تبدأ اليوم /الخميس/ قمة الشراكة الشرقية للاتحاد الأوروبي بالعاصمة الليتوانية فيلينوس، والتي تستمر لمدة يومين، ويشارك فيها الدول الست السوفييتية السابقة وهي أوكرانياوبيلاروسياوأرمينيا وآذربيجان وجورجيا ومولدوفا. ويصادف انعقاد هذه القمة مع ذكرى مرور عشر سنوات على قمة 2004 التي تقرر فيها قبول عضوية عشر دول أوروبية شرقية في الاتحاد الأوروبي. ومن هذا المنطلق حرصت الدول الأوروبية من خلال قمة الشراكة الشرقية أن تبلور أسسا لعلاقات سياسية واقتصادية وطيدة بين دول المعسكر الشرقي السابق والاتحاد الأوروبي. غير أن واقع الأمر جاء مغايرا لما كان متوقعا إذ تعقد هذه القمة في ظل أجواء متوترة بعدما أعلنت أوكرانيا منذ أيام قليلة تعليق المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية الشراكة بين روكسل وكييف والتي كان من المقرر توقيعها خلال تلك القمة، حيث أعلن الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش أن بلاده ستنتظر ظروفا أفضل لتوقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تكون متماشية أكثر مع المصالح الأوكرانية، مؤكدا حضوره قمة الاتحاد الأوروبي. ويأتي هذا الإعلان عقب ماصرح به ذلك رئيس الوزراء الأوكراني ميكولا أزاروف من أن تراجع بلاده عن توقيع اتفاق الشراكة مع الأوروبيين جاء نتيجة لضغوط من روسیا التي حذرت كییف صراحة من الانعكاسات التجاریة لمثل هذا الاتفاق. كما هاجم أزاروف الاتحاد الأوروبي متهما إياه بالتقصير في تقديم الدعم اللازم لبلاده في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تشهده ، واتهم صندوق النقد الدولي بالتشدد في الشروط لإقراض أوكرانيا. وكان الاتحاد الأوروبي قد عرض من قبل مساعدة قدرها 610 ملايين يورو فقط لأوكرانيا، وجعلها مشروطة بالتوصل لاتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي. وتسبب هذا التراجع الأوكراني عن توقيع اتفاق الشراكة في زيادة حدة الخطاب بين الاتحاد الأوروبي وروسيا ومن المقرر أن يتبنى القادة الأوروبيون في قمة فيلنيوس بيانا يحذر روسيا من تدخلها في شؤون جيرانها. كما تسبب هذا القرار في اندلاع موجة عارمة من الاحتجاجات والمظاهرات داخل الشوارع الأوكرانية خلال الأيام القليلة الماضية ضمت عشرات الالاف من المتظاهرين وتعتبر هي الأكبر منذ اندلاع الثورة البرتقالية عام 2004. وشاركت في تلك المظاهرات أعداد هائلة من أنصار المعارضة وطلاب الجامعات الذين رفعوا لافتات كتب عليها "من أجل التقارب مع أوروبا" مطالبين حكومة بلادهم بالعدول عن موقفها الرافض للاتفاق والذي جاء نتيجة "إملاءات روسية". كما انضمت إلى مظاهرات كييف أيضا لوريتا غروزينييني، رئيسة برلمان ليتوانيا التي تتولى حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، مؤكدة أن "أوكرانيا جزء من أوروبا". وفي السياق ذاته أعلنت يوليا تيموشينكو، رئيسة الوزراء السابقة في رسالة لها بأنها "بدأت إضرابا مفتوحا عن الطعام لمطالبة يانوكوفيتش بتوقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي". كما طالبت الجماهير بالقيام بتعبئة غير مسبوقة من أجل العودة إلى "الأسرة الحقيقية الأوروبية" وتمضي تيموشينكو منذ أبريل 2012 في خاركيف شرق البلاد حكما بالسجن سبع سنوات بتهمة استغلال السلطة، بينما ينظر الأوروبيون إلى هذا الحكم باعتباره انتقاما سياسيا، وقد شكل الإفراج عنها شرطا رئيسيا فرضه الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاق الشراكة. ويقضي اتفاق الشراكة المعلق، الذي كانت ستوقعه أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي، بإلغاء كل التعريفات الجمركية التي يفرضها الاتحاد على السلع الأوكرانية، وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في الأمد البعيد بنسبة تقدر بنحو 12 في المئة. كما كان سيؤسس الاتفاق لخطة إصلاح سياسية واقتصادية وقانونية للبلاد، بدعم من نحو ستين من الهيئات الحكومية في بلدان الاتحاد الأوروبي. ورغم أن هذا الاتفاق لايعني ضمان الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي غير أنه يمثل خطوة هامة في ذلك الطريق. وبموجب معاهدة روما، فإن أوكرانيا مؤهلة باعتبارها دولة أوروبية لتكون عضوا محتملا في الاتحاد الأوروبي. ولكنها لابد أن تلبي معايير كوبنهاغن التي أقرها الاتحاد الأوروبي عام 1993، والتي تحدد المعايير الأساسية للدخول ومن أهمها "استقرار المؤسسات التي تضمن الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، واحترام وحماية الأقليات". ورغم أن الطريق لايزال طويلا أمام أوكرانيا لتحقيق كل هذا، غير أن توقيعها على اتفاق الشراكة كان من شأنه أن يمهد الطريق إلى محادثات الانضمام، كما أنه كان سيساهم في خلق فرص اقتصادية هائلة وتجارة حرة وقدرة على التعامل مع المنافسة. ويتفق عدد كبير من الخبراء على أن عدم توقيع أوكرانيا على اتفاق الشراكة هذا سيؤدي إلى خسارة الرئيس يانوكوفيتش الانتخابات القادمة المزمع عقدها عام 2015، حيث كشفت استطلاعات الرأي أن أكثر من 60 في المئة من الناخبين يرون مستقبلهم داخل الاتحاد الأوروبي أو معه. كما أن النخبة القوية في البلاد تنظر أيضا باتجاه الغرب وليس الشرق لتعزيز أعمالها التجارية، ويرجع ذلك إلى سئمها من الفرض التعسفي للحواجز التجارية في أسواقها السوفيتية السابقة. أما أسواق الاتحاد الأوروبي فهي على النقيض من ذلك حيث أنها أكبر حجما وأكثر أمانا. ويرى هذا الفريق من الخبراء أنه في حالة عدم توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي فسيكون البديل بالنسبة لأوكرانيا هو الانضمام إلى الاتحاد الجمركي الذي تهيمن عليه روسيا، والذي يضم بيلاروسيا وكازاخستان. وسوف تتطلب العضوية التزام أوكرانيا بمضاعفة التعريفات الجمركية على الواردات من الاتحاد الأوروبي، بتكاليف سنوية تعادل 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في الوقت الذي لن يضمن لها ذلك التجارة الحرة بين أعضاء الاتحاد. وبالتالي فإن هذا الاتحاد الجمركي يبدو غير مجزي بالدرجة الكافية بالنسبة لأوكرانيا. وبعيدا عن أوكرانيا من المتوقع أن توقع جورجيا خلال قمة الشراكة الشرقية على اتفاق انتساب مع الاتحاد الأوروبي وذلك على الرغم من تعرضها لانتقاد شديد من قبل تقارير المنظمات الحقوقية لعدم استقلال جهازها القضائي وممارسة العدالة الانتقائية. أما أرمينيا، الأكثر ارتباطاً بروسيا الاتحادية، فلا يتوقع منها أن توقع على أي اتفاقات خلال القمة، لاسيما عقب إعلان رئيسها سيرج ساركيسيان، في سبتمر الماضي، التوقيع على الوحدة الجمركية مع «يوراسيا»، الكتلة الاقتصادية التي تقودها روسيا. و بالنسبة لبيلاروسيا فقد تعرضت لعقوبات أوروبية منذ عقد تقريبا بسبب سجلها في مجال الحقوق السياسية حتى أنها وصلت إلى حد منع السفر وتجميد أصول مالية ل232 مسؤولا، و25 مؤسسة توصف بأنها على صلة بالقمع الممارس. ورغم أن الاتحاد الأوروبي خفف مؤخرا العقوبات بحق وزير خارجية البلاد لكي يستطيع مقابلة المسؤولين من الاتحاد غير أن الأخير أقرّ الشهر الماضي تمديد العقوبات على البقية حتى أكتوبر عام 2014. وفي ضوء ما سبق يبدو واضحا أن هناك ثمة تحديات صعبة تواجه قمة الشراكة الشرقية الراهنة. فمن ناحية لا تلبي الدول الست الشرقية الشروط الأساسية للمبادئ التي يقول الاتحاد الأوروبي إنه يشترطها من أجل الشراكة، فهي تتعرض لنقد شديد من قبل منظمات حقوق الإنسان الغربية. من ناحية أخرى لا توافق جميع الدول الأوروبية الغربية على ضم الدول الست إليها في وقت قريب، فعلى سبيل المثال تعارض فرنسا دخول أوكرانيا الاتحاد بسبب كثرة عدد سكانها. من ناحية ثالثة أصبح جليا أن مشروع الشراكة المقترح من الاتحاد الأوروبي مع جمهوريات أوروبا الشرقية بات ساحة للمعركة بين أوروبا وروسيا لجذب تلك الجمهوريات. فموسكو تخشى من تدفق سلع قادرة على المنافسة بشكل كبير إلى السوق الروسية في حالة انضمام تلك الدول لمنطقة التجارة الحرة مع الاتحاد، وهو ما جعلها تلوح بالتهديد بفرض عقوبات تجارية وفي مجال الطاقة ضد تلك الجمهوريات الست في حال انضمامهم للاتحاد. ويبدو أن الضغوط الروسية تجد صدى ايجابيا وأبرز دليل تمثل في تراجع أوكرانيا عن اتفاق الشراكة مع الأوروبيين مما ساهم في تعزيز موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأوضح أن التحديات لإنجاح هذه الشراكة المنتظرة ليست هينة.