للواقع - زينب كاظم عراقية المولد ولى كل الفخر،مصرية المزاج وسأظل،فمنذ أن حضرت لأرض الكنانة لاستكمل دراستي العليا،وأنا أتابع واحلل كل ما تقع عليه عيني،فوجدت أن "مريم سماط" أول امرأة عربية تمثل على خشبة المسرح عام 1907 وهى مصرية قبطية،ولكنها اعتزلت عام 1915 بناء على ضغط الكنيسة القبطية،لتستكمل منيرة المهدية ما بداته وتمثل في نفس العام على المسرح كأول امرأة عربية مصرية مسلمة. وفى عام 1923 تأسس الاتحاد النسائي المصري كأول اتحاد من نوعه في العالمين العربي والإسلامي بفضل هدى شعراوى وصفية زغلول مما فتح الباب على مصرعيه لتمثيل المرأة على المسرح فتأسست فرقة رمسيس لفنان المسرح والسينما يوسف وهبي. ثم بدأ إنتاج الأفلام التسجيلية العربية في مصر عام 1907،وبدأ إنتاج الأفلام الروائية الطويلة العربية في مصر عام 1923،وتطور عام 1927عندما أنتجت عزيزة أمير فيلم "ليلى" الذي قامت بتمثيل الدول الأول فيه،وعندما أخرج إبراهيم لاما " قبله في الصحراء" عام 1928,وقد ظل المسرح المصري هو المسرح العربي والسينما المصرية هي السينما العربية فعلياً من حيث كم الإنتاج،ومن حيث التأثير في العالم العربي لمدة تزيد عن 50 سنة من العشرينيات إلى الستينيات من القرن الماضي. ففي فيلم " ليلى" تقع الفتاة الريفية ليلى في غرام أحمد الذي يعمل دليلاً للسياح، وتحمل منه، ولكنه يتركها ويهرب مع سائحة أمريكية، فتفر ليلى من القرية إلى القاهرة حيث تلد طفلها وتنتحر,وقد احتج الجمهور على نهاية الفيلم،فأعيد تصويرها لتكون نهاية سعيدة يعود فيها أحمد إلى ليلى مستغفراً ونادماً,أما في فيلم "قبله في الصحراء" شاب بدوى يهرب من قبيلته لاتهامه ظلماً بقتل عمه,يتبادل الحب مع سائحة أمريكية تقنعه بالعودة إلى القبيلة لإثبات براءته، وينتهي الفيلم بزواجهما. وفى الفترة من 1929 إلى 1939 شهدت مصر أربع مخرجات للأفلام هن عزيزة أمير في "بنت النيل" 1929،وفاطمة رشدي في "الزواج" 1933،وبهيجة حافظ في "ليلى بنت الصحراء"1937،وأمينة محمد في" تيتا وونج" 1939,وكان عدد مخرجات السينما في كل العالم يعد على أصابع اليدين. ومنذ بداية الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) تحولت السينما في مصر إلى صناعة كبيرة يمتد جمهورها إلى العالم العربي والشرق الأوسط وأفريقيا،وهنا ظهر الوجه الذكورى للمجتمع العربي حيث تم استبعاد النساء من عالم الإخراج في مصر،واقتصرت أدوارهن على التمثيل والمونتاج والماكياج وتصميم الأزياء,ولم تكن هوليود الشرق في الجيزة تختلف في ذلك عن هوليود الغرب في لوس انجليس,ولم تعد المرأة العربية للوقوف وراء الكاميرا إلا عندما أخرجت ماجدة في مصر "من أحب" 1966. ومنذ الستينيات من القرن الماضي تطور إنتاج المسرح والسينما في العالم العربي خارج مصر,حيث شهدت الثمانينيات بروز أول مخرجة تونسية وهى ناجية بن مبروك في "السامه" 1982،ثم سلمى بكار وكلثوم برناز ومفيدة التلاتلى ورجاء عمارى،وأول مخرجة لبنانية وهى هينى سرور في "ليلى والذئاب" 1984،ثم جوسلين صعب ورانده شهال وكرستين دبغى وجوانا حاجى توما ودانييل عربيد،وأول مخرجة مغربية وهى فريدة بن اليزيد فى "باب السماء" 1987، ثم فريدة بورقيبه وليلى مراكشى،وأول مخرجة عراقية وهى خيرية المنصور في "6 على 6" ,1987,وشهدت التسعينيات أول مخرجة جزائرية وهى حفصه زينات فى "الشيطان امرأة" 1994,وفى عام 2003 ظهرت أول مخرجة سورية وهى واحة الراهب في "رؤى حالمة". وعادت المرأة في مصر للوقوف وراء الكاميرا عام 1984 مع نادية حمزة في "بحر الأوهام"،وإيناس الدغيدى في "عفوا أيها القانون" 1985_صاحبة أكبر عدد من الأفلام بين كل مخرجات السينما العربيات_وأسماء البكرى وساندرا نشأت وكاملة أبو ذكرى وهالة خليل,وفى أغلب أفلام المخرجات نرى صورة إيجابية مختلفة للمرأة عن الصورة السلبية السائدة،ولكن لا يزال عدد مخرجات السينما العربيات أقل من خمسة في المائة،وحديثنا يقتصر على إخراج الأفلام الروائية الطويلة باعتبارها أكثر الأفلام تأثيراً،وهناك عدد أكبر من المخرجات للأفلام التليفزيونية والتسجيلية وأفلام التحريك,أما عدد مخرجات المسرح فلا يتجاوز واحد في المائة,ولا ننسى إنعام محمد على مخرجة المسلسل الخالد "كوكب الشرق" ومن قبله "الطريق إلى ايلات"،وكذلك مجيدة نجم مخرجة مسلسلات وبرامج الأطفال القديرة. فكانت أول دراسة عربية عن صورة المرأة في الفنون رسالة منى الحديدي للدكتوراة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة عن "صورة المرأة في السينما المصرية" عام 1974، وفيها درست الموضوع عبر تحليل أربعمائة وعشرة فيلما من إنتاج الفترة من 1962 إلى 1972. وحسب الدراسة، كانت شخصيات النساء في هذه الأفلام بالنسب المئوية التالية: 4ر43 بدون مهنة واضحة _ 0ر22 ربة بيت/ زوجة/ مطلقة/ أرملة/ عانس 5ر20 نساء عاملات _5ر10 طالبات _ 5ر9 فنانات _ 4ر5 منحرفات ,أكثر هذه النسب دلالة هي نسبة النساء من دون مهنه واضحة، أي مجرد أنثى، وهى النسبة الأكبر.ويمكن القول أن المرأة كمجرد أنثى هي الشخصية النسائية بنسبة تزيد عن ثمانين في المائة من الأفلام العربية التجارية،وهى الأكثر تأثيراً في الجمهور,المرأة في هذه الأفلام شيطان ماكر لا تريد غير الحصول على الرجل،أي رجل،وباعتبار الحصول عليه الهدف الأسمى لأي امرأة،وكل امرأة. والدراسة الثانية عن صورة المرأة رسالة ماجستير إحسان سعيد في كلية الآداب بجامعة عين شمس عن "صورة المرأة المصرية في سينما التسعينيات" عام 2002، وفيها درست 31 فيلماً من إنتاج الفترة من 1990 إلى 2001,وتنتهي الدراسة إلى النتائج التالية: 1- وجود قصور في طرح وتجسيد صورة المرأة وحصرها في نماذج متشابهة والهدف منها مداعبة غرائز الجمهور وإثارته. 2- وجود مغالاة في تجسيد العنف الذي تمارسه المرأة والعنف الذي يمارس ضدها. 3- الأدوار التي ورد ذكرها في أفلام العينة والمتصلة بدور المرأة في الحياة السياسية جاء معظمها سطحياً وغير فعال ولا يتناسب مع دورها الجاد على المستوى الراقي. 4- أغفلت السينما في فترة التسعينيات قضايا المرأة الفلاحة والكادحة وركزت على المرأة العصرية دون التعرض للأبعاد الحقيقة في شخصيتها من الناحية الإنسانية والأدبية. 5- لم تقدم السينما طبقا لما جاء في أفلام العينة نموذجاً للمرأة القدوة التي يعول عليها في الصمود والقدرة على الارتقاء ومواجهة مشاكلها. 6- غاب عن الأفلام التنبؤات المستقبلية للتطور المرجو في دور المرأة الاجتماعي,والسياسي والثقافي خاصة في ظل تأكيد نوازع التحرر والدراسات العلمية والإنسانية. الواقع الراهن لمصر والعالم العربي يهدد النهضة التي بدأت قبل مائتي عام في مصر محمد على,والنهضة تعنى من بين ما تعنى تمكين المرأة من القيام بدورها في المجتمع،خارج المنزل,وينعكس ذلك على صورة المرأة في المسرح والسينما كانت مصر قد بدأت تحصد ثمار النهضة بعد مئة سنة مع بداية القرن العشرين،وطوال النصف الأول منه،كانت القدوة بالنسبة إلى الدول العربية الأخرى,بما في ذلك الدولة السعودية التي تأسست نهضتها عام 1932,ولكن ظهور نتائج الحكم العسكري في مصر منذ 1952،الذي ألغى دستور 1923 وأفسد الحياة المدنية والحياة العسكرية معاً (وهو ما ثبت من حرب 1967)، وطفرة أسعار البترول بعد حرب 1973 التي وفرت السيولة المالية في السعودية ودول الخليج، دفعا الملايين من أبناء الطبقة الوسطي في مصر والدول العربية للهجرة إلى دول الوفرة الجديدة،ولكنهم لم يعودوا إلى بلادهم بالمال فقط،وإنما أيضاً بالقيم. وفى سوريا أخرج محمد ملص فيلم "باب المقام" عن حادثة حقيقية وقعت في حلب مع بداية القرن الميلادي الجديد،قام فيها شاب سوري بقتل شقيقته لأنها تهوى ترديد أغاني أم كلثوم داخل بيتها،ومادامت تهوى هذه الأغاني فهي عاشقة، ومادامت عاشقة فقد "عابت" على حد تعبير والدها في الفيلم_ولا ساتر في زمانه_وبرغم مرور ما يقرب من سنة على إتمام الفيلم لم يعرض حتى الآن,وإنا لمنتظرون! زينب كاظم دراسات عليا بجامعة المنصورة