في العراق, اذا اردت ان تعرف قيمتك وقدرك وحجمك , راجع دائرة حكومية , اية دائرة , ولكن ما لعمل اذا كنت مضطرا لذلك.؟ راجع ولكن ,عليك بالحكمة والصبر الجميل والا لا تلم الا نفسك , نصحني رجل مسن مثلي واردف مضيفا, أمرك لله راجع, أنت مضطر ان تراجع, فبعد ايام , بدون البطاقة الموحدة تصبح, مجرد نكرة. وكان ان قابلت الساعة التي اكرهها.! بعد اجتياز الروتين: هنا يعطوك موعدا لاستلام البطاقة الوطنية, عند الباب قال لي فاعل خير! حمدا لله فقد اجتزت المحنة , اخذت صورة لبصمة العين, تلك هي آخر المراحل . مكتظة كانت الغرفة التي وجدت نفسي فيها .حشرت نفسي في الطابور. وعلى غير عادة العراقيين, المثقلة جعبهم بعبارات التذمر وحب المجاملة والتعارف والنكات وسرد قصص المعاناة , فوجئت بصمت الحاضرين. كان الجميع في حالة صمت مطبق, تماما كما لو كانوا في مأتم عزاء. حالة لفتت انتباهي. كانت كل عيون المراجعين تتابع حركة اصابع موظف عكر المزاج وهي تقلب اكداس الاضابير المكدسة امامه. الموظف متحفز في وضع من يريد الانقضاض على شخص ما. ومثل الواقفين في الطابور , التزمت الصمت. كان اليوم, يوما بصريا بامتياز يشوي الوجوه في الشارع . حرارة جو الغرفة خانقة ترتفع باطراد , ومع اطراد ارتفاعها يزداد عددنا نحن المخلوقات المستسلمة لنظرات موظف محتقن بغضب لا يعرف احد سببه . اخذ البعض بالتململ . الاعداد تزداد والموظف الأنيق , بين الفينة والفينة يرفع رأسه, يحدق في وجوه الواقفين والواقفون يتجنبون مواجهة نظراته .ثم … يحول هذا الكائن المحتقن نظره عن الطابور ومن ترمس انيق يملأ فنجان قهوته. ببطء يحتسيها . يمسح شاربه ومن جديد , يروح يقلب كدس الأضابير المكومة أمامه. و.. بلا مبالاة, يمسك اضبارة. يقرأ اسم صاحبها. يطير المعني فرحا ويصيح بأعلى صوت نعم .يحسده بعض الحاضرين والبعض يهنئه ! ودون ان ينظر الى المراجع يطرح الاضبارة جانبا ويمسك اضبارة اخرى ذلك بعد ان يفحص تقاطيع وجه المراجع صاحب الاضبارة المفجوع , منتظرا ردة فعله. بدا المراجع من فئة روضت على الصمت طويلا اذ أسبل يديه وبخيبة حدق في وجوه الحاضرين مستجديا رأيهم . أشار عليه الجميع, ان اصمت .! استفزني الأمر اردت الكلام فتململت .باذني همس الرجل الذي يقف خلفي, لا تغيظه يا حاج فهو ان اغتاظ غادر الغرفة. كان الرجل في مثل سني . ومثل جندي في حالة استعداد بقيت منتظما في الطابور. لاحظت ان حركة احتجاجي الصامتة لم تفت عين الموظف فتطيرت طبعا ! أخيرا ببطء سلحفاة, وبعد لأي وصلت. وعلى بعد متر تقريبا وقفت. من هذا البعد, لمحت اضبارتي فتنفست الصعداء. حمدا لله فبعد لحظات يقرأ اسمي. يعطيني قصاصة ورق تحدد الموعد وتنتهي المعاناة .أمسك اضبارتي. نظر الى صورتي تتصدر الاضبارة .حدق في وجهي مليا ونحى الاضبارة جانبا وبتململ بليد , أمسك اضبارة اخرى .صاح باسم صاحبها وأعطاه قصاصة ورق بحجم باطن الكف او اصغر .مضى الوقت ثقيلا. كادت الغرفة تخلو الا من بضع شباب ينظرون الي بكل ما في النظرات من تعاطف. سربلني عرق الخذلان والمهانة. تجاوزت الساعة منتصف النهار. شعرت بتعب الرجلين والعطش . جف لساني , والادهى هو امتلاء مثانتي وهذا السادي بتشف ودون شفقة ينظر مستمتعا. أأخرج وافقد مكاني في الطابور ؟ وخشية فقداني مكاني في الطابور تحليت بالصبر وتجنبت نظراته المستفزة . الوقت, مثل قطار حمل بخاري قديم, ببطء يسحقني .لعنت ساعة النحس والبطاقة الموحدة والساعة التي ولدت فيها ! رفع الموظف رأسه, نظر الي وراح يقلب صفحات اضبارتي كثيرا. .كانت كل المستمسكات اللعينة امامه : دفتر نفوسي .شهادة الجنسية, بطاقة السكن وانا بشحمي ولحمي وعظامي وظهري المحني أمامه. كل ما هو مطلوب على طاولته. كان يمتحن صبري وبنظرة اشفاق رحت انظر اليه. انتظر طويلا , ولما لم انطق بكلمة احتجاج , قذف بوجهي هذا السؤال الغريب : هل انت باكستاني ؟ كدت اصعق لكنني ايضا تماسكت وبكل برود قلت : نعم فجدي الأقدم, أحد جالبي جاموس جنوبالعراق !!! . اراد شاب ان يدرأ التهمة عني مستنكرا صفاقة الموظف فأشرت ان لا, لكن الحاضرين وبصوت عال استهجنوا موقفه ولاموه. شكرت الشباب .ربت على ظهر أحدهم مهدئا . استلمت قصاصة الورق اللعينة .عبرت الشارع , قرب الاعدادية المركزية وامام كشك صغير كاظما غيظي, وقفت . فوق رأسي تماما في واجهة الصرح العتيد قرأت { الثانوية المركزية ,تأسست عام 1925م } تذكرت الوجوه التي تخرجت منها والوجوه التي هاجرت وتغربت ووجوه من دفنوا في مقابر الغرباء خارج الوطن ورحلة الدراسة قرب الشباك المطل على شارع الحسان . امعنت النظر في قاعة عتبة ابن غزوان الملاصقة لها و… ايه يا باكستاني , في هذه القاعة عرضت فرقة الزبانية مسرحية حمدان وفاشية الاسبان و مسرحية نكبة البرامكة كان ذلك زمن الحكم الملكي وبعد ثورة 14 تموز شاهدت انا امك يا شاكر وايام العطالة. التقيت الشامخ يوسف العاني وزينب وناهدة الرماح وحضرت مظاهرات نصرة مصر والجزائر وفلسطين ولاوس وفيتنام والهند الصينية . حزنت كثيرا وخاطبت بقايا مسرح البصرة العتيد الحزين . لا تبتئس , فنحن في هذا الزمن المشوه البليد, ليس سوى اغراب. قد نهرم يا صديقي ولكننا لن نشيخ , اما هي فبرغم كل التضليل, ما زالت تدور, خاطبت مسرح البصرة الوحيد المهمل !!. كنت قد مسحت العرق عن جبيني وشكرت بائع الماء والشاي, حينما ربت احدهم على كتفي وقال, كلنا صرنا هنودا, لست وحدك يا رفيك , رأيك بالشاي ؟ قلت ضاحكا, تي كه رفيك فقال ,أجا أجا !!!! ثم ضحكنا معا وبصوت عال متعجبا من غرابة الصدف صحت , من؟ جلاوي ؟ لم اعرفك والله قلت للمسن الذي حذرني من مزاج الموظف المسؤول .جلاوي صديق الطفولة المشاكس في المعقل واحد افراد عصابة صيادي هنود جيش الاحتلال البريطاني البغيض !! ترى هل يعرف هذا الموظف البليد, شيئا من قيم الشهامة ؟ قال لي صاحبي, فقلت لا أظن !!! ……………………….. ..تي كه تعني جيد . رفيك تعني صاحب