الجلابية البلدي لها سحر خاص بجنوب الصعيد ووجه بحري، ويرتديها جميع فئات المجتمع، الكبار والصغار. الجميع يظهر بها منذ عشرات السنين في مختلف المناسبات، في الزفاف والعزاءات وغيرها. حيث إن صناعة وتفصيل الجلابية البلدي لها فن خاص بين أبناء الصعيد، ويهتم من يريد تفصيل جلابية بلدي بالبحث عن أفضل صانع لها، فهي قديمًا كان يتم تفصيلها يدويًا وحتى وقت قريب. وقد تعايشت مع الأعيان منذ زمن بعيد وهم يحرصون على الظهور في المناسبات العامة بزيهم المتعارف عليه، حيث الأناقة والرقي. وقد تعرّفت على فقهاء المهنة في كثير من القرى، رحم الله من رحل منهم إلى العالم الآخر وبارك في الأحياء منهم، الحاج/ محمود الشاعر من قرية تيرة الراحل الكريم السيد أبو حسين، وقد كان فنانًا بحق وكان رجلًا كريمًا، كان طويل البال إلا أنه كان في مقدمة صناع الزي البلدي، ومنهم الحاج/ مصطفى عبد النبي حسين من قرية ميت حبيش البحرية مركز طنطا، وقد عرفني عليه سيدنا الشيخ/ محمد عبد الموجود، وما زلت أحتفظ بالجلابيب التي حاكها هؤلاء. وقد أثلج صدري المذيع الروائي الكبير الأستاذ/ محمد جراح عندما تبنى حملة (معًا لإعادة الاعتبار للجلباب البلدي). — والغريب أن الزي البلدي يقابل عند صغار العقول بالازدراء والتحقير، ولي مع الزي البلدي مواقف لا تُنسى. ذات مرة وكنت مدعوًا لإلقاء محاضرة بأحد النوادي الاجتماعية التابعة لنادٍ شهير، فوجئت على الباب بموظف الأمن يمنعني من الدخول، قلت له ماذا حدث؟ فقال: ممنوع دخول الجلباب البلدي. هالني وأفزعني! وطبعًا كان لا بد من موقف صارم وحازم، وفي ثوانٍ معدودة سمح لي بالدخول ولقنتهم درسًا ما زال الأحياء يتحاكون به في كل المناسبات. لكن ما يؤلمك أيضًا عندما تدخل على موظف أو مسؤول بالجلباب البلدي وتتفاجأ به يهتم بمن يرتدي قميصًا وبنطلونًا ويدير ظهره لك. كم من المرات حدث وكنت ألقنه دروسًا في الأخلاق وتنتهي بتقبيل رأسي والاعتذار على مرأى ومسمع من الحضور. لكن الغريب ما علمته أن هناك تعليمات فحواها (ممنوع دخول الجلباب في الفنادق والقرى السياحية والأندية)، مع أنهم يهللون ويزغردون للضيوف من دول الخليج مع أنهم يرتدون الزي الخاص بهم (حيث الجلباب والعقال). هل يعقل ذلك؟ حكايات كثيرة تتعلق بالجلباب البلدي ويكفي أن الرئيس الراحل أنور السادات كان يحرص على الزي البلدي في تنزهاته في القناطر وفي لقاءاته مع أهالي قريته بميت أبو الكوم. **كاتب المقال