تعرف على أسماء مدارس كفر الشيخ التي ستحصل على أجازة مولد الدسوقي    احتفاظ النائب بوظيفته وفقا لقانون مجلس النواب    وزارة الرى تعلن أسباب ارتفاع منسوب النيل وتؤكد: الاستمرار فى إزالة التعديات    سعر الخضروات والفاكهة مساء اليوم 24 أكتوبر 2025    الحصاد الأسبوعي لوزارة الزراعة (إنفوجراف)    "الزراعة" تستعرض أنشطة مركز البحوث الزراعية خلال أكتوبر    موعد اجتماع البنك المركزى المصرى..تعرف على أعلى شهادة ادخار لمدة 3 سنوات    لأصحاب الإيجار القديم.. الأوراق المطلوبة للحصول على شقة من الإسكان البديل    المتحدث باسم فتح: نشكر مصر على جهودها فى توحيد الصف الفلسطينى.. فيديو    ترامب يحرج صحفية فرنسية: لكنتك جميلة لكن لا نفهم منك شيئا    محادثات الفصائل الفلسطينية في القاهرة.. مساع إلى توافقات بشأن "إدارة غزة"    القاهرة الإخبارية تكشف: ضم الاحتلال للضفة الغربية قائم رغم نفى واشنطن    الزمالك يتقدم على ديكيداها بهدف فى الشوط الأول بإياب الكونفدرالية    قائمة غزل المحلة لمواجهة حرس الحدود في الدوري المصري    رئيس نادي المنصورة: لن أتنازل عن حلم الصعود إلى الدوري الممتاز    الخطيب: الأهلي يستحق الكثير.. والمشاركة في الانتخابات واجب على الجميع    رابطة الأندية: تغريم الأهلي 150 ألف جنيه وإيقاف جماهيره المتواجدة أمام الاتحاد مباراة واحدة    محافظ الإسماعيلية يلتقي لاعبي الدراويش لدعمهم قبل لقاء فاركو (صور)    الصحة: إغلاق 3 مراكز علاجية وتجميلية غير مرخصة في القاهرة والإسكندرية والبحيرة تديرها عناصر تنتحل صفة أطباء (صور)    والد ضحية الإسماعيلية: قلبى مولع ومش هيرتاح إلا بإعدام القاتل فى ميدان عام    ضبط 3997 قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    ضبط طن لانشون غير مطابق للمواصفات بمدينة قها    رانيا يوسف وزوجها وصبرى فواز وابنته على ريد كاربت ختام مهرجان الجونة    مى فاروق تحيى الليلة قبل الختامية بمهرجان الموسيقى العربية    تعرف على القصة الكاملة لزواج منة شلبى من المنتج أحمد الجناينى    إنقاذ حياة شاب تعرض لحادث واستئصال ورم بجدار البطن لسيدة بمستشفى الإبراهيمية بالشرقية    توزيع 2 طن من لحوم «صكوك الأضاحي» على الأسر الأكثر احتياجاً في أسوان    استطلاع: تراجع شعبية ترامب في أوساط المنحدرين من أصول إسبانية    الكرملين: بوتين لا يستبعد عقد قمة روسية أمريكية فى المستقبل    1512 شاحنة مساعدات تدخل قطاع غزة عبر معبر رفح خلال أسبوع    وزيرة التخطيط: أفريكسيم بنك شريك رئيسي في دعم التحول الاقتصادي بالقارة الأفريقية    سقوط محامي في قبضة الأمن وبحوزته كمية من "الشابو" في قنا    تعرف على موعد تغيير الساعة في مصر 2025 وبدء العمل بالتوقيت الشتوي    مريضة تهدد طبيبة نساء بالسحق.. أطباء بني سويف توضح ملابسات الواقعة "تفاصيل"    البابا تواضروس أمام ممثلي 100 دولة: مصر احتضنت الإيمان المسيحي منذ فجر التاريخ    مين الفنجري ومين اللي بيحسبها بالقرش؟.. كيف يختلف الإنفاق على الشراء بين الأبراج؟    يسري جبر: الداعية الصادق يتعامل مع أصحاب المعاصي كطبيب يعالج مريضه لا كقاضٍ يحكم عليه    نقابة الأطباء تعلن تشكيل هيئة المكتب بعد انتخابات التجديد النصفي    ساندويتش السمك المشوي.. وصفة المسلسلات التركية (طريقة تحضيرها)    الوداد المغربي يتعاقد مع حكيم زياش    تدريب 25 صيدليا بالإسماعيلية على مهام العمل الحكومي بالمنشآت الصحية    "الصحة" تعلن محاور المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    فى اليوم العالمي، ماهو شلل الأطفال وأسبابه وأعراضه وطرق الوقاية منه    محمد وهبي - مُعلم خجول أصبح بطلا للعالم.. ورحلة خاصة ل فهم اللعبة واكتشاف المواهب    مصرع ربة منزل على يد زوجها بشبرا الخيمة إثر خلافات أسرية    تعرف على الفئات المعفاة من رسوم دخول المتحف المصري الكبير وأسعار التذاكر    جمارك مطار أسيوط تضبط تهريب كمية من مستحضرات التجميل    انطلاق القافلة الدعوية المشتركة بين الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء المصرية إلى شمال سيناء    عالم أزهري: أكثر اسمين من أسماء الله الحسنى تكرارًا في القرآن هما الرحمن والرحيم    إصابة شاب في تصادم سيارة بسور استراحة محافظ مطروح    فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.. وحكم الاستماع إليها من الهاتف    سر ساعة الإجابة يوم الجمعة وفضل الدعاء في هذا الوقت المبارك    أفضل الأدعية والأذكار المستحبة في يوم الجمعة وفضائل هذا اليوم المبارك    بعثات أثرية فرنسية وإيطالية تواصل أعمالها فى مناطق آثار الفيوم    وزير الدفاع ورئيس الأركان يلتقيان رئيس أركان القوات البرية الباكستانية    هل تم دعوة محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يحسم الجدل    قيادي بتيار الإصلاح الديمقراطي الفلسطيني: 3 ركائز أساسية لضمان نجاح اتفاق وقف النار    هنادي مهنا: «أوسكار عودة الماموث» يصعب تصنيفه وصورناه خلال 3 سنوات بنفس الملابس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى أحضان بغداد
نشر في أموال الغد يوم 03 - 04 - 2012

دخلت القمة العربية الأخيرة التاريخ من باب الجغرافيا. إذ لم يكن انعقاد القمة خبر الأسبوع الماضى لأن الخبر الحقيقى والأهم كان فى احتضان بغداد لذلك اللقاء. أحد الأسئلة التى ألحت على طوال الرحلة إلى بغداد كان حول تفسير إصرار الحكومة العراقية على عقد القمة على أرضها، بعدما تأجلت شهرا بعد شهر طوال العام الماضى، حتى نفد صبر أهل القرار فى بغداد وأعلنوا عن انعقادها بمن حضر يوم الخميس 29 أبريل، وطاف المبعوثون العراقيون بمختلف عواصم العرب لتوصيل تلك الرسالة.
أول ما خطر لى فى الإجابة على السؤال أن حكومة بغداد تريد أن تصل ما انقطع بينها وبين العالم العربى، منذ تحول العراق إلى دولة منبوذة جراء الاحتلال الأمريكى، الذى استمر ثمانى سنوات (بين عامى 2003 إلى 2011)، وبعد انسحاب القوات الأمريكية فى نهاية العام الماضى، فإن ذلك شجع الحكومة العراقية على أن تعمل على طى تلك الصفحة وتجاوزها، بما يمكنها من تجديد أواصرها مع العالم العربى، وإثبات حضورها على الصعيدين الإقليمى والدولى.
خطر لى أيضا أن يكون رئيس الوزراء الحالى نورى المالكى قد أصر على عقد القمة لتكون ورقة فى يده ونقطة لصالحه لتثبيت قواعد حكمه وتقوية وضعه الداخلى، خصوصا أن ثمة شرخا مشهودا بينه وبين قيادة الإقليم الكردى. كما أن الشرخ الحاصل بين حكومته وبعض القيادات السنية يزداد اتساعا بعد توجيه الاتهام الجنائى إلى نائب الرئيس طارق الهاشمى الذى يعد ممثلا للسنة ولجوئه إلى كردستان. ذلك فضلا عن استمرار الصراعات داخل كل فئة، واستمرار العمليات الإرهابية التى تقوم بها أطراف متعددة المرجعيات والحسابات.
العراقيون الذين تحدثت إليهم، وبعضهم مسئولون فى الدولة، قالوا إن هذه العوامل موجودة فى الخلفية حقا، لكن ثمة عاملا أكثر أهمية يكمن فى المشهد، لكن الجميع لا يعلنون عنه تجنبا للحرج السياسى. وهو يتلخص فى أن العراق منذ رحيل القوات الأمريكية يواجه ضغوطا إقليمية قوية تتجاذبه بشدة. يتحدثون بوجه أخص عن إيران وتركيا، وأن كلا البلدين يحاول أن يتمدد فيه سياسيا واقتصاديا بل وعسكريا. أضافوا أن هناك ضغوطا أمريكية مفروغا منها، ولكن الانسحاب العسكرى أحدث فراغا على الأرض العراقية تحاول كل من طهران وأنقرة أن تملأه. والمسئولون فى هذين البلدين لا يلقون بالا للعمق العربى المتجذر فى العراق. فى هذا الصدد قال لى أحد الوزراء إنه بوسع أى أحد أن ينتقد الحكم القائم فى بغداد، لكن لا أحد يستطيع أن يشكك فى عروبته، ليس فقط لأسباب قومية أو وطنية، وإنما لأسباب وجودية أيضا. ذلك أن المسئولين فى بغداد يدركون جيدا أن هويتهم العربية وحدها التى يمكن أن تعصم بلادهم من الذوبان فى الجيران (للعراق حدود مع إيران بطول 1200 كيلومتر ومع تركيا بطول 400 كيلومتر) وهذا الحرص على تثبيت «النَّسب» العربى يشكل العامل الأول والأهم فى إصرار العراق على عقد القمة العربية على أرضه تحت أى ظرف.
فى هذا السياق همس فى أذنى أحد المسئولين العراقيين قائلا إنه بعد الانسحاب الأمريكى أصبح العراق بلا غطاء جوى، الأمر الذى تنافس عليه بشدة الإيرانيون والأتراك، ولكن حكومة بغداد رفضت العروض المقدمة من البلدين، ولجأت إلى مصر لحل الإشكال، فاستجابت وحققت لها ما أرادته.
(2)
اجتماع القمة عقد فى أحد قصور الرئيس السابق صدام حسين، وبعد الغزو اتخذه بول بريمر أول حاكم أمريكى للعراق مقرا له. وفى الأسبوع الماضى توزعت بعض أجنحته على الرؤساء العرب الذين حضروا. وكان واضحا أن القصر خضع لعملية تجديد وترميم شاملة، خصوصا قاعة الاجتماع الرئيسية التى اتسمت بدرجة ملحوظة من الفخامة. من الملاحظات التى سجلها على الاجتماع بعض الدبلوماسيين الأجانب أن زعيما كرديا (الرئيس جلال طالبانى) رأس اجتماع القادة العرب، وأن عشرة رؤساء وقادة حضروا الاجتماع فى حين أن قمة دمشق اشترك فيها تسعة منهم فقط، من الملاحظات الأخرى أن دولتين خليجيتين (قطر والسعودية) أوفدتا مندوبيها لدى الجامعة العربية لرئاسة وفديهما. وإضعاف مستوى التمثيل فهم منه أن للدولتين تحفظا قيل إن له أسبابا عدة بينها اختلافهما مع بغداد حول الموقف من تسليح المعارضة السورية الذى تمسكت الحكومة العراقية برفضه. لوحظ أيضا أن أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد استقبل بحفاوة خاصة من جانب العراقيين بعد تسوية النزاع حول تعويضات حرب الخليج (500 مليون دولار). وكانت تلك أول زيارة يقوم بها لبغداد منذ احتلال الكويت فى عام 1990. منها كذلك أن الرئيس التونسى المنصف المرزوقى اعتذر للعراقيين فى المطار عن اشتراك عدد من التونسيين فى أنشطة بعض الجماعات الإرهابية ببلدهم. من الملاحظات أيضا أن نائب رئيس الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلى قال إن بعض الأطراف العراقية لم تكن مرحبة بعقد القمة فى بغداد. وإن الأمين العام الدكتور نبيل العربى قال إن 29 دولة طلبت حضور المؤتمر، كان بينها تركيا وإيران، إلا أن طلباتهم قوبلت بالرفض. ومما كانت له دلالته، أيضا أن رئيس إقليم كردستان مسعود بارزانى قاطع القمة وغادر البلاد فى جولة أوروبية وأمريكية.
(3)
حتى اللحظة الأخيرة لم تفقد الحكومة العراقية الأمل فى أن تبلغ بقدوم المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكرى أو رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزورى. وفيما فهمت فإن اتصالا هاتفيا أجرى معهما، إلا أنهما اعتذرا عن عدم الحضور بسبب سخونة التفاعلات السياسية فى مصر، وأزمة الإخوان مع المجلس العسكرى والحكومة. ومثل مصر فى النهاية وزير الخارجية السيد محمد كمال عمرو، الذى حملته طائرة خاصة. وما إن هبط منها فى مطار بغداد حتى ذهب لاجتماع مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. وفى التعليق على المشهدين قال أحد العراقيين المخضرمين إن كثيرين لا يعرفون أن العراق يدفع الكثير بسبب غياب مصر، وإن حضورها هو الحل. وحسب تعبيره فإن مصر هى البلد العربى الكبير الوحيد الذى ليست له أطماع فى العراق، ولا حساسيات طائفية إزاءه. ولست أبالغ إذا قلت إنه ما من مسئول عراقى التقيته إلا وأبدى قلقه وأسفه إزاء الفراغ الذى أحدثه غياب مصر عن الساحة العربية عموما والعراق بوجه أخص. فى صدد العلاقة بين القاهرة وبغداد حدثنى أكثر من واحد بما يلى:
● إن العراق حرص قبل القمة على إنهاء مشكلة مستحقات العمال المصريين الذين كانوا يعملون بالعراق، والتى جاوزت 400 مليون دولار. وإن البيروقراطية المصرية مسئولة عن تأجيل سداد ذلك المبلغ بسبب تمسكها بدفع 500 مليون أخرى فوائد تأخير. وأخيرا، قبل أيام من عقد القمة، تم الاتفاق على دفع الاستحقاق الأصلى وفتح باب التفاوض حول الفوائد فى وقت لاحق.
● إن العراق مستعد لحل مشكلة السولار التى فجرت أكثر من أزمة فى مصر، ولو أن المشير أو رئيس الوزراء شارك فى القمة لكانت تلك فرصة لحسم الموضوع وإغلاق ملفه خلال 24 ساعة.
● إن العراق الذى دمره الاحتلال، بحاجة ملحة إلى العمالة والخبرة المصرية فى مختلف المجالات، ليس فقط فى مجالات الإعمار (وهى بغير حدود) وإنما أيضا فى المجال الزراعى. وقد حقق بعض رجال الأعمال المصريين فى القطاع الخاص نجاحات مشهودة، ولكن هؤلاء لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة. (أحدهم حقق أرباحا بقيمة 5 مليارات دولار خلال 3 سنوات فقط).
● ثمة شكوى من تقاعس وبيروقراطية مؤسسات القطاع العام التى لا تريد أن تتحرك أو تنجز. وللتدليل على ذلك قيل لى إن وفدا يضم أحد وزراء الإقليم الكردى جاء للاجتماع مع رئيس واحد من أكبر تلك المؤسسات لمناقشته فى بعض المشروعات المهمة، ولاحظوا أثناء اجتماع المسئول المصرى معهم أنه كان يتابع إحدى مباريات كرة القدم، ويعبر عن قلقه لأن فريقه لم يحرز أية أهداف!
(4)
كانت تلك أول زيارة لى لبغداد بعد عقدين من الزمان. فى العقد الأول (أيام صدام حسين) كان النظام غاضبا على، وفى العقد الثانى (بعد الاحتلال) كنت من جانبى عاتبا عليه. وهذا الجفاء ظل مصدر حزن لى، لأننى طوال تلك الفترة ظللت محروما من بلد ثرى يشكل جزءا عزيزا من وجدان كل عربى، خصوصا إذا كان مهتما بالثقافة والفنون، التى هى عندى أهم من النفط فى العراق.
لم ألتق بغداد المدينة، لكنى صادفت بغداد المعسكر. إذ لم أر فيها سوى المدرعات والدبابات وناقلات الجنود ونقاط التفتيش التى أقيمت عند كل مائة متر. إضافة إلى مائة ألف جندى مدججين بالسلاح على الأرض. ومائة مروحية ظلت تحلق فى الفضاء طول الوقت. أما الناس فقد اختفوا من الشوارع بعدما عطلت الدوائر الرسمية طيلة خمسة أيام. فمنهم من قعد فى بيته ومنهم غادرها إلى بلدته أو قبيلته. وكانت النتيجة أن الشوارع صارت أقرب إلى السراديب المقفرة، بعدما وضعت ألواح الحوائط الأسمنتية على جانبيها، سواء كان خرابا أو تدبيرا إرهابيا.
لم نلتق لا أنا ولا غيرى أحدا من المواطنين العاديين، ولكن كل الذين لقيناهم كانوا مواطنين موظفين، إما رجال أمن بلا حصر تخفوا فى ثياب مدنية، أو موظفون انتدبوا للمراسم لمرافقة الضيوف وتلبية طلباتهم. وجميعهم ارتدوا ثيابا واحدة تميز بعضهم عن بعض، سواء كانوا رجالا أو نساء. أما المواطنون العاديون الذين التقيناهم فلم يكونوا عراقيين، وإنما كانوا أتراكا. استقدموا خصيصا لخدمة المدعوين. وكما حدث فى قمة «سرت» بليبيا التى عقدت منذ سنتين، فإن شركة تركية هائلة الإمكانيات وعالية الكفاءة تسلمت قبل أسبوعين من عقد المؤتمر 14 فندقا وبيتا للضيافة، وقامت بتوفير كل ما من شأنه خدمة المشاركين، استقبالهم وتسكينهم وخدمة غرفهم وكى ثيابهم وتقديم وجبات الطعام التركى الباذخ لهم. ونجحت فى تقديم كل ما يمكن أن يريحهم، من العصائر والقهوة والحلوى وحتى الزهور، وكلها تركية بطبيعة الحال، وهى المهمة التى قام بها 2500 شخص، ارتدوا ثيابا نظيفة مميزة وضمن ذلك الجيش كتيبة، من الفتيات الجميلات اللاتى يراهن الناس فى المسلسلات التركية ظهرت فى مداخل الفنادق وبيوت الضيافة بابتسامات مرسومة وثياب شرقية جذابة، وقد حفظن عبارات التحية باللغة العربية، من صباخ الخير (بالخاء) وحتى «السلامو» عليكم وكيف حالكم. وإزاء ذلك الحضور التركى القوى سألت أحد المسئولين العراقيين مازحا: هل جاءوا معهم بتوصيات المؤتمر أيضا؟
صحيح أننى لم أتجول ببغداد ولم ألتق أهل العراق، لكننى ملأت صدرى بالهواء الذى لم يقتله صدام حسين ولا استطاع أن يغتصبه المحتلون ولا لوثته مشاحنات العراقيين أو مراراتهم. كان نصير شمة عازف العود الشهير قد عاد فى نفس يوم وصولى بعد غيبة 19 عاما، فانخرط فى البكاء حين وطأت قدماه أرض بلده، لكننى اكتفيت باستنشاق هواء بغداد، وفى لحظة تبخرت عندى رواسب العقدين الماضيين، وحل العناق محل العتاب.
المصدر الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.