تمر اليوم الذكرى الخامسة و الستون لمقتل الدوك فولك برنادوت الدبلوماسي السويدي الذي ترأس الصليب الأحمر السويدي و أحد أفراد العائلة المالكة بالسويد و الإبن الأصغر لملك السويد و النرويج أوسكار الثاني قبل إستقلال النرويج عن السويد العام 1905 و هو المفوض السلمي من الأممالمتحدة بين الفلسطينيين و اليهود لتجنب مأزق قرار التقسيم الذي صدر العام 1947 و الذي تسبب في إشعال نيران الصراع بين الطرفين ما بين مؤكد للقرار و رافض له. بعد قرار تقسيم فلسطين الذي صدر من قِبل هيئة الأممالمتحدة العام 1947 إندلعت مواجهات حامية الوطيس بين اليهود و الفلسطينيين ما بين توكيد التقسيم و الرفض لإقراره على أرض الواقع و الأممالمتحدة قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى مصير عصبة الأممالمتحدة التي فشلت في إطفاء نيران حربًا عالمية ثانية و جاءت هيئة الأممالمتحدة لتحل محل العصبة و إذ بمصير الفشل يطاردها مما جعلها تلجأ إلى طوق النجاة المُمثل في الدوك فولك برنادوت صاحب تاريخ حافل من الحيادية و الوسطية بين الأطراف المتنازعة حسب مكمن الصراع. كان لإختيار برنادوت خلفية واسعة و ثرية في حله لمشاكل الحرب خاصة العام 1945 حينما كان نائبًا لرئيس الصليب الأحمر السويدي بعمله على نقاش الهدنة بين الألمان و الحلفاء إلى جانب تسلمه لطلب من الجنرال هينريك هيلمر أشرس رجال أدولف هتلر يعلن فيه إستسلام ألمانيا لبريطانيا و الولاياتالمتحدة مقابل السماح لألمانيا بمقاومة الاتحاد السوفيتي و قام برنادوت بتسليم هذا الطلب لرئيس الوزراء البريطاني ونيستون تشرشل و الرئيس الأمريكي هاري ترومان. بناءً على هذه المهمة تم إختياره لإنقاذ 15,000 معتقل من معسكر الإعتقال أغلبهم كانوا من السويديون و النرويجيون و الفرنسيون من رأس أركونا كناية على أنه رجل المهام الصعبة وقت الحروب و الأزمات و هنا كان الإختيار للصراع الأصعب على مدار العصور و العقود و الأزمنة ألا و هو الصراع العربي الإسرائيلي الذي ظهر به برنادوت كسوبرمان هيئة الأممالمتحدة. بعد إعلان دولة إسرائيل يوم 15 مايو من العام 1948 عن طريق بيان الإستقلال الذي أذاعه عبر الأثير أبو إسرائيل ديفيد بن جوريون كان الصراع العربي الإسرائيلي في أوجه مما دفع الهيئة الدولية بتصدير برنادوت في تلك المهمة الصعبة لتفادي أقل الخسائر لجنبات المواجهة الشرسة بين الطرفين ليتسلم مهمته يوم 20 مايو من العام 1948خلال توقف القتال. خلال هذا التوقف أقترح برنادوت حلاً للتسوية السلمية بين الطرفين و تناول مسألة الهجرة اليهودية إلى فلسطين وقال أن فتح باب الهجرة اليهودية يبرر مخاوف العرب في فلسطين والدول المجاوة من مخاطر التوسع الصهيوني في الشرق الأسط ولذلك اقترح قبول الشعب اليهودي لنوع من التنظيم الدولي للهجرة في سبيل مصلحة السلم مع جيرانه العرب وهي كما قال مصلحة حيوية. أقترح إجراء بعض التعديلات على الحدود بين الدولتين العربية واليهودية كما يرسمها قرار التقسيم الصادر عن الأممالمتحدة، ومن بين هذ التعديلات ضم منطقة النقب للدولة العربية وضم منطقة الجليل للدول اليهودية، كما اقترح إدخال القدس بأكملها ضمن الدولة العربية مع منح الطائفة اليهودية فيها استقلالاً ذاتياً لشئون البلدية، مؤكداً أن القدس يجب أن تظل تحت السيادة العربية. عند وصول تلك المقترحات لليهود ثارت ثائرتهم و أعتبروا الدوك برنادوت عقبة لتحقيق حلمهم الإستيطاني على المنطقة خاصةً مقترحه بجعل القدس تحت السيادة العربية علاوة على تقنينه للهجرة اليهودية مما يساهم في تقنين دولة إسرائيل و جعلها دولة محدودة الجنبات و هنا ظهر زئير منظمة (ليحي بن شتيرن) بقيادة يتسحق شامير الذي كان لديه وحدات مستقلة داخل القدس أخذت تنظم المظاهرات و الإعتصامات منددة بتواجد الدوك السويدي و تم تتويج هذا الإعتراض بالتخطيط للتخلص منه بيولوجيًا عَّبر الإغتيال و تم وضع هذا المخطط على يد إسرائيل الدادا و جوشو زتلر و ماشولام ماكوفر بالتنسيق مع يتسحق شامير و ناثان مور ليجد المخطط تزكية من منظمة الأرجون بقيادة مناحيم بيجين. في يوم الجمعة 17 سبتمبر من العام 1948 وصل الكونت برنادوت ومساعده الفرنسي الكولونيل بيير أندريه سيرو إلى مدينة القدس قادمين من سوريا وكانا يجلسان في المقعد الخلفي في سيارتهما بعد أن انتهيا من بعض الإجراءات المتصلة بمهمتهما في القدس حين اعترضت طريقهما سيارة جيب مكتظة بعدد من المسلحين وفتح ثلاثة منهم النار على الكونت ومساعده وبعد ذلك عاد القتلة إلى سيارتهم. وهكذا في لحظات نفذت عملية الاغتيال. بمقتل الدوك برنادوت ماتت عملية السلام في الشرق الأوسط اللهم إلا محاولات فردية أبرمتها بعض البلاد العربية مع إسرائيل في عقود مختلفة جعلت من السلام المأمول سلامًا متعرجًا يفقد لما كان يصبو إليه الدوك برنادوت الذي أصبح بمقتله وثيقة إدانة تصرخ في سجلات التاريخ على مقترفيها كبيجين و شامير.