تواجه منطقة الشرق الأوسط تغيرات متسارعة و متتالية لما يحدث من إفرازات جديدة تفرضها الساحة السياسية بوجود مصطلح الإسلام السياسي الجديد في تسميته القديم في ولادته من أجل إستمرار أنياب الإمبريالية الغربية بإلتهام خيرات المنطقة من جميع النواحي حتى و لو كانت تلك المنطقة مستقلة على المستوي السيادي لكنها مستعمرة على المستوى الأيديولوجي. إن فكرة الإسلام السياسي تم إنتهاجها عن طريق الإمبراطورية البريطانية بتدعيمها الكبير لجماعة الإخوان المسلمين من ريع قناة السويس حتى تضرب الحركة الوطنية المصرية بإبعادها عن الصراع المصري البريطاني و إدخالها في صراع مصري مصري بين الأحزاب المختلفة خاصةً بين الوفد و جماعة الإخوان المسلمين حيث صراع التضاد بين الفكر الليبرالي العلماني و الفكر الديني لتضمن بريطانيا بقاءها في مصر مادام الصراع دائر بين أركان الحركة الوطنية و هذا ما أنتهجته أيضًا في الهند بمساهمتها في تأسيس العصبة الإسلامية العام 1906 لخلق نوعًا من التناحر بين المسلمين و الهندوس لإرجاء قضية الاستقلال الوطني بالهند. جاءت مخرجات تلك الخطة البريطانية بنتائج ملتهبة وصلت إلى الصراع بين أركان الحركات الوطنية كما حدث بمصر العام 1945 بمقتل وزير الداخلية و المالية أحمد ماهر باشا على يد محمود العيسوي المنتمي للحزب الوطني ظاهريًا و لجماعة الإخوان المسلمين باطنيًا بإعتراف الشيخ أحمد حسن الباقوري مما أوجد تناحرًا عنيفًا بين الأحزاب المصرية و توالت بمقتل محمود فهمي النقراشي باشا العام 1948 رئيس حزب السعديين المنشق عن الوفد و وزير المالية و الداخلية و الذي قُتل على يد عبد المجيد أحمد حسن المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين ردًا على قراره بحل جماعة الإخوان المسلمين بسبب مقتل شهيد القضاء أحمد الخازندار و تفجيرات محلات اليهود بمصر أثناء حرب فلسطين العام 1948. كانت العصبة الإسلامية متبنية فكرة الوحدة الهندية بين المسلمين و الهندوس و كان أشد المناصرين لها الزعيم محمد علي جناح الذي تولى الرابطة العام 1934 و ظل متمسكًا بالوحدة الهندية إلى أن جاء العام 1938 لينقلب على الفكرة بعد حدوث صراعات طائفية بين المسلمين و الهندوس جعلته يتجه نحو دولة مستقلة للمسلمين متضامنًا سياسيًا و فكريًا مع دعاة دولة مستقلة للمسلمين تسمى بالباكستان و هم أحمد خان و الشاعر الكبير محمد إقبال و عند استقلال الهند العام 1947 لم تترك بريطانيا الهند تفرح بمنجزها بل جعلت استقلال الهند منقوصًا بإحداث الفرقة بين الأمتين الهندوسية و الإسلامية ليتم الاستقلال بتجزئة شبه القارة الهندية إلى الهند و الباكستان بموافقة محمد علي جناح و رفض كبير من المهاتما غاندي. أصبحت الباكستان أول دولة تقوم على قوام الدين برعاية بريطانية كتهيئة أولية للمناخ العالمي بقبول إعلان دولة إسرائيل على النطاق الديني و الذي حدث العام 1948 ببيان الاستقلال الذي ألقاه ديفيد بن جوريون حتى لا يعترض العرب و المسلمون على الدولة الجديدة ذات القوام الديني لوجود مثيلتها في العالم الإسلامي و هي دولة الباكستان. بعد ثورة 23 يوليو كان هناك توائمًا بين جماعة الإخوان المسلمين و مجلس قيادة ثورة يوليو إلى أن جاء الصراع على الوزارات السيادية مما أزم الموقف لتدعم بريطانيا جماعة الإخوان المسلمين لإجهاض ثورة يوليو حتى تكتمل أركان لعبة الإسلام السياسي كما حدث مع الأردن بخديعة الثورة العربية الكبرى التي أنهت الخلافة العثمانية من العام 1916 حتى العام 1923 بوجود دولة تركية علمانية و أرادت بريطانيا تنفيذ هذا بعمل خلافة إسلامية بغطاء غربي يخدم الأغراض الإستعمارية و لكن جاءت أقلمة جمال عبد الناصر لأظافر الجماعة العام 1954 و العام 1965 تجهض هذا الحلم في أضابير مخططي الإمبريالية العالمية. أنتهجت الولاياتالمتحدةالأمريكية النهج البريطاني و ذلك في الخمسينات و الستينات مع المسلمين السود أثناء توهج صراع العنصرية بين البيض و السود في أمريكا و جاء ذلك مع إشتداد قوام جماعة أمة الإسلام التي تأسست العام 1930 على يد والاس فرد محمد و الذي أختفى العام 1934 و جاء من بعده الأليجا محمد ليجعل من تلك الجماعة بوقًا لنشر الإسلام بشكل مغلوط فيه نبرة العنصرية لتصفية أركان صراع العنصرية بين حركات التحرر السوداء و الدولة. كان المتحدث الرسمي باسم جماعة أمة الإسلام مالكولم إكس الذي إنضم للجماعة و هو في السجن عن طريق أحد المنتمين لهذه الجماعة و كان لمالكولم إكس دور كبير في نشر هذا الفكر عبر مسجد حي هارلم بالولاياتالمتحدة منتهجًا العنف في مواجهة الدولة العنصرية بالتكسير و التفجير مع عدائه الملحوظ لمارتن لوثر كنج زعيم مؤتمر القيادة الجنوبية المسيحية و كان بإمكان الدولة أن تحدث صراعًا كبيرًا بين الجانبين و لكنها توخت الحذر حتى لا يكون صراعًا طائفيًا بين المسلمين و المسيحين بأمريكا فكان البديل بجعل الصراع إسلامي إسلامي ليحدث الإنشقاق بين الأليجا محمد و مالكولم إكس خاصةً بعد عودته من الحج العام 1964 و فهمه للإسلام الصحيح و إعتزامه تأسيس رابطة جديدة مناهضة للأليجا محمد و تغيير اسمه من مالكولم إكس إلى الحاج مالك شباز و يرفض الأليجا محمد الإذعان لهذا الإنشقاق حتى لا يتضح إسلامه المغلوط فكان الإغتيال لمالكولم إكس العام 1965 على يد جماعة أمة الإسلام برعاية مكتب التحقيقات الفيدرالية و مباركة الرئيس الأمريكي ليندون جونسون لتجهض جماعة مالكولم إكس الجديدة و تتقزم جماعة أمة الإسلام. كررت أمريكا نفس السيناريو و لكن من أجل ضرب الشيوعية عبر الجماعات الإرهابية المسلحة كتنظيم القاعدة الذي تأسس بمباركة أمريكية لمحاربة الاتحاد السوفيتي بأفغانستان ليأتي النصر الأمريكي بلاحرب كما قال ريتشارد نيكسون في كتابه (1999 نصر بلا حرب) و كان الإقصاء السوفيتي على يد تنظيم القاعدة العام 1989 كنقطة بداية لسقوط الحلم الشيوعي و إذ بالمخطط الأمريكي يلتف حول عنق أمريكا بتفجيرات 11 سبتمبر العام 2001 لتولد أجندة الرئيس الأمريكي الجمهوري جورج دبليو بوش عقب الإنفجارات بإعلانه حربًا كبيرة على الإرهاب و التي بدأت بأفغانستان ثم العراق و حتى يغطي فشل حملاته على تلك البلاد كنصر وقائي كان المخطط بضرب المسلمين بعضهم لبعض لإسدال الستار على القضية الفلسطينية بإختزال قضايا العرب في صراعات إقليمية و داخلية بينهم ما بين الصراع العربي العربي و الصراع الإسلامي الإسلامي الذي ينفذ بنوده حتى الآن بكل إقتدار!!