقادسية في نهائي كأس خادم الحرمين والقنوات الناقلة    «اعتذرتله».. ياسر إبراهيم يكشف كواليس خناقته الشهيرة مع نجم الزمالك    فرنسا تحظر التدخين في الأماكن المفتوحة المخصصة للأطفال بدءًا من يوليو    تقارير: أرسنال يقترب من تجديد عقد ساليبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمضان وفن الحكي العربي
نشر في صوت البلد يوم 25 - 05 - 2019

شهر رمضان بنبله وجلاله وخصوصيته له أفضاله الثقافية خاصة في ديوان العروبة العتيد "القصيدة العربية"، حيث أفاض الشعراء في ذكر ومحبة وإظهار الشوق للشهر العظيم، وتمجيده وتعداد مآثره، والتغني بذاكرة البهجة في رحابه، حتي تأسست فنون شعرية خاصة بشهر رمضان، وارتبطت هذه الفنون بالتراث الشعبي تفاعلا مع الشهر الكريم، مثل فن "القوما" الشعري في أغاني التسحير بإيقاعها الخاص.
بالتالي فهذا الحضور العريض للقصيدة العربية، قابله تنوعًا في الآراء بشأن حضور فنون السرد في الرحاب الرمضاني، فبينما يرى البعض أن الحضور الرمضاني كان محدوداً في فن الحكي، لكن هناك من النقاد من يرى عكس هذا الرأى، وأن الحضور الرمضاني في السرد أتى على مستوى الإطار السردي للقص، أو على مستوى خلفية الأحداث في القصة، وأحياناً تكون هذه الخلفية هي قصدية الأحداث القصصية ببراعة فن الحكي، والمثال الشهير رواية "في بيتنا رجل" للروائي أحسان عبدالقدوس حيث أبرزت الرواية عادات وطقوس رمضان الخاصة في العائلة المصرية البسيطة، مع ارتواء الأحداث بقضية وطنية، فتشرب الإيمان بقيم المقاومة والجهاد، وهي القيم المرتبطة بشهر رمضان الكريم.
وأرى أن تناول السرد العربي كان معتبرًا ومشهودًا وإن كان محدودًا في حالة المقارنة بالقصيدة العربية بطبيعة الحال. لكن هذا الحضور الرمضاني في السرد جاء منثورًا في عشرات الأعمال السردية وبصيغ منوعة، منها إثارة ذاكرة البهجة والحكي السيري، وأحيانًا أخرى في إطار سرد عادات وأماكن روائية تصب في مصلحة تلك السرود من حيث كشف البيئات المؤسسة للشخصيات الروائية وتفاعلها. وهذا المنثور السردي العريض يحتاج لجهد بحثي خلاق يجمع شتاتها ويؤسس ظواهرها ويكشف قيمها المطمورة.
قيم مرتبطة بشهر رمضان الكريم
ونسوق أمثلة، للروائي أحسان عبدالقدوس أيضًا في مجموعته القصصية "عقلى وقلبى"، أولى القصص في المجموعة والمعنونة "القرآن" عن قرية كفر ممونة التى واجهت مشكلة عدم قيام الباشا لظروف ألمت به باستقدام المقرئ ليحيى ليال شهر رمضان كما اعتادت القرية كل عام، وعقد الاهالى مؤتمرا لحل المشكلة وتعاونوا بإعطاء آخر ما معهم من مال شحيح عن طيب خاطر، ومنها مهور البنات وخزين البيت من الذرة وخلافة ليوفروا مبلغ (50) جنيها مصريا حتى لا يقال إن كفر ممونة مضلم (مظلم) في رمضان، وجاء المقرئ وكان مذاق رمضان هذا العام أحلى وأطيب، فلما كان العام التالى ُأسقط في أيديهم فليس لديهم ما ينفقونه، فكانت ذروة الأزمة في القصة القصيرة (قال الشيخ تمام: يعنى يفوت رمضان كده سكيتى .. دى ما حصلتش في كفرنا من عشرين سنة .. ما تشوفوا لكم تدبيرة)، وكانت لحظة التنوير بالاشتراك مع أهالى كفر حتاته (ونحط اللي معانا على اللي معاهم، ونجيب الشيخ عبدالباسط) ثم حل مشكلة أخرى، في أي قرية تكون السهرة كل يوم؟ فكان الحل السهرة بالتناوب بين القريتين يوم هنا ويوم هناك، وظهرت المشكلة الثالثة في أي قرية تكون سهرة ليلة القدر فكان الحل: (اللي يجى عليه الدور في ليلة القدر تبقى السهرة عنده) وتمت في القصة طقوس التفاوض النبيل وكانت الخاتمة الرائعة (وعندما انتهى الشهر المبارك .. عقدت خمس زيجات بين كفر ممونة وكفر حتاتة).
وفي القصة جملة قيم إدارية نابهة ومنها تفتيت المشكلة الكبيرة إلى مشكلات فرعية، أو الهدف الكبير لأهداف جزئية، وتثمين طريقة التفكير العلمي لحل المشكلات، والمراجحة بين البدائل المتاحة لاختيار أفضلها، وقيمة التآزر في الخير وبركته وضم الجهود والموارد، كما أن النص يؤيد فكرة أن النص الأدبي في حقيقته وثيقة جمالية بطبيعة الحال، لكن الفن دليل لكون النص وثيقة اجتماعية وشعبية بامتياز أيضًا، حيث كان تنعم الأهالي قديمًا بتلاوات القرآن الكريم في سهرات رمضانية حاشدة يستضيف فيها السراة بالقرى والمدن المصرية المقرئين لإحياء هذه الليالي المضيئة، بما يؤكد أن تلك اللمحات الروائية الرمضانية شارحة لخصوصية رمضان في بيئة من البيئات.
ويقدم الكاتب فؤاد مرسي في معجمه الرمضاني قوله: "رواية الشمندورة للأديب النوبي محمد خليل قاسم التي تعد مرجعًا يمكن من خلاله قراءة كيفية احتفال النوبيين بشهر رمضان قبل التهجير، مما يمكن الباحث الاجتماعي والتاريخي في هذا الشأن من الوقوع على مادة ثرية تمثل واحدة من المداخل إلى الشخصية النوبية".
وهناك عشرات اللوامح الرمضانية في عشرات الروايات والقصص القصيرة، منها رواية "خان الخليلي" لنجيب محفوظ، وكتابات روائية لعبدالمنعم شلبي، وسمير عبدالفتاح، وباكثير في روايته "وإاسلاماه"، ورواية "لا أحد ينام في الاسكندرية" لإبراهيم عبدالمجيد، وعودة الروح لتوفيق الحكيم، وقصة قصيرة معنونة "رمضان" ليوسف إدريس، ورواية "محب" لعبدالفتاح الجمل، والرواية القصيرة "قنديل أم هاشم" ليحيى حقى، وقصص قصيرة لإبراهيم المصري، ومحمود البدوي.
وفي الحكي الساخر حكاية "توفيدا جابلر" في إطار نقدي اجتماعي مرح، للأديب يوسف عوف من كتابه "هموم ضاحكة" ينتقد فيه ظاهرة الاحتفاء بالطعام بدلًا من الصيام في شهر رمضان، حيث إن كميات الطعام على موائد رمضان لأسرة واحدة مصرية تكفي لإطعام عشرات الأسر، كما أنها أطعمة دسمة للغاية، فكأن الإحتفاء بالشهر يقتصر فقط علي الطعام. وغيرها من عشرات السرود.
ومن السرود الخالصة التي تناولت الرمضانيات، "مذكرات صائم" لأحمد بهجت والصادر عام 1990، وهى من وجهة نظرى رواية سيرية أو لون يقع بين السيرة الذاتية والرواية، حيث لا يمكن للقارئ الوقوف على المكون الخيالي مستقلًا عن المكون المرجعي، وإن كان الجانب التوثيقي مال لناحية سرد عادات وتقاليد وطقوس الشهر الفضيل العمومية، مثل إجراءات رؤية الهلال، ومدفع الإفطار، والسهرات الرمضانية، وطبيعة الشعب المصري الخيرة بالشهر، وعالم الوظيفة في رمضان، وضمت أيضًا ومضات نفسية حول حلاوة الطاعة وتذوقها في رمضان، وغواية النفس وألفة العادات وغيره، وإن كان الإطار أو الخلفية أتت عبر عمود فقري صوفي يناسب السرد. لذلك أتت في النسيج السردي عبارات رائقة، منها:
ليلة القدر الحقيقية أمامنا في كل وقت
"وفي شهر رمضان .. أشعر أن كل شيء في الدنيا يقوم على الحب، وهو الناموس المسيطر الحاكم في الدنيا وإن أفسده الناس بالكراهية والرحيل".
"لماذا نصوم؟ إن الصوم في حقيقته نوع من الحب. هو العبادة الوحيدة التي لا تظهر علي صاحبها في شكل طقوس أو حركات".
ولم ينس المؤلف طبيعته الساخره المحبوبة: "نحن في انتظار مدفع الإفطار .. أكبر أبنائي ينظر في ساعة الحائط ويكاد يدفع بنظراته عقارب الساعة .. تأملت مائدة الطعام على المائدة أهداف استراتيجية كاللحم والبطاطس وأهداف تكتيكية كالفول والسلطة وثمة أهداف تكميلية كالكنافة والقطايف".
وعمرت الرواية السيرية بفلسفات وتأملات مبهجة وحزينة أيضًا منها نعي ذاكرة للبهجة: "يجري شهر رمضان بسرعة الضوء هذه الأيام، فهل ذهبت البركة من الأيام". "لماذا يختلف شهر رمضان هذا العام عن شهور رمضان القديمة، كنت أجد حلاوة لرمضان في سن العشرين، ولا أجد له الآن نفس المذاق القديم أو الوهج .. هل تغير شهر رمضان. لم يتغير شهر رمضان أنا الذي تغيرت، ازددت ظلمة وسوءًا وخطايا ونفاقًا". وعن الذنوب تلك: "لماذا يبدأ مذاق الذنوب حلوًا في البداية، ثم ينتهي الحفل وتبدأ المرارة تشق طريقها إلى القلب، ثم تزيد جرعة الندم ويتحول الحلو إلى نبات الصبر المرير الذي يسقونه للمريض ولا شفاء".
لهذا كانت الأحزان، يقول: "كيف يتسع قلب في حجم قبضة اليد لأحزان في رحابة الأفق".
لكن يظل طوق نجاة بليلة مخصوصة رمضانية تورق بالحب هى ليلة القدر، يقول أحمد بهجت: "ليلة القدر، أفهم أنها الليلة التي نزل فيها القرآن. معنى ذلك أن ليلة القدر هي اللحظات التى بدأ فيها اتصال الإنسان بالملأ الأعلى عن طريق القرآن، وهذا يعني أن ليلة القدر الحقيقية أمامنا في كل وقت .. هي القرآن، لو اتصلنا به وعرفناه فقد بدأت ليلة القدر الخاصة بنا".
وتظل اللغة ويظل الحب، يقول: "عندما تكتب اللغة .. عندما تولد الحروف تولد أضواء الحضارة .. وُيولد الحب .. وتولد الفنون والآداب ".
شهر رمضان بنبله وجلاله وخصوصيته له أفضاله الثقافية خاصة في ديوان العروبة العتيد "القصيدة العربية"، حيث أفاض الشعراء في ذكر ومحبة وإظهار الشوق للشهر العظيم، وتمجيده وتعداد مآثره، والتغني بذاكرة البهجة في رحابه، حتي تأسست فنون شعرية خاصة بشهر رمضان، وارتبطت هذه الفنون بالتراث الشعبي تفاعلا مع الشهر الكريم، مثل فن "القوما" الشعري في أغاني التسحير بإيقاعها الخاص.
بالتالي فهذا الحضور العريض للقصيدة العربية، قابله تنوعًا في الآراء بشأن حضور فنون السرد في الرحاب الرمضاني، فبينما يرى البعض أن الحضور الرمضاني كان محدوداً في فن الحكي، لكن هناك من النقاد من يرى عكس هذا الرأى، وأن الحضور الرمضاني في السرد أتى على مستوى الإطار السردي للقص، أو على مستوى خلفية الأحداث في القصة، وأحياناً تكون هذه الخلفية هي قصدية الأحداث القصصية ببراعة فن الحكي، والمثال الشهير رواية "في بيتنا رجل" للروائي أحسان عبدالقدوس حيث أبرزت الرواية عادات وطقوس رمضان الخاصة في العائلة المصرية البسيطة، مع ارتواء الأحداث بقضية وطنية، فتشرب الإيمان بقيم المقاومة والجهاد، وهي القيم المرتبطة بشهر رمضان الكريم.
وأرى أن تناول السرد العربي كان معتبرًا ومشهودًا وإن كان محدودًا في حالة المقارنة بالقصيدة العربية بطبيعة الحال. لكن هذا الحضور الرمضاني في السرد جاء منثورًا في عشرات الأعمال السردية وبصيغ منوعة، منها إثارة ذاكرة البهجة والحكي السيري، وأحيانًا أخرى في إطار سرد عادات وأماكن روائية تصب في مصلحة تلك السرود من حيث كشف البيئات المؤسسة للشخصيات الروائية وتفاعلها. وهذا المنثور السردي العريض يحتاج لجهد بحثي خلاق يجمع شتاتها ويؤسس ظواهرها ويكشف قيمها المطمورة.
قيم مرتبطة بشهر رمضان الكريم
ونسوق أمثلة، للروائي أحسان عبدالقدوس أيضًا في مجموعته القصصية "عقلى وقلبى"، أولى القصص في المجموعة والمعنونة "القرآن" عن قرية كفر ممونة التى واجهت مشكلة عدم قيام الباشا لظروف ألمت به باستقدام المقرئ ليحيى ليال شهر رمضان كما اعتادت القرية كل عام، وعقد الاهالى مؤتمرا لحل المشكلة وتعاونوا بإعطاء آخر ما معهم من مال شحيح عن طيب خاطر، ومنها مهور البنات وخزين البيت من الذرة وخلافة ليوفروا مبلغ (50) جنيها مصريا حتى لا يقال إن كفر ممونة مضلم (مظلم) في رمضان، وجاء المقرئ وكان مذاق رمضان هذا العام أحلى وأطيب، فلما كان العام التالى ُأسقط في أيديهم فليس لديهم ما ينفقونه، فكانت ذروة الأزمة في القصة القصيرة (قال الشيخ تمام: يعنى يفوت رمضان كده سكيتى .. دى ما حصلتش في كفرنا من عشرين سنة .. ما تشوفوا لكم تدبيرة)، وكانت لحظة التنوير بالاشتراك مع أهالى كفر حتاته (ونحط اللي معانا على اللي معاهم، ونجيب الشيخ عبدالباسط) ثم حل مشكلة أخرى، في أي قرية تكون السهرة كل يوم؟ فكان الحل السهرة بالتناوب بين القريتين يوم هنا ويوم هناك، وظهرت المشكلة الثالثة في أي قرية تكون سهرة ليلة القدر فكان الحل: (اللي يجى عليه الدور في ليلة القدر تبقى السهرة عنده) وتمت في القصة طقوس التفاوض النبيل وكانت الخاتمة الرائعة (وعندما انتهى الشهر المبارك .. عقدت خمس زيجات بين كفر ممونة وكفر حتاتة).
وفي القصة جملة قيم إدارية نابهة ومنها تفتيت المشكلة الكبيرة إلى مشكلات فرعية، أو الهدف الكبير لأهداف جزئية، وتثمين طريقة التفكير العلمي لحل المشكلات، والمراجحة بين البدائل المتاحة لاختيار أفضلها، وقيمة التآزر في الخير وبركته وضم الجهود والموارد، كما أن النص يؤيد فكرة أن النص الأدبي في حقيقته وثيقة جمالية بطبيعة الحال، لكن الفن دليل لكون النص وثيقة اجتماعية وشعبية بامتياز أيضًا، حيث كان تنعم الأهالي قديمًا بتلاوات القرآن الكريم في سهرات رمضانية حاشدة يستضيف فيها السراة بالقرى والمدن المصرية المقرئين لإحياء هذه الليالي المضيئة، بما يؤكد أن تلك اللمحات الروائية الرمضانية شارحة لخصوصية رمضان في بيئة من البيئات.
ويقدم الكاتب فؤاد مرسي في معجمه الرمضاني قوله: "رواية الشمندورة للأديب النوبي محمد خليل قاسم التي تعد مرجعًا يمكن من خلاله قراءة كيفية احتفال النوبيين بشهر رمضان قبل التهجير، مما يمكن الباحث الاجتماعي والتاريخي في هذا الشأن من الوقوع على مادة ثرية تمثل واحدة من المداخل إلى الشخصية النوبية".
وهناك عشرات اللوامح الرمضانية في عشرات الروايات والقصص القصيرة، منها رواية "خان الخليلي" لنجيب محفوظ، وكتابات روائية لعبدالمنعم شلبي، وسمير عبدالفتاح، وباكثير في روايته "وإاسلاماه"، ورواية "لا أحد ينام في الاسكندرية" لإبراهيم عبدالمجيد، وعودة الروح لتوفيق الحكيم، وقصة قصيرة معنونة "رمضان" ليوسف إدريس، ورواية "محب" لعبدالفتاح الجمل، والرواية القصيرة "قنديل أم هاشم" ليحيى حقى، وقصص قصيرة لإبراهيم المصري، ومحمود البدوي.
وفي الحكي الساخر حكاية "توفيدا جابلر" في إطار نقدي اجتماعي مرح، للأديب يوسف عوف من كتابه "هموم ضاحكة" ينتقد فيه ظاهرة الاحتفاء بالطعام بدلًا من الصيام في شهر رمضان، حيث إن كميات الطعام على موائد رمضان لأسرة واحدة مصرية تكفي لإطعام عشرات الأسر، كما أنها أطعمة دسمة للغاية، فكأن الإحتفاء بالشهر يقتصر فقط علي الطعام. وغيرها من عشرات السرود.
ومن السرود الخالصة التي تناولت الرمضانيات، "مذكرات صائم" لأحمد بهجت والصادر عام 1990، وهى من وجهة نظرى رواية سيرية أو لون يقع بين السيرة الذاتية والرواية، حيث لا يمكن للقارئ الوقوف على المكون الخيالي مستقلًا عن المكون المرجعي، وإن كان الجانب التوثيقي مال لناحية سرد عادات وتقاليد وطقوس الشهر الفضيل العمومية، مثل إجراءات رؤية الهلال، ومدفع الإفطار، والسهرات الرمضانية، وطبيعة الشعب المصري الخيرة بالشهر، وعالم الوظيفة في رمضان، وضمت أيضًا ومضات نفسية حول حلاوة الطاعة وتذوقها في رمضان، وغواية النفس وألفة العادات وغيره، وإن كان الإطار أو الخلفية أتت عبر عمود فقري صوفي يناسب السرد. لذلك أتت في النسيج السردي عبارات رائقة، منها:
ليلة القدر الحقيقية أمامنا في كل وقت
"وفي شهر رمضان .. أشعر أن كل شيء في الدنيا يقوم على الحب، وهو الناموس المسيطر الحاكم في الدنيا وإن أفسده الناس بالكراهية والرحيل".
"لماذا نصوم؟ إن الصوم في حقيقته نوع من الحب. هو العبادة الوحيدة التي لا تظهر علي صاحبها في شكل طقوس أو حركات".
ولم ينس المؤلف طبيعته الساخره المحبوبة: "نحن في انتظار مدفع الإفطار .. أكبر أبنائي ينظر في ساعة الحائط ويكاد يدفع بنظراته عقارب الساعة .. تأملت مائدة الطعام على المائدة أهداف استراتيجية كاللحم والبطاطس وأهداف تكتيكية كالفول والسلطة وثمة أهداف تكميلية كالكنافة والقطايف".
وعمرت الرواية السيرية بفلسفات وتأملات مبهجة وحزينة أيضًا منها نعي ذاكرة للبهجة: "يجري شهر رمضان بسرعة الضوء هذه الأيام، فهل ذهبت البركة من الأيام". "لماذا يختلف شهر رمضان هذا العام عن شهور رمضان القديمة، كنت أجد حلاوة لرمضان في سن العشرين، ولا أجد له الآن نفس المذاق القديم أو الوهج .. هل تغير شهر رمضان. لم يتغير شهر رمضان أنا الذي تغيرت، ازددت ظلمة وسوءًا وخطايا ونفاقًا". وعن الذنوب تلك: "لماذا يبدأ مذاق الذنوب حلوًا في البداية، ثم ينتهي الحفل وتبدأ المرارة تشق طريقها إلى القلب، ثم تزيد جرعة الندم ويتحول الحلو إلى نبات الصبر المرير الذي يسقونه للمريض ولا شفاء".
لهذا كانت الأحزان، يقول: "كيف يتسع قلب في حجم قبضة اليد لأحزان في رحابة الأفق".
لكن يظل طوق نجاة بليلة مخصوصة رمضانية تورق بالحب هى ليلة القدر، يقول أحمد بهجت: "ليلة القدر، أفهم أنها الليلة التي نزل فيها القرآن. معنى ذلك أن ليلة القدر هي اللحظات التى بدأ فيها اتصال الإنسان بالملأ الأعلى عن طريق القرآن، وهذا يعني أن ليلة القدر الحقيقية أمامنا في كل وقت .. هي القرآن، لو اتصلنا به وعرفناه فقد بدأت ليلة القدر الخاصة بنا".
وتظل اللغة ويظل الحب، يقول: "عندما تكتب اللغة .. عندما تولد الحروف تولد أضواء الحضارة .. وُيولد الحب .. وتولد الفنون والآداب ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.