جاءت الأحداث الدامية التي عرفها ملعب سعيدة في مباراة مولودية سعيدة مع اتحاد العاصمة برسم الجولة ال25 من الدوري الجزائري جاءت لتدق ناقوس الخطر الذي يحدق بالملاعب الجزائرية بسبب العنف المتنامي ، والذي لم يعد يقتصر مثلما كان في السابق وفي كل ملاعب العالم على تراشق بين عدد محدود من محبي ناديين وفي قلة من المباريات تكون الألفاظ هي السلاح المستخدم فيه ، بل أصبحت ظاهرة تتفاقم من موسم لآخر ما دام أن العديد من المباريات شهدت أعمال شغب تفاوتت درجة خطورتها من حالة لأخرى و من ملعب لآخر بلغت حد إستخدام الأسلحة البيضاء من خناجر وسيوف والاعتداء على بعثة الفريق الضيف من لاعبين وإداريين و فنيين ومحبين ، بل ومست في الآونة الأخيرة حتى مباريات الفئات السنيّة إذ عرفت مباراة بمدينة قالمة في القسم الجهوي أحداثاً دامية رغم انها انتهت متعادلة. كما أن الإحصائيات التي أوردتها المصالح الرسمية تؤكد أن الأمور في منحنى تصاعدي ينبأ بكوارث إذا لم تسارع الجهات المعنية إلى معالجة الظاهرة ، فحسب ما أوردته صحيفة الخبر مؤخرا نقلاً عن مصالح الدرك الوطني فان العام 2011 شهد 35 حالة عنف في الملاعب أدت إلى مقتل ثلاث أشخاص ، وهو نفس الرقم أي 35 حالة عرفه الثلاثي الأول فقط من العام الجاري ، ووفقاً لذات المصدر فان أعمال الشغب تتركز في عدد من الولايات تتقدمها العاصمة التي يبدو أنها أصبحت عاصمة العنف أيضا. كما تزايدت حدة العنف وتطورت من تخريب المنشات والمرافق العامة منها والخاصة إلى الاعتداء على الأرواح بغرض ازهاقها حيث لا تزال صورة المدافع الدولي لنادي اتحاد العاصمة عبد القادر العيفاوي وهو يصارع الموت راسخة في ذاكرة كل الجزائريين بعدما تلقى ضربة خنجر نجا منها بأعجوبة حيث لا يزال في إحدى المستشفيات يعالج وإذا كان الجرح الجسدي سيلتئم عاجلا أم آجلا فإن الجروح النفسية تتطلب وقتا طويلا. وأمام تكرار أعمال العنف أصبحت الملاعب الجزائرية بلا أمن حتى وأن سخرت لذلك عشرات الآلاف من شتى الأسلاك الأمنية بل إن ذلك أصبح مصدر إزعاج للمواطنين نظرا لما يتطلبه من إجراءات تعيق الحركة و تعدى الخوف ليشمل الإحياء المجاورة للملاعب و الطرقات و الشوارع التي يسلكها مثيري الشغب وإعتداءاتهم على المارة ممن لا صلة له بالمستديرة . وإذا كانت آثار ظاهرة العنف في الملاعب أو على الأقل الآنية منها تقتصر على الخسائر المادية و البشرية ، فإن الأسباب كثيرة و ترتبط بجهات عدة بالمساهمة في تغذية العنف أو التقصير في معالجته ، فالاتحاد اثبت انه عاجز عن إيقاف العنف أو حتى التقليل من حدته بل ربما يساهم في تفاقمه لان هناك ملاعب تصلح لكل شيء إلا لممارسة كرة القدم الاحترافية ومع ذلك يسمح لها باستقبال جماهير غفيرة رغم أنها تفتقر لأدنى الشروط التي تؤكد بأن هذه الجماهير هي من البشر و ليس حيوانات فهل يعقل أن تفتتح أبواب الملاعب في ساعات مبكرة قبل انطلاق المباريات ومع ذلك لا تتوفر على دورات المياه ، غير أن المسؤولين سواء من الاتحاد أو الرابطة الوطنية لا يلجأون إلى الملاعب سوى دقائق قبل انطلاقها و يغادرونها مباشرة بعد صافرة النهاية وبالتالي فهم ليسوا في حاجة للمراحيض. ومن جهتها الأندية لم تعد تؤدي دورها التربوي بالشكل الايجابي من حيث تأطير جمهورها ليكون مساندا لها مساهما في نتائجها الايجابية و ليس السلبية ، فلجان المحبين التي ظلت تكبح جماح المحبين الغاضبين المتعصبين فقدت هيبتها وتراجع دورها الذي أصبح يقتصر على الأوامر التي تأتيها من رئيس النادي أو من منافسه الذي يرغب في إزاحته وطبعا فان من يدفع أكثر هو من ينل رضاها. كما أن الأندية مسؤولة مسؤولية أخلاقية وقانونية كاملة لكل ما يبدر عن أي عضو ينتمي إليها سواء كان إداري أو فني أو لاعب ، لان الكثير من الأحداث المؤسفة اندلعت أو تفاقمت بسبب حركة غير رياضية و لا أخلاقية قام بها لاعب ما أو مدرب أو مساعد بل و حتى رئيس النادي يفترض أن يكون قدوة تربوية. ففي مباراة سعيدة أقدم بعض لاعبي الاتحاد على تصرفات سيئة زادت من استفزاز جمهور الفريق المنافس وكانوا يستحقون عليه الشطب نهائيا من الحركة الرياضية بالنظر الى نتائجها وليس طبيعتها فحسب ، لأن الجماهير الجزائرية ومهما بلغ بها التهور فإن التفاتة طيبة من أي لاعب أو مدرب و رئيس كافية لاحتواء غضبه . كما أن الوزارة الوصية لا تزال تنتظر الحلول من الاتحاد والأندية و كأنها غير معنية والواقع أن الوزارة الحالية أثبتت أنها أما وزارة خاصة بالرياضة أو بالشباب و كأنه لا توجد علاقة بين الطرفين. وساهم الإعلام وخاصة تلك الصحف التي تتدعي المهنية وتتباهى بأنها الأكثر رواجا إفريقيا وعربيا ساهمت في تغذية العنف والسبل المؤدية إليه من خلال نقل تصريحات نارية مثيرة صبيحة المباراة ، والعمل على فبركة حوارات فيدخل الفريقان قبل أيام من مواجهتهما في الميدان يدخلان في حرب إعلامية تزيد من درجة الاحتقان لدى الجمهور. و تعيد التذكير بأحداث سابقة ، فبعض الصحف أصبحت وكأنها صحيفة السوابق العدلية لهذا النادي أو اللاعب تذكر بكل ما ارتكبه من أخطاء بسيطة يتم تضخيمها كما أنها تستخدم مصطلحات بعيدة عن الروح الرياضية تساعد على أحداث شرخ وسط الجمهور فكلمة عشاق أو محبين أو لقاء يفترض أن تفرض نفسها في تحاليل الإعلاميين بدلاً من أنصار أو موقعة وغيرها. كما ان تعاطيها مع العنف لا يتم بالشكل الموضوعي الغرض منه المعالجة وليس التأزيم والاثارة فالكثير من الصحف الجزائرية جعلت من مدينة سعيدة ومواطنيها في نفس الكفة مع القلة التي استخدمت العنف ولم تمنحهم الفرصة للتعبير عن آرائهم والدفاع عن انفسهم و اصبحت بعض الصحف تنعت مدينة سعيدة ببور سعيدة تشبها ببورسعيد المصرية رغم الفارق الكبير بين ما جرى هنا وما حدث هناك. ويتحمل أفراد الأمن المشرفين على تنظيم المباراة داخل الملعب في حدوث التجاوزات لأن إدخال الأسلحة البيضاء والرايات الاستفزازية ووجود الأطفال القصر بمفردهم في الملعب مسؤولية لا يتحملها سوى الأمن ولا دخل لأي جهة أخرى في ذلك . وأكمل الحكام بأخطائهم القاتلة على ما تبقى من روح رياضية ، حيث لا يزال الحكم يتبع القاعدة الخاطئة وهي تصحيح الخطأ بالخطأ و بدلا من ارتكاب خطأ ربما بسيط يرتكب خطأ آخر جسيما وفي نيته إحقاق الحق الذي لن يتحقق إلا بالنزاهة ، فمباراة سعيدة وجهت إدارة الفريق المحلي أصابع الاتهام الرئيسية للحكم بإضافته ثلاث دقائق عن الوقت المحتسب بدل الضائع كانت كافية لتحويل الملعب إلى ساحة حرب بعدما سجل الفريق الضيف هدف التعادل. أما بالنسبة لمعالجة هذا المرض فإن الأمور تبقى تراوح مكانها والجهات المعنية تعتمد على المسكنات بدلا من الحلول الجذرية بل ولا تزال تراها مجرد حوادث منعزلة ، فالرابطة الوطنية الهيئة التي تشرف على تسيير مسابقة الدوري تكتفي بالحلول القانونية حسب اللوائح والتي تنص على إيقاف الخارجين عن النص لعدد من المباريات وإجبار النادي المسؤول عن تنظيم المباراة على استقبال ضيوفه خارج ملعبه وبمدرجات شاغرة وهي العقوبات التي لم تزد الجمهور سوى إصرارا على ارتكاب العنف وكأنه انتقاما بدليل انه هناك عدة فرق عوقبت مرات ومرات ومع ذلك استمر الشغب في ملاعبها ، وأكثر من ذلك هل يعقل أن يعاقب لاعب أو مدرب أو رئيس لمدة قد تصل لسنتين بمجرد انه تجرأ و انتقد طريقة تسيير رئيس الرابطة أو رئيس الاتحاد ، وبالمقابل يتعرض شخص حاول إزهاق اكبر عدد ممكن من الأرواح لعقوبة مخففة تبررها الرابطة بأنها تمت حسب اللوائح. كما تحتاج قوانين مكافحة العنف في الملاعب إلى تفعيل و تحيين بشكل دوري ، واعتماد أساليب عصرية في التعامل مع المحبين وليس كمجرمين يشاهدون مباراة تقام في ساحة السجن ، لأن الشغب الذي تعرفه الملاعب الجزائرية لا يمكن مقارنته بذلك الذي عاشته الملاعب الانكليزية في الثمانينات ، ومع ذلك تمكن الانكليز و في ظرف قياسي من وضع حد للهوليغانز لسبب بسيط هو اعتماد حلول وقائية وأخرى ردعية وبفضل تكاثف جهود كافة الفعاليات المرتبطة من قريب أو من بعيد بكرة القدم عكس ما تعيشه الكرة الجزائرية حيث الشعور بالمسؤولية منعدم وكل طرف يبرئ نفسه ويتهم الآخرين لتواصل المستديرة الجزائرية لوحدها دفع الثمن في وقت يحتاج فيه العلاج للتعبئة العامة ، فضلا عن ذلك فان تحديث الملاعب وعصرنتها أصبح مطلبا ملحاً من حيث تجهيزها بالكاميرات لتحديد هوية مثيري العنف وحصر عددهم بدلا من العقوبة الجماعية ، وتجهيزها أيضا بالأبواب الالكترونية وبالمقاعد المرقمة حسب أرقام التذاكر ، و مثلما قامت الصحافة بدورها في التأجيج فهي مطالبة بالتكفير عن ذنبها من خلال تحسيس الجمهور بخطورة الداء. ويفترض أيضاً أن تتم المعالجة دون إغفال الجانب الاجتماعي والنفسي ذلك أن عدد من الباحثين ربطوا بين عنف الملاعب وبين الكبت الذي يعاني منه الشاب الجزائري الذي لم يجد منفذا آخر غير الملاعب لإخراج الشحنات النفسية الزائدة نتيجة للمشاكل الاجتماعية التي تلاحقه على مدار الأسبوع.