الشركات الناشئة تراهن على الثورة التكنولوجية.. وتترقب مزيدًا من المحفزات والتمويل

تتبنى الدولة المصرية استراتيجية ممنهجة لدعم قطاع الشركات الناشئة وضمان النمو طويل الأجل لصناعة التكنولوجيا المالية وبيئة الاستثمار في رأس المال، وذلك في ظل الإدراك الكامل بدورها الحيوي في الاقتصاد ككل، من خلال الارتكاز على عدة عوامل ممثلة في إنشاء البنية التحتية المالية الرقمية، ودعم رواد الأعمال المبتكرين الشباب، وتعزيز القواعد القانونية والتنظيمية، وتعظيم الاستثمارات في مجال التكنولوجيا المالية.
وعلى غرار ذلك اتخذت البنوك والمؤسسات المالية العاملة في مصر خطوات جريئة وغير مسبوقة بهدف دعم الشركات الناشئة لا سيما في مجال التكنولوجيا المالية، لتشهد الفترة الأخيرة إطلاق عدد من صناديق الاستثمار المباشرة المتخصصة في توجيه استثماراتها في الشركات الناشئة.
إقرأ أيضاً
* 4 ديسمبر فتح باب الترشح.. المستندات المطلوبة لعضوية «صندوق حماية المستثمر»
* إجمالي استثمارات صندوق حماية المستثمر يرتفع إلى 12.23 مليار جنيه
ووفق آخر الإحصائيات المعلنة استحوذت الشركات الناشئة المصرية على 17.4% من إجمالي حجم التمويلات الموجهة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البالغة قيمتها 646 مليون دولار خلال شهر أكتوبر 2022، ليحصد نحو 18 كيانا محليا ناشئا نحو 113 مليون دولار تمويلات مقارنة مع 8 ملايين جمعتها 11 شركة فى سبتمبر 2022، وبهذا تحتل مصر المركز الثانى فى عدد الشركات الأكثر جذبا للاستثمارات بعد الإمارات والسعودية.
وتضمنت قائمة الشركات كلا من «مكسب» للتجارة الإلكترونية التى جمعت تمويل 40 مليون دولار و«money fellows» للتكنولوجيا المالية التى حصدت 31 مليونا، ونحو 20 مليون دولار حصلت عليها «تيلدا» للمدفوعات الرقمية، بينما جمعت شركتا «تريلا» العاملة فى الشحن والنقل الذكي و«كارم سولار» المتخصصة فى حلول الطاقة النظيفة والمتجددة تمويلا بقيمة 6 ملايين دولار و2.4 مليون على الترتيب.
التكنولوجيا المالية
شهد نشاط الكيانات الناشئة وعلى رأسها شركات التكنولوجيا المالية نموا ملحوظا خلال السنوات القليلة الماضية، ووفقًا لتقرير النظام البيئي للشركات الناشئة في مصر لعام 2021، تعد مصر موطنًا لمجموعة 600 كيان ناشئ في مجال التكنولوجيا، وبلغ عدد الشركات الناشئة المزودة بخدمات مميكنة مبتكرة، وشابة في مجال التكنولوجيا المالية والتكنولوجيا المالية نحو 150 شركة.
ووفقًا لآخر البيانات المعلنة من البنك المركزي المصري، حققت مصر نموًا سريعًا في استثمارات رأس المال في مجال التكنولوجيا المالية على مدار السنوات الماضية، لتقفز إلى 167 مليون دولار في النصف الأول من 2022، بمقدار زيادة 12 مرة مقارنة بعام 2017.
وتطلع نحو 110 من الشركات الناشئة ومقدمي خدمات الدفع التي تدعم التكنولوجيا المالية والتكنولوجيا المالية إلى جمع الأموال خلال العام المالي الحالي 2022/ 2023، بمبالغ تقريبية تتجاوز نصف مليون دولار.
من جانبهم أكد عدد من قيادات الشركات الناشئة العاملة بالسوق المصرية أنه رغم التأثير السلبي للأوضاع الاقتصادية محليًا وخارجيًا، تعتبر الشركات الناشئة واحدة من القطاعات التي لم تتأثر بشكل كبير بتداعيات تلك الأزمات، خاصة في ظل الطبيعة الاستثمارية لهذه الشركات وارتفاع معدلات نموها، وذلك بسبب الاعتماد الكلي على التكنولوجيا المالية والحلول الرقمية لتقديم أفضل الخدمات بأقل الأسعار.
وتوقعوا استمرار تدفق رؤوس الأموال الجزئية وزيادة حصة الشركات المصرية منها، خاصة فى ظل اهتمام العديد من المستثمرين الخارجيين بالسوق المحلية وتزايد عدد اللاعبين من صناديق رأس المال المخاطر في المجال خلال الفترة الراهنة، وبدعم الاستراتيجية التي تتبناها الدولة بقيادة البنك المركزي، بهدف تعزيز نظام بيئي يجذب المستثمرين الأجانب، ويفتح الباب لرواد الأعمال الموهوبين والمبتكرين، مؤكدين ضرورة استمرار تقديم المزيد من الدعم المقدم من قبل الدولة والجهات المعنية، سواء بتسريع الإجراءات والحصول على التراخيص والموافقات، ومرورًا بتقديم المزيد من الدعم وتيسير الحصول على العملة الصعبة.
كما أكدوا ضرورة العمل على تقديم حزمة من المحفزات الاستثمارية والإعفاءات الضريبية المقدمة لهذه الشريحة من الشركات، مع استمرار خطة الدولة لتطوير البنية التحتية الرقمية التي تدعم قدرة الشركات للاستفادة من الثورة التكنولوجيا الراهنة، بجانب استمرار العمل على تنويع البدائل التمويلية أمام هذه الشركات بجانب القطاع المصرفي، مع العمل على مضاعفة سنوية لحجم الاستثمارات الموجهة للمساهمة في الصناديق المرتكزة على الاستثمار في الشركات الناشئة.
الأفكار المبتكرة
أدفنتشرز: توافر الموهوبين والكوادر ذوي الخبرة يعزز جاذبية التمويلات المحلية والخارجية
توقع ماجد حربي، مدير عام شركة أدفنتشرزEdventures للاستثمار في صناعة شركات تكنولوجيا التعليم، استمرار جاذبية الشركات الناشئة لمزيد من التمويلات، بالتزامن مع التحسن التدريجي للأوضاع الاقتصادية والتي شهدت حالة من التذبذب والاضطراب خلال الفترة الأخيرة بضغط سلسلة الأزمات المتتالية التي فرضت وطأتها على اقتصادات الدول كافة.
وأضاف أن السوق المحلية جاذبة للاستثمارات لما يتمتع به من قوى سكانية كبيرة يعتمد عليها أصحاب المشاريع الناشئة لجذب واستهداف أكبر عدد منهم، بجانب توافر الموهوبين والكوادر ذوي الخبرة في كل مجال.
وأشار إلى أبرز المعايير التي تعتمد عليها الجهات المانحة في اختيار الشركات الناشئة التي تقدم لها المزيد من الدعم التمويلي، وعلى رأسها مدى قدرة هذه الشركات على خلق التوازن بين الأرباح والمصروفات، وذلك لضمان القدرة على النمو بالمدى الطويل.
ورصد أبرز المتطلبات التي تلزم لتعظيم حجم التمويلات خلال الفترة المقبلة، موضحًا أنه بجانب قدرة الشركات الناشئة على تحقيق نقطة التوازن بين المصروفات والأرباح، يأتي اختيار الأفكار المميزة والمتنوعة للمشروعات على رأس الأولويات، خاصة مع تنامي هذه الشريحة من الشركات، لتظل الاستراتيجية الاستثمارية وفق طبيعة النشاط والقطاع المندرج تحت مظلته مع مراعاة جميع التقلبات والمتغيرات سواء المحلية أو العالمية هو المقياس الرئيسي لاستمرار النمو، مؤكدًا أنه كلما كان المجال الذي تختاره الشركة جديدا ويخدم فئة كبيرة من الجمهور الأفراد، كان جاذبا لمزيد من التمويلات والدعم المحلي والأجنبي.
وفي السياق نفسه لفت مدير عام شركة أدفنتشرز، إلى أن القطاع واحد من جميع القطاعات التي تتأثر بشكل مباشر بالتقلبات والأوضاع الاقتصادية حتى وإن كانت بدرجة متفاوتة ومتباينة، ولكن يظل عدم استقرار قيمة العملة، وتفاقم معدلات التضخم وارتفاع تكلفة الاستثمار والتي تؤدي بالتبعية إلى ارتفاع أسعار الخدمات المقدمة للعملاء، من أبرز العوائق التي تعيق نمو الشركات وقدرتها على تحقيق مستهدفاتها، إلا أن توافر الخبرات والكوادر الموهوبة يظل قادرا على تحقيق النجاح وخلق فرص جديدة.
وذكر حربي أن مصر سبقت العديد من الدول في تقديم الدعم الفني والمادي للحاضنات والشركات الناشئة، مُشيرًا إلى الدعم الذي توليه الدولة للشباب الموهوب في جميع المجالات، ولعل أبرزها الدعم المقدم من أكاديمية البحث العلمي التي تدعم الموهوبين من خلال برامج عديدة منها برنامج "انطلاق" الذي تقوم عن طريقه بتقديم الدعم الفني والمادي بتمويل حاضنات تكنولوجية عديدة في مصر قد تصل إلى 40 حاضنة وكذلك الشركات الناشئة، وذلك بجانب التيسيرات والمرونة التي تسعى الجهات المعنية في تقديمها لهذه الشركات بهدف مساعدتها على النمو.
وأكد ضرورة تقديم المزيد من الدعم لهذة الشركات، وزيادة حجم استثمارات المؤسسات المالية والبنوك التجارية الموجهة للمساهمة في صناديق رأس المال المخاطر والتي تشهد تزايدا كبيرا خلال الفترة الأخيرة، مع وضع لوائح تنفيذية مرنة للقوانين المرتبطة بتأسيس الشركات والحصول على التمويل خاصة في ظل اهتمام العديد من المستثمرين الخارجيين بالسوق المحلية ودراستهم عددا كبيرا من الشركات بهدف تقديم المزيد من التمويل لها.
تحديات المرحلة
ديسربتيك: ترقب لاختيار التوقيت المثالي لضخ استثمارات جديدة بالأسواق الناشئة
وقال محمد عكاشة، الشريك الإداري بصندوق ديسربتيك للاستثمار في شركات التكنولوجيا المالية الناشئة، إن قطاع التكنولوجيا المالية يتمتع بفرص كبيرة للنمو ويتصدر القائمة الاستثمارية لأغلب صناديق الاستثمار والمؤسسات المالية المحلية والأجنبية.
ولفت إلى أن الفترة المقبلة ستشهد التركيز بشكل أكثر على الاختيار الأمثل للشركات التي يتم دعمها وتوفير التمويلات اللازمة لتنفيذ خطتها الاستثمارية، بسبب استمرار الترقب تجاه مستقبل الاقتصاد في الأسواق الناشئة ومدى قدرتها على التعامل والتأقلم مع تداعيات الأزمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة.
وأكد ضرورة تركيز الشركات خلال الفترة المقبلة على سبل الاستمرار في النمو وتحقيق الربحية، بجانب القدرة على جذب كوادر جيدة تعزز قدرة الشركات على الاستمرار في مواجهة المتغيرات والتقلبات التي تفرضها طبيعة المرحلة الراهنة، وهو ما يعزز جاذبية السوق المصرية لمزيد من الاستثمارات والتمويلات الخارجية، التي تشجع الشركات الناشئة وتسعى لمساعدتها على النمو باعتبارها الركيزة الأساسية لاقتصادات الدول كافة.
وأوضح الشريك الإداري بصندوق ديسربتيك، أن رؤية مؤسسات التمويل الدولية للسوق المحلية إيجابية لكن الظروف الاقتصادية العالمية المتغيرة من تفاقم معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة بجانب تداعيات الحرب الجيوسياسية تفرض حالة من الترقب في اختيار التوقيت المثالي لضخ الاستثمارات الجديدة في الدول النامية.
وأضاف أنه كان يوجد بعض التحفظ على السوق المحلية نتيجة تغير سعر الصرف الذي لا يعبر عن سعره الفعلي، متوقعًا قدرة الدولة على احتواء هذه التداعيات في المدى القريب.
وأشار إلى الاهتمام الذي يحظى به القطاع من قبل الدولة والتي توفر بيئة كافية مع تقديم دعم من خلال مبادرات عديدة ومحاولة تسهيل إجراءات التراخيص وغيرها، والتي تدعم التوقعات المرامية لمزيد من نمو القطاع وزيادة مساهمته في الاقتصاد الكلي.
الاستثمارات المباشرة
إنديفور مصر: ضرورة احتضان رواد الأعمال وبناء كفاءات للاستفادة من الثورة التكنولوجية
وقال عمرو العبد، الرئيس التنفيذي لمؤسسة إنديفور مصر، إن مصر أصبحت من أكثر الدول العربية الجاذبة للاستثمارات الأجنبية في قطاع ريادة الأعمال والشركات الناشئة، وذلك في ظل الدعم والاهتمام الكبير الذي تقدمه لهذه الشريحة من الشركات، وحرصها على تقديم مزيد من المحفزات؛ بهدف بناء الكفاءات والخبرات المطلوبة الجاذبة لمختلف الاستثمارات، وهو ما يصب بشكل أساس في تحقيق مستهدفات الدولة التنموية وترسيخ مبادئ وأهداف التنمية المستدامة.
وتوقع تضاعف حجم التمويلات الخارجية الموجهة للأسواق الناشئة خلال العام المالي الحالي، بدعم المميزات التي تتمتع بها الشركات الناشئة والفرص النامية لا سيما بالمجالات المرتبطة بمجالات التكنولوجيا المالية، وقدرته على تحقيق معدلات نمو رغم الأوضاع الاقتصادية الأخيرة وتداعياتها السلبية التي أثرت بشكل مباشر على كبرى الشركات بمختلف القطاعات.
وأكد أن قطاع ريادة الأعمال والشركات الناشئة في الدولة أصبح أكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية لما يميزه من ابتكار وتنافسية وقدرته على المساهمة في تحسن أوضاع الاقتصاد المحلي، متوقعًا زيادة حصة هذه الشركات من إجمالي الاستثمارات المباشرة الموجهة للسوق المحلية، بالتزامن مع الخطوات الجادة التي بدأت الدولة في اتخاذها لدعم قطاع ريادة الأعمال وإدراك جميع الأطراف المعنية بدورها في الاقتصاد الكلي.
وأشار لحاجة القطاع لمزيد من الدعم واستمراره من قبل الدولة ومختلف المؤسسات المالية والبنوك التجارية المحلية، مع ضرورة تأسيس هيئة متخصصة في احتضان الكوادر الموهوبة، مع مراعاة مواكبة الطرق التكنولوجيا الحديثة في التدريب لبناء قدرات وكفاءات قادرة على خلق فرص النجاح خاصة في القطاعات التكنولوجية.
الثورة التكنولوجيةالشركات الناشئةسوق المال المصري