في مثل هذا اليوم من كل عام، تطل علينا الذكرى الحزينة، الذكرى التي انطفأ فيها وهج من وهج الكرامة، وانكسرت فيها قلوب الملايين يوم رحيل الزعيم الذي لم يكن مجرد رئيس، بل كان حلما يمشى على قدمين، وأملا علق في أعناق أمة كانت تتلمس طريقها وسط ركام الهزائم وتباريح الاستعمار. جمال عبد الناصر يا سادة.. ذلك الاسم الذي ما زال محفورا في الذاكرة، كأنه لم يرحل أبدا. كيف يرحل من يسكن القلوب؟ كيف يموت من أحيا في الشعوب معنى الكرامة والعزة والحرية؟ كان ناصر أكثر من قائد، كان مشروعا كاملا للنهضة، تجسد في فلاح يجد قوت يومه بكرامة، وفي عامل يرفع هامته في المصنع، وفي وطن يسعى للاستقلال الحقيقي لا الشكلي، وفي أمة عربية كانت تئن تحت وطأة التجزئة، فجاء ليحلم معها بوحدة عربية لا تعرف حدودا ولا أعلاما تفرق. لكن في قلب هذا المشروع، كانت فلسطين. فلسطين التي أحبها ناصر كأنها جزء من روحه. لم تكن فلسطين عنده قضية حدود، بل قضية وجود.لم يرها مجرد أرض محتلة، بل عنوانا لكل مظلوم، ومرآة لضمير الأمة. قاتل من أجلها في حرب لم يكتب لها النصر، لكنه لم يبعها، لم يساوم عليها، ولم يتاجر بها. كان يعرف أن تحرير فلسطين ليس قرارا عسكريا فحسب، بل قرار أمة تنهض من سباتها، تتوحد، وتعرف عدوها الحقيقي. ولأن ناصر كان يعرف ذلك، حورب، وخذل، وحوصر، ولكنه ظل واقفا، شامخا، كما تليق بالرجال الكبار. واليوم، ونحن نعيش هذا الواقع العربي الموجوع، ونشهد ما تتعرض له فلسطين من جرائم لم يعرف لها التاريخ مثيلا، يتردد صدى صوت ناصر في الآذان: "إن التفريط في فلسطين هو تفريط في القاهرة ودمشق وبغداد والجزائر." كم كان يرى البعيد، وكم كان صادق الرؤية.فما يحدث في غزة اليوم هو شهادة جديدة أن القضية لم تكن يومًا قضية حدود، بل قضية كرامة أمة بأسرها..وكم نحن في حاجة، اليوم، إلى شيء من روح ناصر… إلى ذلك الإيمان العميق بقدرة الأمة على النهوض،إلى ذلك الإصرار على المقاومة، لا الخضوع،إلى ذلك الصوت الذي قال لا حيث كان الكل يهمس نعم. #فى_النهاية_بقى_أن_نقول ؛رحم الله الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، رحمه الله بقدر ما أحب هذه الأمة، وبقدر ما أحبها الناس..مكانك في القلوب يا جمال… باق لا يمحى، ولن تموت الأفكار التي غرستها، ولن تنسى الأحلام التي عشت من أجلها.ستظل ناصر في قلوب الملايين،وسيبقى مشروعك شمعة تنير هذا الظلام العربي الثقيل، حتى ينهض من جديد من يؤمن، كما كنت،أن الكرامة لا تستعطى، بل تنتزع.