أصاب خبر مصرع نيفين لطفي، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لمصرف ابو ظبي الإسلامي، المجتمع المصرفي بصدمة كبرى نظراً لبشاعة الحادث الذي أودى بحياتها علي يد لص ذو سوابق إجرامية . فعلى المستوى الشخصي، شعرت بمزيد من الأسى على الرغم من أن علاقتي بالفقيدة لم تتعدى المعايدات الرسمية في المناسبات، إلا أنني كنت أنظر إليها كنموذج حي لشخصية مصرفية قوية حققت عبر سنوات قليلة إنجاز كبير في تحويل بنك محلي يعاني من بنية هيكلية سيئة ومحفظة ديون متعثرة بالمليارات الى بنك يطبق النظم المصرفية الحديثة ويتحول الى تحقيق أرباح. الغرض من هذه السطور ليس فقط رثاء شخصية مصرفية بارزة فحسب، بل استعراض حقيقة كفاءة شركات الأمن الخاصة المكلفة بحراسة المنشآت العامة والخاصة والشخصيات في ظل التسيب الواضح في الأداء وعدم كفاية تأهيل الأفراد وفقاً للمعايير المهنية التي تحكم نشاط تلك الشركات. يرجع تاريخ نشأة شركات الأمن الخاصة إلى عام 1975 بالتزامن مع عصر الانفتاح الاقتصادي التي أدت إلى بداية تدفق الإستثمارات الأجنبية، حيث ظهرت الحاجة إلى أمن خاص لحراسة المشروعات التي تأسسها. في ذلك الوقت لم يكن هناك قانون ينظم عمل هذه الشركات سوى القانون 78 لسنة 1970 بشأن الحراس الخصوصين والذي لم يتناول تنظيم عمل هذه الشركات. وقد تم تأسيس أول شركة أمن خاصة بقرارمن الرئيس الراحل أنور السادات بعد موافقات المخابرات الحربية و العامة و أمن الدولة أنذاك، ووقع أول عقد لخدمة الأمن الخاص سنة 1979 وكان بغرض حراسة السفارة الأمريكية. ومنذ نشأة شركات الأمن الخاصة استعانت بشكل كبير بالموارد البشرية المتاحة نتيجة لتقاعد عدد كبير من ضباط و أفراد القوات المسلحة عقب حرب أكتوبر 1973. وعلى الرغم من صدور قانون 86 لسنة 2015 بشأن شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال ، الا أن الشركات العاملة في هذا القطاع والتي يتراوح عددها بين 300 الى 400 شركة تضم عدد يتراح بين 100 إلى 120 ألف موظف مازالت في بداية الطريق لتوفيق أوضاعهم بعد أن ظلت تلك الشركات تعمل لعقود طويلة دون تنظيم. ويحدد القانون مدة ستة أشهر للشركات لتوفيق أوضاعها. الا أنني اشك أن الشركات التي تاسست خلال الأربع عقود الماضية وظلت تعمل في مناخ يسودة الفوضي التامة، لن تستطيع خلال ستة أشهر التحول من النقيض إلى النقيض. فالأمل ينعقد على مدى قدرة الجهات المختصة في وزارة الداخلية على مراقبة التقيد بالشروط الواردة في الثانون ولائحته التنفيذية. الى حين توفيق الشركات لأوضاعها، أتوقع أن تتراخى العديد من الشركات في الالتزام بالقواعد المنظمة لنشاط الأمن الخاص وستستمر مظاهر الفوضى. ومن تلك أبرز مظاهر الفوضى ذلك المشهد المألوف لفرد الأمن الذي يتعدى عمره 50 عام لا يتمتع باي مواصفات بدنية تناسب المهنة ويرتدي زي رث أو غير مطابق وعليه شارة غير معلومة الهوية. أما الأمر الأكثر خطورة هو عدم التدقيق في اختيار أفراد الأمن وتعيين أصحاب السوابق الجنائية. للأسف أوضحت تحقيقات الشرطة الأولية أن قاتل نيفين لطفي سبق اتهامه فى 10 قضايا (سرقة – مخدرات – ضرب – سلاح أبيض)، ومحكوم عليه بالحبس 3 أشهر فى قضية سرقة، وكان يعمل فرد أمن بالمجمع السكنى الذى تقطن به الفقيدة منذ فترة، وكان قد تم فصله لسوء سلوكه ولتعاطيه المواد المخدرة. أما الأوضاع الاجتماعية المتدهورة لأفراد الأمن الخاص فهي بالغة السؤ. فالغالبية العظمى تعاني من الحرمان من التأمين الصحي وعدم الاستقرار الوظيفي والرواتب المتدنية وساعات العمل الطويلة، ناهيك عن عدم اللياقة البدنية والنفسية نتيجة ضغوط متطلبات المعيشة في مقابل ظروف عمل سيئة وتدني الراتب. إن الحادث الأليم الذي راح ضحيته الفقيدة نيفين لطفي لن يكون الأخير إذا لم يتم التشدد في تنفيذ القانون والتدقيق على انتهاء شركات الأمن الخاصة من توفيق أوضاعها مع تفعيل المراقبة المستمرة للتحقق من استمرارية الالتزام بمحددات القانون. إلى ذلك الحين، أدعو الكيانات والأفراد إلى ممارسة أقصى قدر من الحرص عند التعامل مع قضايا السلامة والأمن، وعدم تجاهل علامات الإنذار المبكر التي تشير إلى الأخطار المحتملة التي قد تصدر عن شركات الأمن الخاصة أو أفراد الأمن العاملين في هذه الشركات.