يتقاسم سكان تشاد التي يفوق تعدادها 12 مليون نسمة الحلم ذاته وتُمنّي النفس برؤية منتخب بلدها يشارك في نهائيات إحدى البطولات الكروية الكبرى؛ ولا يتعلق الأمر هنا ببلوغ نسخة من نسخ كأس العالم بل يقتصر فقط على مقارعة المنتخبات الإقليمية ضمن كأس الأمم الأفريقية.. ولسوء الحظ ظل هذا المبتغى العزيز عصياً على التحقق حيث لازم الفشل هذا المنتخب لأسباب قد تكون رياضية أو إدارية. لكن يبدو أن ساعة الفرج قد دقت لتشطب على مصطلح الإخفاق هذا من القاموس التشادي، على الأقل في مجال كرة القدم؛ وفي هذا الإطار قام رئيس الاتحاد التشادي لكرة القدم محمود مختار ووزير الشباب والرياضة محمد أدوم بزيارة مقر فيفا يوم الاثنين الماضي وبجعبتهما مشاريع مستقبلية طموحة. وعقب لقائه برئيس السيد جوزيف سيب بلاتر، صرح محمود مختار لموقع الاتحاد الدولى لكرة القدم "فيفا" قائلاً: "جئنا إلى هنا ونحمل مشروعاً طموحاً ونريد أن نتبنى سياسة تطوير في بلادنا وفقاً لنصائح وتوجيهاته". ولعل تلك التوجيهات تتجلى في البرامج والتمويلات المختلفة التي يضعها رهن إشارة الاتحادات الأعضاء لمساعدتها على بلورة مشاريع تطويرها. وضمن هذا المجال، استفادت تشاد من ثلاثة برنامج "هدف" تمت المصادقة عليهما في 2003 و2006 و2010 على التوالي. وبفضل هذه المبادرة تمكنت تشاد من تشييد مركز فرشا للتدريب بنجامينا وهو الأول من نوعه في البلاد قبل أن يتم تزويده بمركز للإيواء وملعب كرة قدم. مهمة البحث عن المواهب: بفضل هذا المركز التدريبي أصبحت كرة القدم التشادية مستعدة لرفع تحديها الأكبر المتمثل في الاستشراف المستقبل من أجل طي صفحة ماضٍ طبعته الإخفاقات المتتالية وخيبة الأمل المريرة. ويقول محمد أدوم في هذا السياق: "من أجل أن نتحدث عن التطوير والتنمية دون وضع إستراتيجية تُعنى بالتدريب؛ ولكي نمضي إلى الأمام أردنا أن نعمل جنباً إلى جنب رفقة بتبني برنامج تطوير أساسه بدء عمليات تنقيب حقيقية على المواهب وصقل إمكانياتها." من الصعب على المرء، في بلد يستنشق كرة القدم، أن يستسيغ الفكرة القائلة باكتفاء المنتخب الوطني بالمشاركة الشرفية خلال المسابقة القارية. ومن أجل تجاوز هذا المعطى، يتطلع الاتحاد التشادي إلى اكتشاف موهبة جديدة تقتفي أثر الأسطورة الوطنية جافيت ندورام الذي تألق في الدوري الفرنسي رفقة نانت ثم موناكو خلال تسعينيات القرن الماضي. ويقر الرئيس مختار إنه "لم تتفتق أية موهبة بعد، لكننا نعتقد جازمين أنه سيكون هناك لاعبين شباب سيحذون حذو ندورام ويعتنقون الاحترافية في الوقت المناسب". ولعل جماهير ساوس تستبشر خيراً وتنظر للمستقبل بعين الرضا، خاصة وأن بعض نجوم المنتخب الوطني تكتسب الآن تجربة قيّمة في القارة العجوز مثل أزراك محمد (الذي سبق وتألق مع إسبانيول برشلونة)، وإزيكييل ندواسيل (تيريك غروزني) والكابتن ماريوس مبايم (غرونوبل) أو في شمال أفريقيا ككارل ماركس برتيليمي وليجي دجيم (المحترفين حالياً مع نادي الجديدة المغربي) واللذين سبق أن لعبا مع الترجي التونسي والنصر المصري تباعاً. صحيح أن هذا الجيل أخفق في الوصول إلى الدور الثاني من التصفيات الأفريقية المؤهلة لكأس العالم البرازيل 2014 FIFAبعد انهزامه أمام تنزانيا خلال المرحلة التمهيدية، إلا أنه تمكن من تحقيق الفوز في قلب دار السلام (1-0) أشهراً قليلة عقب انتصاره على مالاوي (3-2) ضمن تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2013 CAF (3-2). وتابع السيد مختار قائلاً: "إننا راضون تماماً بفريقنا ونفتخر به، إلا أننا نعي جيداً أن علينا تطوير مجموعة من الأمور. لقد قمنا بتشخيص الوضع ووقفنا على مكامن الخلل وعلينا أن نتعلم من إخفاقاتنا قبل أن نقصد الوجهة التي نرتضيها." وبخصوص هذه الوجهة التي تصبو إليها الكرة التشادية، صرح المسؤول التشادي: "هدفنا أن تشارك منتخباتنا الوطنية بجميع فئاتها في كل المسابقات." صقل المواهب: لعل أبرز هذه المسابقات تلك الخاصة بالشباب من قبيل كأس العالم تحت 17 سنة وكأس العالم تحت 20 سنة ، التي تشكل فرصة سانحة لتدريب لاعبين سيحملون في المستقبل القريب لواء المنتخب الأول. ومن الضروري إذن بلورة سياسة تطوير ناجعة تستهدف اللاعبين اليافعين لبلوغ الهدف المنشود. في هذا الصدد أوضح وزير الشباب والرياضة التشادي قائلاً: "بالإضافة إلى عمليات التنقيب، لدينا برنامج تطوير متكامل وجاهز للتنفيذ، وما علينا الآن سوى إحداث مسالك وملاعب خاصة بالشباب؛ فبدون هذه المقومات لن نتمكن من ضمان تقدم منسجم لكرتنا الوطنية." وفي هذا النطاق بالضبط يتدخل ليلعب دوراً هاماً من خلال برنامج "أداء" الذي يعد أداة أساسية لهيكلة كرة القدم الوطنية. وبهذا الشأن، علّق الرئيس مختار قائلاً: "قام فيفا بتمويل مركز التدريب الذي يضم جميع المقومات والتجهيزات الخاصة بكرة القدم؛ وتلك ليست إلا البداية". وأضاف: "بفضل برنامج 'الهدف 4' والذي سيتم التصويت عليه من قبل لجنة التطوير في شهر أكتوبر القادم، نصبو إلى بناء مقر جديد لاتحادنا. وعن طريق برنامج 'أداء' سنقوم بإنشاء قناة إذاعية لتصبح جزء من تطوير إمكانيات الإتحاد على مستوى عالمي، وستُعنى بالرياضة وبكرة القدم بشكل خاص." وعلاوة على مساعدة فيفا، يعد دعم الدولة التشادية ضروريا من أجل أن ترى مشاريع الاتحاد تلك النور. وهنا يقول وزير الرياضة: "الدولة تريد تطوير الرياضة بصفة عامة وكرة القدم تحديداً لكونها تمثل أمل الشعب بجميع أطيافه؛ فأكثر من 12 مليون تشادي يريد أن يكون لمنتخب بلادها مكانة مرموقة على الصعيدين الإقليمي والدولي. ومن هذا المنطلق، سطرنا في وزارة الشباب والرياضة أهداف طموحة من أجل مساعدة اتحاد كرة القدم على تحقيق أحلامه." واختتم الوزير حديثه قائلاً: "تزخر تشاد بمواهب عديدة لا تحتاج سوى للتدريب والعناية. وآمل أن يحظى الاتحاد التشادي باهتمام خاص من حيث الدعم المادي والفني." ويبدو أن الوفد التشادي بزيارته لمقر فيفا قد طرق الباب الصحيح من أجل بلوغ المراد.