يعد شهر رمضان مناسبة رائعة للتأمل ومراجعة النفس وإستلهام آراء ووجهات نظر جديدة في الحياة. إن هذا الشهر الكريم من الأوقات الخاصة جدا في مصر، والتي يستمتع بها الأجانب كثيرا، وأنا واحد منهم. من ناحية أخرى، تتجلى مظاهر الكرم لدى المصريين خلال شهر رمضان في أبهى صورها حتى الساعات الأولى من الصباح. لقد شرفت خلال الأسبوع الماضي بلقاء عدد كبير من رجال الأعمال المصريين، وكبار العاملين في الدولة ورجال السياسة والمال، إلى جانب عدد من المستثمرين الأجانب. وقد كان لهذه اللقاءات ردود أفعال إيجابية، فكل من قابلتهم يؤمنون بخصوصية الاستثمار في مصر، وكذلك يثنون على قوة الشعب المصري وقدرته على التحمل. وقد أكد لي معظم من قابلتهم على إيمانهم التام بقدرة مصر على أن تتبوأ المكانة الاقتصادية التي تستحقها على المستويين الإقليمي والعالمي، إلا أنهم اختلفوا بشكل كبير في تحديد الإطار الزمني الذي يمكن أن يتم خلاله هذا التغيير، وكذلك اختلفوا على الأحداث التي يمكن أن تقع وتؤثر على تلك المسيرة خلال الفترة القادمة. ومن ناحيتي، فإنني أؤمن أيضا بما يؤمنون به، ولكنني أعرف أن الستة أشهر القادمة تعد الأهم والأخطر في مسيرة مصر الاقتصادية وذلك منذ وقوع الثورة المصرية في يناير 2011 وحتى الآن. فعلى ما يبدو، مازال الاقتصاد المصري آخذا في النمو، ولكنه مثل نظيره الأوروبي، من الصعب جدا تحديد أسباب ومواطن القوة الاقتصادية المؤدية لهذا النمو. وبالرغم من ذلك، فعندما نقارن معدلات النمو الاقتصادي في مصر مع معدلات النمو السكاني مثلا، فإنه من الصعب للغاية القول بأن الاقتصاد المصري ينمو. إلا أن الشيء المؤكد أن الاقتصاد المصري لم ينهار، فالجنيه المصري مازال مستقرا، والبنوك والمؤسسات الحكومية مازالت تتمتع بملاءة مالية، ومازالت معظم مؤسسات الأعمال والشركات تعمل (ليس كلها بالطبع). ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى يمكن أن تسير الأمور على هذا المنوال؟ ففي مصر يوجد الآن رئيسا للجمهورية ورئيسا للوزراء ومجلسا للوزراء، ولم تعد هناك مصطلحات من قبيل "الحكومة المؤقتة" أو "حكومة تسيير الأعمال" أو "القائم بالأعمال". هكذا هو الوضع الآن في مصر، فقد حان الوقت للعمل، فالشعب المصري على موعد مع التوقيع على اتفاقية جديدة لقرض كبير من صندوق النقد الدولي، بما يسمح بإعادة تدفق الاستثمارات الأجنبية في شرايين الاقتصاد المصري مرة أخرى. لقد حان الوقت للقيام بإصلاحات حقيقية للاقتصاد المصري، مع تطبيق سياسات برجماتية واقعية للتحرر الاقتصادي. إن تركيز الشعب المصري والحكومة يجب أن ينصب بالدرجة الأولى على الاقتصاد، وإلا فإن البديل- على أفضل التقديرات- هو المزيد من الركود الاقتصادي، والأسوأ هو وقوع مصر في أزمة اقتصادية كبرى لا يُعرف مداها . إن مصر شعبا وحكومة يدركون جيدا أنهم غير قادرين بمفردهم على تخطي تلك الظروف التي تمر بها البلاد حاليا، فمصر ليس لها اختيار العزلة الاقتصادية كبديل للنمو والاستمرار، وتلك حقيقة إيجابية يجب أن نستغلها للمضي قدما. ففي النهاية ستقوم مصر بتبني سياسات اقتصادية منفتحة تشجع الاستثمار وتحقيق نمو حقيقي لسوق الأعمال (الأعمال بمعناها الحقيقي وليست المضاربات السوقية). إن الحل الوحيد الذي يضمن لمصر الخروج من أزمتها الراهنة على المستويين السياسي والاجتماعي، هو بناء اقتصاد قوي يقوده القطاع الخاص. إنني أتمنى من كل قلبي أن تقوم مصر بالتحرك الجماعي والسريع لبث رسالة طمأنة للعالم فيما يتعلق بمستقبلها الاقتصادي. وهناك أكثر من سبب وقناعة تجعل من مصر أقدر الدول العربية على بناء اقتصاد حديث وتنافسي ومتنوع وعادل. وبالطبع لن تتمكن مصر من القيام بذلك بسهولة وسرعة، ولكن إذا كانت هناك رؤية حقيقية، وقيادة رشيدة والتزام لدى الجميع، فإن بداية تحقيق هذا الحلم ستتحقق بشكل فوري. وعلى العكس من ذلك، إذا كان هناك تخاذل وتأجيل وتسويف، فإن الموقف الاقتصادي في مصر سيزداد سوءا، بما يهدد حدوث انهيار اقتصادي، الأمر الذي سيعجل بظهور سياسات اقتصادية رشيدة في النهاية. وفي الختام، أتمنى لكل المصريين الاستمتاع بالأيام المتبقية من شهر رمضان وإجازة عيد الفطر التي يستحقونها، ثم نصل لنهاية الصيف لنشمر عن سواعدنا ونعود للعمل بإحساس جديد وآمال كبيرة لهذا البلد العظيم وشعبها الرائع. * مدير عام مؤتمرات يورومني بمنطقة الشرق الأوسط والأسواق الناشئة