فقد الوسط السينمائى المخرج توفيق صالح الذى رحل عن عمر 86 عاما وشيعت جنازته أمس الأحد، عقب مشوار مميز مع السينما رغم قلته، حيث قدم 7 أفلام روائية طويلة و7 أفلام قصيرة، إلا أن الجمهور اعتبره أحد رواد السينما الواقعية فى الستينيات، حيث كان يتعمد طرح قضايا تمس واقع تلك الفترة، عكس بعض المخرجين الذين اتجهوا بأفلامهم لنقد مجتمع ما قبل الثورة أكثر من تعاملهم مع قضايا يطرحها الواقع فى الخمسينات والستينات، ولعل القضية الفلسطينية كانت تشغل اهتمام الراحل وظهرت فى أغلب أفلامه التى قدمها ومنها فيلمه "المخدوعون". كما قدم توفيق صالح أعمال ناقشت واقع الريف والحضر، ورصدت سلبيات المجتمعات، وهى "يوميات نائب فى الأرياف" للكاتب الكبير توفيق الحكيم وبطولة مجموعة من النجوم منهم توفيق الدقن، وأظهر من خلاله مدى معاناة الفلاح المصرى مع الدولة البوليسية، وأيضا فيلمه الأول "درب المهابيل" للأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ وبطولة شكرى سرحان وبرلنتى عبد الحميد، و"صراع الأبطال" لشكرى سرحان وسميرة أحمد، و"المتمردون" لتوفيق الدقن وشكرى سرحان والذى رصد فيه سلبيات الفساد فى المستشفيات والمصحات الطبية، بجانب أفلامه "السيد البلطى" و"الأيام الطويلة" الذى تم تصويره بين سوريا والعراق ولم يتم عرضه بمصر حتى الآن. ويبدو أن المخرج الراحل توفيق صالح حرص طوال مشواره على تقديم أعمال تحمل اختلافا فكريا وثقافيا، حيث أخرج روايات للعملاقين نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، والتزم عند إعدادها سينمائيا بالطابع العام لترتيب الحدث دراميا، وكانت أمنياته أن يجد لغة سينمائية مصرية خاصة، حيث كان يعتقد أن السينما أداة تغيير لا تكريس. والمعروف أن المخرج توفيق صالح ولد فى الإسكندرية 27 أكتوبر 1926، كان والده طبيبا يعمل فى الحجر الصحى فى الموانئ وبحكم ظروف عمل والده قضى طفولته المبكرة متنقلا بين عدة مدن ساحلية مختلفة إلى أن استقرت العائلة فى الإسكندرية، وتعلم فى كلية فيكتوريا وكان المخرج الراحل يوسف شاهين زميله على مقاعد الدراسة، بعد تخرجه من المدرسة درس الأدب الإنجليزى فى جامعة الإسكندرية وحصل على البكالوريوس فى عامه التعليمى الأخير، وقام بإخراج مسرحية رصاصة فى القلب وتم عرضها فى جمعية الصداقة الفرنسية وعلى إثرها عرض عليه رئيس القسم الفرنسى فى كلية الآداب بعثة لدراسة المسرح فى فرنسا لكنه طلب أن يدرس السينما، وعمل قبل سفره مساعدا للمخرج حسين فوزى إلا أن خلافات بينه وبين النجمة نعيمة عاكف حالت دون استمراره معه، بعدها غادر توفيق صالح إلى فرنسا عام 1950 لدراسة السينما فى باريس، قابل هناك عالم الجمال "آيتان سوريو" فتغيرت حياته حيث ترك السوربون ودرس الرسم والفوتوغرافيا وذهب إلى اللوفر وتعرف على الأدب الروسى فسحبت منه المنحة بعد سنة واحدة لعدم انتظامه فى الدراسة، لكنه عاش فى باريس سنتين إضافيتين قام فيها بتثقيف نفسه بالقراءة ومشاهدة الأفلام وحضور المعارض المختلفة، وعمل مساعد مخرج فى ثلاثة أفلام فرنسية، وعاد توفيق صالح إلى القاهرة فى ديسمبر 1953 وتعرف على نجيب محفوظ الذى عمل فى تلك الفترة مؤلفا للسينما وعرض عليه معالجة سينمائية كان قد ألفها أثناء إقامته فى باريس، ونصحه محفوظ بعدم تنفيذها "لكى لا يتهم بالشيوعية" وقام محفوظ بإعادة صياغتها مغيّرا موقع الأحداث إلى حارة قاهرية وأعطاها عنوان "درب المهابيل" ثم عملا معا على كتابة سيناريو الفيلم الذى أنتج عام 1955 وكان أول أفلام المخرج الراحل.