بعد تجديد المجلس التأسيسي الثقة في الإسلاميين لتولي الحكومة مرة أخرى بإستثناء الوزارات السيادية في تونس و تلك الوزارات السيادية هي (العدل – الخارجية – المالية – الداخلية) و جاءت تلك الثقة من خلال تصويت المجلس التأسيسي الذي وصل إلى 139 صوت من مجموع 217 صوت و جاءت الأقلية ممثلة في أصوات المعارضة التي عارضت تعيين علي العريض وزير الداخلية السابق لمنصب رئاسة الوزراء عقب إستقالة حماد الجبالي بعد رفض راشد الغنوشي زعيم حزب (حركة النهضة) لمطلب الجبالي بتشكيل حكومة تكنوقراط (كفاءات وطنية) و جاء هذا الرفض عقب سخط الشارع التونسي للحركة الإسلامية في تونس و إتهامها للنهضة بالفشل في إدارة شئون البلاد عقب الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي الرئيس السابق الذي فر من البلاد عقب إجتياح رياح ثورة الياسمين لنظامه المستبد. عقب تلك الثورة أتى الإسلاميون إلى سدة الحكم عقب نتائج الإنتخابات للمجلس التأسيسي يوم 23 أكتوبر من عام 2011 وسط موجة علمانية إستمرت في البلاد لأكثر من خمسين عامًا منذ الإستقلال عام 1956 و تولي الحبيب بورقيبة رئاسة البلاد عام 1957 و تأسيس تونس على نطاق علماني كما فعل أتاتورك مع تركيا عام 1924 و أُطلق على الحبيب بورقيبة لقب (أتاتورك تونس و العرب) و كان حلمه كما قال في التليفزيون الفرنسي في الستينات أنني أحلم بأن أرى تونس قطعة من أوروبا و هنا كان القوام التونسي علماني كلي مع وجود تيار إسلامي ممثل في الإخوان المسلمين نسبة لحركة النهضة التي جعلت لنفسها قوامًا مستقلاً إلى حد ما عن منهج الإخوان المسلمين و بزوغ السلفيين في الثمانينات من خلال نظام بن علي ككارت ضغط على حركة النهضة و لكن كان الشعب التونسي متوائمًا مع العلمانية و لكن لوجود بعض الثغرات التي ظهرت في قوام العلمانية وجد الإسلاميون الفرصة في إظهار تلك العيوب مع إظهار نشاطاتهم و أفكارهم التي جعلت بعض التوانسة ينجذبون لفكرهم رويدًا رويدا إلى أن أزفت الأزفة و خُلع بن علي و جاء إختيار الإسلاميون من قِبل الشعب بعد أن وجدوا ما ظهر في العلمانية من سلبيات لعل الإسلام السياسي يوجد الضال من الحلم التونسي و جاء إختيار حركة النهضة لتكون في سدة الحكم دون السلفيين مما أدى إلى إختلاق الأزمات و المشاكل من قِبلهم لعدم تواجدهم بالمجلس التأسيسي ليظهروا للشعب التونسي فشل النهضة في إحداث نهضة للبلاد بخلق المشاكل و تفاعل الأزمات عبر وسائل العنف المتعددة بحرق الأضرحة و التحريض على حرق بعض مقارات النهضة خلال عام 2012. (العلمانيون يرفضون الإسلاميون) هنا نجد أن إختيار العريض لرئاسة الحكومة و هو من حركة النهضة كناية على تمسك النهضة بالحكم و لكن بوجود شيئًا من المرونة السياسية الظاهرية لتسيير الأمور تجنبًا للمشاكل بإشراك حزب المؤتمر من أجل الجمهورية مع التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات كنوع من إبعاد الأضواء المسلطة بنقد قاسي على حركة النهضة خلال الفترات الماضية و كنوع من التجريب لإيجاد حوار وطني فشلت المحاولات الرسمية عبر الرئاسة من خلال منصف المرزوقي في إتمامها ليكون الحل عبر الحقائب الوزارية و تظهر البينة بأن الديمقراطية قادمة لتونس كمهد للربيع العربي و بادرة للتغيير المطلوب. (الإسلاميون في تونس) لعل تلك الخطوة دعوة لهيمنة الإسلاميون على الأمور من أجل إعادة شعبيتهم للتزايد بعد تقلصها خلال الفترة الماضية في تونس و مصر و لإزاحة فكرة فاشية الإسلاميون في إتخاذ القرارات و عدم توائمهم مع التيارات الأخرى حتى تعود المياه لمجاريها و يتم نسيان الصورة السلبية عن حركة النهضة حول تفردهم بكافة الأمور و لكن لعل تلك الخطوة تنذر بخطرٍ خفي ينم عن صراع مخزن في أضابير المستقبل قد ينفجر في أي لحظة و تكون العاقبة أكثر خطورة مما حدث عقب مقتل شكري بلعيد المفكر العلماني و اليساري الكبير و هو اللجوء للعبة (سياسة القط و الفأر) بين الوزراء بتوجهاتهم المختلفة و محاولة إظهار العراقيل و المشاكل التي قد تظهر فشل التيارات الليبرالية و المستقلة في إخراج تونس من خطر النفق المظلم مما يؤدي إلى خلاف كبير بين الوزراء في تسيير الأمور و هذا الإستنتاج يتم إستشفافه من خلال تصريح راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الذي صرح به عقب تولي العريض للحكومة من خلال مسيرات الإسلاميين الأخيرة في تأييد الحكومة يوم 16فبراير الماضي و هو: إن إستبعاد حركة النهضة من الحكومة من شأنه أن يؤدي إلى تهديد الوحدة الوطنية. و هنا إستبعاد النهضة من وزارات سيادية لا تجعل النهضة تفوت هذه الخطوة لأن تلك الوزارات هي كلمة السر في تمسك النهضة بالسلطة إلى جانب تولي وزير مستقل لوزارة الثقافة قد تجعل الثقافة في تونس بين فكي الليبرالية و المحافظة خاصةً بعد ظهور أفة الهارليم شيك قوام الصدام الفكري في تونس و قد يوجد الصدام مع وزير الشئون الدينية ذو الهوية المستقلة لكن من الممكن أن يكون نهضويًا خفيًا حتى لا يُصاب التوانسة بالذعر من وجود فتاوى باسم النهضة قد تحدث عندًا فكريًا في الوسط التونسي و لعل المولد لهذا الشبح النائم الحركة السلفية التي وجدت نفسها في أرض الوطن تعيش في المولد بلا حمص. (هل ستبدأ لعبة القط و الفأر في عهد الحكومة الجديدة؟!) إن حكومة العريض تتسم بنكهة التكنوقراطية المصغرة المبينة للديمقراطية القادمة في تونس و الدليل لباقي القوى الإسلامية في العالم العربي باللجوء للمرونة الحتمية حتى تستمر البارجة في السير لكن الحذر كل الحذر من الخديعة الباطنية في أضابير المستقبل بأن تظهر أنياب الديمقراطية الظاهرة لتتحول إلى وحش كاسر يلتهم الجميع و لا يبقى على بسيطة الوطن سوى عشيرة الحزب الحاكم.