بقلم : سليم البيك فكرت كثيراً، في السابق، في كتابةٍ أنتقد بها ظاهرة ال"فيسبوك"، وقد عدَلت عن ذلك لأسباب منها أني شخصياً أتفحّص "بروفايلي: صفحتي" هناك يومياً، تماماً كما أتصفّح يومياً مواقع بعض الصحف على الإنترنت، ولم أرتح لفكرة أن أكتب منتقداً هذا الفيسبوك وقد تعوّدتُ عليه كمورد إخباري/إعلامي يومي ووسيلة تَواصل نشطة مع "أصدقاء" (حقيقيين أعرفهم)، ومؤخراً هوَذا يصبح سلاحاً إعلامياً رئيسياً في التحريض لثورات وتوريد أخبارها. ومن قرأ في الثورات يعرف أن الإعلام يشكّل أحد أهم أسلحتها منذ بدأ كمنشور وجريدة حزب إلى أن وصل إلى شكله الأكثر حداثة. أسباب أخرى منعتني من ذلك الانتقاد وهي ما رأيته من بعض الكتّاب (وهم أصدقاء): أحدهم كتب مقالاً يفصّل فيه أسباب عدم اقتناعه بالفيسبوك ويعلن فيه "دي أكتَفَة: تعطيل" حسابه هناك، وقد عاد بعد بضعة أشهر. وآخر كتب منتقداً ساخراً من الفيسبوك وقد نشره، أول ما نشره، على صفحته في الفيسبوك. هناك من رسم منتقداً الفيسبوك ومستخدميه في الثورة التونسية، ونشرها على الفيسبوك نفسه، ثم، بعد يومين أو ثلاثة، كان فعّالاً مفعِّلاً بروفايله على الموقع بمعدّل 7/24 أثناء الثورة المصرية. المسألة هنا بسيطة، فالفيسبوك والتويتر واليوتيوب والمدوّنات.. الخ، جميعها كأي وسيلة إعلامية أخرى، لا يمكن الحكم عليها كوسيلة لأنها مسيّرة من أحدهم، والأحدهم هذا قد يكون سطحياً أو أحمق وقد يكون مثقفاً واعياً ثورياً أو قد يكون ما يكونه. الأمر ذاته بالنسبة للصحف والقنوات التلفزيونية وغيرها، لكن ما يميز الفيسبوك (تحديداً) عن غيره هو مجانيته، شعبيته، تفاعليته، حيويته، حَتْلَنَتَه (مصطلح فلسطيني مستحدث. يُحَتْلِن: update)، ضخامة عدد مستخدميه، سهولة وتشعبات استخداماته فيما يخص النصوص والصور والفيديو و"اللينكات: الارتباطات"، والميزة الأهم هي أن الشباب هم المستخدم الأساسي لهذا الموقع. لن ينكر أحد الدور الرئيسي للفيسبوك (وأخواته) في التوعية والتحريض والتجميع والتنظيم للثورات ثم توريد أخبارها وتغطيتها في كل من تونس ومصر، وما سيلحقها من ثورات عربية. وهو دور كان سابقاً على دور الصحف والأحزاب الكلاسيكية والقنوات الإخبارية، والتي اتخذت من تلك المواقع الالكترونية (ما يمكن تسميتها بالإعلام البديل أو التفاعلي أو الحديث) مورداً رئيسياً لها، وقد اتضح ذلك من خلال الاعتماد الرئيسي لشبكة الجزيرة الإخبارية -الأضخم عربياً- على "الجزيرة توك" و"الجزيرة شارك" والفيسبوك وما ورد فيه من لقطات فيديو وصور وأخبار، خاصة بعد المضايقات والتشويش والإقفال الذي تعرضت له الجزيرة. وقد أدركت تلك الأنظمة مؤخراً جدّية تأثير وسائل الإعلام البديلة تلك، فكان الإنترنت الضحية الأولى لسياسات الحجب في الدول التي تحكمها/حكمتها، فتقطع بحجبه أحد أهم الأوردة للثورات هناك. كتب محمد الماغوط في "سياف الزهور": وكان جواد الثورة،/ بزينته، وأجراسه، وسرجه الشاغر/ يصهل ناخراً مستعجلاً بانتظاري./ ولكن عندما وضعت يدي على ركبتي،/ وحاولت النهوض، لامتطائه..../ أدركتني الشيخوخة!! جميل، إلا أن جواد الثورة الآن هو الإنترنت وتحديداً الفيسبوك والتويتر والمدوّنات، وبالكلام عن ذلك، لا مكان لشيخوخة تدركنا. إنها الثورة إذن، لا بأس إن اختلفت قليلاً عما قرأناه في كتب التاريخ والفكر والسياسة والأدب، طالما أنها كفيلة بإطاحة أنظمة تنضح طغياناً. www.horria.org